إيقاع الثورة اليمنية
بقلم/ د. فوزي زايد السعود
نشر منذ: 13 سنة و 5 أشهر
الخميس 09 يونيو-حزيران 2011 06:57 م

الثورات في ديارنا العربية قد حددت أهدافها واستراتيجياتها ، ولم تعد ترض بأنصاف الحلول فلا يوقفها إلا سقوط رأس الهرم ، والزعيم الأوحد الذي طالما سبّح بحمده المسبحون ، وأنشد بعظمته أطفال الحضانات والمدارس ومراكز الرعاية الاجتماعية ، هؤلاء الذين أتقنوا فن المراوغة و المناورة و المراوحة ، واللعب على كل المتناقضات ، لإلهاء الشعوب عن ممارسة دورها الطليعي في الحرية و الكرامة و الاستقلال .

نعم ثوراتنا عرفت طريقها واختارت وسائل تحقيقها من : الكلمة و الهتاف و التجمع والتلاحم ، ومنازلة الباغي الذي جثم على صدور الملايين ، حتى يستسلم أو يهرب أو يتنحى كارها غير مأسوف عليه ، ولاشك أن هناك قواسم مشتركة أشعلت ثوراتنا العربية من : الظلم و القهر والقمع والتخلف الاقتصادي ونهب الثروة والسلطة وتقاسمها مع الأزلام والمحاسيب ، وبالتالي قد تكون المخرجات أيضا متقاربة على تفاوت بين أمد هذه الثورة أو تلك .

• ورد في موروثنا أن الحكمة يمانية ، وفي الدعاء : اللهم بارك لنا في يمننا ، بل القرآن الكريم عمق هذا المعنى فقال : (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ)[ سبأ ، 15 ] ، ألا يدل ما يحدث في اليمن السعيد والجديد على تجليات الحكمة اليمانية والذوق اليماني في الصبر و الثبات وعدم الاستدراج لمخططات الخصم الذي ينتظر ساعة الانقضاض وتلويث أهداف الثورة وتطلعاتها .

• لقد حافظت الثورة اليمنية على شعارها السلمي ، ولم تنْجرّ للقتال والصدام مع قدرتها على ممارسة ذلك ، فهذا شعب مسلح عريق لم يتمكن الاستعمار من دخول بلده ، فملايين قطع السلاح كانت صامتة ، وما حدث من دماء وأشلاء وتضحيات كانت بفعل النظام المأزوم ، وبطانته التي ركبت رأسها وأخذتها العزة بالإثم ولم تُصغِ لمطالب الشعب الثائر الملتهب حماسةً وتحديًا .

• إن هذا درس لكل البلدان العربية التي ما زال للقبيلة دور كبير فيها ، وهو أن القبيلة وحدة اجتماعية وليست انفصالية أو معطلة لعملية الإصلاح و التغيير وليست في جيب الحاكم لكي يتصرف بها كما يشاء ، لقد كانت القبيلة اليمنية محافظة على النسيج الاجتماعي ومتناغمةً مع رياح التغيير ، ولقد أثبتت قدرة عالية من الذكاء يفوق قدرة الحكام البليدين الذي لا تتجاوز رؤاهم أرنبة أنوفهم .

• أمّا عن المرأة اليمنية المناضلة الصابرة التي تركت واجبات كثيرة ، واختارت الواجب الأعظم ، وفرض الوقت وهو نصرة الشعب والأمة ، وحافظت على حشمتها وتميزها وحركتها المنضبطة مما ساهم في رفع معنويات الجميع ، ولاشك أن مشهد المرأة اليمنية التي تقف وتسير بعزة وشموخ قد أرهب \\\" الجلادين \\\" الذين نصبوا أنفسهم \\\" مُفْتين \\\" ليحرِّموا مشاركة المرأة اليمنية في جانب المعارضة وقوى التغيير ، أما في صف الجلاوزة فلا بأس أن تكون !!

أحرامٌ على بلابله الدّوح حلال للطير من كل جنس؟

لقد قدمت المرأة اليمنية دروسًا لا تنتهي من المرابطة والمشاركة والحشد والمعالجة الصحية وخدمات العائلات والبيوت والمحافظة على نَفَسِ الثورة ، ما أعظمها من دروس لو فقهت أمتــي !

• أما إخواننا العسكر ، وعلى رأسهم قيادات في الصف الأول فقد انحاز بعضهم لمشروع الشعب ، مما خفف الضغط عليه ولكن زادت النقمة على العسكر ، ومع ذلك فقد كانوا حكماء ولم يُسْتدرجوا وربما كان بإمكانهم حسم الموقف في وقت قصير ، ولاشك أن الشعب اليمني سيسجل لهم هذا الانحياز بأحرف من نور يخلد تاريخهم وذكراهم في العهد الجديد .

• ولا يفوتني أن أقول أن من مخرجات هذه الثورة حسب القراءة الأولى ، أنها دفنت فكرة (انفصال) الجنوب عن الجسم اليمني ، وأصبح يمنًا تجمعه كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة وسنرى في مستقبل الأيام التحامًا بين كافة فئات المجتمع اليمني .

• وفي الختام أقول أن الشعب اليمني كسب تعاطف الجميع عربًا وعجمًا مسلمين وغير مسلمين على استمراريته في الثبات والتحرر ، ومن محبتنا لهذا الشعب الصابر نوصيه أن يحافظ على مكتسباته وينأى عن الثأر والمناكفة ولابد من فتح قنوات الحوار والاتصال حتى مع من كان مترددًا أو في الصف المقابل ، إنه فجر جديد ومرحلة مشرقة تحتاج للحكماء والمخلصين الذين يحبون اليمن وثورته وشعبه .