مأرب وفئران القاعدة وصحيفة الميثاق
بقلم/ دكتور/بكيل الولص
نشر منذ: 14 سنة و 11 شهراً و 7 أيام
الإثنين 18 يناير-كانون الثاني 2010 10:27 م

قام الأخ محمد أنعم بكتابة مقالة بعنوان "مأرب من سيل العرم إلى أفاعي القاعدة" ونشرها في الصفحة 13 بصحيفة "الميثاق" الصادرة بتاريخ 28/12/2009 العدد (1485).وقد أرسلنا له الرد للتعليق والإيضاح بتاريخ 5 يناير بعنوان "مأرب من طريق الحرير إلى شبكة من شرايين الحياة" ولم يلتزم بقانون الصحافة الذي يلزم الصحيفة بالنشر بنفس المساحة والمكان. لم يتجاهلني فحسب، بل تجاهل أبناء مأرب أجمعين، وأخلف بوعوده لبعض الزملاء والله خير الشاهدين. وها نحن نعدل ردنا قليلاً ليناسب الحدث ونضعه للقارئ اللبيب.

أولاً: ما تم نشره كاستطلاع عن مأرب لا يلتزم إطلاقاً بمعايير أسلوب الاستطلاع، وعلى الرغم من أخطائه اللغوية فقد اعتبرناه مقالاً تهكمياً جافى الحقيقة بأسلوب يدل على كراهية مبيتة، أضف إلى ذلك، فلو لم يكن بقلم رئيس التحرير لما رددنا عليه فقد قرأناه في خمس دقائق وكتبنا ردنا هذا في عشر أخرى. يؤسفنا كثيراً إن المرجفين لا يميزون بين أدوارهم كرجال إعلام وصحافة وكتاب وناشرين للخير والفضيلة، وبين مكانتهم كرؤساء تحرير لصحف ننظر إليها من الوزن الثقيل، وكأن القائمين على صحيفة "الميثاق" لا يعون بأدوارهم ولا يحترمون مراكزهم، وعليه فمثلهم لا يستحق ثقة القيادة السياسية.

ثانياً: نشكر للصحيفة زيارتها إلى مأرب الخير والعطاء، وندعوكم للزيارة مجدداً وندعو بقية الصحفيين وأصحاب الأقلام الحرة والشريفة؛ فالحق يقال إن من يقرأ "مقال" الأخ أنعم يستنتج بأن هدفه سياسي محض وليس استطلاعاً بريئاً، ونقول أن أمثاله لا يؤجر بالمال الحرام.

للأسف يا سعادة رئيس التحرير إن كلماتك قد عكست سوداويتك وإصرارك على زرع ثقافة الكراهية ضد البائسين والمحرومين من أبناء مأرب. تتحدث عن الفئران وأنت لا تعلم بأنها لا تشرب حليب الإبل التي نفخر بتربيتها، ولا تعيش الجرذان سوى في مجاري المدن وتحت أكداس العفن والقمامة. نحن على يقين إن مثل هذه التروجيات لا تمثل توجهات الصحيفة ولا تتماشى مع سياسة المؤتمر الشعبي العام المتمسك بالوسطية والاعتدال.

ثالثاً: نشكركم مجدداً على"استطلاعكم" المزعوم في الصفحة الثالثة عشرة والذي يعكس تأثركم بالثقافات الرخيصة المستوردة (أي تشاؤم الغرب للرقم 13) ولم تأخذوا منهم الصدق والمصداقية وتوخي الحقيقة وعدم استغلال المال العام في قهر الأمة والتشهير برموز الحضارة اليمنية والعربية، وأخص هنا محافظة مأرب. يؤسفنا أن رئيساً للتحرير يجهل التاريخ ويحاول جاهداً التملص بعبارات الجحود والنكران وكيل الاتهامات جزافا ويطعمها بتنميق الألفاظ ويلبسها بالحقد والباطل. لقد نظرت إلى الحليب المخلوط بالعسل وتماديت في إصرارك بأنه لبن حامض مخلوط بالعلقم. لم تجلس مع احد من مأرب أو مسئولي المحافظة، وتسمي مقالتك البائسة "استطلاعاً"!! ألم اقل لكم القوارض لا تشرب حليب الجمال؟

