وأخيرا نزل الوحي على هود
بقلم/ يحي السدمي
نشر منذ: 17 سنة و 11 شهراً و 14 يوماً
الجمعة 24 نوفمبر-تشرين الثاني 2006 07:30 م

" مأرب برس - خاص "

زمان , حين كنا صغارا كنا نسمع أن فلانا استدعي من قبل مدير الناحية أو من محكمتها لارتكابه فعلا يوجب ذلك فيقال انه أفسد ـ أي رفض ـ وحينها يتم التأكيد عليه : هل هو مفسد , فان قالها وأكد موقفه اضطر من استدعاه إلى اتخاذ موقف أقسى وأشد تجاهه حتى يعرف أن الله حق وأن الأمور ليست فالتة كما يظن , ولم يكن الإفساد غالبا يأتي من المواطن المسكين لأنها ستكون كبيرة وعواقبها تصبح اشد بل من مقتدر لديه رجال ومال وسلاح وظهر أقوى وأكبر من ظهر حمير وبطون وأفخاذ وأنساب وأحساب حتى يثبت للآخرين جدارته بحمل لقب مفسد واستعصائه على الانصياع والخضوع لأمر الدولة !

واليوم تغير هذا المفهوم في بلادنا وصار المفسد " بطلا " والفاسد صفة ينعت بها كل من له راتب من الحكومة أو ارتبط عمله بها, وأصبحت كل أصابع المعارضين والمعترضين بدون تمييز تشير إلى كل ما هو حكومي أو له علاقة بها من أكبر رأس فيها وأثخن مكتب إلى أصغره على أنه إن لم يكن فاسدا خالصا ملطخا بالمال العام والقطاع العام والشارع العام والميدان العام فهو إما قريب له أو من قبيلته أو متأثر على الأقل أو له نية في أن يكون فاسدا في المستقبل منعه عجز الحاضر عن ذلك وهو قبل ذلك خارج عن الدستور والنظام والقانون بالفطرة وبإجماع مشائخ وفقهاء المعارضة والمنظمات التابعة لها ولو من الباطن.

أما هم فلديهم حصانة أقوى من حصانة البرلمانيين والدبلوماسيين ضد تلك الصفة , بل ويرون أنفسهم أقدر عباد الله وأحقهم بقيادة شن الحرب على كل من أصدروا عليه حكما مسبقا بالفساد العام أو المختلط وحاملي لواء فتوحات الشرف والأمانة والوطنية وما إلى ذلك من مصطلحات قاموس العفة والنزاهة , ولو بقي الأمر عند ذلك لهان بل وهم قبل ذلك يعتبرون أنفسهم قضاة بالفطرة يحكمون من غرف نومهم ودواوين قاتهم وبأجهزة جوالاتهم بالجلد أو بالشنق على من يريدون لتطهير البلاد من هذا الفساد الذي كلنا نشكو منه وكلنا ندعي علمنا به وكلنا في الغالب فاسدون لأن كل واحد يمارس الفساد واختراق القانون والنظام على طريقته الخاصة وأحيانا يكون منغمسا فيه حتى رقبته وما يزال رغم ذلك ينصح غيره باستخدام مطهرات من إنتاجه للتخلص من أدرانه ..

وتلك النظرة إلى كل ما هو حكومي أو ارتبط عمله بها لم تعد تستثني حتى الصحفي أو الصحف المحسوبة على الحكومة بل ولأنها كذلك فتهمتها أكبر وهي ـ حسب أولئك ـ خارجة على الدستور والنظام والقانون أما صحفيوها فليسوا فاسدين فقط بل خونة وعملاء للسلطة ( نظرية جديدة ) وهذا الكلام ليس مني بل منهم ومن تخريجات بياناتهم وخطاباتهم المدبجة بعبارات الحرص الزائد على مصلحة الوطن والمواطنين وتعدديته السياسية وديمقراطيته ومكتسباته آخر تلك البيانات ولا أظنه قد يكون الأخير هو بيان لمنظمة " هود " التي يفترض فيها أن تلزم الحياد وتعنى بحقوق الإنسان وليس بقضايا موكلي مؤسسة علاو للمحاماة , يطالب بإغلاق صحيفة 26 سبتمبر وموقعها الاليكتروني الذي أعمل فيه, ولماذا ؟ لا أدري ؟ ولماذا الآن أيضا لا أدري ؟ ولماذا " هود " بالذات التي تطالب بهذا وهي كما كنت أظن ـ وبعض الظن إثم ـ من قبل منظمة إنسانية محايدة , ربما ببعض أمور هذا الأخير لم أعد وحدي الذي يدري بل الكل يدري ..

