شعبٌ (ينتخِب) ...وزعيمٌ (ينتحِب) !
بقلم/ طارق فؤاد البنا
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 20 يوماً
الإثنين 27 فبراير-شباط 2012 05:11 م

في الحادي والعشرين من فبراير قبل أيام قليلة ، خرج الشعب اليمني بصورة كثيفة لـ(يقلع) علي صالح من على كرسيه (المشؤوم) والذي دخلت البلاد بسببه في دوامات لم نكد ننتهي من واحدة إلا ودخلنا في أخرى ، خرج الشعب ليقلع نظام (قلع العداد) وصاحبه ، خرجت الثعابين التي ظل صالح يراقصها طيلة أكثر من ثلاثة عقود من حكمه لتلدغه (اللدغة الأخيرة) التي أنهت حكمه وقضت على أحلامه في رؤية ولده أحمد على سُدة حكم اليمن كما خابت من قبله أحلام مبارك في رؤية جمال والقذافي في رؤية سيف الإسلام !.

الانتخابات مثلت (الضربة القاضية) التي بطحت صالح على الأرض أمام الشعب وقوته وجبروته التي لا تضاهيها قوة (حرس جمهوري وأمن مركزي وحرس خاص وحرس حمَّام وحرس مطبخ وحرس غُرف نوم) ، فمهما تعددت مسميات قوات الطغاة إلا أنها تظل ذليلة صاغرة أمام قوة الشعب المنتفض من أقصاه إلى أقصاه !

وبينما كان الشعب (ينتخب) ، كان الزعيم المخلوع في مقر إقامته – حيث كان – (ينتحِب) ، كانت دموع الحزن تهطل بغزارة على وجنتيه بعد أن رأى طوابير الشعب تدق آخر مسمار في نعشه إيذاناً برحيله وموته من صورة المواطن العربي ، ورحيله عن دائرة الأضواء والسياسة والإعلام التي لم يكن الرجل يقوى على مفارقتها ، لكن تلك الدموع الحزينة تفرق وتختلف كثيراً عن دموع أمهات الشهداء وأطفالهم رغم أن جميعها دموع حزن ، إلا أن دموع أهالي الشهداء هي دموع طبيعية وليست مستغربة ، فمن يفقد شاباً في ريعان شبابه يلقى مصرعه وبدم بارد فإن ذلك أمر مأساوي والحزن عليه شيء طبيعي ، أما أن تحزن على فقدك لشيء لم تكن تمتلكه أصلاً ، وإنما كان أمانة عندك ولم تحافظ على تلك الأمانة ، فعاد صاحب تلك الأمانة ليستعيد أمانته ، فإذا حزنت وبكيت فإن ذلك لا يمكن تفسيره إلا بمرض واحد وهو (قلة الحياء المزمنة) ! 

صاحب الفخامة ..الشعب !

بعد انقضاء عهد صاحب الفخامة السابق الذي جعل أهله وأسرته وشخصه ومجموعة من منتفعيه فقط يعيشون في فخامة ، بينما ذاق الشعب المر والهوان والإذلال والتشريد في أصقاع الأرض فراراً من أرض (السعيدة) التي لم تعد سعيدة مع رئيس (الدبُور) والشقاء (الصالح) ، فبعد انقضاء هذا العهد أصبح واجباً وضرورياً أن يستشعر الرئيس الجديد عبده ربه هادي أنه ليس هناك من صاحب فخامة في عهده سوى الشعب ، فالشعب هو من أتى به إلى سُدة الحكم بعد أن كان لا يستطيع الحلم بذلك ، وبعد أن كان مجرد (كوز مركوز) لا يقوى على الحراك من غير إذن ، وبعد أن اكتفى بزيارات استعراضية كان يكلفه بها صاحب الفخامة الخلوع ، حتى أن أكثر مهمة أسندها صالح إلى هادي كانت هي رئاسة ...(لجنة الاحتفالات) ، وكأن الرجل خريج كلية (الفنون الجميلة) وليس خريج إحدى أرقى الأكاديميات العسكرية في العالم !!.

على عبده ربه أن يستوعب الدرس جيداً ، وأن يكون على قدر ثقة الشعب فيه ، وهذا ما أنا على ثقة منه ، خاصة بعد رؤيته كيف تم خلع الكثير من الطغاة في العام المنصرم ، وكيف كانت نهايتهم ، وخاصة أنه شاهد دروس واقعية لم يمضِ عليها الكثير من الوقت في كيفية نهاية صبر الشعوب التي وإن مرضت لكنها لا تموت ، وعندما تصحو وتسترد من عافيتها فإنها تنتقم من (أصحاب الفخامة) شر انتقام ، وما نهاية القذافي الذي كان يسبق اسمه عشرين لقباً محلياً واثنا عشر لقباً إقليمياً وستة ألقاب دولية إلا دليل على ذلك . 