 

رابعاً: محافظة مأرب وأبناء سباء يحتاجون للصدق والتعاون معهم في رفع المظالم عنهم، يحتاجون للتنمية الفعلية، ويحتاجون للإنصاف. إننا نضحي بأرواحنا من اجل رفاه اليمنيين من خلال صبرنا على التلوث والجفاف وغور المياه، ولا نستفيد حتى من شراكة بسيطة في أجور النقل التي تقدر—تنقص أو تزيد— بستين مليون ريال يومياً. أبناء سباء لا يصطادون في الماء العكر ولا يطعنون بالغدر ولا يسترزقون بالنفاق ومداهنة الفاسدين، والحالات الفردية لا قياس عليها عرفاً وشرعاً وقانوناً.

يجب التأكيد هنا بأن قبائل مأرب إذا عاهدت أوفت وقد أشرتم إلى عهدهم بالوفاء لفخامة المشير علي عبد الله صالح. هل تعلم إننا ندعو بحقوقنا ولا سامع لنا ونطالب بهدوء ولا مجيب علينا؟ إننا نعاني من عنصرية الحكومات المتعاقبة لكننا نسمو فوق الجراح فلا زلنا نتوارث مكارم الأخلاق، مقتنعين إن اليمن أغلى من الأنانيات والمناطقية والمحسوبية الفاشلة. جهلكم هو السبب في حقدكم، وصبرنا هو السبب في معاناتنا. ندعوكم لتحكيم العقل والمنطق، واحترام القانون والدستور، وتعاليم الإسلام؛ تخلصوا من سياسة الإقصاء والزهو بالذات والتباهي على الجائعين. فكروا بحجم اليمن، هكذا تعلمناها من الرئيس القائد.

خامساً: لقد تحاملتم على قبائل عبيدة بوحشية سافرة أغضبت بقية القبائل في مأرب، لأنكم لا تعون لما تقولون عندما تتملككم أهواءكم وأخاف من رفع دعوى ضدكم بهذا الخصوص. لقد أوحيت للقارئ وكأن أبناء مأرب هجروا أرضهم "لأفاعي القاعدة". الشيء الذي تجهله، وأرجو لو تطبقونه، بأننا في مأرب لا نؤمن بالعنصرية رغم تركيبتنا القبلية، ولذلك تجد في مأرب مواطني الجمهورية اليمنية يعيشون بحرية وتقدير وتبجيل، والكثير منهم قد فاز في المجالس المحلية عن طيب خاطر. هل سنجد مثل ذلك، على سبيل المثال، في ذمار أو إب؟

لقد ظللنا أوفياء للوطن، حتى في غياب الدولة على مدى أربعة عشر عاماً بعد الثورة المباركة، ولم نفرط في ولاءنا أو أرضنا. يجب أن تتذكروا بأن مأرب قدمت للوطن، وبدون منة، البترول وقت الشدة، ورفدت الاقتصاد بالعملة الصعبة، وسهلت أموالها تثبيت دعائم الوحدة، ومهدت الطريق للمشاريع الإستراتيجية، وستنير اليمن بخيراتها من الغاز والحديد والاسمنت والزراعة والسياحة. فكيف بعد كل ذلك تجحدون؟

هل تعلم أن لا علاقة لنا بالسياحة، وأنت اعلم منّا بالمستثمرين؟ كان يأتي السياح في الماضي ويذهبون للقرى وينامون في الأودية والجبال والكثبان الرملية ويعودون إلى ديارهم سالمين غانمين، حتى بدأتم بتخويفهم وإرعابهم، وهم يعلمون الحقيقة لكنهم صامتون.

سادساً: تطرق رئيس التحرير لـ "أصحاب اللحى والنظرات الشزر" مدعيا بأنهم من الباكستان وأفغانستان والصومال وجنسيات لا حصر لها ولا عدد معروف لديه عن لغاتها، وكان الأولى أن يبلغ الهجرة والجوازات وأصحاب الأمن ليتأكدوا من أقاماتهم ومسببات بقائهم. ونسأله: "هل تناسيت أن أبناء مأرب لا يقبلون الخطاء ولا يكذبون؟ أم هل نسيت أن لا مطار دولي أو ميناء بحري في ارض الجنتين؟ توخى الحذر، فالحقد يفقد المرء صوابه ويفضح جهله الدفين. كنت أتمنى لو كسرت خوفك وخوف رفاقك ومرافقيك وتحدثت إلى عامة الناس لتشعر بمرارة العيش وقسوة الحياة".

 تلك النظرات الحزينة والعيون الزائغة هي لمواطنين يمنيين سكنوا مأرب وعاشوا هناك وسيدفنون بعد قضي آجالهم حيث تكتبها أقدارهم. لو يستمع ذو ضمير إلى جزءٍ من معاناتهم لأجهش بالبكاء ولأقسم أن يكسر كل الأقلام الرخيصة وأن يظل عدواً للزيف ويهجر الرياء والنفاق. التعامي في غير محله حيلة مكشوفة والتغابي من غير حلم هروب من الواجب. المواطن يحتاج لزرع الثقة لا إلى تكسير آماله الواهية.

سابعاً: زيارتكم لمدينة "الحصون" التاريخية كانت كعابر سبيل، لا كمن يستذكر التاريخ ويعتبر بمحطاته ورمزيته، فقد ظلّت الحصون حتى وقت قريب سوقاً كسوق عكاظ وتحظى بخصوصية فريدة في قلوب المأربيين قاطبة، ولم يحالفكم الحظ في الجلوس إلى جانب احد جدرانها لتستمتعوا بشرب الشاي "المهيّل" وتطربون لسماع الأحاديث العذبة بلسان عربي أصيل وترون نوع الضيافة الصادقة، ولو من عدم. كل ذلك لأنكم ضيوفنا وسنعاملكم بأخلاقنا ولا نحقد عليكم من معاملتكم لنا بأخلاقكم. تعلمنا أن نعيش كبارا. من المبهج انك قد رأيت علم اليمن يرفرف في قرى مأرب، فهل توقعت أن ترى غير ذلك؟! تعتبر مأرب رمزاً للجزيرة العربية وتاريخها يفخر بحضارة أربعة آلاف عام، فحذار مثل هذا التفكير العقيم.

ثامناً: عليكم في صحيفة "الميثاق" الغراء أن تعلموا، وليعلم العالم معكم، أن لا وجود للقاعدة في محافظة مأرب، ولا ننكر وجود عدد من المرتزقة مع القاعدة لا تصل إلى عدد مديريات المحافظة الأربعة عشرة وقد شددت قبائل المنطقة (ولا نزال نؤكد مراراً) على تسليم أي خارج على العرف والقانون ثبتت إدانته أو تعاونه في ما لا نرتضيه، لا خوفاً من الحملات الإعلامية المغرضة أو جحافل الجيش المتناثرة في المحافظة ( ولا نعارض تأدية الواجبات وتدعيمها بأدا الحقوق). نحن مواطنون يمنيون ولسنا بأعداء متمردين، أما أن تفرضوا علينا حرباً لا نبتغيها فسترد على مشعليها والله لا يحب المعتدين، ولن نخاف طالما ونحن على طريق الحق سائرون. ألقتل لا يورث سوى الدماء والثأر والأحزان، ولتكونوا دعاة للسلام لا الحروب والفتن. أليس فيكم رجل رشيد يؤيد الرأي السديد؟

والآن بعد أن أوضحنا لكم بعض العموميات ونشعر أننا كسرنا القلم بالقلم لا بالمحاكم والشتائم، ما رأيكم، سعادة الأستاذ رئيس التحرير، أن تضعوا صورة المعبد وتمثال "معدي كرب" بدلاً من الشؤم والدماء وتشويه مفخرة اليمن؟ أخيراً، نجدد لكم الدعوة للزيارة والضيافة، لترى أن أفاعي القاعدة هي شبكات أنابيب النفط والغاز وشبكة أبراج كهرباء الضغط العالي، وليحفظ الله اليمن من كل سوء، واعلموا أن لصحيفة الميثاق خصوصية في مأرب رغم شحة التوزيع، ولهذا تأخر ردنا السريع.