قراءة من وحي الواقع والثورة
بقلم/ مسعد بقلان
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 12 يوماً
الخميس 26 يناير-كانون الثاني 2012 11:26 م

الدولة هي ميراث الشعوب ودلالة تقدمها ولقد ورثنا دولة قوية من بعد الإمامة لكنه لم يتغير النظام الملكي بالجمهوري بل تغير بالنظام القبلي الذي قوض الدولة من بعد الإمامة والتهم دولة الجنوب بعد الوحدة وإليك رحلة الانحراف من بدياتها إلى نهايتها:

1-مؤتمر خمر 69م : قام الشيخ المرحوم عبد الله بن حسين الأحمر بالتحالف مع بقايا النظام الملكي وبدعم الجارة بإزاحة الثوار ونفي قيادة الثورة ثم وزع دولته على الف شيخ واحتفظ لنفسه بالثلث والثلث قليل .

2-مرحلة ( قبيلة الدولة) نتيجة خوف القبيلي من الدولة قام الشيخ الأحمر بتطبيق نظرية (قبيلة الدولة ) بعد رحيل آخر الجمهوريين الرئيس إبراهيم الحمدي، أنتج نظام لا يعترف بقانون ولا شريعة، نظام يقوم على الجاه والثقل وعقر الثور وتحديش المحدشات و مازال يحكم إلى الآن وصالح أكبر مخرجاته فلا تحصل على منحة دراسية أو وظيفة أو إدارة أو وزارة إلا من ديوان شيخ وبدلاً من تطوير المنظومات الإدارية والقوانين طورت الأحكام من بندق إلى مئه بندق وبندق.

3-مرحلة تحشيد السلطة : قام الشيخ الأحمر بتنصيب الرئيس علي صالح وركز السلطة في حاشد وظل هو المرجع الأعلى للدولة القبلية، وصالح نجادها لكن الشيخ ظل ملتزماً بتوزيع الدولة على الجميع والسلطة لحاشد .

4-مرحلة سنحنة السلطة : استطاع صالح إن يحتال على الشيخ بوضع مناسب جديد سحب بها السلطة من حاشد إلى الفرع ( سنحان ) وقرب السلطة إليه أي ( السلطة لسنحان ) والدولة لحاشد وباقي القبائل والثروة فكلاً حسب ثقله .

5-مرحلة حمرنة السلطة : وبدأت هذه المرحلة بعد حرب 94م قام فيها صالح بالتخلص والإقصاء لمراكز القوى السنحانية ليضع معادلة جديدة ( السلطة للأسرة والثروة لسنحان والدولة لمن يقدر على نهبها ) وقام في هذه المرحلة بإهدار الدولة ومنع المحاسبة وشجّع الفساد من اجل أن يصنع للشعب ملهاة كمنتقم من الكل .

6-مرحلة صلحنة الدولة : وهنا بدأ صالح بتركيز السلطة والثروة في يده وترك المسئولية جانباً وهو ما أظهر التناقض الصارخ ( قوة السلطة وتسيّب الدولة ) والدولة في هذه المرحلة هي غنيمة لنهب الناهبين ، وفي هذه المرحلة ذاق الشعب صنوف المعاناة 80 % تحت خط الفقر ومشاكل وحروب وهجرات ومشردين وقضى على الطبقة الوسطى وتعمد توتير العلاقة مع الدول التي يستطيع المواطن أن يوفر فيها قوت أولاده أي هي مرحلة( التفقير الممنهج ).

7-مصلحة الدولة : أصبحت هنا الدولة ( مصلحة ) والمناصب منحة مالية لأولياء صالح ثم حماهم من المحاسبة وظهرت أخلاقيات جديدة ومعايير جديدة فالسيئ ممتاز والخبيث عظيم والسارق بطل، أي مرحلة ( الإفساد الممنهج ) أصبحت فيها الدولة لا تخدم الشعب بل تخدم السلطة وإمكانات البلاد لصالح المتسلط .

