فخ الدستور المكمل ومأزق الإخوان..
بقلم/ صالح السندي
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 21 يوماً
الإثنين 18 يونيو-حزيران 2012 04:13 م

يبدو أن مفاجئات الإنتخابات الرئاسية في مصر لم و لن تتوقف أبدا , فقبيل الإعلان عن النتائج النهائية للإنتخابات الرئاسية المصرية يفاجئ المجلس العسكري مصر والعالم- وكماهي عادته- وبصورة طارئة و مستعجلة بإعلان الدستور المكمل , وينزل الخبر كالصاعقة على رؤوس الجميع , الذي تم استقباله في حالة من الذهول والترقب الشديد , والنظر بتمعن الى ما ستؤول إليه أوضاع البلد , و الذي تم اعلانه حسب خطط مدروسة ومدبرة وفي فواصل زمنية قياسية ومتقاربة من القرارات المصيرية , وعبر تسلسل ممنهج يستبق الأحداث والنتائج بضربات سياسية استباقية قانونية -أقل ما يقال عنها انها خطوات وقائية لإستباق العاصفة مصحوبة مع الهدؤ الحذر لتمييع وحرف النتائج الإنتخابية وإفراغها من مفعولها, والتأهب لكل جديد يطرأ على الساحة المصرية على مختلف الأصعدة السياسية والأمنية , سواء في حال فوز المرشح محمد مرسي وهو المؤكد حاليا –مع إحتمالية فوز أحمد شفيق في ظل الأنباء المتضاربة - بحيث تظل الأمور ومراكز القرار وزمام السلطة والأمن واغلب الصلاحيات في دائرة ونطاق صلاحيات المجلس العسكري وتحت سيطرته ونفوذ , ويصبح الرئيس المنتخب القادم دستوريا وقانونيا مفقود ومنزوع الصلاحيات و ضيفاً غير مرحب به سياسياً في قصر عابدين.

الضربة القوية التي وجهها المجلس العسكري لقوى الثورة وجماعة الإخوان و للإنتخابات الرئاسية – التي تمت بصورة شكلية غير مؤثرة – تعتبر ضربة قوية وموجعة في صميم العملية السياسية, وحسب نصوص ومواد اعلان الدستور المكمل الذي تضمن إدخال تعديلات في مواد رئيسية هي ( 30 و56 و60 )- التي تعتبر سيادية تمس صلاحية رئيس الجمهورية بشكل مباشر - من الإعلان الدستوري، مع حذف البندين الأول والثاني من المادة 56 - اللذان يعتبران شكليين- والذى ينصان على" التشريع وإقرار موازنة الدولة، لأنهما من اختصاص الجهة التشريعية التي يمارسها المجلس العسكري" بعد أن تم حل مجلس الشعب.

ويكون الإعلان الدستورى المكمل ساري الفعالية من تأريخ إعلانه وصدوره حتى إجراء انتخاب مجلس الشعب خلال مدة أقصاها ستة اشهر ولا تتعدى العام الواحد , يضع رئيس الجمهورية المنتخب كديكور رمزى لإنتخابات ديموقراطية نزيهة وتمت بصور شرعية , إلا أنها شكلية خالية الوفاض والصلاحية وتفتقد جوهر التغيير والتحكم , وان أكسبت الشارع المصري والعام انطباعا كبيرا والإيهام بفوز قوى الثورة والتغيير وتبوء جماعة الإخوان المسلمين سدة الحكم في البلاد , ولكنها تعتبر مجرد مطب سياسي مؤقت يعيد الأمور الى نصابها وعهدها السابق, وكما جاء ذلك صراحة على لسان الدكتور محمد حبيب النائب الأول للمرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين سابقا ان الرئيس القادم لإدارة البلاد سيكون رئيساً منزوع الدسم ,وبلا صلاحيات خاصة بعد ان اصدر المجلس العسكري أمس الإعلان الدستوري المكمل استباقا لاحتمالية فوز مرسي.

