القصر والديوان.. دراسة تؤكِّد أن القبيلة تتعارض مع مبدأ المساواة والدستور وتؤسس للتمييز

الخميس 18 مارس - آذار 2010 الساعة 08 مساءً / مأر ب برس- خاص:
عدد القراءات 9713

أكَّد الدكتور عادل الشرجبي أن البنية القبلية في اليمن مسئولة عن تأصيل مبدأ التوريث السياسي. موضحاً أن مبدأ التوريث لا يخصّ رئاسة الدولة فحسب؛ وإنما يشمل جميع المناصب السياسية.

ودلل الشرجبي على ذلك بحالة البرلمان اليمني.

الشرجبي وخلال عرضه للدراسة التي أنجزها فريق بحث من المرصد اليمني لحقوق الإنسان ( YOHR ) عن الدور السياسي للقبيلة في اليمن ذكر أن "التوريث تأصل في مجلس النواب منذ الستينات، حيث أعضاء مجلس النواب هم أولئك المشائخ أو أبناءهم باستثناء تغييرات بسيطة جدا".

وفي الورشة التي عقدت الثلاثاء لمناقشة الدراسة التي صدرت عن المرصد اليمني ( YOHR ) بالتعاون مع المركز الدولي لأبحاث التنمية بكندا ( ICDR ) بعنوان "القصر والديوان.. الدور السياسي للقبيلة في اليمن" قال الشرجبي: "أصبح أبناء المسئولين والمشائخ يحصلون على الوظائف بالوراثة، وأضحت الوراثة قضية مفصلية في الدولة من القمة إلى القاعدة".

ووصف التقسيم الإداري الحالي للجمهورية بالقبلي الذي لا يقوم على أسس تنموية، مشيراً إلى أن الدوائر الانتخابية تم توزيعها بالشكل الذي يؤدي إلى نجاح المشائخ في الانتخابات البرلمانية، وإلى وجود تضخم في وكلاء المحافظات إلى درجة أن هناك وكلاء يفوق عددهم عدد المديريات وغالبيتهم من أبناء المشائخ.

وانتقد التغيرات التي حدث للقبيلة في اليمن حيث صار الشيخ يمثل الدولة أمام المواطنين، بعد أن كان يمثل قبيلته أمام الدولة.

وأضاف: "أصبح الشيخ يتغاضى عن قمع الدولة للمواطن والدولة تتغاضى عن الانتهاكات التي يمارسها المشائخ، ولم تعد القبيلة تستطيع توفير الحماية والأمن للمواطنين ولم يعد بإمكان المواطن الإدلاء برأيه في ديوان الشيخ، فهو يتكلم مادحا فقط أو يسكت".

وعدَّ الفساد في جزء كبير منه ناتج عن البنية القبلية وعدم اكتمال بنية الدولة، حيث أصبح الشيخ هو التاجر وابنه هو الضابط وابنه الآخر هو صاحب الشركة، ولم يعد التنافس على أساس الكفاءة قائم في اليمن ما أدى إلى وجود احتكارية وبالتالي فإن البنية السياسية أصبحت غير تنافسية.

وبينت الدراسة التي عمل الشرجبي كباحث رئيسي فيها، ورئيساً لفريق البحث المكون من الدكتور محمد المخلافي، والدكتور عبد القادر البناء، والدكتور فؤاد الصلاحي، والدكتورة عفاف الحيمي؛ بينت أن العوامل التي ساهمت في تعزيز القوة السياسي للقبيلة تتمثل في ضعف بناء الدولة وأجهزتها الأمنية، وضعف تغلغل الدولة في المناطق الريفية، وضعف مستوى إنفاذ القانون، والإفلات من العقاب، وتعامل الدولة مع المواطنين الريفيين عبر وساطة النخب القبلية، وضعف البدائل المدنية، والطابع الحربي للقبائل، والإستقطابات الإقليمية.

  ولادة الدولة..نهاية الوراثة

وذكرت الدراسة أن القبيلة كمؤسسة تتعارض مع مبدأ المساواة والدستور وتؤسس للتمييز والتراتبية، وأن هذه المصلحة لا تتعامل مع المواطنين عامة، وإنما مع مشائخ القبائل فقط وتمنحهم امتيازات لا يحصل عليها المواطنون الآخرون.

