برغم سقوط أكثر من 300 شهيد وآلاف الجرحى لكن النظام فشل في جر الشباب الي مربع العنف

الإثنين 20 يونيو-حزيران 2011 الساعة 07 مساءً / مأرب برس- احمد الزرقة
عدد القراءات 5898
 
الثورة في شهرها الخامس.. تجاوزت العقبات
 

أكثر من أسبوعين على غياب صالح الكامل لاول مرة عن المشهد السياسي اليمني منذ مايقارب 33 عاما كان هو صاحب الحضور الابرز والصوت الاعلى في البلاد، حتى الان لم تتعود وربما لم تستوعب الإطراف السياسية والحزبية في بقايا المؤسسة الحاكمة وخارجها ذلك الغياب المفاجئ على الرغم من أن هناك على أرض الميدان ثورة شعبية منذ خمسة اشهر للمطالبة بإسقاط النظام ورحيل صالح وأقاربه عن الحكم،قدم خلالها الشباب المعتصمين في الساحات اكثر من 300 شهيد والآف الجرحى ، وضربوا أروع آيات الصمود في مواجهة آلة القمع الوحشية للنظام الذي لم يدخر جهداً،ولم يبق وسيلة قذرة لمحاولة كسر الارادة الجمعية للشباب اليمني الصامد على امتداد خارطة الوطن،لكنه فشل في جر شباب الثورة نحو مربع العنف بالرغم من افتعاله معارك جانبية كثيرة في صنعاء وتعز وابين وغيرها من المدن اليمنية لتحويل مسار الثورة وشبابها ونزع سلاح سلمية الثورة عنها وهو السلاح الذي لايبرع النظام في مواجهته كونه قائم على شرعية القوة والعنف.

2

حاول صالح الذي يعاني وضعا صحيا صعبا في العاصمة السعودية بعد استهدافه بشكل غامض في عقر داره ووسط سياجاته الأمنية المنيعة في دار الرئاسة بشكل مباغت الجمعة قبل الماضية مع كبار المسئولين في نظامه، منذ بداية الثورة الشبابية لصق مختلف التهم لشباب الثورة بدءاً من كونها أزمة اختلقتها احزاب المعارضة، واتهام شبابها بالتحالف مع تنظيم القاعدة، وبكون ثورتهم جزء من مؤامرة دولية لها أضلع صهيونية وتديرها اجهزة الاستخبارات الغربية والاقليمية، تلك التهم وغيرها كان صالح ونظامه من خلالها يبحث عن مبررات لممارسة العنف والقتل المباشر التي مارستها الاجهزة الامنية والعسكرية التابعة له ضد المعتصمين ومطالبهم بالتغيير ورحيله ونظامه عن الحكم.

3

مع كل موجة عنف كان يمارسها ضد الساحات وشبابها كان يخسر قطاعاً واسعاً من حلفائه ورجالاته الذين أعلنوا انضمامهم ومساندتهم للثورة الشبابية، كما أن المواقف الدولية التي كانت تراقب باهتمام مايدور في اليمن تشهد تغيرا وتعاطفاً وإن بطيئاً نسبياً مع الضحايا الذين كانوا يسقطون برصاص نظام صالح.

حاول صالح استدعاء الموقف الخليجي والدولي لمساعدته في مواجهة تنامي حالة تآكل شرعية نظامه وارتفاع وتيرة الاحتجاجات،ونجح في تصوير مايحدث على أنه أزمة سياسية مع احزاب اللقاء المشترك، لكنه لم ينجح في استثمار الفرص التي لاحت له وقدمتها الاطراف الاقليمية والدولية التي ضغطت على المعارضة اليمنية للدخول في سياق حل تفاوضي سياسي بعيدا عن الوضع الثوري في الساحات، وكان توقيع المعارضة للمبادرة الخليجية ورفض صالح التوقيع عليها تحت مبررات واهية بالرغم من كون تلك المبادرة قد منحته واقاربه وكبار معاونيه تعهدا بعدم الملاحقة القانونية والقضائية جراء الجرائم التي ارتكبوها في حق المعتصمين وفي قضايا تتعلق بالفشل والفساد في ادارة البلد خلال فترة حكم صالح الممتدة لما يقارب ثلث قرن كامل.

