القتلة عندما يتحدثون عن التسامح
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 9 سنوات و 10 أشهر
الإثنين 15 ديسمبر-كانون الأول 2014 04:08 ص

يبدو الأمر مضحكا ومحزنا معا عندما يتحدث عن التسامح زعيم سياسي كل تاريخه هو سلسلة من عمليات القتل والتصفيات الجسدية وتغذية الحروب القبلية ونزاعات الثأر والثأر السياسي.
في مقالته التي تناولتها عدة صحف ومواقع إلكترونية بعنوان "الزعيم صالح يكتب عن سياسة التسامح والعفو ورفض الثأر والانتقام"، قال علي عبد الله صالح أنه رفض سياسة الثأر والانتقام وعمم العفو والتسامح وثقافة الحوار على المستوى الشخصي والمجتمعي.
من الممكن لسكان المريخ وزحل أن يقرأوا هذا الكلام ويصدقوه باعتبار معرفتهم عن سكان الكرة الأرضية، وأكثر من هذا معرفتهم عن اليمن وعن علي عبد الله صالح محدودة للغاية أو منعدمة، وربما هذا ما قصده الرجل أو من كتب له هذه المادة السليمة لغويا ونحويا والخالية من الخلط بين المفرد وجمع المذكر السالم والمثنى وجمع المؤنث السالم، أما سكان الأرض في أي ركن من أركانها، ناهيك عن سكان اليمن، فإنهم سيشبعون ضحكا وهم يسمعون من صعد إلى كرسي الحكم عن طريق التصفية الجسدية لأهم أسلافه يتحدث عن سياسة التسامح ورفض الانتقام.
لا يحتاج اليمنيون إلى تأكيد أنه وقبل صعود علي عبد الله صالح إلى كرسي الحكم في الجمهورية العربية اليمنية كانت تجارة السلاح في أضيق نطاقها وربما في طريقها إلى الاحتفاء، وكانت نزاعات الثأر والحروب القبلية قد أوشكت على التوقف بفضل السياسة الحكيمة التي اتبعها الشهيد الرئيس ابراهيم الحمدي في استبدال الحروب بالسلام والتعاون وإقامة المشاريع ذات الفائدة المشتركة للقبائل المتنازعة لتدافع عنها ويسود الوئام بدلا من النزاع فيما بينها، أما في الجنوب فكان حمل السلاح تصرف يخجل منه صاحبه واختفت الحروب والنزاعات القبلية لأكثر من عقدين ولم تنبعث إلا عندما ضمه (أي الجنوب)علي صالح إلى مناطق حكمه.
فبفضل (السياسة الحكيمة) "للزعيم الرمز" ازدهرت تجارة الأسلحة لتصل حد امتلاك بعض القبائل للأسلحة المتوسطة والثقيلة، وتنامت نزاعات الثأر والحروب القبلية لتشمل معظم مناطق اليمن، كل ذلك بإشراف وتأجيج رسمي من قبل "الزعيم الرمز" وأجهزته باعتبار الحروب والنزاعات هي السوق الأمثل للمتاجرة بالسلاح التي كان يشرف عليها وينظمها هو ورجالاته ليربحوا من ورائها المليارات.
إلى هنا والأمر مقتصر على عمليات استثمارية في النزاعات والحروب وترويج الأسلحة وأدوات الإبادة، لكن ماذا عن القتل ـ الذي يقول الزعيم أنه قد رفضه وأدانه ـ ؟؟
لقد صعد الرجل إلى كرسي الحكم مكافأة له على تصفية أفضل زعيم عرفته الجمهورية العربية اليمنية؟ وبصعوده صار القتل والتصفية الجسدية سياسة رسمية تقاد وتوجه من داخل مكتبه ومن مقرا إقامته، وما تزال قوافل الأسماء التي قتلت على يديه وعلى أيدي عشماويته تتربع ذاكرة شرفاء اليمن، منذ الشهيد إبراهيم الحمدي وشقيقه عبد الله، فعلي قناف زهره وعيس محمد سيف ورفاقهم حتى محمد خميس و علي العاضي ثم حسين محمد زين وحسن الحريبي ومحمد إسماعيل وأحمد فرج وعوض السنيدي ود. عبد العزيز السقاف و جار الله عمر ويحي المتوكل ومجاهد أبو شوارب وصالح الجند ناهيك عن مئات الاشتراكيين القادمين إلى صنعا بعيد وحدة 2 مايو 1990م الذين سقطوا بإشراف صالح وأجهزته على الملف الأمني في البلد، . . .جميع هذه الجرائم وغيرها والتي تمت في عهده لم يتم التحقيق ولم يقبض على المتهم في واحدة منها ما يؤكد أنها كانت تتم برضا بل وبتخطيط وتدبير الرجل الأول في البلد (الذين يدين القتل والانتقام ويدعي تعميم التسامح والعفو).
