صفقة اليمامة:من أكبر صفقة سلاح إلى أكبر فضيحة دوليّة
نشر منذ: 17 سنة و 8 أشهر و 12 يوماً
الإثنين 26 فبراير-شباط 2007 11:48 ص

حوّلت صفقة اليمامة من أكبر وأضخم صفقة في تاريخ السلاح في العالم.. الى أكبر فضيحة سياسية دولية الآن. قبل نهاية العام الماضي، سيطرت أجواء غريبة على العلاقات السعودية ـ البريطانية، تشبه الأجواء التي سبقت الأزمة الكبرى بين البلدين الحليفين، وعرفت وقتها بأزمة «موت أميرة»، وترتّب عليها قطع العلاقات الديبلوماسية بين السعودية وبريطانيا.

فقد وجّهت السعودية في منتصف شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، إنذاراً الى بريطانيا وتهديداً بقطع العلاقات الديبلوماسية، في حال استمرار التحقيقات القانونية التي يجريها مكتب جرائم الاحتيال الخطرة البريطاني، حول الرِّشى وتسهيل الدعارة لأطراف من العائلة الملكيّة السعودية في صفقة اليمامة.

وأمهلت السعودية حكومة بلير البريطانية العمالية عشرة أيام فقط، فإما أن تغلق ملف الفضيحة تماماً، وإما أن تقطع العلاقات وتذهب صفقة جديدة بالمليارات من الدولارات الى المنافسين.

لم يكن غريباً ردّ الفعل الفوري والمباشر من الجانب البريطاني حيث لم يستغرق ٢٤ ساعة، بعدها صدرت أوامر رئيس حكومة بريطانيا الى النائب العام بوقف التحقيقات نهائياً.

ووقف بلير بنفسه يدافع عن هذا القرار غير القانوني وغير الأخلاقي، الذي يؤسّس للفساد والرشوة والدعارة، ويتجاوز سلطات الشرطة والقضاء والبرلمان.

أكبر صفقة.. أكبر أزمة!

على الرغم من المخاوف الأمنيّة التي أثارت وما زالت، العواصم الخليجية، ودفعتها الى شراء السلاح بكمّيّات كبيرة، إلا أن ذلك لم يمنع أن تستخدم بعض العواصم الخليجية «مليارات» هذه الصفقات، للضغط على الدول المصدّرة للسلاح بين فترة وأخرى، فاسم صفقة اليمامة السعودية برز كعنوان لأزمة ديبلوماسية أكثر منه عنواناً لصفقة تسلّح عملاقة، استخدمتها الرياض للضغط على بريطانيا، لإرغامها على ترحيل عدد من ناشطي المعارضة السعودية المقيمين فيها، وعودة رحلات الخطوط البريطانية الى الرياض التي أوقفت بسبب العمليات التي نفّذها ناشطون في القاعدة، أو متعاطفون معها في السعودية خلال الأعوام الماضية، واستهدفت مصالح بريطانية وغربية.

وتعتبر صفقة اليمامة من أكبر الصفقات العسكرية على المستوى العالمي، وتقدّر قيمتها بنحو ٧٥ مليار دولار أميركي.

وبحسب مصادر وخبراء عسكريين، فإن ميزانية الانفاق على التسلّح السعودي، تثير الكثير من علامات الاستفهام حولها، فهي توازي ما ينفق على جيوش إيران وتركيا وإسرائيل مجتمعة، بالنظر الى أن الجيش السعودي يصنّف من بين الجيوش المتواضعة الحجم والمقدرة، إلا أن المراقبين ذاتهم يرون أن مليارات هذه الصفقات تسهم في رفد المواقف السياسية والديبلوماسية للرياض وتمنحها قوّة ضاغطة.

ضربة قاتلة لحكم القانون

ويمكن القول، إن الأسرة الحاكمة السعودية نجحت باستخدام عضلاتها المالية في توجيه ضربة قاتلة الى حكم القانون والقضاء المستقل في بريطانيا، عندما أجبرت الحكومة البريطانية، ورئيسها توني بلير على وجه التحديد، على وقْف التحقيقات في عمولات ورِشى صفقة اليمامة التي وصفت حين تمّ توقيعها (قبل أكثر من عشرين عاماً) بأنها صفقة القرن، بسبب ضخامتها (٤٥ مليار جنيه إسترليتي)، وكثرة عدد السماسرة المتورّطين فيها.

