صنعاء تعمل على تطويق الوضع في الجنوب ومعارضون يدفعون باتجاه التدويل " تقرير "

السبت 20 أكتوبر-تشرين الأول 2007 الساعة 06 صباحاً / أمرب برس - أبوبكر ناجي - صنعاء
عدد القراءات 7448

يقود الرئيس اليمني علي عبدالله صالح جهودا مكثفة على مختلف المستويات لمعالجة تفاعلات الوضع في جنوب بلاده بعد ان تأججت احتجاجات وتظاهرات المتقاعدين التي بدأت قبل اكثر من شهر في المحافظات الجنوبية بمطالب لتسوية اوضاعهم باعادتهم لوظائفهم السابقة او وضعهم على قائمة المعاشيين لتتفاقم الى ازمة تهدد استقرار البلاد في اعقاب مواجهات بين محتجين وقوات الشرطة في مديرية ردفان بمحافظة لحج الأسبوع الفائت أثناء تحضيرات باشرتها المعارضة وجمعيات العسكريين الجنوبيين لتنظيم مسيرة مليونية، ومهرجان جماهيري لمناسبة ثورة 14 أكتوبر في مديرية ردفان بمحافظة لحج وانتهت باشتباك مسلح أدى إلى مقتل أربعة وجرح 1 6مواطنا.

الرئيس صالح إلى عدن

الرئيس صالح انتقل بأركان حكومته الى محافظة عدن العاصمة الشتوية لليمن منذ أيام في محاولة لاحتواء تداعيات الأزمة الجنوبية خاصة مع تنامي الانتقادات الدولية لصنعاء إزاء بقاء هذا الملف مفتوحا دون حلول جذرية وتصاعد المخاوف من أن تتطور التظاهرات المطلبية إلى موجات عنف جراء تنامي الاحتقان في الشارع الجنوبي بعد رفض الفاعليات السياسية والشعبية في المحافظات الجنوبية الحلول التي باشرتها صنعاء لاحتواء أزمة آثار حرب صيف 1994.

وكادت المسيرات والاعتصامات الاجتجاجية السلمية التي تنظمها المعارضة وجمعيات العسكريين والمدنيين المحالين على التقاعد والمبعدين من الخدمة منذ حرب صيف 94 أن تتحول إلى أزمة مسلحة بعد أحداث ردفان التي أوقعت قتلى وجرحى من المواطنين المحتجين خاصة بعد اتهام السلطات من وصفتهم بـ «الخارجين عن القانون» بالوقوف وراءها وإلقائها اللوم على منظمي الفعاليات الاحتجاجية السلمية.

لكن التدخل الفوري للرئيس صالح حال دون تطورها بعدما وجه بالسماح للمتظاهرين تنظيم المسيرة والمهرجان اللذين تزامنا مع احتفالات رسمية رعاها الرئيس صالح في عدن للمناسبة نفسها.

انتقادات دولية

ورغم محاولة صنعاء ملمة حادثة ردفان بعد اتهام المعارضة السلطات باستخدام العنف المسلح لقمع الفعاليات الشعبية السلمية إلا أن الحادث تسبب في إحراج السلطة المركزية في صنعاء أمام المجتمع الدولي وبخاصة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التي اعتبرته تصعيدا خطيرا من جهة السلطات رغم ان الرئيس صالح أعلن اعتبار ضحايا المواجهات شهداء واصدر قرارا برعاية أسرهم وتعويضهم . كما تعهد بتكفل الدولة بعلاج جميع جرحى الحادثة.

غير ان التدخل الرئاسي لاحتواء المواقف قوبل برفض فاعليات سياسية في المحافظات الجنوبية طالبت بتعهدات من السلطات بعدم استخدام القوة لقمع الفعاليات الاجتجاجية في المحافظات الجنوبية واجراء تحقيق محايد في الحادثة واستجاب الرئيس صالح للطلب بإصدار توجيهات مشددة للتحقيق مع المشتبه فيهم في المواجهات سواء كانوا عسكريين أو مدنيين وإحالة المتسببين إلى القضاء فضلا عن توجيهه أجهزة الشرطة والأمن عبر وسائل الإعلام بعدم تكرار ما حدث وهي المرة الأولى التي يعلن فيها الرئيس تعهدات من هذا النوع. لكن دوائر سياسية لم تر في مبادرات الرئيس تفهما منه للوضع وجهدا يمنيا خالصا لمعالجته، وقالت انها جاءت بعد انتقادات أميركية وأوروبية شديدة لصنعاء عبرت عن قلقها من تطورات خطيرة جراء الإفراط في استخدام القوة لمواجهة الاجتجاجات السلمية.

تصعيد وضغوط على الشارع السياسي نشطت جهات للاستفادة من هذه التداعيات وعملت على تحويل قضية المواجهات المسلحة في ردفان إلى ورقة ضغط قوية بيد المعارضين للحكومة وإيصال رسالة إلى الخارج باستمرار المشكلة الجنوبية وتصاعد المطالبات لإنهاء المظاهر العسكرية المسلحة المفروضة على المحافظات الجنوبية منذ حرب صيف 1994. وساعد على ذلك التهديدات القوية التي أعلنها عدد من القادة العسكريين في احتفالات عامة نقلها التلفزيون اليمني وتعهدت فيها القيادة بمواجهة ما اعتبرته «تحركات القوى المريضة والمتقوقعة التي تحاول عبر المؤامرات إفشال مشروع الوحدة الوطنية وتهديد كيان المجتمع» إلى تأكيدها أن «هذه القوى مراقبة ولن تقف أمامها موقف المتفرج بل ستتصدى لها بكل حزم وقوة للقضاء عليها كما تعاملت مع ما سبق من مؤامرات لعناصر الخيانة والارتزاق «في إشارة إلى حرب صيف 1994» .