8-شخصنه الدولة : أنتجت هذه المراحل من معاناة السلطة والدولة والثروة رجل هو الدولة وشعب هو رجل و23 مليون يعيشون بعقل إنسان، لكنها أنتجت فجر جديد يسمى ( ثورة الشباب) وهذه هي الرحلة من بداية الانحراف إلى السقوط وهنا نعرف أن ثورة الشباب ليست بمعزل عن سبتمبر وأكتوبر بل هي الرجوع إلى أهدافها والسير على المسار الحقيقي للثورتين .

 لو أنصفت صالح

لقد كذب من يدعي صالح بتوريث الحكم ... لو كان يطمع في هذا لكان اليمن في 33 سنة جنات تجرى، صالح لم يورث سوى خراب لا يطمع فيه أحد ولو أراد أن يورثني ملايين الفقراء وقطم الحروب يتامي وأميين وعاطلين ونزاعات وفصل وفصال.. لرفضت هذا العرض فكيف يريده لابنه .. ثم يأتي آخر ويدعي صالح بعدم المساواة والظلم والتمييز بين الشعب وجعل من حاشيته وأصحابه طبقة تنعم بالنعيم دون الشعب وهذا كله مردود، فعندما أصيب صالح مع أركان حكمه في حادثة النهدين لم يجد الرئيس مستشفى يسعفه هو ومقربيه سوى مستوصف العرضي الذي بني في عهد الأتراك، ولولا خادم الحرمين الشريفين ماتوا كما يموت الشعب أليست هذه عين المساواة ؟، ألم تنفى هذه الحادثة الأباطيل بأنهم طبقة دون الشعب؟ ... قالوا بأن صالح قد خص أسرته وأصهاره بمناصب المال ومفاصل القوة وخالف مبادئ سبتمبر وأكتوبر فهل من الحكمة أن يترك أهله فقراء؟!، ألم يتهم قبله الخليفة الثالث وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم فأنكر عليه حساده وحرضوا عليه فأدى هذا إلى الفتنة بين المسلمين فهل تريدون فتنة أخرى في اليمن؟ .. قالوا بأن صالح أهدر القضاء وعفا النهابين ومكن اللصوص ورفع النصابين وأرغب السرق... فهل من عادات العرب أن يحبس الرجل أصحابه ويقطع أيدي أصدقاءه؟!، لقد تخلى هؤلاء عن شهامة العرب ونخوة الاعراب ... قالوا عهد تهريب الأطفال والاستغلال وتسول المرأة عهد الفقر والعوز وانعدام الأمن وسمّوا الحرية فوضى،، قالوا وقالوا ولو قلتم بأن صالح هو أفسد رئيس في العالم فما أنصفتموه بل هو أفسد حاكم في التاريخ .

البيض وصالح.. من قرأ الخارطة؟

(هو ما قرأ الخارطة) قالها يوماً صالح شامتاً بالبيض بعد ما خرج طريداً في 94م إلى عمان، لا يدري صالح بأن عوادي الزمن تجري وراءه غير آبه بحركة التاريخ ومدخلاته ودروسه ولا مهتم بكلمة (عدل) .. حسب أن الدنيا شاة من تولاها افترسها .. صالح لم يتوقف يوماً في جولة ولا تعنيه إشارات المرور هو فوق كل القوانين... ثم جاءت العاصفة يدعمها الواقع المتردي الذي ظل يتكئ عليه، وفي غمرة الذهول لم يصدق صالح بأنه أصبح في مكان البيض، والفرق كبير بين من يقاتل ليضع أسس لدولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية ومن يتشبث بسلطة يتكسب بها أموال الخلق ... لقد نسى صالح هزائم الجيش في صعدة ولم يعرف أن السبب هو عدم قناعة الجنود في مقاتلة أهاليهم ..من يقاتل صالح؟ الدين أم القبيلة أم المجتمع المدني أم الجيش المؤيد للثورة أم الحراك الجنوبي أم الحوثيون أم مراكز القوى التي مكنها، أو واقع يريد يقتص أم واقع خارجي داعم للتغيير؟ لم يدرك أين ستكون المواجهة وأي شرعية يعتمد عليها تقتل شباب عزل، وهل ظن أن حليفه الوفي (البنك المركزي) سيحسم الأمر هذه المرة؟.. الثورة ليست انتخابات !! حقا إنها لا تعمى الأبصار قال تعالى : (قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون) 26 النحل.