التدخّل السعودي بلغ ذروة شراسته، عندما هدّدت الحكومة السعودية بإلغاء صفقة طائرات يوروفايتر الجديدة، التي جرى توقيعها قبل أشهر معدودة، وبلغت قيمتها ٢٠ مليار دولار، ويمكن أن تصل الى ٧٠ ملياراً في غضون أعوام محدودة.

٣ مليارات دولار.. عمولات!

جاء الموقف السعودي المتشدّد، بعد أن اقتربت التحقيقات من الحسابات السرّيّة لاثنين من الوسطاء، أحدهما رجل أعمال سوري، والآخر وزير لبناني سابق في حكومة الحريري، وكادت تكشف حجم العمولات الضخمة التي ذهبت الى كبار الأمراء، وبلغت أرقاماً خيالية يقدّرها البعض بثلاثة مليارات دولار على الأقلّ!

فالرجلان كانا واجهتين لأمراء سعوديين كبار تفاوض بعضهم على الصفقة، وأقرّها بحكم مكانته ونفوذه، لدرجة أنه طلب رفع سعر طائرة التورنادو بنسبة ٣٥% حتى ترتفع نسبة العمولة!

والروائح الكريهة المحيطة بصفقة اليمامة ليست وليدة هذه الأيام، فعودة الى صحيفة «الأوبزرفر» البريطانية في عدد الأحد أول شباط (فبراير) لعام ١٩٩٨، نجد أن الصحيفة دعت الحكومة البريطانية العمالية الجديدة (وقتها)، الى الكشف عن تفاصيل برنامج اليمامة العسكري بين بريطانيا والسعودية، واصفة الصفقة بأنها الأكبر، وربما الأكثر فساداً في التاريخ البريطاني. وعلّلت «الأوبزرفر» موقفها هذا بقولها إن الشعب البريطاني لم يحط علماً بالصفقة، إلا عندما بدأ مكتب التحقيقات الوطنية الكشف عنها في العام ١٩٩٢، ولم ينشر تقريراً يظهر النتائج التي توصّل إليها التحقيق! ودعت الصحيفة في افتتاحيتها الحكومة الى إعادة فتح ملف اليمامة، وقالت إن تغيير الحكومة يجب أن يمنحنا فرصة النظر مرة أخرى في الصفقة الأكثر إشكالية في سنوات حكم حزب المحافظين. وأضافت أن ما يمكن أن يقال هو أن هذه الصفقة شملت دفع رِشى (أو بشكل أكثر لباقة عمولات) على نطاق واسع، وأنه وفق تقديرات حديثة، فإن ثلاثمائة مليون جنيه إسترليني كانت تنفق سنوياً. وقالت إن الاعتقاد السائد هو أن هذه الأموال كانت تتدفّق باتجاه واحد، من بريطانيا الى أمراء العائلة المالكة الذين يتوجّب على البريطانيين الحصول على إذنهم قبل الاتفاق على المبيعات.

منذ منتصف الثمانينيات والتساؤلات حول الفوائد التي جنتها بريطانيا تتكرّر. وتابعت أنه عندما يفكّر الناس بالطريقة التي أصبح فيها مارك تاتشر نجل رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر مليونيراً، فإن اهتمامهم سينصبّ على دوره في صفقة اليمامة التي ساهمت والدته في المفاوضات بشأنها كذلك أشارت «الأوبزرفر» الى أن وزير مشتريات الدفاع في حكومة المحافظين جوناثان إيتكينز، حاول تغيير مسار العدالة، والكذب بشأن الأخبار التي كشفت عن قيام أمير سعودي بدفع فاتورة إقامته في فندق الريتز في باريس، وقالت إن أحد أسباب سقوطه كانت تجنّب المناقشات حول العمولات.

وكشفت الصحيفة أن الشقّة الفاخرة التي يقيم فيها السير ريتشارد إيفانز المدير التنفيذي للشركة البريطانية المسؤولة عن تنفيذ صفقة اليمامة مع السعودية، مملوكة لشركة بنمية يديرها مكتب وفيق السعيد الوسيط السوري المليونير، الذي تعامل مع السير ريتشارد بشأن الصفقة!

ولم يمض أسبوع على نشر هذا المقال، حتى نشرت «الغاردين» أخباراً عن انهيار مفاوضات بريطانية مع شركة مملوكة لأمراء سعوديين في بنما، بسبب انكشاف الممارسات غير القانونية في صفقة اليمامة.