وقوبلت هذه التصريحات بتصعيد المعارضة اليمنية في الخارج مطالباتها بالتحقيق في قضية ردفان ومضت الى ابعد من ذلك بتقديمها إلى المجتمع الدولي كمبرر لنقل ما اصبح يطلق عليه في بعض وسائل الاعلام «القضية الجنوبية» الى الأمم المتحدة على قاعدة «حق تقرير المصير والاستفتاء على الوحدة».

رفض التدويل

وأبدت صنعاء انزعاجا كبيرا إزاء هذه الدعوات كان واضحا في الخطابات التي ألقاها الرئيس صالح في عدن وفي تصعيد صنعاء اتهامها أطرافا سياسية معارضة بمحاولة «اللعب بالنار» واستغلال قضية المتقاعدين العسكريين لتحقيق أهداف سياسية واتهام المعارضة اليمنية في الخارج بقادة مؤامرة تستهدف النيل من وحدة اليمن.

وجاء ذلك مع تنامي التجاذبات بين التيار الجنوبي المطالب بـ « حق تقرير المصير» وحكومة الرئيس علي صالح الذي اكد في عدن وجود شرعية موثقة دوليا للوحدة واعتبر هذا التأكيد ردا على مطالب تتبناها المعارضة اليمنية في الخارج لتدويل «القضية الجنوبية» بنقلها الى منظمة الأمم المتحدة على قاعدة استفتاء شعبي. وقد حمل الرئيس صالح بقوة على هذه الدعوات معتبرا إياها امتدادا لـ « فتنة حرب صيف 1994» وقال إنها حملت نفس التوجهات وتديرها نفس الوجوه.

وكان اللافت في تصريحات الرئيس اليمني التي تحدث فيها عن «وفاء النظام بالتزاماته الوطنية عندما رفع علم الجمهورية اليمنية خفاقا» وانتهى النظامان الشطريان وذابا في كيان واحد تم تعميده من قبل الشعب بالاستفتاء عليه من كل أبناء الوطن «ما اعتبر ردا على مبادرات التأييد التي اعلنتها بعض الأوساط الدولية لتلبية مطالب البحث في القضية الجنوبية عبر المنظمات الدولية» .

وفضلا عن ذلك انتقد صالح بشدة دعوات المعارضة في الخارج بشأن تمثيلها للمحافظات الجنوبية وقال « تم الاستفتاء وتمت الانتخابات إذا من يمثل شعبنا الآن ؟ .. السلطات المنتخبة أم جهات أخرى» . واجاب قائلا : الذي يمثل هذه الأمة في شمال الوطن وجنوبه هو مجلس النواب والسلطة المحلية المنتخبة بحرية ورئيس الدولة المنتخب من الشعب هؤلاء فقط يمثلون الأمة ، وهذه شرعية الجمهورية اليمنية وهي موثقة دوليا وسياسيا واجتماعيا ولا وجود لأي شرعية أخرى وإنما هناك من يلعب بالنار .

وحدة دون إكراه

وأكد الرئيس صالح على أن «الاستفتاء على دستور الجمهورية اليمنية جسد الإرادة الوطنية للوحدة بين الشطرين دون إجبار أو إكراه» لافتا إلى أن الانتخابات النيابية والمحلية والرئاسية التي شهدها اليمن بعد الوحدة مثلت محطات للاستفتاء على الوحدة «وبالتالي لا مجال ولا مكان لمن يشكك اليوم في وحدتنا إلا إذا كان مريضا أو معتوها، فالوحدة أجمع عليها الشعب اليمني بأكمله».

ورغم ما أبداه الرئيس صالح في خطاباته الأخيرة من تعهدات بمواصلة جهود حل المشكلات التي تعانيها المحافظات الجنوبية وتحديده برنامجا زمنيا للحكومة لحل المشكلات القائمة فضلا عن تنشيط عمل اللجان وإجراءات استيعاب العسكريين المبعدين من الخدمة والمحالين الى التقاعد منذ حرب صيف 1994 عبر وزارتي الداخلية والدفاع إلا أن هذه الجهود على ما يبدو تواجه بعراقيل مختلفة أبرزها عدم قبول الطرف الآخر الحلول المطروحة ورغبته في تدويل القضية اعتقادا بان التدويل سيحل كل المشكلات التي تعانيها مناطقهم منذ الحرب الأهلية.

وهناك من يتحدث عن أزمات يقول انها غير قابلة للحل على المدى المنظور ومن ذلك ما يسمونه عسكرة الحياة المدنية في المحافظات الجنوبية وعمليات نهب منظم للثروة والمال العام ولحقوق الأراضي منذ حرب 94 وألحقت اضرارا كبيرة بالمواطنين في هذه المحافظات.

وتشير دوائر سياسية إلى أن القرارات الرئاسية بتسوية أوضاع الآلاف من العسكريين والأمنيين الذين أحيلوا على التقاعد وابعدوا من الخدمة اقتصرت فقط على تسوية أوضاع مستحقاتهم المالية في حين لم تتم إعادة الآلاف منهم إلى وظائفهم السابقة في مؤسسات الجيش وهو القرار الذي تجد السلطات في تطبيقه صعوبات كبيرة بالنظر إلى العدد الكبير للعسكريين الذين تم احلال كوادر جديدة بالآلاف حلت محلهم منذ سنوات.

عن اليوم