عدسات تجميلية مقلدة تغزو أسواق اليمن وتتسبب في استفحال أمراض العيون لدى اليمنيات (تحقيق)

الخميس 02 يونيو-حزيران 2022 الساعة 11 مساءً / مأرب برس ـ الجزيرة نت
عدد القراءات 3320

نتيجة الاستيراد العشوائي للعدسات التجميلية ومحاليل التعقيم التالفة والمقلدة باليمن وبيعها بلا رقابة تجارية أو صحية، تستفحل أمراض العيون لدى اليمنيات.

لم يكن يخطر ببال الفتاة العشرينية ولاء وديع أنه بعد نحو نصف ساعة فقط من وضعها عدسةً لاصقة تجميلية ستصاب بألم والتهاب شديدين في العين، وباضطراب في النظر. ثم تبيّن لها بعد عرض العدسة على متخصص أنها تالفة لأن لونها تفسخ وظهر السائل داخلها.

عانت الشابة صبرية السكري (26 عاما) أيضا من ضرر أكبر حين وضعت يوم زفافها عدسات تجميلية اشترتها من محل لبيع مواد تجميل، فالتصقت بعينها ولم تستطع إزالتها إلا عند طبيب عيون. نتج عن ذلك ضرر كبير في القرنية، أدى إلى ضعف شديد في النظر، ترتب عليه وضع نظارة طبية على نحو دائم.

نتيجة الاستيراد العشوائي للعدسات اللاصقة التجميلية ومحاليل التعقيم في اليمن، وغياب الرقابة، وتعدد منافذ الاستيراد، ونقاط البيع غير المرخصة، كما يثبت هذا التحقيق، تفاقمت مخاطر العدسات التجميلية المغشوشة والتالفة لدى نسبة كبيرة ممن يستعملنها من نساء اليمن.

وحسب استطلاع معدّ التحقيق لآراء 6 من استشاريي طب العيون واختصاصيي البصريات ممن يعملون في أهم مستشفيات ووحدات طب العيون بالعاصمة صنعاء، فإن معدل استقبالهم لفتيات أصبن بأضرار العدسات التجميلية المخالفة للمواصفات هو نحو 4-5 إصابات يوميا، بعضها أدى إلى إتلاف القرنية.

وثق معدّ التحقيق عبر استطلاع ميداني سريع إصابة 12 فتاة يمنية بأضرار في العين ناجمة عن استخدام العدسات التجميلية، بين الإصابات حالتان وثقتا بتقارير طبية.

وفي استطلاع إلكتروني (غير قياسي) شمل عينة من 61 فتاة يمنية في الفترة من 25 إلى 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، تبيّن أن 65% منهن تعرضن لأضرار مختلفة جراء استعمال عدسات تجميلية لاصقة، 59% منهن أصبن باحمرار شديد في العين، و16.4% بتورم في العين، و36.1% فقدن النظر مؤقتا، و4.9% أصبن بأضرار في القرنية، و4.9% بأضرار كبيرة وصلت إلى الضعف الشديد والدائم في النظر.

وتظهر النتائج أيضا أن 27.9% ممن شملهن الاستطلاع دخلن المستشفى وتلقين علاجا فقط، في حين أجريت لـ1.6% منهن عمليات. وبلغت تكاليف علاج 50.8% منهن أقل من 40 ألف ريال (66.66 دولارا)، و8.2% دفعن بين 40 ألف ريال و100 ألف ريال (166.66 دولارا)، وبلغت تكلفة علاج 9.8% من العينة أكثر من 100 ألف ريال.

تؤكد نتائج الاستطلاع شيوع مخاطر العدسات اللاصقة جراء الاستيراد العشوائي وغياب الرقابة الجمركية ثم الطبية على العينات المستوردة، وعدم وجود قوانين واضحة تنظم وتحدد الاستيراد والاختبار والبيع، أو عدم تفعيلها. ويلحظ أن كثيرا ممن يستعملن تلك العدسات يعتبرن الآثار التي تحدث لهن عادية رغم خطورتها، ولا يلجأن إلى الطبيب إلا في الحالات الخطرة، كما لا يفكرن في اللجوء إلى القضاء.