وأكّدت أن حوالى ٤٠ نائباً بالبرلمان البريطاني وقّعوا عريضة يطالبون فيها بنشر التحقيق الذي أجراه مكتب التحقيقات الوطنية حول مشروع اليمامة عام ١٩٩٢.

التلفزيون البريطاني يكشف الفضيحة

وتمكّن تلفزيون «بي. بي. سي» البريطاني من كشف كثير من الحقائق حول الصفقة والرِّشى والدعارة، فقدّم برنامج «المال» الذي تبثّه القناة الثانية مقابلات مع عدد من الأشخاص الذين شاركوا في فضيحة اليمامة... وقيام شركة الأنظمة الإلكترونية والجوّيّة البريطانية لتصنيع الأسلحة، بدفع مبالغ مالية تقدّر بنحو ٦٠ مليون جنيه استرليني، لتسهيل الحصول على أكبر صفقة أسلحة في تاريخ بريطانيا.

ونشر موقع إذاعة «بي. بي. سي» القسم العربي تقريراً جاء فيه، أن الأمير تركي بن ناصر، أحد أفراد العائلة المالكة السعودية، هو المستفيد الأكبر من تلك الملايين، حيث كان مسؤولاً على مدار العشرين عاماً للاشراف على أعمال الجانب السعودي لإتمام الصفقة التي عادت على الشركة البريطانية بمليارات الدولارات.

وفي المقابل، رفضت الشركة التي كانت معروفة من قبل باسم «بريتيش إيروسبيس» وتحوّلت الى «بي. آي. إي. سيستيمز» الاعتراف بدفع مثل هذه الرِّشى في برنامج «رِشى» باسم بريطانيا، إلا أن «بيتر غاردنر» الذي أغدق الأموال على الأمير تركي لأكثر من عقد من الزمن، خرج على صمته وتحدّث لأول مرّة عمّا كان يرتكبه من أعمال.

بدأ غاردنر العمل مع الشركة لأول مرة في العام ١٩٨٨، لتصبح شركة السياحة الصغيرة التي كان يمتلكها، قناة كبيرة لمرور أموال الشركة البريطانية العملاقة لصناعة وتجارة السلاح «بي. آي. إي»، حيث كان يضخّ عن طريقها نحو سبعة ملايين إسترليني سنوياً.

وكانت مهمّة غاردنر إغداق الأموال على الأمير تركي مع كل مظاهر البذخ.

فبناء على تعليمات الشركة، كان يوفّر له ولحاشيته الفنادق والسيارات والأموال والطائرات الخاصّة والحراسات الخاصّة وإجازات مثيرة؟! كما استفادت عائلة تركي من كل هذا.

ويقول غاردنر إن زوجة الأمير حصلت على سيارة رولزرويس يقدّر ثمنها بنحو ١٧٠ ألف جنيه إسترليني، كهديّة في عيد ميلادها. كما وضعت تحت تصرّفها وحاشيتها طائرة شحن خاصّة من طراز بوينغ ٧٤٧ لنقل مشترياتهم، كما حظي نجل الأمير تركي وأصدقاؤه برحلة تزلّج في كولورادو تقدّر تكلفتها بنحو ٩٩ ألف إسترليني. كما صوّر حفل رفاف ابنة تركي بتكلفة قاربت المائتي ألف استرليني.

كما نظّم غاردنر برنامج العطلة الصيفية للأمير تركي وعائلته في العام ٢٠٠١، والتي استغرقت ثلاثة أشهر، وكلّفت الشركة نحو مليوني جنيه إسترليني.

وعلّق غاردنر على ذلك بقوله لبرنامج «المال» إن أسلوب الحياة هذا فاق أسلوب حياة نجوم السينما... لقد كان النجوم يرتادون الفنادق التي كنا نزورها، لكنهم لا يعيشون في هذا المستوى من البذخ والاسراف.

وتلقّى غاردنر في بعض الأحيان تعليمات بتوفير الأموال للأمير تركي وعائلته، في صورة أموال سائلة أو تحويلات مصرفية أو فواتير البطاقات الإئتمانية، وقال أنه قام بتحويلات قيمتها ١٠٠ ألف دولار.

