«مأرب برس» ينفرد بنشر القصة الكاملة لفرار 3 من وزراء حزب صالح عبر زقاق مهجور يستخدم لقضاء الحاجة

السبت 05 مايو 2012 الساعة 10 مساءً / مأرب برس/ ماجد الجرافي*
عدد القراءات 33954

 

كان الخميس الماضي، يوما استثنائيا بالنسبة لثوار محافظة تعز، فقد توافد جميع مراسلي الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، إلى محافظة تعز، ليكونوا شهودا على العزلة الشعبية التي قوبل بها عدد من وزراء حزب المؤتمر الشعبي العام في حكومة الوفاق الوطني، قبل أن يجدوا أنفسهم محاصرين بمواجهة مباشرة وغير متوقعة مع الثوار.

ففي صباح ذلك اليوم، احتفلت مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة، بتوزيع جائزة المرحوم الحاج هائل سعيد أنعم للعلوم والآداب 2012، ضمن برنامج مهرجان السعيد الثقافي الرابع عشر، الذي تميز عن مهرجانات السعيد الثقافية السابقة، بحضور شعبي، وحكومي غير مسبوق، حيث كانت حكومة الوفاق الوطني، بغالبية وزرائها وعلى رأسهم رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة، في محافظة تعز، لمناقشة الاحتياجات التنموية الملحة للمحافظة.

لم يكن وزراء حزب المؤتمر الشعبي العام في حكومة الوفاق الوطني، لدى وصولهم إلى تعز، يتوقعون بأنهم سيقعون في فخ مواجهة مباشرة مع شباب الثورة في المحافظة «الحالمة»، التي يشعر كل من يزورها بأن كل شيء فيها يهتف للثورة، بما في ذلك الحجر والشجر.

منذ الصباح الباكر، توافد وزراء حكومة الوفاق الوطني على مقر مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة، لحضور حفل توزيع جائزة المرحوم هائل سعيد أنعم للعلوم والآداب، في الوقت الذي كان فيه ثوار المحافظة يستعدون لتنظيم وقفة ثورية أمام مقر المؤسسة للمطالبة بإلغاء قانون الحصانة، وتقديم قتلة الثوار إلى المحاكمة وإقالة بقايا رموز النظام السابق.

ومع بدء الاحتفال كانت حشود الثوار تكتظ أمام بوابة مؤسسة السعيد، وكانت هتافاتهم المجلجلة تدوي في المكان، وأدرك وزراء حزب المؤتمر الشعبي العام، فجأة، بأنهم قد وقعوا في فخ لم يكن يخطر ببال أحد منهم.

وجراء تصاعد هتافات الثوار المحتشدين أمام مقر مؤسسة السعيد، بدأ الخوف والقلق يتصاعد لدى الوزراء المتواجدين بالداخل، بعضهم من أولئك الوزراء المتهمين من قبل شباب الثورة بقيادة وتنفيذ عدد من الاعتداءات على الثوار، وعلى رأسهم أحمد عبيد بن دغر، وحمود عباد، إضافة إلى معمر الإرياني.

كان الحفل قد بدأ للتو، لكن هؤلاء الوزراء الثلاثة، لم يتمكنوا من السيطرة على نوبة الخوف والقلق التي سيطرت عليهم، جراء تصاعد الهتافات المجلجلة بالخارج، للمطالبة بمحاكمتهم، الأمر الذي دفعهم إلى مغادرة قاعة الاحتفال، والانتظار في طواريد المؤسسة للبحث عن مخرج آمن لهم من مقر المؤسسة المحاصر بحشود الثوار.

قضى الوزراء المحاصرون قرابة ساعة من الانتظار، في طواريد المؤسسة، يبحثون عن مخرج لهم، قبل أن يتأكدوا بأنه لا مخرج لهم من هذا الفخ الذي وقعوا فيه، سوى خيارين اثنين، لا ثالث لهما، فإما أن يواجهوا مصيرهم بشجاعة ويغادروا من بوابة المؤسسة، التي يحتشد أمامها المحتجون، وإما أن يغادروا خفية عبر مخرج خلفي يوصلهم إلى زقاق ضيق ومهجور، مليء بالقاذورات، يمكن أن يصلوا من خلاله إلى الشارع الرئيسي، إذا لم تشعر بخروجهم جماهير الثوار المتجمهرين أمام بوابة المؤسسة.