وجاء إعلان الدستور المكمل ليحبس الفرحة في قلوب الملايين ويخنق ابتسامة النصر قبل ظهورها للعلن , البرود الذي تعامل به المجلس العسكري مع مختلف التغيرات , وكأنة يعلم ما يدور في الخفاء ويقف موقف المتفرج من الأحداث , والخطوات الاستباقية التي قام بها لصياغة القرارات واسقاط قانون العزل وحل مجلسي الشعب والشورى , أتت جميعها متناغمة مع تطلعات الفلول و مقدمة وتمهيداً لإعلان الدستور المكمل , الذي يعتبر القشة التي قصمت ظهر بعير الإخوان وخنقت آمال التغيير , وبعد عجز اسقاط قانون العزل وحل مجلسي الشعب والشورى عن إيصال أحمد شفيق للرئاسة , وبذا فندت مزاعم النصر الثوري الإخواني الزائف, وجعلت هالة النصر مجرد زوبعة اعلامية وفقاعة دعائية خالية من التحقق والإنجاز , بما تؤكد انه في حال صياغة دستور جديد للبلاد وانتخابات مجلس شعب جديد ستكون صلاحيات الرئيس الحالي مجرد ’’رئيس انتقالي مؤقت’’ لمرحلة انتقالية فقط و فاقد الصلاحيات ولا يملك الخيار في القرارات السيادية الكبرى من حرب وغيره ناهيك عن إحداث تغييرات جوهرية وزارية وحكومية وإصلاح المنظومة الإدارية واجتثاث الفساد مع عدم وجود السلطة التشريعية والرقابية ممثلة بمجلس الشعب والشورى , وتبقى مراكز السلطة والقرار في يد المجلس العسكري وحدة وتحت أمرته , الذي يوجه مصر بما تقتضيه المصلحة العليا ودواعي الأمن والإستقرار.

فسيكون حينها على الرئيس المنتخب الرحيل فوراً -بعد الإنتهاء من فترة الضيافة- خلال الستة أشهر القادمة , بعد الإنتهاء من انتخابات مجلس الشعب الجديد وإعلان الدستور الجديد, وتهيئة الأجواء لانتخابات رئاسية قادمة , كيف سيكون الحال عليها خلال الفترة القادمة وكيف ستكون الأجواء الانتخابية والحماس الثوري والساحة الوطنية المصرية حينها من تقبل الخروج من انتخابات ووضع معين والولوج مرة اخرى الى مرحلة جديدة لانتخابات متقدمة , قد ترسم أصابع السياسة فيها وضعا منهكا جديدا وتآمرات و حيل أخرى , وحينها ستذهب الجهود الإعلامية والثورية أدراج الرياح .

المجلس العسكري والقوى التي تقف خلفه وتدور في فلكه أدارت اللعبة الانتخابية بدهآء كبير ومنقطع النظير , وأدارت دفة العجلة السياسية بذكاء وتم حصرها في زاوية محددة تخدم النظام السابق وتصب في صالحة وتوجهاته , ولا وجود لتفسيرات أخرى تؤكد غير أن جميع الإجراءات المتبعة والقرارات النافذة التي تطير وتحلق في الفضاء المصري وتفجر براكين وزلازل سياسية لا تخدم الا رموز نظام مبارك , وتنسف جميع الجهود الثورية والوطنية للتغيير , وتعيد لخبطة أوراق اللعبة السياسية , الفائز الوحيد فيها هو من يملك القوة والحنكة , وفي وضعية تؤهله التلاعب واصدار القرارات وتحريف الدساتير من موقع الصلاحية والإقتدار.

 مواد إعلان الدستور المكمل أتت فعلا مكملة على البقية الباقيه من نفس و روح أحلام التغيير , ونسفت أحلام جماعة الإخوان بتبوء منصب الرئاسة وتحقيق حلم الخلافة الراشدة , بدورها أعطت دفعة معنوية وحماسية عالية للفلول بالمضي قدما الى رحى المستقبل بأمل وتفاؤل وربما لإيجاد موضع قدم في حكومة ما بعد الإعلان وتهيئة الأجواء لانتخابات رئاسية مصرية مستقبلية , واعادة رسم المستقبل المصري بما يتوافق وهوى الأنظمة السابقة ويخدم بقاءها , ووضع جماعة الإخوان مرة أخرى في دائرة حمراء ملتهبة لا يمكن ان تتعدى خطوطها وان تدور خارج مركزها في صفوف المعارضة.

القوة العسكرية وحدها هي من تسير الأمور الآن وترسم الخطط وتضع اللبنات الأساسية للمستقبل , وبالعودة الى مواد الإعلان المكمل نجد ان المواد الست خولت للمجلس العسكري الصلاحيات الكاملة والمطلقة لقياد الوطن , خاصة فيما يمس القرارات المصيرية كالحرب وغيرها , وتثبيت الأمن والاستقرار وفرض قرارات ربما جديدة في حال مساس الأمن والسلم العام بخروقات حادة .

وتداعيات الإعلان المكمل والمبكر وان جاءت في توقيت غير مناسب وملائم للأحداث بدعوى الحفاظ على الأوضاع من تداعيات انهيارات مستقبلية إلا انها ستخلف المزيد من الأزمات والإنفلات الأمني وغلاء الأسعار وعدم الإستقرار, وستعم موجة من الشلل العام كافة مرافق وأجهزة الدولة في حال افتقار القيادة المركزية والفراغ السياسي, حين تتقاذفها مختلف التوجهات والتيارات السياسية والحزبية كل حسب هواه وميوله, في حال الفراغ الحكومي لتوجة معين مقتدر وقادر على إحداث تغييرات ملموسة في المنظومة الحكومية والإدارية الحاكمة , بدورها كانت النتائج الأولية وان أعلنت تباعا عن فوز محمد مرسي الا انها كانت صادمة بصعود مؤشرات أحمد شفيق وتبوءة درجات نهائية عالية ومتقدمة , يضع تساؤلات محيرة عن مدى الجاهزية الشعبية والقبول بالإنتخابات , والتوجه الى انتخاب احد ممثلي النظام السابق واركانه والتصويت له طواعية وعن طيب خاطر , و إن كانت نسب التصويت والنتائج عالية ومتقاربة جدا , مما يقسم الشارع المصري تقريبا الى نصفين متساويين , وما الإدعاء المبالغ فيه بفوز محمد مرسي الا في فوارق نسبية بسيطة جدا, تجعل معه القول بالنصر الشعبي العظيم لقوى الثورة مدعاة للسخرية والشماتة , صاحبة حالة من النفور العام من التوجه الى صناديق الإنتخابت في جولة الإعادة , وهذا ما بدا واضحا ودالاً على الإحجام الشديد والرفض وانعدام الثقة لمرشح الإخوان , وان كان الفوز نسبياً - حسب النتائج مقارنة بالأعداد المشاركة والإجمالية كلياً- وليس مطلقا .

إذن حتى اللحظة الراهنة يمكن الجزم والقول بأن الثورة المصرية لم تنتصر شعبيا ولم يتم قطف ثمارها , والدليل نتائج الإنتخابات المخجلة , ويبقى التساؤل من يقف ورآء هذه الكارثة الثورية ؟ وما سبب النفور الشعبي العارم من مرشح الإخوان والثورة إن صح التعبير , ولماذا عدم القبول والرضا عن حكم الإخوان ؟ جميعها تساؤلات مشروعة و الشارع المصري يعيها جيدا ووحدة يملك الإجابات الشافية عنها, ويملك مفاتيح الألغاز التي تمر بها مصر.

ولن تكون الخطوة الجريئة التي إنتهجها المجلس العسكري بإعلانه الدستور المكمل هي نهاية مسرح الأحداث السياسية والدرامية في الساحة المصرية , بل ستكون نهاية البداية لحكم الفلول والنظام السابق والعودة مجددا وان طال المدى ومن بوابة الدستور والقانون وبمباركة شعبية ومن تحت قبة البرلمان المنتخب القادم , وربما سيتجه المجتمع المصري حينها الى انتخاب مرشحاً بديلاً لايمثل الثورة الشعبية ولا النظام السابق ليخرج من مغبة المسرحية الهزلية الطويلة التي نسج فصولها وحاك درامياتها المجلس العسكري والفلول بجدارة بالغة.

وهذا ما يسوقنا الى التمهيد وسبق الأحداث بتهيئة الأجواء للعودة المرتقبة والظهور الجديد , فكما نصت عليه المادة 60 من الإعلان بتشكيل جمعية تأسيسة من مائة عضو تتولى صياغة و إعداد دستور جديد للبلاد تضم في تكوينها مختلف الأطياف والأطراف السياسية وتمثل جميع القوى الداخلية معبرة عن جميع المصريين بكل انتماءاتهم , وشرعنة الواقع مستقبلا حسب الأغلبية دون استثناء الأقلية , وبلورة الدستور بما يخدم مختلف التوجهات لن تستثني الرئاسة والبرلمان والوضع العام , بما يمثل بصورة مباشرة سحب البساط على قوى التغيير وفتح الباب على مصراعيه اما مختلف القوى بما فيها الفلول والأقباط والفئة الصامتة وغيرها بالإستحواذ على نصيب الأسد في التغيير والمشاركة في صنع المستقبل المصري بما ينبئ بعودة تقاسيم الوضع الى مراحله الأولى ومربع الصفر ونقطة البداية , وتصبح حينها الثوة المصرية عاجزة و مجرد حلم عابر و منعطف تأريخي دار بمصر دوره كاملة على مدى عام كامل وأعادها الى الوضع السابق بصورة جديدة دون أي تغيير يذكر, وحدها الأيام القادمة كفيلة بفك شفرة وطلاسم الواقع المصري , وسرد مفاجئات جديدة ربما لن تتوقف أبداً.