أكبر ميزانية في العالم لانجاز مشروع "جامعة العلم والتكنولوجيا"

الإثنين 29 أكتوبر-تشرين الأول 2007 الساعة 09 صباحاً / مأرب برس
عدد القراءات 4579

على أرض شبة الجزيرة العربية وعلى بعد 50 ميل من ميناء جدة المطل على البحر الأحمر ينفذ الملك عبد الله في السعودية عملا ضخما يتكلف 12.5 بليون دولار أميركي من أجل اللحاق بركب الغرب في العلم والتكنولوجيا. حيث يقوم الملك ببناء مركز للأبحاث في المنطقة التي تقع بين معمل تكرير البترول والبحر الأحمر والذي سيخصص له ميزانية تعد من أكبر الميزانيات في العالم والتي ستكون قيمتها 10 بليون دولار أميركي.

ويقول مخططو المشروع بأن الرجال والنساء سوف ي درسون في هذا المعهد جنبا إلى جنب في ظل رعاية المجتمع السعودي حيث يستبعد البوليس الديني (هيئة الأمر بالمعروف) من التواجد في هذا المكان وسوف يتم الترحيب بجميع الجماعات العرقية والدينية في دفعة في اتجاه الحرية الأكاديمية والتعاون الدولي من أجل إدارك آفاق جديدة للحدود الثقافية والدينية للملكة. إن هذا التوجه يتعارض مباشرة مع الأساس الديني الذي قامت عليه المملكة والذي يحد بشكل كبير من حقوق النساء ويرفض التعليم المختلط والتفكير الحر النشط على أنه شيء غير قابل للمناقشة، ومن أجل الوضع الجديد فقد أخرج الملك وزارة التربية والتعليم من ورطة المسؤولية عن تلك الصفقة وأستأجر شركة "أرامكو السعودية" النفطية العملاقة التي تملكها الدولة لبناء ذلك المعهد العلمي وإعداد مناهجه وجذب الأجانب إليه.

إن المؤيدين لمشروع الملك عبد الله والذي يسمى جامعة العلم والتكنولوجيا أو( KAUST ) يتساءلون هل سيسعى الملك إلى بناء مؤسسات أخرى يسيطر عليها الأجانب مثل تلك المؤسسة مثل شركات عمال صناعة النفط التي توجد في المملكة منذ عقود؟؟ أو أنه سوف ينشئ معهدا سيكون له الأثر الحقيقي على المجتمع السعودي وبقية العالم العربي.

حيث قال "جمال خاشوقجي" المحرر في جريدة الوطن... " سوف تكون هناك إذن دولتين تمسيان السعودية والسؤال هو أي منهما سوف يكون لها السيادة ؟؟! ." لقد كسر الملك المحرمات عندما أعلن أن العرب قد أصبحوا خلف العالم الحديث من ناحية الإنجاز الفكري وأن دولته تعتمد بشكل كبير على النفط وهذا ليس كافيا لخلق الثروة من خلال الابتكار.

ويقول عبد الله جمعة المدير التنفيذي لشركة آرامكو السعودية... " هناك فجوة كبيرة في المعرفة تفصل الأمم العربية والإسلامية عن مسايرة الحضارة العالمية المعاصرة لقد أصبح سيرنا لا يتماشى مع تقدم العصر الحالي."

إن الممارسة السعودية التقليدية للتعليم تعرض على أكبر الجامعات العامة حيث تقوم السلطات الإسلامية بمعالجة المناهج ويتعامل الباحثون الطبيون بعناية مع الموضوعات المثيرة للجدل مثل نظرية التطور ويدخل الطلاب والطالبات إلى قاعات المحاضرات من أبواب منفصلة ويتابعون محاضراتهم وهم منعزلين عن بعضهم بواسطة حوائط بينهم.

