مستقبل الديمقراطيات الأفريقية
بقلم/ توكل كرمان
نشر منذ: ساعتين و 32 دقيقة
الخميس 29 أغسطس-آب 2024 09:48 م
  

كلمة الاستاذه توكل كرمان في الحلقة النقاشية التي نظمتها لجنة جائزة نوبل في جنوب افريقيا

  

بادئ ذي بدء، أنا سعيدة جدًا لأن أكون في جنوب إفريقيا. هذا البلد العظيم الذي أشعر أنني أنتمي إليه كبلدي، هذا البلد الذي هو أيضا موطن مصدر إلهامي، نيلسون مانديلا الذي أخذت الكثير منه. فمنذ أن بدأت نشاطي في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وحقوق التعبير، فإن صورة نيلسون مانديلا هي أول عنوان لي أضعه أمامي. لذا، شكرًا لشعب جنوب إفريقيا لإعطائنا هذا النموذج الكبير للغاية عن النضال السلمي من أجل الحرية.

وبما أن الحديث عن الديمقراطية، فأود أيضًا أن أبدأ من حيث بدأ النقاش السابق حول مستقبل الديمقراطيات الأفريقية. كما تعلمون، أن الديمقراطية نفسها في جميع أنحاء العالم تعاني، حيث تتساوى في ذلك الديمقراطيات الكبرى والناشئة، أو تلك البلدان التي يعاني أهلها من الأنظمة الاستبدادية وتكافح من أجل الديمقراطية. وبالتالي، فإن الديمقراطية بشكل عام هي في الحقيقة في ظل تهديد كبير وتراجع كبير.

نحن في عصر نخاف حقًا على الديمقراطية في الولايات المتحدة، على سبيل المثال. وهذا يدعونا الى التساؤل عن مصير الديمقراطية في الولايات المتحدة في حال فاز اليمين المتطرف أو ترامب في الانتخابات؟ وأنا هنا حين أتحدث عن ترامب فأنا اتحدث عن الترامبية، وعن الكراهية، وعن تراجع الديمقراطية، وعن انقسام المجتمع داخل الولايات المتحدة وانقسام العالم وأشياء أخرى من هذا القبيل. الشيء ذاته يحدث في أوروبا. يوجد تراجع كبير للغاية للديمقراطية هناك. والوضع كما ترون في افريقيا والشرق الأوسط، وبالتالي نحن جميعا في العالم أجمع أمام مسؤولية حقيقة للدفاع عن الديمقراطية، وهي مسؤولية عظمية وجسمية. وحينما أحث الناس على الدفاع عن الديمقراطية، فأنا أتحدث بشكل خاص عن الشباب أمثالكم لأن الديمقراطية هي مصيركم ومصير أطفالكم. وما لم نخلق هذا المصير فإننا نجعل هذا العالم مكانًا سيئًا ويعني أننا نخون القيم والمبادئ التي نحلم بها. علينا كشعوب، وبالأخص في أفريقيا والشرق الأوسط، أن نعتبر الديمقراطية شيء منا، لا منتج مستورد من الغرب أو من صنعه. نعم الديمقراطية ليست كذلك، بل هي موروثنا نحن، وهي بدأت من هنا من أفريقيا، وعلينا ان لا ننسى ذلك، وعلى الشعوب الأفريقية أيضا أن لا تنسى ذلك. والآن يجب أن ينتهي التصادم بين السيادة والديمقراطية لأنه أصلاً لا يوجد أي تصادم بين السيادة والديمقراطية، فالسيادة والديمقراطية ليسا الا وجهان لعملة واحدة، وهي الحرية، وهي الكرامة، وهي الحكم الرشيد، وهي الرفاهية والازدهار.

إن ما يحدث الآن في أفريقيا تحت ذريعة إنقاذ السيادة ليس إلا كذبة تسعى الى تمريرها الحركات الاستبدادية الجديدة، والانقلابات والأنظمة، التي تعمل على تحريض الشعوب في أفريقيا بزعم الدفاع عن السيادة ضد القوى الاستعمارية، وإن كان ما يزعمونه صحيحا، فبدون القوى الاستعمارية وتدخلها في المسائل الأفريقية ما كانت لتحدث تلك الانقلابات، والسبب أن ممارساتهم السيئة خلال فترة حكمهم للبلدان الأفريقية ولبلداننا. بل حتى بعد مرحلة الاستقلال، واصلت القوى الاستعمارية سياسة التدخل في شؤوننا وفي دعم الاستبداد والمستبدين في بلداننا وفي سرقة ثروات الشعوب.