تراخيص ومواصفات شكلية
تتولى جهات متعددة في اليمن استيراد العدسات التجميلية ولا تخضع للتدقيق الجمركي أو الفحص والاختبار رغم وجود قوانين تفرض ذلك.

يشترط قانون التجارة الخارجية في اليمن رقم 16 لعام 2007 في المادتين 6 و7 على المستوردين الحصول على سجل تجاري، وبطاقة عضوية الغرفة التجارية، وموافقة أولية على الاستيراد تصدرها الجهات المختصة، على أن يُحدد نوع المنتج المستورد ومواصفاته، وتُرسل صورة من التصريح للمنافذ للعمل به، لكن ذلك لا يطبق عمليا.

يقول فؤاد هويدي مدير إدارة التجارة الخارجية بوزارة الصناعة والتجارة بصنعاء إن السلع التي لها تأثير مباشر على صحة الإنسان، ومن بينها العدسات، تخضع من حيث المبدأ والقانون لمسؤولية الهيئة العليا للأدوية التي تمنح الموافقة الفنية الأولية على استيرادها.

ويضيف أن الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة، سعيا منها للحصول على رسوم مالية، أخضعت بطريقة غير قانونية بعض السلع وبينها مواد التجميل لإشرافها، رغم أن مسؤوليتها تنحصر في تطبيق المواصفات القياسية لأي منتج عند دخوله إلى اليمن. وما دامت قد أخضعتها لإشرافها فهي تعدّ، وفق قوله، المسؤولة عن إبداء الموافقة وإصدار الترخيص لاستيراد العدسات التجميلية، لأن الاستيراد لا يزال عشوائيا، أي من دون تراخيص.

يؤكد محمد الشوخي، تاجر الإكسسوارات ومستلزمات التجميل بالعاصمة صنعاء، أنه يستورد العدسات التجميلية على أساس السجل التجاري عبر مكتب بالصين، ويمر من المنافذ الجمركية لإدخال العدسات من دون أي ترخيص أو موافقة سابقة من جهة معينة.

ويبيّن المدير العام للشؤون القانونية بالهيئة العامة للأدوية بصنعاء الدكتور فوزي الحربي أنه وفقا للائحة المستلزمات والأجهزة الطبية وما في حكمها التي أصدرها وزير الصحة بصنعاء طه المتوكل عام 2019، تحددت مهام الهيئة في مستلزمات العيون ومواد التجميل ذات الأثر الطبي، أي المواد التي تستخدم للعلاج أو الوقاية من مرض ما أو لها تأثير جانبي لاستخدامها، حسب تفسيره. ومن ثم تقتصر مسؤولية الهيئة على العدسات اللاصقة الطبية.

أما العدسات التجميلية، ولأنه لا توجد حتى الآن -حسب قوله- دراسات واضحة تبيّن أضرارها الجانبية فلا تشملها الرقابة من الهيئة، وما زالت حتى الآن ضمن مسؤولية الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس.

وتشير مديرة إدارة الجودة بالهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة ريا قائد إلى أن الهيئة مسؤولة عن العدسات التجميلية وأذون استيرادها، لكن لم يتم تفعيل الرقابة على العدسات حتى الآن لعدم توفر إمكانية فحصها في المختبرات، وبإمكان التجار استيرادها مباشرة بمجرد امتلاكهم سجلا تجاريا.

وفقا لنص المادتين 6 و7 من القرار الجمهوري رقم 52 لسنة 2000 بشأن إنشاء الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة، تختص الهيئة بإعداد نظام وطني للمواصفات والمقاييس على أسس علمية حديثة، وتعدّ الجهة الوحيدة المسؤولة عن تطبيق هذه المواصفات على السلع المستوردة والمنتجة محليا.

حصل معدّ التحقيق على 5 مواصفات قياسية يمنية خاصة بالعدسات، إذ أصدرت الهيئة عام 2007 اثنتين: الأولى المواصفة القياسية 1653 خاصة بالبصريات والعدسات اللاصقة لتحديد فترة الصلاحية، والثانية المواصفة القياسية اليمنية 1654 تتعلق بالمحلول الملحي الخاص باختبار العدسات اللاصقة.