4

مناورات صالح السياسية التي اتسمت بطابع تدميري في مواجهة دعوات التهدئة والحل السياسي لنقل السلطة كانت تسير بخطين داخلي وخارجي متوازيان، فعلى الصعيد الداخلي كان مثقلا بتركة الاقارب الطامحين للاستمرار في السلطة والحكم، ومخاوف حلفائه وكبار رجالات دولته وحزبه من أن يؤدي خروجه من الحكم إلى فقد المزايا والامتيازات التي يتمتعون بها استنادا لوجوده الذي يمنحهم تلك السلطة غير المقننة.

وأدت تلك التركة التي وضعت صالح تحت ضغط شديد مدفوعا أيضا بقوة العناد التي عرف بها صالح وعدم تقبله لفكرة هزيمته واستسلامه امام طلبات شباب الساحات المدعومة ظاهرياً إلى حد ما بالمعارضة وجزء كبير من حلفاءه السابقين، لذلك لجأ لخيارات الدسيسة واشعال الحرائق في عدة جبهات لمناوئه واتسمت غالبيتها باستخدام العنف والقوة، ووقف خلفه جهاز اعلامي دعائي ضخم استخدم كل الوسائل الملتوية لتظليل الرأي العام والنيل من خصومة، وتم استخدام المال العام لمحاولة شراء الولاءات وبث الاكاذيب والاشاعات في محاولة تفتيت جبهة الصمود لشباب الثورة في مختلف الساحات.

5

لم يكتفي بتلك التصرفات بل قام بإستخدام الادارة باثارة المخاوف وتهديد الامن العام لجميع اليمنيين بمن فيهم أنصاره عبر افتعال الازمات المتعلقة بمادة الغاز والمشتقات النفطية بالاضافة لقطع التيار الكهربائي عن العاصمة صنعاء وغالبية المدن والمناطق الرئيسة في البلاد بشكل غير مسبوق.

وفي الوقت الذي اعلن فيه نظام صالح اقرار حالة الطوارئ العامة في البلاد بشكل مخالف للقانون والدستور ملأ صالح العاصمة صنعاء بعشرات الالاف من أنصاره المدججين بالسلاح وتم توزيعهم بطريقة مدروسة حول المصالح الحكومية الحيوية وفي الطرق المؤدية لدار الرئاسة كي يتم استخدامهم كنسق إضافي للحماية في حال قرر شباب الثورة تنفيذ تهديدهم بالزحف لقصر الرئاسة.

6

على الصعيد الخارجي كان صالح يتكئ على دعم أمريكي غربي وسعودي هي نتاج لتحالفاته الطويلة مع الجانب الامريكي والسعودي في مجال الحرب على الارهاب والتسهيلات التي قدمها نظامه للقوات الامريكية لتنفيذ عمليات عسكرية ضد اهداف يمنية على الاراضي اليمنية، بالاضافة للتبادل الاستخباري في هذا المجال، لكن تلك التحالفات تعرضت لهزة عميقة جدا بعد فشل صالح في احتواء الثورة الشبابية والشعبية ولعل ماحدث في جمعة الكرامة 18 مارس، وطريقة تعامل النظام مع تلك الجريمة الشنيعة كان يوما فارقا في تاريخ الثورة الشبابية حيث ادت تلك الجريمة التي راح ضحيتها 53 شهيدا برصاص قناصة النظام، الى ردود فعل قوية على الجانب الدولي وبخاصة الموقفين الامريكي والاوربي بالاضافة لموجة الاستقالات الكبيرة التي قادها اللواء على محسن الاحمر، بعد مذبحة جمعة الكرامة ادرك العالم أن صالح فشل وسيفشل لاحقا في احتواء الثورة الشعبية التي تحولت مطالبها من رحيل صالح الى محاكمته، الموقف الاوربي الذي عبرت عنه الممثل الاعلى للسياسة الخارجية الاوربية كاثرين اشتون كان واضحا وصريحا في مطالبته بالرحيل الفوري لصالح عن الحكم في اليمن، وقد تبع موقف اشتون عدة مواقف على نفس تلك الخطوات، بما في ذلك الموقف الامريكي.