عاااجل..الانتخابات (خياااانة) لدماء الشهداء !

ظهرت تكتلات (الشباب المستقلين) في كثير من ساحات الحرية والتغيير ، لكن هؤلاء الشباب لم يستطيعوا الاندماج الطبيعي مع بقية مكونات الثورة بصورة كبيرة لعدة عوامل ليس مجالها هنا ، ولكنني سأتحدث هنا عن مقاطعتهم للانتخابات ودوافعهم وأسبابهم ، حيث أن أكثر ما يثير حفيظتي هو حديث هؤلاء (المقاطعين المستقلين) عن أن الانتخابات تمثل (خيانة) لدماء الشهداء ، فما أسهل أن تصرخ وتنادي (خيانة) ، وكأنك تصرخ (حريييق) من دون أن تفعل أي شيء لإطفاء ذاك الحريق ، بينما أهل الدار الذي يحترق هم الذين يعانون وهم الذين يكتوون بلهيب ذاك الحريق وأنت تكتفي فقط بالصراخ ، خاصة أن معظم الصارخين حالياً (خيانة) لا يُتعبون أصواتهم ، فقد تطورت التكنولوجيا لتعطيهم (فيس بوك) يصرخون من خلاله ليل نهار من دون أن (تشَحِبْ) أصواتهم أو يصيبها التعب ، وهذا هو حال المجتمع اليمني مع الشباب المستقلين ، فهل يُعد خيانة أن تقضي على (الصنم الأكبر) من خلال عملية سياسية سلمية استطاعت – وبشهادة العالم أجمع – أن تمثل نموذجاً جميلاً لكيفية انتزاع السلطة بأقل الخسائر الممكنة ، إن خيانة دماء الشهداء هي في أن نلحق بهم من غير أن نحقق الأهداف التي استشهدوا من أجلها ، وذلك ما كان سيحصل إذا لم تتم العملية السياسية في اليمن ، فالحرب الأهلية كانت نُذرها وبوادرها تلوح في الأفق ، والعوامل المساعدة في إذكاء هذه الحرب كانت تتوفر بكثافة ، حتى الصراع الإقليمي الذي يدور حالياً بشكل (خفي نسبياً) في اليمن كان سيظهر بكل (صفاقة) من خلال الدعم المالي المهول والدعم العسكري بالأسلحة المختلفة ، وربما يصل الأمر إلى ضربات متبادلة بين طرفي الصراع (السعودية – إيران) على داعمي كل اتجاه من اليمنيين الذين هم الخاسر الأكبر من هكذا خيار !

سوا نبنيـها !

في قديم الزمان وصف الحبيب المصطفى شعب اليمن بأنهم الألين قلوباً والأرق أفئدة ، وقد حان الوقت الآن لنؤكد هذا الحديث الشريف ، فما أحدثته سنوات الحكم (الجاهلي) الذي اعتمد صانعوه وأربابه على الجهل والظلم والفساد والاستبداد كأركان بارزة لإقامة بنيانهم يحتاج الكثير منا لإزالته ، وإعادة (اللُحمة) والتكاتف فيما بيننا البين بعد زوال النظام الذي زرع فيما بيننا الكثير من (القنابل الموقوتة) سواء المذهبية أو المناطقية أو الجهوية أو المذهبية وغيرها ، وقد كان الحادي والعشرون من فبراير هو (خبير المتفجرات) التي عمل على نزع (الصاعق) من على جميع تلك القنابل التي أعدها عشاق الحروب وأمراءها للإنفجار بحيث لا تبقي ولا تذر !

اليمن الجديد يحتاج منا إلى التعاون والتكاتف ، إلى لم الصفوف وشد السواعد ، إلى إشاعة ثقافة الحب والتسامح ، إلى تغليب المصلحة العامة فوق أي مصلحة ، يحتاج منا أن نشمر عن سواعدنا جميعاً ، نبدأ من النقطة التي نستطيعها ، وحتماً سيأتي من يكمل المشوار ، فلا يخبو صوت الحق مهما علا صوت الظلم لفترة ، ولا يندحر الشعب مهما تجبر الطغاة وتغطرسوا ، فلنعمل جميعاً على بناء هذا اليمن الجديد ، اليمن الذي كنا نحلم به وصار الآن حقيقة ماثلة للعيان ، اليمن الذي كان على شفير الإنهيار ليأتي شبابه لاستعادة ماضيه وأمجاده القوية والرائعة ، اليمن يحتاج إلى الجميع بدون استثناء ، فيداً بيد معاً لأجل اليمن ....وسوا نبنيها !.