وفي عام 2009 أصدرت الهيئة 3 مواصفات قياسية يمنية: المواصفة القياسية اليمنية رقم 2252وتختص بتحديد قرنية الانكسار لمواد العدسات اللاصقة، وتحدد المواصفة القياسية اليمنية 2253 الإجهادات في العدسات اللاصقة، وتبيّن المواصفة القياسية اليمنية 2254 العيوب السطحية والداخلية في العدسات اللاصقة الصلبة، لكن محتواها أشار إلى شمولها لكل أنواع العدسات اللاصقة. ومع ذلك بقيت كل هذه المواصفات من دون تطبيق عملي في الرقابة على المنتجات المستوردة.

يوضح مسؤول المقاييس في الهيئة الدكتور جبران الزقري أن المواصفات الخاصة بالعدسات لا تطبق حتى الآن لعدم وجود أجهزة للفحص جراء عراقيل إدارية ومالية، إذ تم التوجيه بشراء الأجهزة منذ عام 2010 من دون أن يتم ذلك بسبب إهمال إداري أو لأن موازنة الشراء كبيرة، وأحيانا كانت المشكلة إدارية، إذ يشترط قانون المناقصات أن ترسو كل الأجهزة على مزود واحد، في حين لا يتقدم للمناقصة أي أحد.

وتؤكد مديرة إدارة تأكيد الجودة بالهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس ريا قائد أنه لم يسبق للهيئة أن طابقت بيانات أو مواصفات خاصة بالعدسات التجميلية حتى الآن، ولم يتم فحص أي منها في المختبر، ولذا فيمكن لتجار العدسات أن يمروا ببضاعتهم من المنافذ الجمركية الرسمية من دون تطبيق للمواصفات القياسية.

وحسب أكرم الحيدري مندوب هيئة المواصفات في جمارك صنعاء، وزميله عدنان جبارة مندوب الهيئة في منفذ جمارك ذمار، يُنظر فقط في البيانات الموجودة على غلاف العبوات الخاصة بالعدسات المستوردة، ولا يتم تطبيق المواصفات القياسية بسبب عدم وجود أجهزة فحص، كما لم يصل أي تعميم بمراقبة جودة العدسات وصلاحيتها، وفق الحيدري.

يقدر مدير إدارة التخطيط والإحصاء بمصلحة الجمارك بصنعاء محمد حزام كمية العدسات اللاصقة التي دخلت اليمن إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة السلطات في صنعاء عام 2020، بنحو 49 ألفا و989 عدسة، من دون معرفة أنواعها. وفي ضوء مسح معد التحقيق لعدد من محالّ بيع هذه العدسات بالعاصمة (صنعاء)، تبيّن أن ما يباع في اليمن هي عدسات: Freshlook وlens me وDahab وBella وBeauty وDive وXFlower وSolotica.

يقول مدير إدارة التجارة الخارجية في وزارة الصناعة والتجارة بصنعاء فؤاد هويدي إن العدسات التجميلية تدخل عبر المنافذ الجمركية بكميات صغيرة، ويهرّب ما بين 40% و50% من إجمالي ما يدخل منها سنويا إلى اليمن. ويعود ذلك -حسب قوله- لارتفاع ضريبتها الجمركية، أو لوجود وكلاء لوكلاء معتمدين لا يستطيعون استيراد العدسات مباشرة من الدولة المصدرة، فيستوردونها من مكاتب الدول المجاورة، وقد نشط هذا النوع من التجارة في السنوات الأخيرة بسبب الحرب.

ويشير هويدي إلى أن العدسات اللاصقة التجميلية تستورد أيضا عبر الإنترنت دونما ضوابط وإجراءات أولية في غياب قانون التجارة الإلكترونية، ولأن أغلب عمليات البيع والشراء الإلكترونية يقوم بها أفراد وليست شركات، ولا تطبق المواصفات والمقاييس على العدسات رغم أنه يفترض فحصها والتثبت من صلاحيتها حماية للمستهلك.

