كيف حول ”المجلس الانتقالي“ عدن وبقية مناطق سيطرته الى ”مسرح للفوضى والانفلات الأمني“..؟ (تقرير)
الموضوع: أخبار اليمن

منذ أغسطس/آب 2019، تحولت المناطق الجنوبية الخاضعة لسيطرة ما يسمى بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي“، المدعوم إماراتياً، إلى مسرح للفوضى والانفلات الأمني، خصوصاً في العاصمة المؤقتة عدن، والذي وصل أخيراً لحد الاقتتال داخل الأحياء المدنية بكريتر، في مواجهات استمرت ايام واسفرت عن سقوط عدد من القتلى والجرحى.

وبدا جلياً أنَّ توقيت إثارة الفوضى والمواجهات المسلحة لم يكن صُدفة، فاندلاعها جاء بعد أربعة أيام من عودة حكومة معين إلى العاصمة عدن بعد غياب استمر لأشهر؛ وعلى بعد أقل من 1200 متر من مقر الحكومة في معاشيق، حيث تشير كل هذه المُعطيات كانت سبباً محفّزاً لخلق جولة صراع جديدة، تحركها جهات خارجية لإرباك المشهد.

وتعليقاً على مواجهات ”كريتر“، كشفت اللجنة الأمنية بعدن عن “مخطط لخلط الأوراق، وجر المدينة إلى الفوضى والتخريب”، من خلال هذه الأعمال التخريبية، مؤكدة “فشل هذا المخطط”. الأمر الذي أثار استغراب العديد من المراقبين؛ نظرا لكون القوات المتهمة بالإرهاب والتخريب موالية للمجلس الانتقالي وتخضع للجنة الأمنية بعدن.

وقالت ‏اللجنة الأمنية إن قوات الأمن وقوات مكافحة الإرهاب تقوم بتطهير مديرية صيرة “كريتر” من بعض المجاميع والبؤر الإرهابية الخارجة عن النظام والقانون، داعية المواطنين لإفساح المجال أمام قوات أمن عدن وقوات مكافحة الارهاب بتطهير المدينة من المجاميع والبؤر الإرهابية”.

ويبدو أن ”المجلس الانتقالي" الذي تدعمه الإمارات قد فشِل في ضبط الأوضاع الأمنية في مدينة عدن وبقية مناطق سيطرته جنوب اليمن، بالتزامن مع فشل تنفيذ اتفاق الرياض بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، وعودة الاغتيالات لسياسيين وأمنيين وعسكريين في المدينة، وتدهور الخدمات والأوضاع المعيشية.

وأجبر المجلس الانتقالي الحكومة اليمنية على مغادرة عدن في مناسبتين، كما أعلن الإدارة الذاتية للجنوب قبل أن يتراجع عنها منتصف 2020، إذ وجد نفسه غير قادر على التعامل مع انهيار الوضع الخدمي والإنساني، وسط مطالبات له بتحمل المسؤولية.

شماعة الإخوان في اليمن، أصبحت الطريقة الوحيدة لتعليق المجلس الانتقالي عليها الأخطاء التي يرتكبها في المحافظات المحررة وخصوصًا الجنوبية، بهدف تنفيذ أجندة فصل اليمن.

ومنذ توقيع اتفاق الرياض، يراوغ المجلس الانتقالي الجنوبي ويرفض الالتزام ببنوده ويمارس سلطته كأنه الدولة، بل وفوق ذلك أطلق يد جماعاته المسلحة للسيطرة على كل مرافق الدولة الخدمية وابتزاز المواطنين.

وفي نهاية ديسمبر/كانون الأول 2020، عادت الحكومة اليمنية إلى عدن، بناءً على توقيع آلية تسريع تنفيذ اتفاق الرياض بين طرفي الصراع المناهض لجماعة الحوثي المدعومة بقوة من إيران، وكان أمامهما مهمات جسيمة يفترض العمل عليها، لخدمة المواطن وإنعاش الحياة اليومية في المناطق المحررة، إلا أن المجلس الانتقالي عاد مجددًا لمضايقتها، وأطلق عناصره لاحتجاز تعسفي لوزراء في الحكومة الشرعية في شوارع عدن أو لرفض تنفيذ التوجيهات الصادرة، وتارة يدعو لمظاهرات بهدف اقتحام قصر معاشيق عدن.

