مأرب برس تفتح ملفا كاملا يغطي انعكاسات الرسوم السيئة على علاقة المسلمين بالغرب

الأربعاء 12 سبتمبر-أيلول 2007 الساعة 06 مساءً / مأرب برس - عبدالباسط السعيدي – السويد – خاص
عدد القراءات 5455

دأبت بعض الصحف السويدية على نشر مقالات واخبار تسئ للإسلام والمسلمين متحصنة خلف قانون الطباعة وحرية التعبير والذي يخولها الإستهزاء بمعتقدات الناس دون رادع قانوني وعند احتجاج المؤسسات الإسلامية في السويد لدى مستشار العدل على نشر مثل هذه المقالات تهاجم هذه المؤسسات بحجة أنها لا تحترم قانون حرية التعبير و انها تدعو المسلمين للقيام بأعمال عنف ، وعادة ما تذهب هذه الصحف وخاصة جريدة أخبار اليوم و اكسبرسن و وسيد سفنسكا إلى حد توجيه تحذير شديد اللهجة إلى الحكومة السويدية مفاده أن الشع ب السويدي بجميع شرائحه قلق من التهديد الذي تمثله الأصولية الإسلامية المتطرفة على استقرار وأمن المواطنين.

أزمة الرسوم تتكرر

وبدأت الأزمة في أوائل أغسطس الماضي عندما رفض متحف "هيمسبوقدقارد" السويدي للفنون عرض تلك الرسومات لراش فيكس و رفضت كذلك جميع قاعات عرض الفنون والمتاحف عرض هذه الصور، رغم الضغوطات الهائلة عليها من قبل الإعلام و السياسة وأرجعوا ذلك لأسباب أمنية وللحفاظ على مشاعر المسلمين أيضًا؛ ولذلك قامت صحيفة "نيريكيس أليهاندا" بنشرها ردًّا على رفض المتاحف عرضها..جاء ذلك في الوقت الذي دافعت صحيفة DN  "أخبار اليوم" السويدية واسعة الانتشار عن تلك الرسوم المسيئة التي أثارت غضب المسلمين، مشيرة إلى أن السويد لن تقدم اعتذارًا عن تلك الرسوم التي تأتي في إطار "حرية الرأي". ومن جهته رفض رسام الكاريكاتير السويدي لارش فيكس الذي قام برسم تلك الرسوم المسيئة تقديم اعتذار لمسلمي السويد قائلاً: "يجب أن يكون للمرء الحرية في انتقاد الأديان، وأنا لم أهاجم الإسلام"، ولكن ليس هناك شئ يدعى مقدس. و في تصريح للإذاعة السويدية يقول الرسام أنه وصل لمبتغاة بإثارة ضغينة المسلمين من خلال نشر هذه الرسوم السيئة... وكانت الدنمرك البلد الإسكندنافي المجاور قد شهدت أزمة مماثلة عندما نشرت صحيفة "يولاندز بوستن" في سبتمبر 2005 رسومًا مسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم أعادت نشرها عدة صحف أوروبية بدعوى التضامن مع الصحيفة الدنماركية، ورفضت جميع هذه الصحف الاعتذار عن تلك الرسوم تحت زعم حرية التعبير، كما رفضت الحكومة الدنماركية الاعتذار أيضًا. وأثار ذلك غضب المسلمين الذين خرجوا في احتجاجات عمَّت عددًا كبيرًا من بلدان العالم في آسيا وأوروبا وإفريقيا.