بالعودة إلى ذلك، رصد معد التحقيق مجموعة مواقع إلكترونية تتبع وكلاء لبيع العدسات في مدينتي عدن وحضرموت تستورد العدسات التجميلية إلكترونيا. وتظهر مراسلات البيع والشراء عبر أحدها أن البيع يتم بالجملة أو بالمفرد وبكميات قليلة من مكاتب بحضرموت وعدن، حيث تباع بين 3 و6 عدسات من نوع "فانتاسي" الماليزية بمبلغ 1700 ريال (2.83 دولار) لكل عدسة، وتحدد طرق التوصيل إلى المحافظات عبر إحدى شركات النقل، وطريقة التسلّم عبر البطاقة الشخصية، وتدفع قيمة الشراء عبر بعض محالّ الصرافة.

حاول معدّ التحقيق فحص عينة من العدسات والمحاليل المعقمة التي تدخل إلى اليمن، إلا أنه لم يجد أجهزة للفحص في مختبرات الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس، ولا في مختبرات الهيئة العليا للأدوية أو مختبر كلية الطب بجامعة صنعاء، لذا لجأ إلى إثبات أن العدسات التي تدخل إلى اليمن في معظمها رديئة ومقلدة استنادا إلى جملة معايير؛ أولها يتعلق بالسعر، والثاني بنسبة المياه داخلها وأبعاد المنتشر منها، والثالث بمدى احترام شروط التعبئة وحماية المستهلك.

وحسب استطلاع أجريناه، تباع معظم العدسات بمبلغ يراوح بين ألف ريال و3500 ريال (1.66 دولار و5.83 دولارات). يبلغ سعر عدسة "فريش لوك" (Freshlook) مثلا في صنعاء وكذلك عدسة "بيلا" (Bella) ألفي ريال (3.33 دولارات)، و"لانس مي" (lens me) سعرها 2500 ريال (4.16 دولارات)، و"دايف" (Dive) بـ2500 ريال (4.16 دولارات)، وبعد أن قارنّا أسعار هذه العدسات بتلك المعروضة على مواقع إلكترونية شهيرة وجدنا أن ما يباع منها في اليمن أرخص بنسب تراوح بين 400% و1000%.

ووفقا للأسعار في السعودية مثلا، تتراوح أسعار عدسة "فريش لوك" الأصلية بين 55 و124 ريالا سعوديا (14.51 و32.71 دولارا)، وعدسة "بيلا" بين 80 و180 ريالا سعوديا (21.10 و47.49 دولارا)، أما عدسة "لانس مي" فيبلغ أقل سعر لها 123 ريالا سعوديا (32.45 دولارا)، وعدسة "دايف" تباع بـ120 ريالا سعوديا (31.66 دولارا).

ويشير فني البصريات نبيل البعداني إلى أن الانخفاض الكبير في العدسات الرائجة بكثرة في اليمن (على أساس أنها من النوع الجيد) مقارنة ببلدان مجاورة وفي المواقع الإلكترونية، يؤكد أنها مقلدة وبمواصفات مخالفة ورديئة.

ويؤكد اختصاصي البصريات رياض الأكوع أن العدسات الرديئة على عكس الأصلية تتسبّب بعد مدة قصيرة من استعمالها في احمرار والتهاب في العينين، وهو تماما ما أظهرته نتائج الاستطلاع الذي أجريناه، إذ إن 59% من المشاركات في العينة أصبن فعلا باحمرار شديد في العينين، فضلا عن أضرار أخرى.

وثق معد التحقيق أيضا صورا لعدسات تجميلية من نوع "ذهب" و"لانس مي" و"بيلا" بلغت نسبة الماء (المحلول) فيها 38%، مع أنها للاستخدام غير اليومي (أسبوعي أو شهري أو سنوي)، والمفترض وفقا للدكتور هشام الأكحلي -اختصاصي أول في طب وجراحة العيون في مستشفى المغربي بصنعاء- والدكتور رياض الأكوع، أن تكون نسبة السوائل فيها بين 55% و70%، ويتسبب نقص كمية السوائل المرطبة المحيطة بالعدسة (المصنوعة من السيلكون) في قلة دخول الأكسجين إلى العين أو عدم دخوله تماما، ومن ثم يسبب التهابات في القرنية، قد تمتد مضاعفاتها إلى العمى.