إن التقاليد القديمة قد ظهرت حتى في مراسم الاحتفال المعدة يوم الأحد للجامعة الجديدة للمك عبد الله حيث قام المنظمون بتوزيع عدد من مجلة"الإيكونوميست" The Economist وعليها إعلان خاص يغطي الصفحة الأولى عن الجامعة. و لقد أثار المراقبين في الدولة السعودية نسخة من مقالة عن الإصلاح الشرعي السعودي المعنونة " قانون الله في مواجهة قانون الإنسان" والتي تركت أثرا كبيرا عليهم. وعلى الرغم من العقبات فإن الملك ينوي إقامة الجامعة كرمز للتحديث. إن الاحتفال البهيج والمؤتمر المصاحب له عن مستقبل الجامعة الحديثة يمثلان جزئيا وسيلة تجديد للمؤسسات الأكاديمية العالمية.

ويقول "أحمد غنيم" الأستاذ في معهد "ماساشوتس التكنولوجي" والذي سيكون مستشارا للجامعة الجديدة ... " إن وجود صعوبة سوف يكون أكبر تحدي للمشروع. يمكن أن يعيقه أو يمكن التغلب عليه" حيث نصح الدكتور غينم الجامعة الجديدة أن تغري الأكاديميات الدراسية العالمية للحصول على الوسائل المعملية والمنح التي لا يمكن توفرها في المملكة ولكنه يعتقد أيضا أن الأساتذة الموجودين سوف يعارضون ترك جامعاتهم من أجل منشأة صغيرة في الصحراء.

ويقول الأستاذ غنيم المصري الجنسية... " لابد من خلق بيئة يمكنك من خلالها الاتصال بالعالم الخارجي. حيث أنه لا يمكنك العمل بمعزل عن العالم." وقد اعترف بأنه على الرغم من أنه معجب بفكرة الجامعة الجديدة فإنه لا يحتمل أن يترك منصبه في معهد ماساشوتس التكنولوجي M.I.T لكي ينتقل إلى السعودية.

إن الاحتفالات التي ستقام في مكان إنشاء الجامعة يوم الأحد والتي سيحضرها 1500 من الشخصيات الهامة سوف تشمل عرضا ضوئيا بالليزر ونموذج تقليدي للجامعة المرتقبة والذي يملأ غرفة كاملة. ولقد وضع الملك حجر أساس كريستالي على عمود من الصلب الفولاذي المثبت على عجلات.

ولقد قامت الكراكات بقطع ونقل حوالي 20 طن من الحجارة إلى موقع البناء والتي تكفي لبناء الحرم الجامعي. وفي خيمة سوف يجلس الملك مع حراسه الذين يرتدون ألبسة فضفاضة وخناجر منحنية مع مجموعة منظمة من مسئولي شركة آرامكو في ملابس رسمية لحضور الحفل حيث توجد الأضواء الخضراء والزرقاء مثل عروض تليفزيون MTV لتسليم الجوائز. وهناك ضباب من الثلج المنثور على المسرح والموسيقى التي تدوي في أرجاء المكان مع وجود خلفية من الخطوط لبعض الكلمات والخطب.

 كل هذا من أجل إرسال إشارة قوية للبدء في بناءوإعداد العاملين في الحرم الجامعي خلال عامين. إن الملك لا ينفق على المعهد ببذخ فقط ولكنه يسانده بشكل سياسي كبير من أجل التغلب على التحديات الداخلية من المحافظين ولكي يكسب العلماء الأجانب الذين يشكون في أن الحرية العلمية يمكن أن تزدهر هنا.

إن المشروع الجديد يعطي أملا للعلماء السعوديين الذين تحملوا الميزانيات الراكدة للبحث العلمي واستمروا في مواجهة الروتين الحكومي الشديد وذلك خلال الفترة التي سبقت قيام الملك بتلك الدفعة القوية للإصلاح التعليمي خلال السنوات القليلة الماضية.

ويقول عبد الملك الجنيدي عميد معهد البحوث والاستشارات في جامعة الملك عبد العزيز و هي أكبر جامعة في جده تضم حوالي 40.000 طالب أو أكثر... " لأن آرامكو هي التي ستنشئ الجامعة فأنا أعتقد أنه سيكون بها حرية ومن أجل نجاح مشروع Kaust  فيجب أن تكون خالية من كل القيود والبيروقراطية التي نواجهها في الجامعة العامة."