كان الحفل مستمرا في القاعة الرئيسية لمؤسسة السعيد، وفي الطواريد كان الوزراء الثلاثة يفركون أصابعهم، ويهرشون رقابهم المطوقة بربطات العنق الأنيقة، بحثا عن حل لمأزقهم. وخلال دقائق الانتظار التي مرت عليهم بطيئة وكأنها سنين، ظل الوزراء الثلاثة في عزلة تامة من قبل الجميع، الذين كانوا يتبادلون التحايا وأطراف الحديث فيما بينهم، دون أن يعيروا أحدا من الوزراء الثلاثة أي اهتمام.

هذه العزلة التي قوبل بها الوزراء الثلاثة، فاقمت معاناتهم، فقد ظلت أعينهم تتسول في المكان، متنقلة بين الحاضرين بحثا شخص ما قد يلقي عليهم التحية، أو يتجاذب معهم أطراف الحديث، ليخرجهم من حالة العزلة المفروضة عليهم من قبل الجميع.

أدرك الوزراء الثلاثة، حينها بأنهم قد أصبحوا عراة أمام الجميع، من تلك الهالات السحرية التي كانوا يتبخترون بها أمام الناس، فلجأوا إلى الاستنجاد بقائد الحرس الجمهوري بالمحافظة، المعين حديثا، محمد البخيتي، وهو القائد السابق لمعسكر فريجة الذي دكت قواته قرى مديرية أرحب بمحافظة صنعاء، العام الماضي.

سرعان ما لبى البخيتي صرخة الاستنجاد التي أطلقها الوزراء المحاصرون، وحشد جنوده ومدرعاته لمحاولة تفريق المتظاهرين من أمام مقر المؤسسة، وإفساح الطريق للوزراء الثلاثة لمغادرة مقر المؤسسة المحاصر بالمتظاهرين، غير أن محاولاته تلك باءت بالفشل، رغم قيامه باعتقال ثلاثة من جنود الحرس المنظمين للثورة، وإصابة شخصين آخرين من شباب الثورة المطالبين بإلغاء قانون الحصانة، ومحاكمة صالح وأعوانه المشاركين في قتل الثوار.

كان فشل البخيتي في تفريق المتظاهرين محبطا، للوزراء الثلاثة، الذين استسلموا، أخيرا، للخيار الأسوأ، وهو المغادرة من المخرج الخلفي للمؤسسة، الذي خرجوا منه إلى زقاق ضيق مهجور، مليء بالقاذورات، حيث يتوارى هناك بعض المارة لقضاء حاجتهم.

وخلال تسربهم خلسة عبر ذلك الزقاق، استخدم الوزراء الثلاثة، بعض المناديل الورقية لتغطية أنوفهم، وملامح الاشمئزاز مرتسمة على وجوههم، قبل أن يخرجوا إلى زقاق وعر آخر، اكتشفوا بأن أحذيتهم الفاخرة، ليست مناسبة للسير فيه، ولكنهم واصلوا سيرهم عبر حارات ضيقة، أوصلتهم في النهاية إلى الشارع الرئيسي الذي كانت مدرعات الحرس الجمهوري تتمركز فيه بانتظار وصولهم، وتأمين وصولهم إلى سياراتهم.

بهذه الطريقة، وعبر هذا الزقاق غادر الوزراء الثلاثة مقر مؤسسة السعيد، في الوقت الذي استمر فيه الاحتفال الذي أتوا لحضوره، برفقة وزراء آخرين من تكتل اللقاء المشترك، لم يسيطر عليهم ذلك الخوف الذي دفع وزراء المؤتمر للمغادرة.

سرعان ما انتشر خبر مغادرة الوزراء بهذه الطريقة بين الحاضرين، وأصبح مثار سخرية بين الجميع، على عكس مغادرة رئيس الوزراء «باسندوة» التي كانت مثار إعجاب الجميع، حيث أصر باسندوة عقب نهاية الاحتفال على الاجتماع بالعشرات من المعاقين الذين كانوا متجمهرين أمام بوابة المؤسسة، احتجاجا على فساد صندوق المعاقين في صنعاء، وللمطالبة بإنشاء صندوق خاص للمعاقين في المحافظة.

ولم يغادر باسندوة الاحتفال إلا بعد أن سمح للمعاقين بالدخول إلى قاعة الاحتفال، حيث اجتمع بهم هناك عقب مغادرة الجميع، وقبل مغادرته للمؤسسة كان حريصا على أن تكون أولى صوره التذكارية بالمناسبة مع هؤلاء المعاقين الذين لم يترفع من احتضانهم ومصافحتهم بحرارة بالغة وكأنهم بعض أبنائه.

* majedabdalla@gmail.com

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن