فيل الملك وميدان التحرير
بقلم/ د. علي صالح موسى
نشر منذ: 13 سنة و 10 أشهر و 11 يوماً
الإثنين 14 فبراير-شباط 2011 04:08 م
 سعد الله ونوس (1941-1997) مسرحي سوري. من مسرحياته الخالدة "الفيل ياملك الزمان" . . في حوار أشخاص المسرحية يسأل الطفل امه لماذا يحب الملك فيلا مؤذيا يتلف المزروعات ويدهس الاغنام ويميتها ، ويقتل الاطفال فلا تجد الام جواب لذلك .. هذا الفيل كانه الشيطان كل يوم تزداد أعداد ضحاياه ومصائبه ،يتلذذ بهذا الشر وكلما ازدادت ضحاياه زاد تعطشه للمزيد ..

 إعتقد الناس أن القدر يحتم عليهم ان يولدوا ويموتوا في ظل هذا الوضع المهين .الناس يهابونه لأنه يمثل في أذهانهم رمز موغل في الجبروت ، كما لو كان ظاهرة طبيعية لا قدرة لأحد برفضها ، أو حتى التفكير في الحوار حولها .

.. في هذا الوضع يقترح زكريا الشاب الطموح الحالم على الناس بعد ان طفح الكيل مواجهه الفيل بالذهاب الى الملك يشكونه بصوت موحد وبعبارات محددة تدربوا عليها لالقائها أمام الملك وهي عبارات الرجا لان يرد اذى فيله والذي قد يكون انه لايعلم بما يفعله ، واملهم بالملك كبير فهم لم ينسوا ابتسامته لهم يوم تتويجه ...ويطلب زكريا منهم ان يكونوا منظمين وان يحنوا جباههم بكل احترام امام الملك وبعد ان يصرخ بملء فمه بالقول : الفيل ياملك الزمان يقولون : قتل ابن محمد فهد ويواصل القول : الفيل ياملك الزمان . فيقولون :هدم البيوت و جعل الرعية بلا امان وخرب الارزاق

 تحقق لهم لقاء الملك في قصره بعد تنظيف احذيتهم ونفض ثيابهم حتى لاتنقل القمل والبراغيث ، وحذرهم الحارس بالعقاب ان بدر منهم قلت ادب او فوضاء .. بدأ زكريا بحسب الاتفاق بالقول :الفيل ياملك الزمان.. لم يرد احد فقد سيطر عليهم الخوف وكرر : الفيل ياملك الزمان ولم يرد احد سوى صوت طفل برز بوضوح يقول ولم يكمل: قتل ابن .. .. لكن الام تضع يدها بهلع في فم صغيرها خوفا عليه .وأستدراكا لهذا لم يكن امام زكريا سوى القول :ايها الملك نحن نحب الفيل مثلكم نحبه و تبهجنا نزهته في المدينة ولاحظنا انه وحيد ويهمنا سعادته بالزواج وان ينجب عشرات الفيله .

 استحالة الاحتجاج بصوت عال أمام الحاكم الظالم تحقق في هذا الزمان في الثورتين التونسية والمصرية بصورة تفوق ما كان يحلم به سعدالله ونوس وهذا الطفل الذي كبر واشتد ساعده رأيناه يطيح بالملك وفيله و يصنع تاريخ ثورة هي الاعظم في مصر والمنطقة. وأعتقد البعض أن التذمر الذي لم يكن معهودا في صفوف المواطنيين أمرا شائعا.. والحاكم يجد نفسه مرغم على التسامح وعلى توزيع بعض المال لتهدئتهم ويعمل احيانا على المكافأة بالمال لمن كان يجدر به ان يحاسبه .

 أنهم شباب لم تتجاوز مطالبهم بغد أفضل خارج عالمهم الافتراضي على صفحات الفيس بوك ووحده كان اعضاء موقع "كلنا خالد سعيد " يضم أكثر من 700 الف عضو دعم وبارك ثورة شباب تونس واستفاد من تجربتها وعقد العزم على المضي الى التغيير في الواقع نحو الافضل واستعادة القيم الاجتماعية النبيلة . . يقول الدكتور أحمد عكاشة رئيس الجمعية المصرية للطب النفسى، إن الحالة النفسية للمواطن المصرى بعد ٢٥ يناير تكاد تكون خالية تماما من أى أمراض نفسية، مثل الحقد والسلبية والأنانية والحرمان والكذب والنفاق، لأن الفرد تجاوز النظر إلى ذاته وبدأ يهتم بهدف رئيسى وهو الحرية، ونسى معها مشكلاته النفسية، التى انتقلت إلى المسؤولين المتهمين بالفساد الآن، لأنهم أصبحوا أكثر الأفراد إحباطا لإحساسهم بالدونية والفشل والخيانة.ولم نسمع عن ظاهرة التحرش فى المظاهرات رغم الازدحام فى ميدان التحرير،بل إن الأخلاق ارتقت بشكل كبير، لأن الجميع نزلوا إلى الشارع سوياً لحراسة أموالهم ومنازلهم، وتولدت روح الجماعة التى لم تكن موجودة من قبل.

 هؤلاء الشباب ومعظمهم من ابناء الطبقة الوسطى ومن مختلف الطوائف وكثير منهم على مستوى رفيع من التعليم هم نواة الثورة الرافعة هدف تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة والعزة، وكانوا في مستوى رفيع من التنظيم والانضباط وتحمل المسؤولية والإتقان، وتولد لديهم أمل وإصرار رفع معنوياتهم وتجاوب معهم معظم الناس وأنظموا اليهم فانتصروا.. والمهم في الثورة الان البدء بالعمل على تحقيق أهدافها لا أن تنجب عشرات الفيلة .