اليدومي ..حكيم الإصلاح

لعلك لا تعلم الكثير عن رجل يعمل ولا يقول، ونادراً ما يظهر على الإعلام،لأنه لم يتأثر بثقافة (العنجهية) التي رسّخها الحكم ولا يريد أن يحمد بما لم يفعل وحتى بما يفعل .. قيل لي بأنه سيد هاشمي لكنه لم يدعي نقاوة الدم ولا أحقية الحكم ولا صفاء العنصر هو ينطلق من ثوابت لا متناقضات تتغير حسب الطقس ومن معيار الكفاءة والتقوى.

قال صاحبي متعجباً من حسين بدر الدين الحوثي : كيف اقنع الشباب على التضحية والاستماتة ومواجهة الجند والآلة وإمكانات لا قبل لهم بها؟ قلت : بل تعجب أكثر من رجل يستطيع أن يفعلها في كل محافظة لكنه لم يفعلها!.

يكفيه بأنه يثق في رجاله ويحبهم وينطلق من التنظيم لا من أسرته ولم يستغل الحزب لبناء مجد عائلي لكنه يجنب شبابه الكثير من التضحيات وهم مستعدون لتنفيذها بإشارة من إصبعه .

في حرب 94م هذه الحرب التي أسقطت المشروع الوطني وحولته إلى مشروع عائلي وأعادت البلاد إلى ما قبل الإمامة لم اسمعه يحرض على القتال ولم يزر جبهة حرب ولا بعد الحرب لأنه لم يكن راضياً عنها لكنه لم يستطع مواجهة القرارات الفردية والمصالح العائلية التي قدحت في فتيل تعبوية الحرب الباردة وجرت إليها حزبه بدون قرار مؤسسي فدفع الشعب الثمن غالياً نتيجة هذا القرار ودفعه كل من شارك فيها، أما الأستاذ اليدومي قام بعد الحرب بقراره الممتاز (فك الارتباط بالحاكم) عندما رأى استغلال كوادره فقطع دابر المستغلين ووقف دون تكرار القرارات الخاطئة، ولولاه لاستغل حزبه مرة أخرى في مواجهة مع الحوثيين، وبعد ما سقط مشروع الدولة المدنية التي قدمها لنا الحزب الاشتراكي في اتفاقية الوحدة وفي وثيقة العهد والاتفاق وقتل من أجل هذا المشروع المئات في ساحات الحرية والتغيير بعد عشرين سنة وهي مسافة نقلت البدو من الخيام إلى ناطحات السحاب في الإمارات العربية المتحدة لأنه حكمها صالح وما جناه السابقون إلى الحرب في 94م سوى (قذائف).

 أما اليدومي فعمل على معالجة هذا بمد يده إلى أصحاب مشروع الدولة مباشرة لمعرفته بالخطأ التاريخي وتحالف معهم كنوع من الاعتذار ثم شاركهم وكلها أدلة تثبت عدم رضاه بالحرب، وأمد حزبه بخبرات وتجارب وثقافة ومثقفين أثبت بها أن حزبه يستطيع التعايش مع الآخر وابعد عنه شبهة السيف والنطع ونتيجة هذا التحالف حدث تطور كبير لشباب الإصلاح ونقله نوعية من ثقافة (أول من وآخر من) التي لا تتعدى حياة مجتمع المدينة المنورة إلى آفاق جديدة كالديمقراطية واللامركزية والفصل بين السلطات والحكم المحلي والقائمة النسبية والتقييم والمتابعة وإعداد الموازنات وأصبح أكثر الشباب يفكر بعقله لا بعقل التابعين وتابعيهم لكنه متمسك بأصول حضارته ولو شئت أن تتأكد فافتح نسخة من الصحوة ما قبل 94 م ونسخة أخرى لهذا العام سترى البون الشاسع بعد الاستفادة من اليسار والليبراليين وتجاربهم وإبداعهم وهو بفضل الدور المحوري للرجل التنظيمي الأول وحكيم الإصلاح محمد اليدومي.