فلو أنها طالبت بإغلاق صحيفة معارضة لقالوا بان هذه المنظمة وان كانت تحمل اسما جميلا تتصرف تصرفات مناقضة له ولكانوا اعتبروها منظمة إرهابية تابعة للقاعدة أو أي تنظيم إرهابي آخر ولن تقف المجابهة معها على مواقف المعارضة في الداخل ضد دعوتها بل ستتجاوزه إلى حشد رأي عام دولي واستنجاد بكل منظمات الحقوق والواجبات في العالم وتجييش الأقلام وتجنيد الأزلام وتنكيس الأعلام حتى تعلن الاستتابة وتعتذر , رضيت أو لم ترض عما جاء في بيانها الذي سينظر إليه على أنه قذف وشتم وسب وربما خروج عن الملة لكن مادام الأمر متعلقا بصحيفة 26 سبتمبر فقد أجازت هود لنفسها أن يكون اقرب إلى دعوة عامة لإقامة الحد عليها أمام الأشهاد لا لاشيء فقط لأنها ناطقة باسم وزارة الدفاع اليمنية البعيدة عن قضايا الحزبية والمتحزبين, ومعناه أنها مذنبة والمذنب لابد أن يعاقب وعقابها الإغلاق ولتذهب هيئة تحريرها ومحرروها والعاملون بها إلى الجحيم أو يتحولون إلى مجرد عاطلين عن العمل أو مشردين حتى يكون لـ" هود " قضية تخرج ما تبقى من جعبتها من مصطلحات إنسانية تستدر بها عطف المنظمات والدول لإنقاذهم من الوضع الذي هم فيه ..

واني لأسال " هود " أين كانت عندما تعرض رئيس تحرير هذه الصحيفة " 26 سبتمبر" للتهديد بالقتل وليس بالنقل من عمله كما يحلم البعض واستنكرته كل المنظمات في الداخل والخارج باستثنائها التي ظلت صامتة جامدة لاتحرك ساكنا وكأن حياة إنسان ورصاص المهدد وخنجره يقترب منها لانتزاعها أمر غير وارد ولا محسوب ضمن مهامها وشعارها الإنساني الذي ترفعه لأن من تعرض للتهديد واحد من رجال القوات المسلحة وهو قبل ذلك صحفي ولم يكن من رجال الأحزاب وليس أية أحزاب بل معارضة كما أني هنا أتساءل : لماذا لم ينزل الوحي على هود إلا متأخرا بعد كل هذه الفترة الطويلة منذ أن تغير اسم الصحيفة أوائل ثمانينيات القرن الماضي من 13 يونيو إلى 26 سبتمبر وقال لها ياهود إن 26 سبتمبر صحيفة سياسية عامة فابلغي رئيس الجمهورية بأنها خارجة عن الدستور والقانون ليغلقها دون أسف عليها منعا للفتنة واستجابة لرغبة " الرب "

وليتها هداها الله والقائمين عليها في موقفها هذا مع صحيفة 26سبتمبر تدرجت حتى في التعبير عن موقف غيرها من الصحيفة بالنيابة , فتبدأ أولا بانتقادها ثم تقاضيها ولو بدون سبب أو تصعد من انتقادها لها ثم تصدر إنذارات ولو كاذبة تسبق إعلانها حربا شاملة عليها , وليس كما فعلت في مقابل موقفها السلبي من تهديد رئيس تحريرها بالقتل والذي بدت معه وكأنها لاتريد حتى سماع من يذكرها بقانون " سكسونيا " حين كان وجهاء القوم إذا ما ارتكبوا جرما يحاكمون وتطبق العقوبة على ظلالهم , فحتى المطالبة بمحاكمة من هدد العميد الشاطر حسب ذلك القانون اللعين أو بصورته المعدلة قد استعصى على " هود " المطالبة به!

ومع احترامي الكبير وتقديري الأكبر لبعض زملاء في " هود " والصداقة والإخوة الصادقة التي تربطني بهم قبل أي شيء آخر إلا أني كنت أتمنى عليها أن لا تقحم نفسها في هذه القضية وتخلط بين عملها كمنظمة معنية بحقوق الإنسان وبين عمل القائمين عليها كمحامين سارعوا إلى ترجمة عقود موكلي مؤسسة علاو على حيز الواقع من باب إكمال المهمة ..

وختاما صحيفة " 26 سبتمبر " رغم بيان " هود " وما ورد فيه من تعليلات وتبريرات لايمكن قراءتها حتى من قبل ذلك الغبي الذي لايفهم إلا على أنه بيان حزبي خالص النية والهدف , أكمل به صائغوه حلقة الحملة الظالمة والكبيرة ضد هذه الصحيفة وضد رئيس تحريرها لا لشيء سوى أنه كصحفي وليس كقائد عسكري رغم قربه من طرق باب رأس الدولة , قصد نقابة الصحفيين اليمنيين لإبلاغها عن تهديد تعرض له ولم يتصرف كما يتصرف غيره فيواجه التهديد برده إلى من هدد قولا وعملا .. فلأنه تصرف بهذه الطريقة الحضارية ورفع صوته شاكيا لامتوعدا يصرون على إعادته وصحيفته إلى جادة " الحق " والصواب " بإسكاته نهائيا وإخراس الصوت الوحيد للقوات المسلحة إلى الأبد فقد كان المنطق والعقل يقول أن على " هود " التصدي لكل دعوة بإغلاق أية صحيفة يمنية سواء كانت هذه الصحيفة أو غيرها لكن أن تتبنى هي دعوة الإغلاق وتستميت في إيصالها إلى رئيس الدولة فالأمر هنا بحاجة إلى إعادة نظر في هذه المنظمة وإعلان موقف صريح من قبل كل الصحفيين ونقابتهم والصحف اليمنية أيا كان توجهها إزاءها ومن تتبع!