و في تطور ملفت للنظر فقد طلبت صحفية سويدية من الرسام أن يقوم برسم يهودي على شكل خنزير رضيع ، إذا كان لا يقصد الإسلام كدين ، واستجاب الرسام برسم صورة ليهودي على شاكلة خمزير و نشرها على موقعه الإلكتروني ، هذا التصرف اغضب رئيس تحرير مجلة منريت وهي مجلة ادبية ثقافية تصدر عن الأكاديمية الإسلامية و رئيس جمعية العلمانيين المسلمين والذان هددا في وقت سابق بفتح حوار مع الرسام و بعرض الصور المسيئة للرسول بحجة أن الرسام اساء لمجموعة دينية يحميها القانون بينما نشر الرسم المسئ للرسول الكريم لا يعتبر مخالفة قانونية و لكنه يقع ضمن المخالفات اللآخلاقية.

"نيريكيس أليهاندا" - Nerikes Allehanda

وهي صحيفة سويدية محلية تصدر في مدينة أوريبرو- توزع 70 إلف نسخة يوميا. و أرفقت هذه الصحيفة مع الرسم مقال مسموم يحمل عنوان ( حق الإستهزاء بالدين) إلى جانب صورة مشينة تصور نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على شاكلة كلب ممسوخ و هي واحدة من عشرات الرسومات المشينة التي رسمها الرسام لارش فيكس Lars Viks  يحاكي بها الرسوم التي نشرت في صحيفة دنماركية قبل عامين وادت آنذاك الى حملة مقاطعة واسعة للبضائع الدنماركية ، نتلمس أثرها إلى يومنا هذا.

كثر من 400 مسلم شارك في المظاهرة التي دعى لها المركز الثقافي الإسلامي في اوربرو

بالنسبة لمحرري الصحف السويدية تبدو الإحتجاجات على هذه الرسوم غير مفهومه ، بل وتُعَبِّر هذه الصحف من خلال أقلام الصحفين عن أن محركي هذه الإحتجاجات يبينون مدى كراهية الأصوليين المسلمين للقيم الغربية، حسب استنتاجاتهم الخاطئة.

  وحين يصف أحد المحررين احتجاجات المسلمين فهو يقول : أن تلك الأمور لا يمكن اعتبارها جزءاً من الثقافة المحلية للشعوب الغربية ، التي تستوعب الرأي والرأي المخالف بأريحية، ولكن هناك ضرورة لترويض الرافضين لحرية التعبير وخاصة الفئات التي تعيش على هامش المجتمع الديمقراطي و ترفض الإنخراط فيه مع أن النظام الغربي يستند على الديمقراطية والحرية والمساواه و الذي يحاربه حسب زعمه، الإسلاميون بكل الوسائل المتطرفة. إن التوصيفات الظالمة التي تم إلصاقها بالجاليات المسلمة، قد تمَّ تقديمها وكأنها من طبيعة الإسلام أو كأنها أمورا فطرية نابعة من الإسلام، فالتقارير الصحافية التي تتناول الإسلام لا تقدم على أنها تقارير تحوي وجهات نظر سياسية تمثل كاتب المقال أو أنها قد تحوي - أحيانًا في طياتها - آراء متحيزة، على العكس فهي تقدم وكأنها الحقيقة بذاتها لا تشوبها شبهة أو جهل بواقع الأمور، وبذلك تتخلل تلك "الحقائق" مطالب بإعادة صياغة العقل المسلم. الموضوعات التي تتطاول على الإسلام تتكرر بصفة مستمرة في الصحف السويدية ، وبالتالي فإن الفرضية الرئيسية التي تصور المشهد الإسلامي- في بعده السياسي والديني- على أنه مشهد سياسي عنيف يثير لدى المواطنين السويديين مخاوف دائمة من هذا الدين المتشدد واضحة للعيان من خلال نشر مثل هذه الصور السيئة.

حرية تعبير و حق الإستهزاء بالدين !!