وظهر على شاشة التلفزيون البريطاني «القناة الثانية (بي. بي. سي)» مصدر آخر يدعى إدوارد كانينغهام، الذي أفصح لأول مرة عن أنه تلقّى تعليمات بتلبية متطلّبات المسؤولين السعوديين الأقلّ مرتبة، من أجل تسهيل أعمال الشركة البريطانية، ووجد نفسه في موقف الوسيط الذي يساعد أولئك المسؤولين على التمتّع بحياة الليل في لندن، ويدفع عنهم فواتير المقامرة، ويرتّب لقاءات لطيّارين سعوديين كانوا يزورون لندن في إطار صفقة اليمامة مع بائعات الهوى.

وقال في البرنامج: كنت أحضر بعضهن (بائعات الهوى) من المنطقة التي أقطن فيها، الأمر الذي كان يسبّب لي حرجاً شديداً، وبخاصّة أنني رئيس مجلس محلّي عمالي.

وأوضح أيضاً أنه كان يقدّم لمسؤولين في السفارة السعودية أطقم مائدة فضّيّة وذهبيّة قيّمة، سعر القطعة الواحدة منها ألف جنيه إسترليني. وأضاف: كنت منهمكاً بتلبية طلبات كل من في السفارة، إذ كانوا جميعاً يريدون أطقماً ذهبية، وكانوا يعزفون عن تلقّي الأطقم الفضّيّة.

وشرح البرنامج كيف أخفت الشركة البريطانية الجهة التي ستذهب إليها أموال الرِّشى بمساعدة «توني وينشيب» القائد السابق في القوّات الجوّيّة البريطانية وصديق الأمير السعودي، وكان وينشيب يستبدل شهرياً السجلّ القنصلي الذي يوضح كيف أنفقت أموال الرِّشى، بفاتورة واحدة تقع في صفحة واحدة في آب (أغسطس) ١٩٩٥، مثلاً كان مدوّناً في الفاتورة مصاريف خدمات الاعاشة والدعم للزائرين من خارج البلاد، وكان إجمالي التكلفة في الفاتورة قرابة المليون إسترليني، من دون تقديم المزيد من التفاصيل عمّا أنفقت فيه هذه الأموال.

وشرح غاردنر أن وينشيب كان يقوم بذلك لأنه أراد الاحتفاظ بخصوصية وسرّيّة المسألة، كما أنه أراد إبعاد الأعين الثاقبة التي تلتفت الى مثل هذه الأنواع من التعاملات المالية.

وكشف برنامج المال عن أن ستيف موجفورد الذي كان آنذاك أحد المديرين التنفيذيين الصغار في الشركة، هو الذي وافق على فواتير الرِّشى هذه، وأنه أصبح يحتلّ منصب مدير الشركة ومدير العمليات فيها، وأنه وقّع في الشهور الأربعة الأخيرة من عام ١٩٩٥ على فواتير رِشى تقدّر بنحو ثلاثة ملايين جنيه إسترليني.

الشركة والسفارة... تنفي!

ورفض ستيف موجفورد حضور البرنامج التلفزيوني، كما امتنعت الشركة عن حضوره، وكذلك رفض كل من وينشيب والأمير تركي بن ناصر الاجابة عن تساؤلات البرنامج.

وقالت السفارة السعودية في بيان موجّه للبرنامج إنها تشعر بالصدمة إزاء سماع تلك المزاعم بشأن الممارسات الفاسدة. وأضافت: لن تتغاضى الحكومة السعودية أو سفارتها عن أي سلوك مخادع من أي نوع.

وكان البرلمان البريطاني قد وافق في شباط (فبراير) ٢٠٠٢ على تشديد قانون معاقبة الرشوة والفساد، كما جرّم دفع رِشى لمسؤولي الحكومات الأجنبية.

وردّاً على ما ورد في البرنامج، أرسلت الشركة بياناً لـ«بي. بي. سي» (هيئة الاذاعة البريطانية) جاء فيه: تشعر «بي. آي. إي» بالأسى، وتعرب في الوقت نفسه عن دهشتها لقيام برنامج المال الذي تبثه «بي. بي. سي» وبعض الوسائل الأخرى، بترديد مزاعم عمرها تسع سنوات وغير صحيحة. وأضافت الشركة في بيانها: إن الحقيقة هي أن عقد اليمامة الذي يعدّ محوراً لتلك المزاعم، هو عقد بين الحكومتين السعودية والبريطانية، وتستطيع «بي. آي. إي» أن تعلن أنه لا يوجد ما وصفته وسائل الاعلام بالرِّشى، كما أن الشركة أو أي من العاملين فيها لم يزوّروا حسابات الشركة.