كل هذا صحيح. صحيح أن القوى الاستعمارية دعمت الديكتاتورية ولم تدعم الديمقراطية، والشيء الوحيد الذي يدعمونه هو مصالحهم. دعموا تلك الأطراف أو ذلك الديكتاتور أو هذا وذاك في سبيل الحفاظ على مصالحهم الخاصة لا من أجل القيم التي يتغنون بها ويزعمون انهم يحمونها، وبسبب ذلك كله أفريقيا تعاني حتى اللحظة من الفقر، ومن النزاعات والحروب والفساد. كل ذلك صحيح وحدث بالفعل. وبالتالي من المهم للغاية تحليل جذور ما تواجهه الديمقراطية الأفريقية من مشاكل وأسباب الوضع الحالي. لكن في الوقت نفسه، هذا لا يعني ان الحل في الانقلابات العسكرية وخلق ديكتاتورية أخرى واستبداد آخر. لا ينبغي حدوث ذلك، فهذا ليس حلم الشعوب الأفريقية، ولا الديمقراطية التي يسعون لها. وإن قال أحدهم بأننا استوردنا الديمقراطية من الغرب على سبيل المثال فقولوا له عليك أن تتوقف عن قول ذلك، فنحن أصحاب إرث ديمقراطي واسع النطاق ومتين، ومثال ذلك ما كان في عهد إمبراطورية مالي، فأنتم أصحاب أول إعلان لحقوق الإنسان، ومثلما كان الحال كذلك في عهد ملكة سبأ التي امتد حكمها الى العديد من الدول الأفريقية وكان ذلك قبل آلاف السنين. وحكمت هذه الملكة بلداننا بالديمقراطية. الديمقراطية ليست مجرد ترديد كلام، بل هي ممارسة عملية، وهي حق الشعوب في اختيار حكامها وحقها في صنع القرار بعيداً عن إثارة الكراهية بين الأمم والترويج لصراع الحضارات، فنحن منفتحون على ثقافة الغرب وعلى جامعاته وسياسته ونرحب بذلك طالما وهو يحقق لنا مصالحنا. 

نعم أنتم في أفريقيا تواجهون الكثير من التحديات - الكثير من الانقلابات، والكثير من الحروب، والكثير من الصراعات، والكثير من الفقر، والكثير من المشاكل. ولكن في الوقت نفسه، لديكم قوة عظمى وهي الجيل الجديد الذي يتزايد عدده كل يوم. لقد قرأت بعض التقارير التي تفيد بأن عدد سكان أفريقيا سيتضاعف خلال السنوات الخمس عشرة القادمة، وهذا هو أكبر ثروة وأكبر مصدر للحل، وأنتم الحل، وعندما أقول إنكم الحل، فأنا أعني ذلك فعلا، لأنني يوما ما كنت شابةً وكنت الحل عندما قمت بقيادة بلدي ضد الدكتاتور في ثورات الربيع العربي.

شعبنا في اليمن كان يمتلك أكثر من 70 مليون قطعة سلاح، وتم إقناعه بالتوقف عن استخدام تلك الأسلحة، وعدم اصطحابها معه، ويستعيض عن ذلك بحمل الورود وتريد الهتافات في مواجهة العنف والفظائع التي مارسها الدكتاتور في اليمن، لم أرى نفسي ضعيفًة. لقد آمنت بنفسي وآمنت بالشباب أمثالكم. وشجعتهم على النزول معي الى الشوارع وأن يذهبوا إلى الجامعات، وأن يقنعوا الطلاب ليكونوا معنا ضد هذا الدكتاتور. وما زلت مع هؤلاء الشباب ضد الحروب في اليمن، ضد الانقلابات العسكرية في اليمن، ضد الحروب في بلدان أخرى في منطقتنا وحول العالم.

لذا مرة أخرى، نعم، التحديات كبيرة، لكن الأمل أكبر لأنكم أنتم من يحمله، وأنتم من يخلقه. إن كنتم تعتقدون أن هؤلاء الأشخاص الذين يقومون بالانقلابات سيفوزون، فأنتم تخونون بلدكم وأنفسكم ومستقبل أفريقيا. أما إن رأيتم أن هذا مجرد حدث مؤقت فأنتم من سيتعامل معه.

أخيرا، أريد التعليق على البروفيسور، وقد أعجبتني محاضرته كثيرًا، لكن لدي ملاحظة واحدة فقط حول تونس. تونس لم تعد ديمقراطية انتخابية، فالرئيس قيس سعيّد الذي وصل الى السلطة عبر الانتخابات قام بإلغاء وإغلاق جميع المؤسسات الدستورية تمامًا. لقد أقال الحكومة، وأوقف البرلمان، وأوقف الدستور، وألقى القبض على أغلب معارضيه، والصحفيين...إلخ. وأنا أتفق معه في أن المشكلة ليست في الديمقراطية، بل في غياب الديمقراطية الحقيقية. وعلينا أن نناضل من أجل الديمقراطية الحقيقية، الديمقراطية الحقيقية التي ستؤدي إلى حكم عظيم، انتخابات حرة ونزيهة، وشفافية، ومساءلة، وحق الوصول إلى المعلومات، وحقوق المرأة، وحقوق الطفل...إلخ. وهذا ما ستحققونه أنتم الشباب في أفريقيا، وما سنحققه نحن الشعوب في البلدان العربية وفي مختلف أنحاء العالم. إن مستقبل العالم سيكون في ظل الديمقراطية، والحرية، وكرامة الإنسان، طالما أننا نؤمن بأننا نحن الذين سنخلقه ونحققه. وهذا هو وعدنا لأنفسنا وللمستقبل القادم.