لن نحتاج إلى الإشارة إلى ضحايا حروب صالح في عموم اليمن بدءا بحملته الانتقامية على أبناء محافظة تعز بعد فشل حركة أكتوبر 1978م ثم حروب المناطق الوسطى فحرب 1994م الإجرامية على الجنوب وحروب صعدة الست (2004م ــ 2010م) وجرائم قتله لنشطاء الحراك السلمي الجنوبي منذ العام 2007م حتى يوم تنحيه، وأخيرا جرائمه في العام 2011م ضد شباب الساحات في صنعاء وإب وتعز وغيرها، وتحالفه مع تنظيم القاعدة بتسليمه عدد من المحافظات الجنوبية بمراكزها الأمنية وألويتها العسكرية ومخازن الأسلحة ومصانع الذخيرة وما ارتبط بتلك الحروب من إزهاق للأرواح وإراقة للدما شملت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعوقين، ناهيك عن التدمير المادي والنفسي الذي نجم عن تلك الحرب وكل حروب صالح على اليمن واليمنيين في الشمال والجنوب على السواء.
كل تلك الجرائم ارتكبها الرجل الذي يتحدث عن التسامح والعفو وثقافة الحوار وكأن اليمنيين بلا ذاكرة أو إنهم قد تعرضوا لعملية غسيل دماغ أنستهم ما الحقه بهم الرجل ونظامه من آلام وما أساله من دمائهم وما أزهقه من أرواح ابنائهم حتى يأتي لهم في صورة الملاك الذي يتقزز من رؤية الدم ويكره صوت الرصاص والقصف.
الرجل الذي يتحدث عن التسامح والعفو حكم البلد ثلث قرن توقفت فيها البلد عن التطور وتراجعت خطوات إلى الوراء في كثير من مناحي الحياة المتصلة بواجب الحاكم تجاه المحكومين، وعندما ثار ضحاياه مطالبين بتغييره بالوسائل السلمية قتل منهم من قتل وشرد منهم من شرد وجرح وعوق منهم الآلاف ثم أبى أن يخرج من الحكم إلا بابتزاز ضحاياه بالتنازل عن حقهم ومنحه حصانة أبدية عن المساءلة تماما كما يفعل زعماء العصابات عندما يخطفون الرهينة ويشترطون للإفراج عنه تحقيق مطالبهم كاملة.
حديث علي صالح عن التسامح والعفو وادعاءه استنكار الثأر والانتقام لا يختلف كثيرا عن حديث اللص عن الشرف والأمانة ودعوته إلى العفة والنزاهة إلا في أمر واحد وهو أن اللص غالبا لا يحتاج إلى قتل ضحاياه ولا يتلذذ برؤيتهم وهم يلفظون أنفاسهم كما يفعل داعية التسامح والعفو في اليمن.
الآن فقط يمكننا معرفة لماذا قال إخوتنا المصريون "اللي اختشوا ماتوا".
برقيات:
*   مطالبة الأغلبية المؤتمرية في البرلمان اليمني المنتهية ولايته برفع الحصانة البرلمانية عن الزميل د محمد صالح علي على خلفية اتهامه زعيمهم بتدبير محاولة اغتيال د. يس سعيد نعمان، أمرٌ في غاية المنطقية فهذه الأغلبية هي من منح هذا القاتل الحصانة التي تحميه من أي مساءلة على كل جرائمه مدى الحياة.

*  الزميل والصديق الديبلوماسي عبد الإله قائد تعرض لمحاولة اغتيال غادرة أصيب على إثرها إصابة بالغة، هذا الحدث يبين أن هناك من لا يهدأ له بال طالما بقي على هذه الأرض شرفاء وأكفاء، نسأل الله الشفاء لعبد الإله ولا نامت أعين الجبناء.

*  قال الشاعر عبد الله عبد الوهاب نعمان:

واهمٌ إن شئت أن يعطيَك الحب أو يمنحك الودَّ النقيّا

 جاهلٌ أنشّأهُ الجهلُ ورعرعَ في جنبيه قلباً جاهـــليّا

 تكمُن الأوهامُ في أعـماقه وحشةً ترضعُ حسّاً همجيا

 ويسـيّرُ الإثمُ  في أعصابهِ ريباً تحييه مرجوفاً شقيا

 فزعَ النــــــــفسِ من العلم بأنَّ لهُ فيهِ دماراً خلقيا