ارتياح الشركة... واعتراضات المعارضة

وشعرت الشركة بالارتياح عندما قرّر رئيس الوزراء توني بلير إغلاق ملف التحقيقات في صفقة اليمامة، لكن القرار لم يشمل وقف تحقيقات مكتب جرائم الاحتيال الخطرة، حول ممارسات الشركة في صفقاتها الأخرى، مع دول مثل جنوب أفريقيا وتنزانيا وزامبيا وكوستاريكا وغيرها... فقد أكّدت الحكومة أن الشركة تواجه مزاعم فساد تحيط بنشاطها، وأن هناك تحقيقات مستمرة حول ذلك، لكن الشركة نفت في بيان لها جميع مزاعم الفساد، وقالت إن التحقيقات تجري منذ ثلاث سنوات، وأنها لا تستطيع التعليق عليها لأسباب قانونية.

ويبدو أن الارتياح الذي شعرت به الشركة، بعد وقف التحقيق في فضيحة اليمامة بأمر من رئيس الوزراء، «وهو التحقيق الذي بدأ في حزيران (يوليو) ٢٠٠٤»، لن يدوم طويلاً، وربما لن يدوم أيضاً جوّ التستّر الذي يحيط بالعلاقات البريطانية ـ السعودية، فقد بدأت مظاهر ومواقف مختلفة تعبّر عن اعتراضها على قرار توني بلير إغلاق التحقيق في صفقة اليمامة.

أحزاب المعارضة داخل البرلمان البريطاني رفضت القرار وأصوات مختلفة في الصحافة رفضته أيضاً..

وجمعيات ومنظّمات حقوقية بريطانية ودولية قرّرت التحالف ورفع دعوى قضائية ضد توني بلير، والمطالبة باستمرار التحقيق في فضيحة اليمامة.

ليس هذا فحسب.. بل إن الدول الأوروبية ممثّلة بمنظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومن خلال مجموعة العمل التابعة لها، والمعنيّة بمتابعة قضايا الرشوة، قرّرت دراسة الأمر، وقالت في بيان أنها يساورها قلق شديد بشأن ما إذا كان القرار متماشياً مع ميثاق المنظّمة لمكافحة الرشوة أم لا... وستناقش القضية بشكل أكثر عمقاً في شهر آذار (مارس)، وستقرّر عندئذ التحرّك الملائم.

وكانت جميع دول المنظّمة الثلاثين وست دول أخرى، قد وقّعت على الميثاق الذي يحظّر تقديم الرِّشى لمسؤولين حكوميين أجانب في المعاملات الدولية.

ودعا تحالف من ١٣٠ جمعية خيرية وجماعات ضغط، رئيس الوزراء البريطاني، الى التراجع عن قرار إغلاق تحقيقات الفساد في صفقة اليمامة، وتضم مجموعات الضغط منظّمة العفو الدولية «آمنستي إنترناشيونال» و«أوكسفام» و«أصدقاء الأرض» ومنظّمة الشفافية الدولية، حيث كتبت هذه الجماعات رسالة بعثت بها الى توني بلير تدعوه الى التراجع عن قراره وفتح التحقيق من جديد.

ويرى أعضاء التحالف أن إغلاق الملف يضرّ بسمعة بريطانيا كبلد يكافح الفساد والرِّشى والمحسوبية، كما يقدّمها كبلد ذي معايير مزدوجة.

وقال تحالف الجمعيات إن وقْف التحقيق يبعث برسالة سلبية للدول والشركات التي تريد التعاون التجاري مع بريطانيا.

وإن قرار الحكومة البريطانية يؤثّر في التقدّم الذي حقّقته منظّمة الشفافية الدولية، وميثاق الأمم المتحدة لمكافحة ومحاكمة الشركات والدول التي تشجّع الفساد والرشوة. وقرّر محامون من حملة مكافحة تجارة السلاح، بتحدّي قرار الحكومة من خلال القانون والتقدّم بدعوى أمام المحكمة العليا.

وقال منتقدو القرار أنه يتعارض مع تعهّدات بلير بحكومة نظيفة، عندما تولّى السلطة قبل نحو عشر سنوات.

وهاجم حزب الأحرار الديمقراطيين المعارض القرار، وانتقد تبرير الحكومة بأن قرار وقف التحقيق يهدف الى حماية مصالح بريطانيا وأمنها القومي، واتهم الحكومة بوضع المال قبل المبادئ.

الاستخبارات.. تعترض!

