تعليقات القراء وفلسفة الكذب
بقلم/ دكتور/بكيل الولص
نشر منذ: 14 سنة و 11 شهراً و يومين
الأحد 24 يناير-كانون الثاني 2010 07:33 ص

من منّا لا يكذب لأتفه الأسباب؟ لا أقصد على زوجاتنا اضطراراً أو على العدو تنكيلاً أو على الخصوم إحقاقاً للحق وإصلاحاً لذات البين، بل ما عدا ذلك. لقد لاحظت من خلال تعليقات قراء "مأرب برس" إن الإعلام اليمني يفتقد للمصداقية، وما ذلك إلا انعكاساً لسلوك القائمين عليه. على كل ذلك، أتجه المتصفحون نحو صراحة "مأرب برس" ذي الإمكانيات المحدودة والعقول الكبيرة.

من المعجزات النبوية للرسول الأعظم محمد بن عبد صلى الله علية وسلم أنه ظل صادقاً طوال حياته، رغم الظروف القاهرة المصاحبة للتغيير الاجتماعي والتحول التاريخي والنظام الثقافي ونشر رسالة الإسلام كملخص كامل وخاتمة شاملة للأديان السماوية، وهذه هي الأخلاق المحمدية والتربية الإسلامية والتأديب الرباني.

لم يستخدم دعوته صلى الله علية وسلم لنفسه ولأصحابه في الدنيا والحياة الأولى كبقية الرسل، بل تركها لعامة المسلمين في اليوم المشهود والشفاعة المنشودة والحياة الآخرة. إنه إيثار النبي الكريم لأمته بنيةٍ صادقةٍ وقولاً بليغاًً وفعلاً نافذاً؛ وذلك كله يجسد عظمة القدوة الحسنة والأسوة المثالية ويعكس عمق السنة السامية والتعليمات الثاقبة. هذا جانب يسير من أخلاق الرحمة المهداة والبشير النذير. القدوة الفعلية يكون خيرها للجميع وليس للأقارب مكاناً وزماناً وتسباً ووجداناً. دعونا نعود للحديث عن الكذب.

الكذب وأنواعه

الكذب هو حجب الحقائق وإبدالها وهو الانحراف عن الالتزام بالواقع وإظهاره. بالمناسبة، لم اقرأ مصنفاً للكذب وعليه نقترحه كدراسة تأخذه من جوانبه اللغوية والدينية والقانونية والاجتماعية والنفسية والأخلاقية والمعاملات، ولهذا أورد بعض أمثلته وضروبه بقدر ما أعانتني به الذاكرة. ويمكن تعميم موضوع الكذب الذي سنشير إليه أدناه على بقية مجالات الحياة وأنواع الواجبات ومختلف المسئوليات في كافة القطاعات والمراتب والشرائح. وفقاً للتعريف العام فمن الكذب:

o  التسويف ونقض العهود وعدم الالتزام بالبنود وتقديم الوعود الكاذبة والتحايل.

o  التحريف وقول الزور وكتم الشهادة والخداع والمكر والمراوغة والختل.

o  التصحيف والإشاعات المغرضة والأراجيف والترهات والتلفيق ونكران الجميل وإظهار الجحود.

o  التزييف والتقليد والغش والتزوير والتنكر بالأقنعة والتستر على المخالفات والمجرمين والجرائم.

o  التجديف والافتراء وقول الإفك ودعاوى الباطل والفجور والنفاق.

من الكذب أيضاً تقية الشيعة ومجاملات أهل السنة كلاماً وابتساماً (بدون سبب) وخصوصاً مديح الاحتفالات وما شابه، ولا ننسى هنا التصويت لمن لا يستحق كمثال على الكذب الديمقراطي (المجالس المحلية كمثال)، ويعد الحلف زوراً أعلى مراتب الكذب.

ولولا خطورة الكذب على حياة المجتمع وتماسكه ورفاهيته لما أهتم به القرآن الكريم والحديث الشريف، فهو المقدمة الحتمية لغرس التناقضات والفرقة في أوساط المجتمعات والأفراد، وهو المدخل الرئيسي لاحتراف الفساد، وهو الوسيلة الأساسية لإبدال الحقائق بالوهم والخيال، وهو أداة بغيضة بيد السياسيين لاستغلال العامة بمسميات مستحدثة كالدبلوماسية أو إدارة الأزمات، وهو المفتاح لما لا يدركه الجاهلون، والمتأمل الصادق يتبين أن فيه التهلكة حقاً، انه بلا نزاع "سلاح الهلاك الاجتماعي الكامل".

لا يخفى على ضحايا الروتين الرتيب أن عبارة "بحسب النظام" —في غير محلها— قد أضحت من الكذب المؤسساتي في صوره وأشكاله، ودفعت بالرشوة في المقدمة كدليل مادي على الخيانة ونقض العهود وسوء الوضع الأخلاقي والمادي وضعف الحزم والإدارة. على سبيل المثال، قد يحاجج الموظف المواطن (المراجع) بأن "النظام" ليس في "صالحه" ليقنعه أولا أنه ’فاعل خير‘ وليجبره أخيرا على دفع رشوة ’لتمشية‘ المعاملة، ومن ثم الاقتناع بأن هذا هو حال الوطن، والحقيقة انه حال الكاذبين. ونشهد للمرأة بالنزاهة في هذا الشأن.

من الخمسة البنود السابقة يقوم رجال الأمن بمحاربة البند الرابع، ويجب أن نحييهم عليها. لكن من يحاسب كذب الإعلام ووعود المسئولين؟ ويبقى أن نرى سلوك المجتمع القائل "كذبة تخارجك ولا صدق يحنبك". حلول مشاكل اليمن تبدأ بمحاربة كل أنواع الكذب خصوصاً ما يتعلق بالمصلحة العامة. أليس من حقنا أن نطالب بـ "مؤتمر محاربة الكذب في اليمن" لكي نصنف الكذب ونسن له القوانين ونوعي المجتمع بمخاطره ونعرف الكاذبين بصفاتهم وسلوكهم وكلامهم؟ هذه من مهام رجال التربية والدين والإعلام. مشاكل اليمن لا تكمن فقط في السياسة والاقتصاد، مشاكل اليمن تتجذّر في السلوك والتفكير والعقول.

من أمثال الشعوب

ارني كذاباً، اريك سارقاً (ألماني)

يمكنك إغلاق بابك أمام السارق، لكن ليس أمام الكاذب (هولندي)

يسود الكذب حتى وصول الحقيقة (مكسيكي)

الكذبة الواحدة تصنع كثير غيرها (إيطالي)

عليك أن لا تكذب، لكن لا تحتاج لقول الحقيقة (يهودي)