آخر الاخبار

قراءة في عبثية رئيس سابق مقيم في اليمن يتهجم على الثورة وثوراها ومستند إلى أنياب القوة العسكرية لعائلته في مواصلة التحدي

الإثنين 19 مارس - آذار 2012 الساعة 06 مساءً / مأرب برس - عبدالعزيز المجيدي – خاص
عدد القراءات 12371
 
   

لا يستطيع الرئيس الأسبق علي ناصر محمد مثلاً أن يعود إلى اليمن، وهي تعيش مرحلة ما بعد صالح وزمن الثورة . مثله معارضون وقادة سياسيون موجودون في المنفى يواجهون نفس الصعوبة. مع ذلك يبدو أن أحداً غير مكترث للأمر رغم التحضيرات لمؤتمر حوار وطني منوط به لملمة شتات اليمنيين في الداخل والخارج .

لكن الأمر لا يخلو من مفارقة تبدو يمنية محضة، فالرئيس المفترض أن ثورة شعبية خلعته من الحكم هو علي عبدالله صالح لا يحظى بهذه الميزة النادرة في التاريخ السياسي اليمني فحسب «رئيس سابق مقيم في اليمن»، بل ويجرؤ أن يهاجم الثورة وشبابها ويصفهم بالبلاطجة ،ثم يعيش آمناً وكأن شيئاً لم يحدث!

هو بالتأكيد لا يفعل ذلك لأنه يثق في سمو وتسامح الثورة وحكومة الوفاق، بل ببساطة لأنه ما يزال حاكماً وبسلطات فعلية، و«الثورة» هي من تخشى جانبه.. واقع صادم ومحبط، والمؤلم حقاً هو محاولة البعض التطبيع والتعايش معه رغم التضحيات الجسيمة لأنبل واطهر من أنجبت البلاد من الشباب.

لا أحد يستطيع أن ينكر أن صالح قد أجبر على التنحي كرئيس عبث بالبلاد 33 عاماً، وقد حل في الواجهة عبد ربه منصور هادي منذ 21 فبراير الفائت . مع ذلك فكل شيء بدا حتى اللحظة على الأقل غير مؤثر في اللعبة التي ينتهجها صالح وعائلته وحلفاؤه الأمريكان في مواجهة «الثورة الشعبية» منذ واقعة الهجوم الغامض على دار الرئاسة .

في تلك الواقعة، لزم صالح ومن يفترض أنهم أركان حكمه غرف العناية المركزة في مستشفيات السعودية لثلاثة أشهر، وقد انهارت بالفعل كل واجهته الشكلية التي حكم بها البلاد : الحكومة ، مجلسي النواب والشورى، والموقع الدستوري للرئيس عينه، ومع ذلك ظلت عائلة صالح ممسكة بالجزء الأكبر من السلطة، في ظل انقسام في الجيش ، وانتفاضة شعبية لم تخمد.

في الواقع هذه العائلة مدينة ليس إلى القوة التي تتمتع بها في الجيش والأمن، رغم أهميتها، بل للأداء السيء الذي اختاره قادة المعارضة وأذرعتهم في الساحات، مع دعم واضح لواشنطن والرياض .

لو كانت البلاد تدار بهذه الواجهات الشكلية لكان صالح انتهى منذ لسعة الحريق الأولى في قصره، وهذا يعني أن عودتها للعمل الآن في «مرحلة التوافق»، لا يعني أنها قادرة على أن تغير في المشهد شيئاً، وسيبدو من السذاجة الاعتقاد بأنها تحكم مع بقاء أدوات التسلط في يد العائلة .

شكلياً أصبح صالح خارج الموقع الذي احتكره لأكثر من 3 عقود، وقد أكسبت التوافقية السياسية والتصويت الشعبي الكثيف عبد ربه الشرعية كرئيس للبلاد، وهناك حكومة وفاق ترأسها المعارضة ،والسؤال : هل أصبح عبد ربه رئيساً بالفعل ؟

رغم كل ما حظي به الرجل من توافق داخلي وإجماع إقليمي ودولي، وتنصيبه كرئيس، ينبغي علينا أن نعترف بأن البلاد مازالت عالقة داخل هذه المعادلة المهينة : صالح لم يعد رئيساً، لكنه لم يفقد السلطة بعد !

من دون الجيش وأجهزة الأمن سيبدو صالح كنمر من ورق، ولن يجرؤ على البقاء حتى لدقيقة واحدة في الداخل، لكن حيث سلطته الحقيقية مازالت قائمة بواسطة عائلته، لن يكون بمقدور البلاد أن تبدأ مرحلة جديدة، بل إنها ستمضي إلى الحفرة التي شقها الرجل وعائلته، حيث التمزق والاحتراب هو المآل الحتمي في ظل استمرار «الغباء» عينه على الضفة الأخرى .

