90كم من أراضي وادي عبيدة تغرق بالرمال: القاضي: الحكومة قضت على الزراعة بصورة متعمدة ونناشد الفاو التدخل
الموضوع: المحلية
 
 

في ثمانينات القرن الماضي كانت مأرب على موعد مع حدثين بارزين هما بناء السد واكتشاف النفط في صافر خلال فترة زمنية متقاربة، وكانت تلك الأحداث كفيلة ببناء حضارة جديدة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، فالزراعة التي كانت ركيزة الحضارات الغابرة توفرت مقوماتها بعودة السد، والنفط الذي يعتبر عصب الحياة الحديثة بات متوفرا بغزارة، الأمر الذي كان ينبغي أن تتحول معه محافظة مأرب إلى جنة فيحاء وزهرة وسط الصحراء.. غير أن العكس هو الذي حدث!! فبعد مرور ما يقارب الثلاثة العقود من الزمن زادت المعاناة وكثرت المآسي وتدهورت الزراعة وغطت الصحراء أراضي مأرب الخصبة وأصبحت أنموذجا لحرمان يتوغل في صحراء النسيان.

يقول الشيخ/ علي عبدربه القاضي رئيس كتلة المستقلين بمجلس النواب أن اكتشاف البترول كان بمثابة النكبة على مأرب، حيث لا يمكن أن تعوض قيمة البترول والغاز ما مس المحافظة وبالذات مديرية وادي عبيدة من أضرار شملت اليمن التي لم تستفد من وجود النفط سوى بالشيء اليسير كونه يذهب مع الشركات المنقبة والمتنفذين".

يواصل القاضي حديثه وعلامات الاستياء بارزة على ملامحه "زرت مديرية وادي عبيدة مؤخرا ففوجئت بالحالة المزرية التي وصلت إليها الزراعة هناك، وهو وضع لم تصل إليه تلك المنطقة حتى بعد (سيل العرم) حيث أن ذلك السيل أبقى على الإنسان أما ما نراه اليوم في تلك المنطقة من قضاء على الزراعة فإنه سيقضي على الأرض والإنسان في آن واحد، مشيرا إلى أن تلك المديرية التابعة لقبائل عبيدة تمثل أكبر رقعة زراعية بعد تهامة والجوف بمساحة تصل طولا إلى 110 كم وعرضا من 30-40كم ولم يتبق منها الآن سوى قرابة 20كم صالحة للزراعة بسبب التصحر الذي غطى تلك الأراضي والزحف المستمر للرمال والذي لم تتخذ الحكومة أي تدابير لإيقافه أو الحد منه".

يتابع قائلا "التصحر الذي غطى الأراضي الزراعية ليست مشكلة عفوية بل متعمدة من قبل الحكومة بسبب اعتراض قبائل عبيدة على محاولات السلطة في عام 1987م التنقيب عن النفط في مزارعهم بإحدى قرى وادي عبيدة، وهو ما دفع الحكومة إلى حبس مياه السد حتى تتبخر في الجو بغرض فتح المنطقة أمام التصحر والزحف الصحراوي الكثيف الذي أصبح من الصعب مروره في بغض المناطق بالسيارة وذلك لترغمهم على الهجرة الطوعية لتصبح المنطقة مفتوحة لاستخراج النفط من الأراضي الزراعية وهو ما يفترض أن يتم تركه للأجيال القادمة بعد استنفاد التنقيب في الأراضي الصحراوية الخالية من السكان وهي واسعة جدا وتقدر بآلاف الكيلومترات من المهرة إلى صافر وفي كل الأحوال يجب مراعاة الأراضي الزراعية،لكن ما يجري اليوم يجعلنا نتوقع أن نرى حفارات التنقيب في معبد الشمس أو عرش بلقيس لأن الحكومة همها الوحيد هو النفط وستجدها غير مكترثة بالقيمة الحضارية والتاريخية لتلك المعالم الأثرية" .

يعتبر القاضي أن الكارثة الجديدة التي تمثلت بحبس مياه السد أشد ضررا من سيل العرم الذي جرف الحضارة وأبقى على الأرض، بينما كارثة اليوم قضت على الأرض حيث أن مياه السد تم حبسها من عام 1986م حتى تبخرت في الجو مع أن بناء السدود يكون لغرض تصريف المياه وليس تخزينها كما في السدود المشابهة كسد وادي مور ووادي باتيس ووادي سهام وغيرها، وتاريخيا كان غرض وجود السد القديم لتصريف المياه وتوزيعها على الأراضي الزراعية لكن السد الجديد تحول إلى سد تخزيني الأمر الذي انعكس سلبا على المياه الجوفية التي كانت تغذيها السيول ومياه السد حيث يضطر الناس في وادي عبيدة هذه الأيام إلى حفر آبار بعمق يتجاوز الـ200 متر للوصول إلى الماء دون جدوى بعد أن كانت الآبار في السابق لا يتجاوز عمقها الثلاثين متر، بل إن حبس مياه السد أدت إلى ظهور مياه كبريتية في مناطق قريبة من حوض سد مأرب.