في العودة لتداعيات نشر الرسم المشين في الصحيفة السويدية "نيريكيس أليهاندا" و رفض رئيس تحرير الجريدة لارش سترومان الإعتذار فقد تشكلت لجنة طوارئ تضم ممثلين عن المؤسسات الإسلامية مهمتها الأساسية اتخاذ التحركات والتدابير العملية لمواجهة تلك الصحيفة. ومن هذه التحركات "رفع دعوى قضائية ضد الصحيفة ورسام الكاريكاتير وإرسال بيان استنكار يعمم على الصحف والجهات الرسمية و تطوعت الرابطة الإسلامية بفتح المجال لعموم الناس للإحتجاج على نشر الرسم المشين من خلال تسجيل اسمائهم في سجل خاص فتح على موقع الرابطة الإلكتروني".

قام رئيس إتحاد مسلمي السويد الأخ / محمود الدبعي برفع دعوى قضائية ضد الصحيفة و يخطط ممثلي المؤسسات الأخرى للقيام بخطوات مماثلة. قامت مجموعات محلية وإفراد برفع دعاوى على الرسام والصحيفة و في تطور ملفت قام إفراد من المسلمين بتوجيه تهديدات شخصية للرسام و رئيس تحرير الصحيفة و أحرق بعض الناس كمية من أعداد الصحيفة احتجاجا على استهزائها بنبي الإسلام . وقد بادر رئيس الوزراء السويدي فريدرك راينفلت بزيارة مسجد ستكهولم يوم 4 سبتمبر والتقى ممثلي المؤسسات الإسلامية واصدر بيانا بعد الزيارة وهذا نصه:

هذا البيان صادر عن رئيس الوزراء فريدريك رينفيلت على خلفية تداعيات نشر الصور الكاريكاتورية ، بعد إجتماع مع ممثلي المؤسسات الإسلامية في السويد وتم الملتقى في مسجد ستكهولم.

”السويد بلد يمكن الناس ذوي المعتقدات المختلفة أن يتعايشوا مع بعضهم جنبا الى جنب .

اساس نظام مجتمعنا هو الإحترام و التفاهم المتبادل ، وايضا يوجود ارادة مشتركة لرفض كل عمل مهين و رفض كل اعمال وجرائم العنف.

اساس نظام مجتمعنا هو ايضا أن السياسة لا تتدخل في حرية التعبير وهذا امر مهم لبلدنا وديمقراطيتنا.

النية المبيتة لإثارت القلاقل او بروز نية التحدي يجب أن لا تطغى على إرادة الحوار. حيث نفقد فرصة التفاهم والتلاقي بين الثقافات والأديان.

أن يشعر الناس انهم تعرضوا للإساءة و اهينوا ، فانا اول من يتأسف لذلك.

من ناحيتي لن يصدر عني وعن ادراك تام اي شئ يمكن ان بفسر بانه مسئ او مهين للأديان الأخرى.” 

مواقف القيادات الإسلامية

شددت قيادات العمل الإسلامي في السويد ممثلة برئيسة المجلس الإسلامي و رئيس الرابطة الإسلامية على أن معركتنا قانونية و هي موجهه للصحيفة و للرسام لارش فيكس وليس مع الحكومة السويدية والشعب السويدي. "إن تحركات المؤسسات الإسلامية سلمية ويكفلها القانون.. فالحكومة السويدية ليست طرفًا في هذه الأزمة وهي نأت بنفسها عن ذلك، على عكس ما حدث في الدنمارك، حيث حشرت الحكومة الدنمركية بعجرفة شديدة انفها في الأزمة و دفعت بها نحو التصادم مع الجالية المسلمة و العالم الإسلامي، ولكن الحكومة السويدية كانت اذكي بكثير فقد أبدت موقفًا منفتحا على الجاليات المسلمة واعتبرت هذه التجاوزات فردية لا تعبر عن رأي الحكومة والشارع بالضرورة ". غير أنه من الواضح أنه لن يكون بمقدور الحكومة السويدية التحرك القانوني ضد الصحيفة متذرعة بقانون الطباعة والنشر وحرية التعبير الذان يقيدان تحركها لايقاف مثل هذه الإساءات ، على اعتبار أن القضية قانونية وأن القضاء ومستشار العدل هما صاحبا الكلمة الفصل فيها.