محكمة ( ماهلية )

في غياب تام للدولة ومكان صالح للتمرد ولا وجود للتنمية تحمل الشيخ احمد العجي طالب أعباء كبيرة لسد فراغ الدولة التي طوت لحافها بخروج آخر عامل للإمام رحمه الله، ومثلما تعيّن السلطة مدراء العموم لمشاركة المقاولين وبيع الدرجات عيّنت له احدهم يسكن العاصمة مع ختومه، فرأى الشيخ الطالبي ضرورة إقامته في المديرية واعتكف فيها غير مهتم بمواسم الحج والعمرة وتفرغ للقضاء والفصل في المنازعات بين القبائل وهي مهنة متوارثة من عهد أجداده .

عندما أقمت في العمود( مركز المديرية )رئيساً لفريق التوجيه التربوي المكلف من مدير عام التربية كان ما لفت نظري هي السيارات المتجددة يومياً في ساحة الشيخ وصلاة العصر يومياً في مسجده وكلما سألنا من هؤلاء ؟

قالوا: متشارعين والعجيب أن هذه الأسرة تعمل بشكل مؤسسي منظم أكثر من المعهد الديمقراطي الأمريكي، فالشيخ لحل القضايا المستعصية والقضايا المتوسطة لابنه العجي احمد العجي وأعمامه أما القضايا الصغيرة للصغار من أبناء الأسرة ... حتى الطفل منهم يعرف (يفرزن المحدشات) و(يصرف الغوالي) ويصفي المحاكم ولا يصل سن الثامنة عشرة إلا وقد تخرج من مدرسة العرف القبلي التي يقصدها القبائل والمتنازعين في قضايا القتل والحدود والتجارة من مأرب والبيضاء وشبوة كمرجع له حق النقض في العرف القبلي، والأعجب أن كل الأحكام التي تخرج من هذه المؤسسة تحوز رضا أطراف النزاع، ولم نسمع يوماً بخروجهم مختلفين وهو نتيجة الخبرة التراكمية والاخلاص وتوفيق من الله عز وجل .

نهاية المحتل

الويل لي إن لم افركش النظام العائلي

والويل لي إن لم اعزل الحراس عن أحمد علي

والويل لي إن لم أضع أصابعي في وسط عيني قاتلي

والويل لي إن لم أحاسبه على ما ضاع من مستقبلي

والويل لي إن لم أقم في ساحة النهدين بالقيامة

والويل لي إن لم يرد صوتي عالياً يجلجل

والويل إن تكبيرتي ما زلزلت عيبان

والويل إن غواربي توجهت لتسقط المحارب

والويل إن جعلت من جنزيره عمامة

والويل لي إن لم اسقط الخيال

وأعقر الجمال

أضيء بالسماء من سهامه

والويل لي إن لم أمر هامتى من قصره

أعيد مجد زائف للأسفل

وافحط الحنشان من حنشانه بكلكلي

وزفرتي تصدع الجبال

اعد بها قوافلي وجبلي المهلهل

أرد من ثروتي وما جباه من سحابتي

والويل لي إن لم أدشن عيد مقبل

وعيد ميلاد أتي من ساحة السبعين باحتفال

نمر فوق القصر خطر الفلفل.

نزعفر المداخل الجميلة بالند والقرنفل.

تنشر في آزال حب الهال

وفوق شامخ ارتل

ونكتب التاريخ من آمالنا

في قصة عنوانها

نهاية المحتل

بل نهاية المحتال.