ونتيجة لأفعال المجلس، أصبحت الحكومة اليمنية في عدن، مجرد أسماء لا صلاحيات لهم، فكان من الطبيعي أن يعود كل الوزراء إلى الرياض، حاملين هموم ملفات شائكة، يصعب أن يتم حلها بالطريقة التقليدية، لا سيما أن الإمارات العربية المتحدة، تسعى بكل ما أوتي لها من قوة دبلوماسية واقتصادية لإفشال حكومة المناصفة، لأسباب غير معلومة حتى الآن.

وأصبح الانتقالي الجنوبي متحكمًا بكل المرافق الحكومية منها الاقتصادية والأمنية والخدمية، وأصبح هو من يتحكم بالقرار السياسي في غالبية محافظات الجنوب المحررة، وهو المسؤول الأول عن كل الإخفاقات والنجاحات إن وجدت، لكنه فشل فشلًا ذريعًا في إدارة المرحلة.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، أصبحت عدن في فوضى أمنية، أعادت ذاكرة أبناء عدن إلى الحرب الأهلية في ثمانينيات القرن الماضي، فضلًا عن ذلك انهارت الخدمات الأساسية في المحافظة وانهارت كذلك أسعار الصرف، ما تسبب في زيادة مهولة في أسعار المواد العذائية.

ونتيجة لهذا الانهيار السريع في الخدمات الأساسية والعامة، إضافة إلى الفوضى الأمنية، حاول المجلس الانتقالي الجنوبي جاهدًا أن يعالج كل تلك الاختلالات لكنه فشل، وحمل فشله على الحكومة اليمنية التي لا تستطيع العودة إلى العاصمة اليمنية المؤقتة عدن بسبب "بلطجة" المجلس الانتقالي.

تفاجأ المجلس الانتقالي، أن ما كان يخطط له، انقلب ضده، وأصبحت الناس تطالبهم بالخروج من عدن، وأطلقت عليهم "قرود" كناية بأنهم ليسوا جديرين بالثقة ولا يمكن أن يحلوا قضية الجنوب كما وعدوهم.

ممارسات المجلس الانتقالي الجنوبي، أوصلت الشعب وأبناء عدن إلى قناعة أن الانفصال الذي تدعمه الإمارات هو دمار لهم، ولا يمكن أن يحل قضية الانهيار الاقتصادي، وهو ما عبر عنه الكثير من أبناء المحافظات الجنوبية، بأهمية البقاء ضمن الجمهورية اليمنية، وعودة الحكومة اليمنية.

كان رد فعل المظاهرات التي خرجت في عدن ضد المجلس الانتقالي الجنوبي، عنيفة ومخيبة لآمال الإمارات، بل وكشفت ترابط الشعب شماله وجنوبه، وأن الانفصال الذي تنادي به الإمارات صعب المنال في الوقت الحاليّ، وربما في المستقبل، وهو ما قد نرى تغيرًا في السياسية الإماراتية تجاه الحكومة اليمنية خلال المرحلة المقبلة.

فوضى الاقتصاد

ومع سيطرة الانتقالي الجنوبي على مؤسسات الدولة وتدخله في عمل وصلاحيات البنك المركزي، دخل اليمن مرحلة حرجة من التهاوي الاقتصادي والمعيشي وانحدار العملة وتصاعد الاحتجاجات الشعبية المنددة بهذه الأزمات المتفاقمة والتي حولت حياة اليمنيين إلى جحيم.

ويواكب ذلك اندلاع معارك للسيطرة على موارد الاقتصاد ومنابع النفط والعديد من الأنشطة التجارية والمالية. تستمر العملة الوطنية بالانهيار وبتجاوزها لمستويات قياسية غير مسبوقة، وسط اتهامات للمجلس الانتقالي، المسيطر فعلياً على مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دولياً، بالتسبب بهذا الانهيار.

وأرجع البنك المركزي اليمني سبب التهاوي المتواصل في العملة حالياً إلى تعقيدات الوضع الذي نشأ بعدما تدخلت أطراف في نشاط سوق صرف النقد الأجنبية، في اتهام ضمني للمجلس الانتقالي.

وعقدت اتفاقات مع عدد من الصرافين دون إدراك لعواقب ذلك، والتي اعتبرها البنك "غير قانونية ولا ملزمة له"، وهو ما يعد انتقادا واضحا للمجلس الانتقالي وتحميله مسؤولية ما يحصل في سوق الصرف وانخفاض سعر صرف الريال.

مصدر مصرفي مسؤول في البنك المركزي أكد أن شركات الصرافة المتكاثرة في عدن كغيرها من المحافظات اليمنية تتحمل مسؤولية رئيسية في الانخفاض الحاصل في سعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية.

وأضاف المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أن هناك من قطع الطريق أمام الإجراءات التي كان البنك المركزي يطبقها بحق شركات الصرافة المخالفة لتعليمات البنك وقوانين العمل المصرفي، عبر عقد اتفاقيات مع شركات الصرافة والقيام بإجراءات ضارة في سوق الصرف تسببت في هذا التهاوي الذي يبذل البنك المركزي جهودا كبيرة لاحتوائه.

ويتهم مراقبون المجلس الانتقالي بـ"عدم تمكين الحكومة من إدارة الشأن العام بعيدا عن التدخلات المخلة والمعرقلة لعمل مؤسسات الدولة، وعدم توحيد الأجهزة الأمنية والعسكرية تحت إدارة الحكومة في وزارتي الدفاع والداخلية، ما أدى إلى شل يد الحكومة هناك".

فوضى الاغتيالات

وتصاعدت وتيرة الاغتيالات في مدينة عدن وبقية مناطق الجنوب، منذ سيطرة "الانتقالي" على المدينة في أغسطس 2019، والتي راح ضحيتها قيادات عسكرية وأمنية بارزة الأكثرية منهم يتبعون حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي.

ولا تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحوادث، إلا فيما كان قبل أكثر من عامين في بعضها بإعلان تنظيمات إرهابية مسؤوليتها، لكن أكثر تلك الاغتيالات بقيت مسجلة ضد مجهول، خصوصاً التي طالت عدداً من قيادات حزب الإصلاح، الذي سعت الإمارات لاجتثاثه من مدينة عدن، بتهمة الانتماء لتنظيم "الإخوان المسلمين".

وفي الـ14 من أغسطس 2021، كانت عدن على موعدٍ مع حادثة تفجير عنيفة، كانت تستهدف مسؤولاً أمنياً يتبع الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات، لكنه نجا في الحادثة فيما قتل أحد مرافقيه وأصيب آخرون بينهم مدنيون، حيث العقيد مصلح الذرحاني، قائد شرطة مديرية دار سعد بمحافظة عدن جنوبي اليمن، نجا من انفجار سيارة مفخخة، فيما قتل أحد مرافقيه وأصيب آخرون.

وأواخر يوليو الماضي، اغتال مسلحون القيادي في حزب الإصلاح بلال الميسري، بإطلاق أربع رصاصات على رأسه وصدره أثناء محاولته الصعود إلى سيارته خارج منزله في حي المنصورة بمحافظة عدن.

وعقب تلك الحادثة أدان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان تصاعد عمليات الاغتيال السياسي في محافظة عدن، في ظل عدم تحرك سلطات الأمر الواقع، واستمرار إفلات الجناة من العقاب كل مرة، كاشفاً في بيانٍ له "أن 200 شخص على الأقل اغتيلوا منذ عام 2015 في مدينة عدن اليمنية، وتم تقييد جميع تلك الجرائم ضد مجهولين".

وعلى مدار السنوات الماضية بقيت جرائم الاغتيالات في عدن لغزاً ، حتى يوليو من العام 2019 عقب تسريب تحقيقات النيابة العامة بعدن، التي كشفت عن معلومات خطيرة، تشير بالاسم والتفاصيل الدقيقة حول أفراد خلية الاغتيالات.

ومن أبرز ما تضمّنته تسريبات محاضر تحقيق النيابة مع المتهمين باغتيال الشيخ سمحان الراوي، أحد الأئمة والدعاة في عدن، تورط قيادات في المجلس الانتقالي في تلك العملية، وإدارة خلية اغتيالات في عدن بالتنسيق مع أطراف خارجية حسب الوثاىق التي نشرتها يومية "أخبار اليوم" اليمنية.

وكان فريق الخبراء المعني باليمن قد اتهم، في تقريره عامي 2019 و2020، المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات بالمسؤولية عن اغتيال العديد من رجال الدين وضباط الأمن وقيادة حزب الإصلاح في محافظة عدن.

اثارة الفوضى بشبوة

وفي أحدث المناوشات بين المجلس الانتقالي وسلطات محافظة شبوة الموالية للحكومة الشرعية، اتهمت سلطات شبوة، المجلس، بالدعوة إلى أعمال "عنف وفوضى" تحت ستار "الاحتجاجات السلمية"، بحسب بيان صادر عن اللجنة الأمنية بالمحافظة (يرأسها المحافظ)، غداة دعوة أطلقها المجلس ـ في حينه ـ إلى التظاهر رفضا لما قال إنها "اختطافات واعتقالات" تمارسها القوات الحكومية ضد عناصره في المحافظة.

وقالت اللجنة الأمنية إنها "وقفت أمام دعوات العنف والفوضى من قبل المجلس الانتقالي التي تأتي بالتزامن مع حشد مليشيا الحوثي لمقاتليها على أطراف محافظة البيضاء المتاخمة لمديرية بيحان (تابعة لشبوة)".

واعتبرت اللجنة أن "هذه الدعوات تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار في شبوة وتستخدم السلمية الزائفة لإخفاء مخططات إجرامية". وتابعت: "نحمل المجلس الانتقالي كامل المسؤولية عن هذه الدعوات ونتائجها ونضع الداعين لها أمام المسؤولية القانونية وملاحقتهم وضبطهم".

فوضى بسقطرى

وبين الفينة والأخرى تشهد محافظة أرخبيل سقطرى، مظاهرات حاشدة ضد سلطات المجلس الانتقالي، التي تسيطر على الجزيرة منذ 19 يونيو/حزيران الماضي، بعد مواجهات دامية مع القوات الحكومية، متهمة إياها بنشر الفوضى والتسبب بالانهيار الامني والاقتصادي الحاصل.

وتقول مصادر محلية بمحافظة سقطرى، إن الأوضاع المعيشية بالمحافظة تشهد ترديا وفوضى شاملة منذ سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي عليها، مؤكدة ان "سقطرى تشهد ترديا في الأوضاع، وفوضى متكاملة، وارتفاع في الأسعار، وتوقف منح الرواتب بعد سيطرة المجلس الانتقالي بقوة السلاح عليها".

ووجهت المصادر رسالة إلى رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي وحكومته الصامتة، متسائلة: "إلى متى تظل سقطرى بأيدي مليشيات لا يخضعون للحكومة الشرعية"، مضيفة: "ما المانع من عودة السلطة المحلية إلى سقطرى طالما الحكومة باشرت عملها من العاصمة المؤقتة عدن".

واختتمت حديثها بالقول: "ليعلم الجميع أن سقطرى يمنية وسنقف جميعا ضد كل من يحاول المساس بسيادتها، وسنقاوم كل القوى الأجنبية التي تحاول لتمرير مخططاتها عبر مرتزقة وخونة الأوطان مهما كلفنا الثمن"، دون مزيد من التفاصيل".

وسقطرى، كبرى جزر أرخبيل يحمل الاسم ذاته، مكون من 6 جزر، ويحتل موقعا استراتيجيا في المحيط الهندي، قبالة سواحل القرن الإفريقي، قرب خليج عدن.

وتعكس المؤشرات الأولية أنّ عدم إيجاد حلول حاسمة وجذرية للملفات الأمنية والعسكرية العالقة في العاصمة عدن، لا يحسّن من فرص الاستقرار الذي من الممكن أن يساهم في تحسين الأوضاع الإنسانية والمعيشية. الأمر الذي يتحمله المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسيطر على العاصمة عدن منذ أغسطس 2019، الذي فشل حتى في ضبط تشكيلاته ومليشياته المسلحة، بالاضافة الى تحمل رعاة اتفاق الرياض جزء من المسؤولية لتماهيهم مع مراوغات المجلس وتهربه من تنفيذ الشق الأمني والعسكري من الاتفاق.

مأرب برس ـ وحدة التقارير
الجمعة 08 أكتوبر-تشرين الأول 2021

أتى هذا الخبر من مأرب برس | موقع الأخبار الأول :
https://marebpress.net

عنوان الرابط لهذا الخبر هو:
https://marebpress.net/news_details.php?sid=178390