وحتى في المعامل المتقدمة في جامعة الملك عبد العزيز فإن النساء يرتدين الغطاء الكامل المغطي للوجه ولا يمكن للطالبات مقابلة المستشارين الرجال إلا في المناطق العامة فقط مثل المكتبة. ويتحرك العلماء بحرص شديد عندما يقومون بأبحاث في علم الوراثة أو أصل الخلايا أو التطور خوفا من توجيه إهانات إلى الأعراف الاجتماعية الإسلامية.

 

وحتى في جده أكثر مدن المملكة تحررا فإن الوضع المتأصل فيها يجعل التغير يحدث ببطء فقد سمحت الحكومة هذا الشهر للعائلات أن يحتفلن بأجازة عيد الفطر بعد رمضان في الأماكن العامة حيث سمحت للرجال والنساء بالاختلاط الاجتماعي في نفس الشوارع والطرقات لأول مرة.

ولقد اتهم البوليس الديني بأنه قد ضرب رجلا حتى الموت لأنه شك في أنه يبيع المشروبات الكحولية. ولقد قاوم المحافظون جهود النساء من أجل الحصول على حقهن في قيادة السيارة أو القيادة أثناء الذهاب للعمل على الرغم من أن النساء قد حققن مكاسب عظيمة في الوصول إلى التعليم وأماكن العمل المعزولة.

وعن تلك الخلفية يقول السيد خاشوقجي المحرر الصحفي... "لقد تصور الملك الجامعة الجديدة على أنها ثقل تحرري والذي يعتمد نجاحها على الكم الذي ستلعبه في جذب بقية المجتمع السعودي. ويضيف السيد خاشوقجي قائلا... " لا يريد أحد أن يعيش في مجتمع الجيتو المنعزل حتى ولو كان أفضل المجتمعات وأنا كسعودي أقول دعونا ننفتح."

وبعد استكمال المشروع فسوف يضم حوالي 20.000 عضو من أعضاء الكليات والعاملين والطلاب وأسرهم. سوف تكون القواعد الاجتماعية أكثر مرونة حيث سيعيش العاملون في شركات النفط الأجنبية وسوف يكون مسموحا للنساء بقيادة السيارة مثلا. ولكن قوانين المملكة ستظل تطبق وحيث أن الإسرائيليين ممنوعين من زيارة المملكة السعودية العربية فلن يكون بمقدورهم التعاون مع الجامعة. وسوف يكون هناك رمز مفتقد من رموز الحياة في الحرم الجامعي وهو المشروبات الكحولية.

كما سيكون رئيس الجامعة أجنبيا أما أعضاء الكليات والطلاب الخريجين سوف يكون أكثرهم في البداية من الأجانب. وسوف تمول العديد من المنح الدراسية حوالي 2000 من الطلاب الخريجين ويتوقع المخططون أن تزيد مشاركة الطلاب السعوديين على مر السنوات حيث أن المنح الدراسية الموجهة إلى الطلاب الجامعيين الحاليين سوف تعمل على تهيئتهم من أجل دراسات التخرج في الجامعة الجديدة.

إن نموذج الجامعة بالكامل قد تم بناؤه بالتعاون مع الجامعات العالمية ويتوقع أن يكون لدى أعضاء الجامعة أسس ثابتة مع مجالس المعاهد البحثية الأخرى. وسوف تعتمد الجامعة أيضا على نموذج السوق الحر الجديد. ولن يكون لأعضاء الكلية السيطرة حيث سيكون لأغلبهم وظائف منفصلة. بينما ستكون الجامعة مغمورة في الأموال في البداية فإن طلاب الكلية والخريجين سوف يتنافسون مع المؤسسات العالمية المتقدمة للحصول على الأموال الخاصة التي تضمن بحوث التخرج.

أما سهير القرشي عميد كلية دار الحكمة النسائية و التي توصف غالبا بأنها تحررية سيئة فترى أن التفكير الحر في الجامعة سوف يشجع العديد من السعوديين الذين يساندون مسعى الملك من أجل إصلاح التعليم الجامعي الراكد منذ زمن طويل.

حيث تضيف قائلة... " إن الملك يعرف أنه سوف يواجه بعض الدعايات السلبية السيئة ولكني أعتقد أن النظام يتحرك في الاتجاه الصحيح."

المصدر : نيويورك تايمز 26/10/2007