مسلمو السويد يتعاملون مع هذا الحدث بحكمة و مسؤولية ويغلبون لغة الحوار في مواجهة هذه الأزمة مع احتفاظهم بحق مقاضاة الصحيفة المذكورة ، وأكدوا ذلك من خلال البيانات التي نشرتها الصحف السويدية ومنها صحيفة "نيريكيس أليهاندا" ، التي شارك محرروها بدورة حول موقف الإسلام من نشر صور مسيئة للدين والتي أشرفت عليها رئيسة المجلس الإسلامي السويدي هيلينا بنعودة. رغم ذلك أقدم رئيس التحرير على هذه الخطوة ممتحنا قانون حرية التعبير والنشر، ليرى إلى إي مدى يمكن للصحيفة أن تتمادى في خروقاتها حتى يعد تصرفها خرق للقانون، وعندما رد مستشار العدل الدعوى القضائية التي رفعت ضد الرسام قامت عدة جهات إسلامية بالدعوة لمظاهرات سلمية محتجين على عدم إنصاف القضاء لهم، وخرجت الأزمة عن نطاق السيطرة واتخذت بعدًا عالميًّا، عندما شجب الرئيس الإيراني نجاد أحمدي نشر هذا الرسم المشين و استدعاء وزارة الخارجية الباكستنانية القائم بالأعمال السويدي و سلمه احتجاج رسمي على التطاول على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم و طالبت الحكومة الباكستانية منظمة المؤتمر الإسلامي التدخل حيث اوصت هذه المنظمة بضرورة معاقبة ناشر المقال المتضمن الرسم المشين، وتسارعت الأحداث على غرار "الرسوم الدنماركية المسيئة" حيث استنكرت عدة دول إسلامية نشر هذه الصور نذكر منها مصر والأردن وأفغانستان...

لا ننسى أن نذكر تحركات السفير المصري باستكهولم ، الذي سارع بالتحرك على كافة المستويات من اجل احتواء الأزمة. و يجدر بنا الإشارة إلى أن بعض المحسوبين على العلمانية من المسلمين قد أدلوا بدلوهم حيث أيدوا نشر هذه الصور وشاركهم الرأي رئيس تحرير مجلة منريت محمد عمر الذي لم برى بأسا بنشرها.

وما يجدر التنويه إليه هو أن أجهزة الاعلام السويدية تريد حصر الإسلام في خانة التشدد من خلال التوصيفات التي ألصقت به والصورة الافتراضية لما ستكون عليه صورة الإسلام في الغرب، بحيث أتت النتائج وفق ما رغبت به هذه الصحف . بمعنى آخر، أن الإسلام قدم من خلال إطار معين أهم خصائصه رفض الديمقراطية والتحسس من حرية النشر والتعبير ومشاعر العداء تجاه كل ما هو غربي من حيث الجنس و ما هو يهودي و مسيحي من حيث التوجه الديني.

ولمعرفة كيف تطورت هذه الهجمة الاعلامية غير المسبوقة تظل دراسة هذه الحالة أمرًا مهما؛ ذلك لأن الصحف اتاحت المجال لعدد من رسامي الكاريكاتير و الصحفيين الباحثين عن الشهرة ليقدموا الاسلام على انه دين يعادي الديمقراطية ويحارب القيم الغربية وانه ضد التعددية والحوار وانه دين منغلق على اتباعه من المسلمين و انه يحث على كراهية اليهود والمسيحيين... الخ

