تحذير عاجل من الملحقية الثقافية بالسفارة اليمنية بموسكو للطلاب اليمنيين الجدد وزير الدفاع العراقي يعترف بتأجيل انسحاب القوات الأمريكية وقوات التحالف كن العراق الى 2026 شاهد.. حادث مروري مروع يودي بحياة 16 شخصا في تعز تصريح قوي لقيادي في حماس بشأن القائد العسكري الأول محمد الضيف اليمن تتسلم من موريتانيا رئاسة مجلس جامعة الدول العربية اتحاد غرب آسيا يقر بخطئه بحق منتخب اليمن ومطالبات لاتحاد الكرة بالإنسحاب الداخلية السعودية تتوعد بعقوبات قاسية.. ترحيل أكثر من 11 ألف شخص وضبط نحو 1000 آخرين في الحدود بينهم 39% يمنيين هل أفلس بنك اليمن الدولي؟.. صحفي اقتصادي يشير الى الجهة المتسببة في أزمة بنوك صنعاء هل تعاد مباراة اليمن والسعودية ؟ بن مبارك في الدوحة وهذه أبرز الملفات المطروحة على أجندة الزيارة
“كأنني أكلتُ”، جملة لا تُعبّر عن مجرد حالة،
وإنما هي ترجمة عربية لـ “صانكي يدم”، وهو مسجد شهير في إسطنبول، حمل هذا الاسم تعبيرًا عن ملحمة بطلها رجل فقير، حرم نفسه لذائذ الدنيا من أجل بناء مسجد قربةً إلى الله، وترك أثرًا تتناقله الأجيال بسبب سيطرته على نفسه وحملها على معالي الأمور.
كان الحكام العثمانيون يشيدون المساجد في كل بقعة تمتد إليها أيديهم، ويولونها اهتماما فائقًا وعلى الصعيد الشعبي أيضًا، حيث كان عامة الناس يبنون المساجد بدورهم طلبا للمثوبة، إلا أن لهذا المسجد قصة خاصة زادت من شهرته رغم أنه لا يعد من الجوامع الكبيرة.
يتعلق بناء هذا المسجد بشخصية زاهد، أراد صاحبها رغم فقره الشديد أن يترك أثرًا لما بعد موته، فأقدم على فعل ما لم يقدم عليه كثير من الأثرياء، بناء مسجد بهذا الفقر وهذا الزهد.
ترجع قصة بناء هذا المسجد العثماني إلى القرن السابع عشر للميلاد، وقد نقلها الأستاذ أورخان محمد علي في كتابه “روائع من التاريخ العثماني”، نقلا عن كتاب “جوامع إسطنبول”، لمؤلفه تحسين أوز، وقد ذكر أن باني هذا المسجد هو خير الدين كتشيجي أفندي، وكان يعيش في منطقة “فاتح” في إسطنبول.
كان خير الدين هذا رجلا فقيرًا، كلما مر على الأسواق، واشتهت نفسه شراء فاكهة أو حلوى، قال كلمته الشهيرة “صانكي يدم”، أي “كأنني أكلت”، فبدلا من شراء ما يشتهيه يضع أموالها في صندوق خاص على سبيل الادخار.
مرت الأعوام تلو الأعوام، وهو يحرم نفسه من اللذات، ويكتفي بما يقيم صلبه، حتى تجمع لديه مبلغ كبير من المال، تمكن به من بناء مسجد صغير في المحلة التي يعيش بها، ولكن لم يطلق عليه هذه التسمية، إنما أطلقها سكان الحي، حيث كانوا يعرفون قصة هذا الشخص الفقير الورع، وشأن المسجد، فأطلقوا عليه صانكي يدم.
يقع هذا المسجد في أحد الأزقة في منطقة فاتح، معروف باسم “كرباجي نام”، يقبع هناك بين البيوت القديمة، وهو مبني على مساحة حوالي 100م في الداخل، ومساحته الخارجية 130م، ويتسع لمائتي مصلٍ، وبه مصلى للنساء، وتقام فيه الدروس الدينية، وقد بني من الخرسانة المسلحة، وله قباب كبيرة، وأربع قباب مغطاة بالرصاص، وتحتوي المئذنة على شرفة واحدة مبنية من الخرسانة المسلحة، وهو مسجد بسيط في عمارته، بعيد عن مظاهر الترف والفن المعماري الذي تميزت به المساجد العثمانية الكبيرة.
تعرض هذا المسجد لأضرار بالغة إبان الحرب العالمية الأولى، وتعرض للدمار بسبب حريق كبير نشب به، وظل مهجورا حتى عام 1959م، إلى أن أعيد ترميمه وإصلاحه بجهود ذاتية من سكان الحي، وعلى باب هذا المسجد حجر من الرخام دوّن عليه ملخص لقصة بناء هذا المسجد “كأنني أكلت”.
وفي حديث سابق يعود إلى حوالي ست سنوات مضت، يقول عبد الصمد آيدن نائب مفتي منطقة الفاتح في إسطنبول، إن “خير الدين كتشيجي لجم اشتهاءات النفس البشرية، ووجهها لفعل الخير، وفي هذا عظة كبيرة”.
يعقب المصلح الاجتماعي بديع الزمان سعيد النورسي على قصة بناء هذا المسجد بقوله: “كلما نادت اللذائذ، ينبغي الإجابة بـ (كأنني أكلتُ)، فالذي جعل هذا دستورا له، كان بوسعه أن يأكل مسجدا سمي بـ (كأنني أكلت) فلم يأكل”.
لقد مات خير الدين الذي شيد المسجد، لكنه ترك بصحبة هذا المكان قيمة خيرية وإنسانية لا تنسى، فهو قد أتى ثمرة لمجاهدة النفس، وهذا أمرٌ عظيم يحتاج إلى تدبر، ينصب القدوات أمام الناس في السير على النهج ذاته، وإيثار الشأن العام على الشأن الخاص، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.