ولم تكتف الصحافة البريطانية بانتقاد قرار وقف وإغلاق التحقيق في فضيحة الفساد، والمتعلّقة بصفقة اليمامة، بل راحت تتابع «بدقّة» تفاصيل المغالطات التي أحاطت بإعلان النائب العام البريطاني اللورد غولد سميث قرار الحكومة وقف التحقيقات.

وقالت صحيفة «الغارديان» أن جهاز الاستخبارات الخارجية «إم. آي. ٦»، قد قدّم رواية مخالفة حول قرار رئيس الوزراء بوقف التحقيق في قضايا فساد ضخمة حول صفقات الأسلحة للسعودية في ١٤ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٦.

وإن استمرار التحقيقات في نشاطات شركة «بي. آي. إي سيستيمز» أكبر شركات تصنيع الأسلحة في بريطانيا، يمثّل تهديداً للمصالح العامّة والأمن القومي.

وكشفت الصحيفة أن «جون سكارليت» مدير الاستخبارات الخارجية، رفض التوقيع والمصادقة على ملف حكومي يؤكّد أن جهاز الأمن الخارجي يؤيّد هذا الموقف.

ونقلت عن مصادر في الحكومة قولها، إن البيان الذي قدّمه لورد غولد سميث النائب العام أمام مجلس اللوردات لم يكن دقيقاً، فيما لم يتلقّ أي من جهاز «إم. آي. ٦» الخارجي أو جهاز الأمن الداخلي معلومات استخباراتية عن أن السعوديين كانوا يعتزمون وقف تعاونهم في مجال الاستخبارات، وما تمّ هو قيام جهاز الاستخبارات بالردّ على استفسار حكومي حول ما إذا كان الأمن القومي البريطاني سيتأثّر بالخطوة السعودية ومن الطبيعي أنه يتأثر.

وكشفت «الغارديان» عن وجود ضغوط على الحكومة البريطانية من اجتماع عقد في فرنسا، وطلب من البريطانيين تقديم توضيح عن السبب الذي دعا الحكومة الى وقف التحقيق الذي كان يجريه مكتب جرائم الاحتيالات الخطرة، حول مزاعم وجود عمليات فساد في صفقات الأسلحة السعودية، بعدما طلبت منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية في أوروبا توضيحات من حكومة بلير حول قرارها وقْف التحقيق.

ومن هنا جاء تصرّف الحكومة البريطانية بإعداد ملف قدّمت فيه عدداً من التبريرات للقرار. وطلبت من الاستخبارات الخارجية «إم. آي. ٦» المصادقة على محتوياته، إلا أن مدير الاستخبارات جون سكارليت رفض التوقيع عليه، مما يشير الى خلاف حول اللغة التي استخدمها النائب العام غولد سميث لتبرير تدخّله.

وقال مصدر للصحيفة إن الاستخبارات اتهمت تصريحات غولد سميث بأنها قامت على الظنون، فيما قال آخر إن الاستخبارات أكّدت أنه لم يكن هناك في لهجة السعوديين ما يشير الى أنهم هدّدوا فعلاً بقطع التعاون الأمني مع بريطانيا.

وعالجت صحيفة أخرى الأمر من زاويتها، فكشفت «الفاينانشيال تايمز» أن التحقيق في فساد صفقة اليمامة الذي ألغي بأمر من رئيس الوزراء، كان قد توسّع ليشمل مسؤولي وزارة الدفاع البريطانية، وإن كان لديهم علم بالرِّشى والمبالغ المالية الهائلة التي قدّمتها الشركة. وتساءلت الصحيفة عن السبب الذي استدعى تدخّل لورد غولد سميث. وأكّدت الصحيفة أن التحقيق مع مسؤولين في وزارة الدفاع قد بدأ بالفعل، ويشمل عاملين حاليين وسابقين كانوا على معرفة وعلاقة بالصفقة، وأن المحقّقين زاروا بيل جيفري السكرير الدائم لوزارة الدفاع في العام الماضي لإعلامه بنيتهم في إجراء التحقيق.

الصحافة العربية؟

وكان اللافت للأنظار موقف الصحافة العربية من فضيحة اليمامة... فطوال السنوات التي انقضت منذ بدء التحقيقات في تموز (يوليو) ٢٠٠٤، لم ترد إشارة الى هذا الأمر في الصحف العربية، في الداخل والخارج، إلا القليل القليل النادر منها في لندن.

«المشاهد السياسي»