يريد الرجل العودة بنا إلى ذات النقطة، ويعتقد أن علينا الإصغاء لترهاته، في معرض من يسعى إلى التخيير بين بقائه أو القبول بالتعايش مع الامتيازات المحرمة التي راكمتها عائلته في المواقع المغتصبة على رأس الأجهزة الأمنية والعسكرية أو في التجارة والأنشطة الاستثمارية ونهب المشتقات النفطية وتقاسمها مع الشركاء السابقين، كما السيطرة على مخصصات الجيش. صحيح أن هذه اللعبة تحظى، بغطاء أمريكي يكشف موقف واشنطن المناهض للربيع العربي ، لكن هذا الأمر يجب أن لا يستمر . فما من أسوأ من هذه النتيجة القاتلة، حيث بعد 14 شهراً من الثورة الشعبية التي خرجت لإنهاء تلك الحقبة المريرة: تذهب دماء من قضى من الشباب هدراً والبعض مغيبون في المعتقلات السرية، بينما تبقى عائلة صالح ممسكة بأدوات القتل، وتملك نصف الحكومة كما لو كنت مكافأة مستحقة، وفي الضفة الأخرى «ثورة خاملة» في الساحات ! 

من دون رحيل أقارب صالح وضمنهم كل الجنرالات، حلفاء حقبته المهينة، كمهمة لاتقبل التأخير قبل الهيكلة، سيكون الاكتفاء بإزاحة الرجل من الواجهة بمثابة عظمة أُلقيت على مائدة «الثورة» يراد منا التلهي بها، والانصراف عن العمل الحقيقي الذي يجب أن يبدأ وبصورة عاجلة، لتحرير الجيش وأجهزة الأمن من حالة اغتصاب مزمن .

لقد مُنح صالح وعائلته الحصانة من الملاحقة القضائية، وهي فضيحة إنسانية وأخلاقية ستظل تلاحق الداعمين لها أبد الدهر، مع ذلك فأن الجزء الآخر الذي اتخذته قوى سياسية في الداخل كجسر للترويج للحصانة، وهو مغادرة الرجل وعائلته السلطة، لم يتحقق، بل إن ما يحدث هو العكس !

مازالت العائلة تهيمن على كل شيء ، لدرجة أن حكومة باسندوة كان برنامجها الذي اعتمدته في الموازنة الجديدة هو نفسه برنامج «العقوبات» الذي فرضه احمد علي عبدالله صالح على اليمنيين في يونيو الماضي عندما رفع أسعار المشتقات النفطية إلى أكثر من 130 % وكانت الحكومة في غرفة الإنعاش . ذلك يعني أن الشعب الذي خرج للخلاص من هذا الحكم, يتحمل الآن وحيداً عبء التسوية السياسية, ويسلم بصورة غريبة, بتمويل نفس مراكز الحكم على حساب قوته, مفارقة محزنة, لم تحدث سوى في اليمن, ومسرحية عبثية تجهز ببطء على حلم الجيل بالثورة .

في المقابل لا تستطيع حكومة باسندوة ولا الرئيس عبد ربه أن يطلق كلمة كفى في وجه أحمد علي أو للجنرال في الموقع الآخر علي محسن، أو أي من المتورطين في شبكة صالح القديمة، والحكومة مجبرة على دفع كل الموازنات الضخمة للفريقين بينها مخصصات آلاف الجنود الوهميين والفارين، وبنود الإعاشة والتغذية والوقود، وهي امتيازات تذهب إلى جيوب اللصوص «الكبار».

لا يستطيع عبد ربه أن يتصرف كرئيس يتمتع بالقوة من دون كنس هذه العوائق من طريق اليمنيين، وعلى الثورة أن لا تنتظر من الرجل أن يقوم بما عجز عنه الآخرون أو هكذا أرادوا.

 الشباب معنيون في المقام الأول بمواجهة «زعماء الأخطاء القاتلة» والشروع في مرحلة جديدة من الكفاح السلمي بلا خوف أو تردد. هذا ما يجب أن يحدث إذا كان ينبغي على «الثورة» تدارك ما يمكن تداركه، لأن «الكلفة» ستكون وخيمة في ظل المراوحة داخل هذه الدائرة العقيمة .

عندما يصبح صالح وعائلته بلا أنياب أو مخالب القوة العسكرية يمكن التعامل معه كرئيس سابق، وبتسامح حقيقي . وقتها لن يكون حريصاً على البقاء كما هو عليه الآن، ولن يطل علينا مجدداً كرئيس للمؤتمر الشعبي العام أو حتى مؤذن لجامع السبعين، وسيختار على الفور أقرب طريق إلى دبي أو المانيا، حيث أمواله واستثماراته الضخمة المسروقة من حياة اليمنيين وكرامتهم، تزدهر برعاية من الأشقاء، والأصدقاء في واشنطن !.

  aziz.press7@gmail.com

 
اكثر خبر قراءة أخبار اليمن