خالد الرويشان يتحدث عن تصرفات حوثية لن يتخيّلَها حتى الشيطان:عارٌ علينا أن نصمت اللواء العرادة يطالب المجتمع الدول بإتخاذ تدابير عاجلة تجفف منابع الدعم الخارجي للمليشيات مليشيات الحوثي تحول مدارس صنعاء إلى معسكرات تدريب للطلاب حزب الإصلاح يلتقي بعيدروس الزبيدي مركز مكافحة الإرهاب الأمريكي يتحدث عن نقاط ضعف الحوثيين القابلة للاستغلال وحقيقة قدرتهم على تحديد هوية السفن وتعقبها وضربها سلاسل بشرية بمدينة مأرب تضامنا مع الشعب الفلسطيني ودعما لقطاع غزة - صور وزير الخارجية يستقبل الرحالة اليمني منير الدهمي بالرياض الضالع.. القوات المشتركة تدمر مرابض قناصه المليشيا وتحرز تقدما ميدانيا تفاصيل لقاء وزير الدفاع ومحافظ حضرموت باللجنة الأمنية بالمحافظة محكمة الجنائية الدولية تصدر أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت وتكشف عن أسبابها المنطقية
تحدّثنا في مقال: "هل بدأ خريف السّلفيّين في اليمن؟"، بأنّ سلفيّي اليمن استعجلوا الدّخول في المعترك السّياسيّ، وأنّهم بحاجة لقنطرة يتّجهون عبرها لإنشاء حزب أو أحزاب ظلّ، تكون بمثابة تمهيد وانتقال متدرّج نحو ولوج العمل السّياسيّ على الواقع. ما يدفع لهذا الرّأي هو المشوار التّنظيميّ الهزيل الذي سلكه السّلفيّون، وهو لا يعني التّقليل من جهودهم الدّعويّة والعلميّة والخيريّة العظيمة التي يشهد عليها القاصي والدّاني والصّديق والعدوّ في اليمن، إلاّ أنّ هذه الجهود لا تؤسّس عملاً سياسيًّا؛ فالدّعوة وعمل الخير شيء والسّياسة شيء آخر ربّما ضدّ الأوّل أحيانًا؛ فثمّة أمور أخرى كان المفترض في سلفيّي اليمن أن يراعوها ويلتفتوا إليها.
وسأحاول المرور بشيء من الاختصار على مجموعة، يمكن تسميتها بمطبّات سلفيّي اليمن في طريق العمل السّياسيّ، وهي مظاهر اتّسمت بها مسيرتهم الدّعويّة والعلميّة والخيريّة من خلال جمعيّاتهم ومؤسّساتهم ومراكزهم، ليس بالضّرورة حاضرة عند الجميع، ولكنّهم جميعًا، لهم منها أوفر الحظّ والنّصيب، والقصد التّنبيه عليها والدّلالة إليها، مساهمة لدرئها، وتغييرها، وتحسين الأداء السّلفيّ خصوصًا، والجميع متأهّب لخوض غمار التّغيير جنبًا إلى جنب: جماعات الإخوان واللّيبراليّين والاشتراكيّين والبعثيّين والحوثيّين الذين يفوقونهم تنظيمًا ودرايةً وفهمًا وتجربةً للعمل السّياسيّ.
خلال مشوارهم لم يفلح السّلفيّون في إنشاء مؤسّسة إعلاميّة واحدة على الأقلّ، اكتفوا حاليًّا بإصدار مجلة فصليّة وأخرى شهريّة وصحيفة أو صحيفتين أسبوعيّة، وأمّا الصّحف اليوميّة فلم يتجاسروا في الإقدام عليها؟! وحتى التي أصدروها فهي عرضة للتّوقّف أو الانقطاع.. وليس لديهم مطبعة صغرت أم كبرت، مع حبّهم للتّأليف والإصدار! ولذلك يضطرّون للطّباعة عند الآخرين، أو في خارج اليمن كمصر خصوصًا.. بالطّبع، ليس لديهم قناة فضائيّة، أو إذاعة، أو مراكز إعلاميّة لها من الإمكانات والطّاقات ما تسجّل بها حضورها في الميدان الإعلاميّ. أنشؤوا مركزًا أو مركزين للبحوث والدّراسات العلميّة والدّعويّة، وهي تعاني عوزًا وضعفًا في الجانب الماليّ، ممّا ساهم في ضعف إنتاجيّتها المطلوبة.
أما سبب ضعفهم الإعلاميّ آنف الذّكر، فيمكن حصره في خصومة عمليّة للإعلام، أفرزت واقعًا لا يليق بحجم الآمال والطّموحات والدّعوات الكبيرة التي تطلقها منابرهم، وتدبّج بها خطبهم ومحاضراتهم في الدّعوة إلى التّغيير وحمل رسالة الإسلام للبشريّة، بل تنظيرهم لإقامة دولة الخلافة الرّاشدة، ولا يليق أيضًا بحجم الدّعم الكبير الذي يحصلون عليه من الدّاعمين. كان يمكن تخصيص جزءٍ منها للجانب الإعلاميّ، كما أنّ القيادة لم تعِ أهميّة وجودٍ فعليّ لها إعلاميًّا؛ فإحدى أكبر جمعيّاتها الخيريّة لا تمتلك موقعًا إلكترونيًّا بالمعنى الصّحيح، بل هو إلى الجمود أقرب، وعندما علمت القيادة أنّ مواقع التّواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر والمدوّنات أصبح لها رواجها وجمهورها العريض، ورأت غيرها يحتلّ مساحة كبيرة من الجمهور اضطرّت لحجز موقعٍ فيها، ولولا ذلك، لما فعلت وبقيت في مطبّ الزّوايا المنعزلة، كما سيأتي التّنويه عليه لاحقًا.
الضبابيّة والغموض، سمة بارزة في تصنيف الجماعات السّلفيّة في اليمن، لقد فضّلت الزّهد والابتعاد عن الظّهور والبروز وإن صحّ التّعبير "الزّهد الإعلاميّ"، ممّا جعل النّاظر إليهم يعتقد خطأً أنّهم فصيل من حزب التجمّع اليمني للإصلاح "الإخوان المسلمون"، حتى إذا توغّل قليلاً واستمع لحديثهم، رأى أنّهم على الحياد لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وإذا استمع إلى مدح السّلفيّين للجهاد وقتال الغزاة وأعداء الإسلام، تنطبع في ذهنه أن هؤلاء أتباع تنظيم القاعدة، بل يجازف بالقول إنّهم المصنع الخفيّ لهذا التّنظيم!!
هذه الأحكام المتسرّعة والمتجرّئة والظّالمة في أحيان كثيرة، التي لا تفرّق بين الجماعات السّلفيّة التي منها الوسطيّ المعتدل، ومنها المتطرّف المنحرف، سببها تلك العزلة الإعلاميّة التي ارتضاها علماء السّلفيّة الدعويّة لأتباعهم، وربما استنساخ سلفيّة بلاد الحرمين الشّريفين في كلّ أنماطها ومناهجها وطرائق عملها وحتى تفكيرها، وبعضهم زاد ـ تهكّمًا- "فاستنسخوا حتى طريقة إسبال العمامة على رؤوسهم"!!
عدم اهتمامهم بالتّأهيل والتّدريب؛ فحتّى توجّههم الشّرعيّ الذي أخذ منهم النّصيب الأوفر من الجهد والإنفاق، لم يحظ بعناية القيادة له، إلاّ في السّنوات الأخيرة؛ فقام المشايخ بالبدء بأنفسهم؛ فإذا بهم يهرعون للحصول على الشّهادات العليا حتى يرتقي اسم الشّيخ معزّزًا بلقب علميّ لئلاّ يضعف شأنه أمام الآخرين. أكثر من عشرين عامًا من عمر السّلفيّة في اليمن كانت كفيلة بتأهيل الشّباب الذّكيّ الذي جاء يسعى سعيًا لمحاضنهم التّربويّة فلم يحظ بشيء من التّأهيل، إلاّ من استطاع أن يحفر الصّخر بنفسه، ويؤهّل ذاته ويبني مستقبله، ويصبح رقمًا لكنّه في الأخير ليس لهم، بل إمّا لنفسه أو لغيره خارج إطار السّلفيّة، وتناثر الشّباب من بين أيديهم، وضاعت عليهم مكاسب كبرى لم تكن لتضيع لولا العقول المغلقة عن باب التّأهيل والتّرقّي في مدارج العلم الشّرعيّ، فما بال التّخصّصات الأخرى الطبّ والهندسة والإعلام والسّياسة والتّقنية والقانون والفلسفة والفنون؟!