ولأن الصحافه هي الوسيلة التي تمتلك الأدوات التي تستطيع أن تجعل من الاسلاموفوبا أمرًا محسوسًا وذا وجود حقيقي وملموس على الارض وجدنا أن تخوف المجتمع من الإسلام كبير وخاصة في ما قرأناه في تقرير مصلحة الاندماج أن ثلثي الشعب السويدي يتخوفون من المسلمين و لا يريدون مجاورتهم بالسكنى، وكذلك نرى أن الصحف وحدها الكفيلة باستخدام أساليب السرد المسرحي الذي يتناسب مع توقعات جمهور القراء، وبالتالي يمكن ملاحظة أن الإسلام من خلال تغطية أخباره في الصحف السويدية قد تمَّ تحويله إلى صورة دموية تتكرر بشكل مستمر والى مشهد درامي ابطاله أشخاص ذوي لحى طويلة وملابس تقليدية افغانية ونساء منقبات وقبضات أيدٍ مرفوعة غالبًا تمسك بالمصحف الشريف و تردد شعارات اسلامية متعصبة جامحة.

الذي يشاهد هذا الخطاب الإعلامي يرى مدى التحيز في التصوير الذهني للإسلام وخاصة بين الصحفيين الذين رسموا صورا ذهنية مشوهه و متحيزه عن الإسلام والمجتمعات الإسلامية في مخيلاتهم؛ غير أنه بالنسبة إلى الكثيرين يبدو أن موضوع التحيز أمر لا يخلو من المشكلات؛ لأن تلك الفرضية القائلة بالتحيز تحمل معنى ضمنيا بأن تلك الصورة المتحيزة يمكن أن تقارن بصورة أخرى من الحقيقة الموضوعية، كما أنها أيضًا تشير إلى الاعتقاد السائد لدى الجماهير المسلمة بنظرية المؤامرة التي تصيب الجاليات المسلمة بالاحباط والتقوقع على الذات، وهي أمور لا يمكن السكوت عليها، خصوصا ان المسلمين وصلوا الى قناعة بانهم امام معركة إعلامية شرسة ، و أنهم يجابهون جهات تستثمر حالة ألإحباط هذه لتصيد الافراد المحبطين و تحويلهم الى معاول هدم في صرح الحضارة الإسلامية .

فالموضوعية دائمًا نسبية وترتبط بنظام مفاهيمي معين ، غير أنه مثلما تثير فكرة التحيز جدلاً شديدًا، فإن فكرة الموضوعية أيضًا لا تخلو من بعض المشكلات، حيث لا يستطيع أحد من العاملين بأجهزة الإعلام السويدية ادعاء الموضعية فيما يكتب عن الإسلام؛ لأن الموضوعية- كما أوضح كثير من الدارسين- تنتفي حينما يكون هناك صراع أو خلاف بين النظم والمفاهيم والقيم الثقافية السائدة في حضارتين مختلفتين. الموضوعية إذن وفق ذلك المنظور تصبح "فعلا سياسيا" لممارسة السلطة على الآخرين.

ربما نستنتج إذن أن دراسة التغطية الاعلامية للإسلام في الصحف السويدية لا يجب النظر إليها ودراستها من مفهوم التحيز والموضوعية، بل من الأفضل دراستها من خلال عملية التأطير. وهذه العملية يتم بموجبها التأكيد على أن التفسير الذي يقدم للحقيقة بواسطة الملاحظ - وهو في هذه الحالة الصحفي أو مقدم البرنامج - إنما هو نموذج يمكن الدفاع عنه؛ وبالتالي من خلال هذه العملية يتم التأكيد على بعض الخاصيات، بينما يتم إهمال البعض الآخر بل وأحيانًا عدم ذكر خاصيات أخرى على الإطلاق.

  وتبدو الاعتبارات الأيديولوجية ذات أهمية قصوى في عملية اختيار الإطار الذي توضع فيها قصص إخبارية معينة، وتصير تلك الاعتبارات بمثابة القيم التي بموجبها يتحدد الخطاب العام فيما يتعلق بشأن معين وهو في هذه الحالة الإسلام والمسلمين.

وأكثر الإطارات شيوعًا لتوصيف الإسلام هو إطار الأزمة، وذلك لأن الأزمات تحرك نبض الشارع و توصل الهداف الى مبتغاة وتمد الصحفيين بطرق مختصرة في سعيهم للحصول على المصادر والصور والسياقات التي تصاغ فيها القصة الإخبارية عن همجية المسلمين وصعوبة تعايشهم مع الغير و وفقًا لما يقوله أحد النقاد فإن القصة الخبرية عن الإسلام تم وضعها بصورة حازمة في إطار أخبار الاضطرابات السياسية واعمال العنف التي تجري في العالم.

القيم الغربية وخاصة مسألة حرية التعبير

إذا أردنا فهما أعمق لاسلوب الكتابة والتغطية لأخبارية عن الإسلام في اجهزة الاعلام السويدية، فلا بد وأن نتحرى بشكل أكثر تفصيلاً كيف أن القيم والمفاهيم الغربية كانت بمثابة الفيصل الوحيد الذي على أساسه تتحدد الموضوعية في التعامل مع القصة الإخبارية عن الإسلام والمسلمين. والغريب أن القيم الغربية لم تكن المعيار الذي يقاس عليه داخل الإطار الثقافي الغربي فقط، بل أيضًا كانت المعيار الذي تقاس عليه حتى القيم والأطر التي تقع خارج هذا الإطار، وينطبق هذا القول على الإسلام والمسلمين بطبيعة الحال، بل هو المثال الحي لعدم تلاقي الحضارات وانه جزء من مشهد تصادم الحضارات ، الذي يحرص مسلمي السويد على تفاديه و اعلنوا ذلك صراحة امام رئيس الوزراء السويدي.

النصوص القانونية

وفيما يتعلق بالنصوص القانونية ومدى مراعاتها للحريات الدينية، نقول أن السويد بلد علماني وهذا يعني ان القيم العلمانية هي السائدة وهي المحمية من قبل القانون في المقام الأول، و منها مسالة حرية التعبير والنشر والتي لم تقنن إلا بقانون حماية خصوصية الأفراد و قانون اثارة النعرات ضد مجموعة عرقية أو دينية. يطالب ممثلوا المؤسسات الإسلامية الحكومة السويدية بإيجاد صيغة توافقية تحفظ للجميع حقوقهم و تحمي معتقداتهم دون المساس بحرية التعبير، أسوة بالأقلية اليهودية التي تتمتع بحقوق قانونية كثيرة أبرزها عدم التعرض لمحرقة (الهولوكوست) أو القيام باي عمل يفهم منه تعدي على مجموعة عرقية أو دينية.

إن انفتاح المؤسسات الاسلامية اليوم على السلطات الرسمية والمنظمات الشعبية والتجمعات الدينية و الصحافة السويدية غير جزءا من الصورة النمطية للاسلام التي تم خلالها بناء صورة سلبية للإسلام أصبحت في حكم التقديس أو موثوقا بصحتها. ولا بد من التأكيد على أن المجلس الإسلامي السويدي و الرابطة الإسلامية في السويد قد احتلا بالفعل مكانًا في أجهزة الاعلام السويدية و إعادة المؤسسات الإسلامية صياغة الخطاب الإسلامي بصورة واضحة لا غبش فيها.

  غير أن غالبية التقارير الصحافية السويدية ما زالت تقدم تصويرًا للظاهرة الإسلامية فقط من خلال الهيمنة الليبرالية على الصحافة السويدية. وقد أسقطت الليبرالية السويدية تمامًا من حساباتها ، أن فهم ودراسة الظاهرة الإسلامية لا بد وأن يتم في إطار الحوارالحضاري ومبدا تلاقي الحضارات لا تصادمها ، وأن الفكر الليبرالي لم يكن سوى عنصر واحد من عناصر الحضارة العالمية ، وليس بالضرورة العنصر الأوحد ، كما يصوره مفكري حزب الشعب الليبرالي الذين يروجون لسياسة دمج الأقليات من خلال برنامج يصهر الأجانب ضمن بوتقة القيم الغربية.

تلاقي الحضارات أو تصادمها

وعلى الرغم من وجود شبه إجماع شعبي على أنه لا يوجد فكر غربي واحد أو ظاهرة إسلامية واحدة، فإن الخطاب الإعلامي السويدي يستخدم ثنائيات متاقضة وهي الإسلام والغرب. ويتم الإخبار عن هاتين الفئتين في إطار بناء للحقيقة يتم من خلاله تعريف الأمور الإسلامية والأمور الغربية على أنهما نقيضان، ويتم تقسيم العالم إلى حضارتين متصارعتين؛ بل ويمكن من خلال ما تتناقله أجهزة الاعلام من تتبع منطق عمل القطب الواحد من خلال ترسيم الحدود بين عدد من السمات الإيجابية والسلبية بين الغرب والبقية الأخرى، وبالتالي نجد أن هناك تناقضًا بين الحداثة التي يمثل الغرب خلاصتها بالحضارة والديمقراطية والعقلانية والحرية، وبين اللاحداثة التي تمثلها الحضارة الاسلامية التي جنحت نحو ثقافة العنف والارهاب على حد وصف بعض المفكرين والصحفيين السويديين .

وفي تقييمهم للعلاقة بين المجتمع السويدي والمسلمين ، أعطى الكثير من المفكريين الليبراليين أهمية قصوى لرفض الإسلاميين للنسق الغربي، وقدموا تلك الفكرة على أنها موضوع رئيسي في خطابهم؛ ويشير مسؤلي الاندماج في حزب الشعب الليبرالي إلى أن محورية الخطاب العدائي للغرب في فكر الإسلاميين إنما ترجع بالدرجة الأولى لما وصفوه بـالصدمة التي أحدثها التأثير الغربي على الاقليات الإسلامية، وقد أدى ذلك بدوره إلى استفهام المسلمين أنفسهم عن مدى فائدة مفرداتهم الدينية والثقافية في حياتهم اليومية، وهذه العملية التي جعلت المسلمين يتناقشون اثر العنف والارهاب واضطهاد المرأة وختان البنات على واقع معيشتهم وعلاقتهم مع شرائح المجتمع المختلفه، و أدت بهم هذه الثقافه إلى ما وصفه المفكرون الليبراليون بأنه عودة للنموذج المحلي المثالي والريبة في كل ما هو أجنبي. ,اخيرا ربطوا بين ظاهرة العنف و الثقافة الدينية للاجانب وخاصة المسلمين منهم.

في إطار هذا الخطاب العدائي لمنظري حزب الشعب الليبرالي نحو المسلمين والذي يمثل إنكاراً للإسلام و رفضا للمسلمين، والدعوة إلى محاربتهم. وإظهار المسلم على أنه الآخر المتطرف الذي لا يمكن قبوله؛ وفي المقابل يدعون بصريح العبارة غلى تايد افحتلال الامريكي للعراق والإحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية و يدعمون بناء المستعمرات الاسرائيلية على التراب الفلسطيني ويدعون لتكون القدس العاصمة الموحدة لدولة اسرائيل.

  غير أن وجهة النظر هذه لا تخلو من مشكلات عديدة؛ لأنها تفسر الظاهرة الإسلامية من خلال العلاقة المتشنجة بين المسلمين واليهود في فلسطين المحتلة، كما أنها تتجاهل تمامًا أن الظاهرة الإسلامية لا بد من تفسيرها كجزء من نسق من العلاقات والصراعات مع فاعلين آخرين، الذين تتصارع معهم على احقية امتلاك الارض وإقامة الدولة. ورغم أن المؤسسات الإسلامية في السويد قامت بالفعل بتعديل خطابها الديني والسياسي في السويد واصبح لها حطاب وسطي متزن، إلا أنها متهمة بازدواجية الخطاب الديني .