ورأى الشرجبي أن نمط من تنظيمات ما قبل الدولة يظهر جلياً في الدولة اليمنية، وهو الذي يفترض انكماشه وتضاؤله، حيث العلاقات بين الدولة والقبيلة من الناحية النظرية هي علاقة تناقضية ويقوم بينهما صراع وجودي، فولادة الدولة كما يقول ماكس فيبر يشكل نهاية الوراثة، أي أن ولادة الدولة تعتبر نهاية للتنظيمات القبلية.

اعتمدت هذه الدراسة منظوراً تاريخياً لتحليل الدور السياسي للقبيلة وعلاقاتها بالدولة في اليمن وبما يضمن تقديم فهم للتحولات التي شهدتها البنية القبلية، وبما يتجاوز الوصف الإستاتيكي لها، فعلى الرغم من استمرارية البنية القبلية وتعاظم تأثيرها السياسي، إلا أنها شهدت خلال العقود الماضية تغيرات كثيرة، أهملها معظم الباحثين السابقين، فقد ظل الباحثون الأجانب يتداولون وصف القبائل اليمنية بأنها تشكل وحدات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية مستقلة عن الدولة، وأنها تشكل تنظيمات مساواتية egalitarian structure ، وتنظيمات بدون رأس a cephalous ؛ دون مراعاة للتحولات التي شهدها المجتمع اليمني خلال العقود الخمسة الماضية، وما ترتب عليها من تغيير في طبيعة العلاقة بين الدولة والقبيلة بشكلٍ خاص، والعلاقة بين الدولة والمجتمع بشكلٍ عام، وعلى البنية القبلية وتركيبها الاجتماعي، والعلاقات الاجتماعية في المجتمع القبلي أيضاً، فقد تحولت العلاقة بين الدولة والقبائل من علاقة تعايش، إلى علاقة تمفصل، ومن علاقة صراع إلى علاقة تحالف، وهو ما يبرر اختيار عنوان هذه الدراسة, الموسوم بـ" الدور السياسي للقبيلة "، فهذا العنوان يشير إلى ما تمارسه القبائل من تأثير على عمليات صُنع القرار وتخصيص الموارد على المستوى الوطني، ولم يعد هدا التأثير مقتصراً على المستوى المحلي، الأمر الذي يضعف من مصداقية التعميم الذي تبنته كثير من الدراسات السابقة، والذي يقوم على مقولة: استقلال القبيلة عن الدولة.

شيوخ سياسة

وقامت الدراسة على التفريق بين المجتمع القبلي من المنظور الاجتماعي، والمجتمع القبلي من المنظور الثقافي، فالمجتمع القبلي بالمعنى الاجتماعي، هو مجتمع تمثل القبيلة فيه التنظيم الاجتماعي الوحيد، وتضم القبيلة عدداً محدوداً من الأفراد، وهي تنظيمات تقوم على المساواة egalitarian ، أما القبلية من المنظور الثقافي، فإنها تشير إلى المجتمع الذي يقوم على القيم والثقافة القبلية، أو الهوية القبلية، لذلك تم التحليل على المستويين الاجتماعي والثقافي، فعلى المستوى الاجتماعي، تم تحليل البنية القبلية ذاتها وما شهدته من تحولات، أما على المستوى الثقافي، فقد تم تحليل علاقة القبيلة بالدولة، والدور السياسي الذي تلعبه القبيلة، ومدى تأثيرها على التحول الديمقراطي، وكيف استطاعت القبيلة فرض منظومتها القبلية على الدولة والمجتمع، وقد نفذت هذه التحليلات في

ضوء إدراك الفرق بين الدور السياسي للقبيلة والأدوار السياسية لشيوخ القبائل، فكثير مما يوصف بأنها تمثل أدواراً سياسية للقبائل هي في الحقيقة أدوارُ سياسية لشيوخ القبائل، فقد تمكنت الدولة خلال العقود الماضية من احتكار المجال السياسي.