من المشكلات العويصة التي يعاني منها الاتّجاه السّلفيّ في اليمن، عزلة قياداته عن الحضور الفاعل داخل المجتمع في مناسباته واحتفالاته، فمن أصبح قائدًا منهم، أسبغ على نفسه هالة من الكاريزما المفتعلة، والتحوّط اللازم؛ إمّا من باب أنّه قدوة، وأنّ النّاس ينظرون إليه، وإمّا أنّ الواقع سيّئ ولا يليق به الانخراط فيه، فتصيبه معرّة احتكاكه ومخالطته به، فتجد أكثرهم يقبعون في مكاتبهم ومنازلهم بين أوراق الكتب ومستندات أو اجتماعات العمل الخيريّ لتنزيل الأوامر والتّوجيهات لمن تحت أيديهم من المديرين والموظّفين والدّعاة الذين يحسنون "التّمتمة" و"السّمسمة" إعلانًا بالقبول والموافقة لما جاءهم من الأوامر والتّوجيهات، أمّا حضور هؤلاء القادة في واقع النّاس وفي تجمّعاتهم كفرد منهم فهذا قليل ونادر باستثناء وجودهم في المساجد على منبر يوم الجمعة أو المحاضرات أو بعض الاحتفالات كالعرس الجماعيّ، أو تكريم الحفّاظ والمبرّزين من طلاّبهم، مع أنّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان يمشي في الأسواق، ويختلط بالنّاس، ويسجّل حضورًا لافتًا جعل أعداءه يتساءلون: (أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولاً)؟ لاندهاشهم من حجم الحضور الاجتماعيّ الكبير لدى هذا القائد!،"لقد كان الرّسل من البشر ليعيشوا حياة البشر؛ فتكون حياتهم الواقعيّة مصداق شريعتهم، وسلوكهم العمليّ نموذجًا حيًّا لما يدعون إليه النّاس، فالكلمة الحيّة هي التي تؤثّر وتهدي، لأنّ النّاس يرونها ممثّلة في شخص مترجمة إلى حياة".
أسلوب القيادة الديكتاتوريّة هو الأسلوب المتّبع في إدارة العمل الدّعويّ والخيريّ، فنفّذ ولا تناقش، فإن ناقش المريد، وزاد في نقاشه وحججه أو نبش في جراحٍ لا يرغب القائد لها أن تنبش، فليس لهذا المتمرّد إلاّ التّهميش والإبعاد عن وتيرة العمل، فتسند مهامه لأفراد آخرين، لديهم القدرة الكافية للانصياع والتّنفيذ للأوامر.
هذا الواقع أفرز تغييبًا لقطاع كبير من الشّباب، فمع وجود منهج للاستدلال والاجتهاد في فكر الجماعة، إلاّ أنّ الجمود والتّكرار لطرائق العمل الدّعويّ هي الأكثر حضورًا في مسيرتها، فالوسائل القديمة مازالت تستخدم ولا يزال بعض القادة يستغرب من ظهور الأفكار المتجدّدة لدى الشّباب، ولكن خوفهم من التّجديد والتّغيير يجعلهم يؤخّرون تنفيذ الانتقال لمرحلة أكثر تطوّرًا وتنظيمًا لعملهم. ممّا أدّى ذلك كلّه إلى شيء من الخمول في فكر الشّباب والحيرة والإحباط، وأدّى بفئات منهم للانتقال إلى جماعات أخرى؛ إمّا جهاديّة كتنظيم القاعدة أو ما يُسمّى بأنصار الشّريعة، وإمّا صوفيّة، وإمّا إخوانيّة، ولا يحضرني عديد المنتقلين، كلّ ذلك مردّه اقتراف القيادة السّلفيّة لأساليب التّهميش واللامبالاة بخيرة شبابهم وتطلّعاتهم والإهمال المزمن للملاحظات والانتقادات التي تردّ من بعضهم رغبة في الارتقاء بالعمل السّلفيّ إلى مستويات أرقى.