7

خليجيا كان هناك موقفين واضحين وصريحين الاول الى جانب الثورة الشعبية ومثله موقف دولة قطر التي اعلنت ادانتها لما حدث في مجزرة جمعة الكرامة، في الضفة الاخرى كان هناك موقف السعودية وبقية دول المجلس التي تجاهلت في كل مواقفها ما يدور في اليمن انطلاقا من رفضها لفكرة الثورات ضد الانظمة السياسية في المنطقة، وظهر جليا ذلك التباين في المبادرة الخليجية التي اعلن عنها بطلب من الرئيس صالح في 3 ابريل الماضي، وقد مارس صالح نفس الاعيبه وفق سياسة فرق تسد حين عزف على وتر الخلاف والتباين في وجهات النظر بين السعودية وقطر، وهو بتصرفه ذلك كان يهدف لاخراج دولة قطر من المبادرة، وبالتالي سيضمن أن جميع المواقف الاخرى لبقية دول المجلس لن تخرج عن الرغبة السعودية التي كان واضحا إنه لن يرضى بالخروج المهين والمذل لصالح ، بالاضافة لدعمه سياسيا واقتصاديا لاجهاد خصومة ومنحه وقت للقضاء على الثورة واضعافها، واشعال الفتنة بين مكوناتها المختلفة، مما يجعل من السهل والمنطقي أن تقبل تلك المكونات بأي حل مؤقت لاخراج البلاد من اتون هذه الازمة، وظهر هذا بوضوح من خلال التعديلات على المبادرة الخليجية التي كانت تأتي إستجابة لرغبات صالح ،الذي كان مستعدا لعمل أي شيئ الا قبول فكرة الرحيل عن الحكم ومغادرة المشهد السياسي اليمني الى غير رجعه، وهو ما عبر عنه في تصريحاته المتعددة انه لن يخرج من اليمن وسيبقى على رأس حزب المؤتمر الشعبي الحاكم وسيذيق المعارضة من نفس الكأس الذي إذاقته.

8

صالح غادر صنعاء محمولا بعد رفضه مغادرتها على قدميه، لكنه ترك قسما كبيرا من الازمة وعوامل الانفجار ورائه محملا اياها اخوانه وابنائه وابناء اخيه وبقايا الحرس القديم لنظامه، كما انه ترك البلاد في عهده نائبه عبدربه منصور هادي لكن بدون قرار رسمي ليستمر في منصبه كنائب للرئيس بدون تعيين بل وفق اتفاق ضمني بكون هادي نائباً، اختاره صالح لدواعي تتعلق بالتمثيل المناطقي للشمال والجنوب في قمة هرم الدولة، بالاضافة لمكافأته على ادائه في حرب صيف 1994م ،وقبل ذلك إطمئنانه المطلق معرفته بزهد هادي في التفكير بخلافته او التدبير للانقلاب عليه، لكن ماحدث في جمعه الأمن والاستقرار لانصار صالح من حادثة استهداف صالح وكبار مسئولي الدولة في دار الرئاسة، من شأنه ان يقلب كل الموازين لصالح الفريق عبدربه هادي منصور الذي بات رغم وضعه هذا هو الوحيد في البلد من يمتلك وضعا يمكنه من سد الفراغ السياسي والدستوري الناجم عن حادث الاستهداف.

9

يدرك هادي صعوبة الاختبار الذي جعلته الاقدار في مواجهته، وهو مسكون بهاجس شخصي يتعلق بالوفاء للرئيس صالح في هذا الظرف الاستثنائي. لكنه في المقابل مطالب من الاطراف الدولية والاقليمية وبعض مكونات الثورة الشبابية (اللقاء المشترك ، العسكريين – المشايخ ) بتحمل مسئولياته التاريخية في قيادة تحول حقيقي في البلاد والخروج من عباءة صالح وسيطرته على المشهد اليمني حتى وهو في سرير المرض، بالتأكيد هناك وضع معقد في اليمن،يصعب تفكيك مكوناته بسهولة بدون وقوع أخطاء هنا أو هناك، وهناك حالة من الانهاك الاقتصادي والاجتماعي والنفسي نتيجة العيش تحت ضغط الصراع والجدل السياسي والنفسي والعيش تحت تأثير الخوف من اندلاع حرب وصراع طويل المدى في بلد انهكه الفقر ودمرته السياسة، ويظل الرهان دوما معقودا على قدرة شباب الثورة على الصمود والتماسك والتحلي باخلاق الثورة التي تقبل بالآخر وترفض الهيمنة أو الاقصاء والالغاء، وهناك مسئوليات اخلاقية على احزاب المعارضة ان تتحلى بها وان تتعامل بشفافية وأن لا تنجر الى مربع المفاوضات السرية التي تبقي على الوضع السياسي في البلد رهينا للخارج ومرهونا بالقدرة على عقد صفقات، تعيق التحولات التاريخية التي باتت اليوم قريبة من التحقق.