يشير القاضي – وهو من أبرز الشخصيات التي تدافع عن القضايا الوطنية وبالذات المتعلقة المناطق المحرومة- أن اقتصاد اليمن كان قائما على الزراعة وقد سميت اليمن بالخضراء لأنها كانت الأرض الزراعية الأولى في الجزيرة العربية، ووادي مأرب كان من أخصب المناطق الزراعية اليمنية وقد قضت السياسة العشوائية والمنتفعة والقائمة على الربح السريع على زراعة مأرب وأراضي عبيدة بسبب الإقدام على حبس مياه السد وحرمان المنطقة منها بصورة متعمدة مع سبق الإصرار والترصد، معربا عن أسبه من تغليب الحكومة لمصالحها الشخصية على حساب مصالح المواطنين وعدم تجاوبها مع قضايا الناس وإقدامها على حرمان محافظة مأرب من التنمية والقضاء على الزراعة مؤكدا في ذات الوقت أنه إذا لم تتجاوب الحكومة مع هذه القضية والمطالب المتمثلة في إنقاذ الزراعة وإلزام الشركات بوقف شفط المياه الجوفية التي تنقل من (صافر) إلى جنات لحقنها في آبار النفط للاستخراج فإننا سنقاضيهم أمام المحاكم المحلية والدولية".

ووجه القاضي رسالة استغاثة باسم مأرب إلى كل المهتمين باقتصاد البلاد من المجتمع اليمني وإلى منظمة الفاو للأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة كونها معنية بالغذاء التدخل لدى الحكومة اليمنية لوقف انهيار الزراعة بمحافظة مأرب التي زادت معاناتها بسبب شفط المياه الجوفية للأغراض التنقيبية، وحبس مياه السد عن المزارع، وكذا الإقدام على تجفيف السد بإقامة السدود التخزينية في المنابع والوديان التي يتغذى على سيولها والتي لم يتبق منها سوى ما يقارب 40% مع أن ذلك كان ممنوعا في السابق من أجل المحافظة عليه وبقاء قيمته التاريخية والنفعية في آن واحد، مشددا على ضرورة تشكيل لجنة من منظمة الفاو للنزول الميداني والإطلاع على الأوضاع المأساوية التي آلت إليها الزراعة ومطالبة الحكومة والشركات بتعويض قبائل عبيدة في أرضهم التي قضى عليها التصحر المتعمد بأسباب حبس مياه السد والتي لا تعوضهم عنها مئات المليارات مطالبا في ذات الوقت بفتح السد بصورة مستمرة بما توفر من المياه وعدم إغلاقه لإنقاذ ما تبقى من الأراضي الزراعية بدلا من فتحه للجانب الدعائي لساعات محدودة عن وصول ضيوف أو زوار،مع ضرورة تصريفة عبر الأودية الطبيعية المعتادة وليس عبر القنوات الإسمنتية وذلك حتى يؤدي فائدته المطلوبة لتغذية الآبار وري الأشجار الصحراوية التي كان يتم تغذيتها في السابق لمواجهة التصحر. مناشدا المنظمة أخذ تلك القضية بعين الاعتبار حيث أن الغذاء الذي يعتبر مصدره القمح بدرجة أساسية يتطلب اهتماما دوليا بالأراضي الزراعية ومأرب كانت من أبرز المناطق اليمنية إنتاجا للقمح، قبل أن تتسبب سياسات الحكومة في تدهور الزراعة بتلك المحافظة.

يقول القاضي وهو صوت مأرب في البرلمان إنه بوجود البترول حرمت مأرب من التنمية في كل المجالات بصورة متعمدة ولم تسلم من التلوث البيئي بعد أن كان الناس يأملون أن يعطيهم النفط دفعة للأمام للحاق بغيرها من المحافظات التي نالها قسط وافر من التنمية في مجال الطرقات والتعليم وغيرها من المجالات الحيوية، وما حدث أن مأرب لم تستفد لا من البترول ولا من الغاز ولا حتى من المصفاة التي تعتبر مصنع شأنها شأن مصنع إسمنت عمران الذي خصصت نسبة 10%من إيراداته عن لصالح تنمية المحافظة بينما مأرب لم يصلها فلس واحد لا من النفط ولا من المصفاة.

 وأشار القاضي إلى أنه قام برفع دعوى قضائية في عام 98م ضد شركة هنت والشركات الأخرى لما خلفته أعمالها من أضرار على البيئة، وقد تم رفع تلك الدعوى بتفويض من المشائخ والأعيان ورجال المال والأعمال وأبناء المحافظة وتم تحويلها من محكمة جنوب الأمانة إلى المحكمة التجارية ومن ثم إلى محكمة مأرب وقد تجاوبت الشركات المعنية وقامت بتكليف محامين للترافع عنها ، لكن الحكومة وقفت ضد تلك الدعوى وقامت بتمييع القضية، ولكن بعد خلافها مع هنت ورفعها دعوى ضد اليمن قامت الحكومة اليمنية برفع دعوى ضد هنت باسم البيئة في الوقت الضائع وهي شبيهة بالدعوى التي تبنيناها وقد أصدرت المحكمة حكما قضى بأنها دعوى كيدية واستندت المحكمة إلى إهمال الحكومة اليمنية وعدم مراعاتها الأضرار البيئية من بداية توقيع العقود مع الشركات وسكوتها عن تلك القضية طيلة خمسة وعشرين عاما أثناء ممارسة الشركات عملها.

ودعا القاضي في ختام حديثة أبناء محافظة مأرب إلى الوقوف صفا واحدا لمتابعة قضاياهم ومؤازرة إخوانهم من أبناء قبائل عبيدة والأشراف حتى يحصلوا على تعويضهم العادل لما مسهم من ضرر وإنقاذ ما تبقى من أراضيهم الزراعية. 

 
مأرب برس – علي الغليسي – خاص
الأربعاء 22 يوليو-تموز 2009

أتى هذا الخبر من مأرب برس | موقع الأخبار الأول :
https://marebpress.net

عنوان الرابط لهذا الخبر هو:
https://marebpress.net/news_details.php?sid=17691