وقد استند ذلك في جلّه على مفهوم الولاء والطّاعة للعلماء والمشايخ، من باب الإتباع والتّوقير لمكانتهم، أو باب حرمة لحومهم المسمومة التي لا تقبل المخالفة أو النّقد، فتطوّر هذا الأمر ليصبح الشّيخ هو العالم والمفتي والقائد والموجّه والمدير والمخطّط والمدرّب والمستثمر والرّئيس والمستشار، وهو الموسوعة والمموّل الدّاعم ونحو ذلك من الأوصاف الشّموليّة التي قيّدت الأتباع ورهنتهم لآراء رموز وأشخاص، فتحمّلت حملاً فوق طاقتها ووسعها أكثر ممّا تحتمله، فكانت النتيجة سلبيّة على العمل الدعويّ والخيريّ أنتجت هزالاً وضعفًا وتكرارًا، وبالتالي مللاً وتوقّفًا وانحدارًا!!
السّيطرة المحكمة على منافذ الدّعم الماليّ للمشاريع وعدم الدّفع بنخبة مميّزة من الشّباب، للقيام بدور المسوِّق للمشاريع الدّعويّة والخيريّة؛ إمّا خوفًا من الغدر أو الخيانة، وإمّا خوفًا من أن تبرز هذه النّخبة وتنافسهم في مركز القيادة والتّوجيه، وبالتّالي تسحب بساط إقبال النّاس عليهم! فكان نتيجة هذه السّيطرة أن تقوقع العمل السّلفيّ حول نفسه، وضُيّق عليه، خصوصًا بعد أحداث "11سبتمبر 2001م بحجّة الحرب على الإرهاب، لذلك أُغلقت مؤسّسات عريقة وكبيرة، فتأثّرت تبعًا لها مؤسّسات السّلفيّين في اليمن، فلم تنتعش مشاريعهم، ولم تتطوّر بل تأخّرت وضعفت، وبعضها توقّفت ثم ماتت، فخيارات السّلفيّين محدودة، ومواقفهم الفكريّة والإداريّة تجاه الآخرين متشدّدة، والانتقال من التشدّد إلى التوسّط يحتاج إلى قرارات تاريخيّة، ناهيك عن العزلة والخوف من مخالطة النّاس، والتفرّد في القرارات الإستراتيجيّة، كمعضلة إداريّة لم يتخلّص منها سلفيّو اليمن إلى هذه اللّحظة، وإن حاولوا توسيع الدّائرة، لكنّها تبقى هامشيّة وإن اتّسعت مساحتها؛ فمركز الدّائرة قبّة هلاميّة يصعب على الآخرين القرب منها أو المساس بها.
وبعد، فهذه إطلالة ومرور سريع لمشوار سلفيّي اليمن الذين شدّوا العزم أخيرًا للولوج في بحر السّياسة المتلاطم، ولكن بسفن من ورق!! فهل سنرى في الأيّام القادمة صدمة تغيير سلفيّة؟ خصوصًا والحاجة ماسّة جدًّا لمراجعة تصحيحيّة متجرّدة للمشوار السّابق، لا تقلُّ أهميّة عن البدء بخطوات جديدة، ومشاريع إستراتيجيّة، وأفكار مبتكرة وإبداعيّة لم تكن معروفة لدى الجماعة السّلفيّة ذاتها.فهل يبادرون بالمراجعة؟!