تبيّن لمعد التحقيق أيضا من خلال معاينته العدسات التي تباع في 20 محلا لبيع مواد التجميل والنظارات بصنعاء أن قطرها يراوح بين 14 و15 مليمترا، مع أنه وفق المواصفة القياسية 1653 يفترض أن يكون قطر العدسات اللينة من 12 إلى 16 مليمترا، وبعد استشارة الدكتور الأكحلي وفني البصريات نبيل البعداني فإن مقياس قطر العدسة الذي يباع في اليمن فعلا هو 14 مليمترا، لكن إذا كان هناك شخص قطر عينه أكبر أو أقل من ذلك يفترض أن يستعمل المقياس المناسب لعينه، لتجنب التهابات ومضاعفات أخطر أحيانا.

ولتأكيد عدم مطابقة العدسات التجميلية لمواصفات بطاقة البيانات التي يفترض تطبيقها على كل المنتجات، والتي تتضمن ضرورة توفر إرشادات أو تعليمات الاستخدام باللغتين العربية والإنجليزية، حسب الأمين العام المساعد للشؤون الفنية لجمعية حماية المستهلك بصنعاء الدكتور صادق شمسان، وثق معد التحقيق أن عدسات "فريش لوك" و"ذهب" و"لانس مي" تباع في العاصمة صنعاء من دون وجود أي إرشادات للاستخدام بداخلها.

استخدمت الفتاة العشرينية ريم المرير العدسات التجميلية 3 مرات بعد أن اشترتها من محل لبيع النظارات، وفي كل مرة كانت تصاب بالتهاب واحمرار في العين، لأنها لم تستشر الطبيب ولم تحصل على تعليمات من صاحب المحل عن كيفية استخدامها العدسة أو محلولها، كما أن العلبة لم تتضمن إرشادات لطريقة الاستعمال؛ في مخالفة للمواصفات.

وثق معد التحقيق تحذيرات منظمات وهيئات الغذاء والدواء العالمية (خصوصا الأميركية) ودراسات علمية في دول غربية وعربية من مخاطر العدسات التجميلية الرخيصة والمقلدة، لتسببها في أنواع عديدة من البكتيريا الخطيرة مثل "أسينتوباكتير" (Acientobacter) و"بسودوموناز" (Pseudomonas) التي تؤدي إلى التهاب مقلة العين البكتيري وقرحة القرنية جراء انتقال الميكروبات من العدسة إلى العين وجرح العدسة للقرنية.

تلجأ معظم دول العالم إلى فرض قوانين تمنع صرف العدسات اللاصقة حتى التجميلية إلا بوصفة طبية، وتحظر بيعها في غير المحالّ المخصصة، لكن كل ذلك غير معمول به في اليمن، كما أن حملات التوعية بمخاطر العدسات المقلدة غائبة تماما.

وفي المقابل، تباع العدسات في اليمن غالبا في محال بيع أدوات التجميل وكذلك في البقالات ومكتبات بيع الأدوات المدرسية من دون وصفة طبية. وتظهر نتائج الاستطلاع الذي أجريناه أن 90.2% من الفتيات اشترين العدسات التجميلية من دون استشارة طبيب، وأن 65.6% منهن اشترينها من محال أدوات التجميل، وذلك يزيد من مخاطر الاستخدام الخاطئ لهذه العدسات وعدم التأكد من صلاحيتها أو جودتها.

يؤكد المدير العام للشؤون القانونية بوزارة الصحة بصنعاء مطهر الغرسي أن الوزارة لم تصدر حتى الآن قانونا لتنظيم ممارسة مهنة البصريات، لذلك تباع العدسات التجميلية في اليمن من دون رقابة تذكر.

ويوضح مدير عمليات وزارة الصناعة والتجارة بصنعاء نجيب العذري أن الرقابة على محالّ أدوات التجميل التي تباع فيها العدسات تقع ضمن مسؤوليتهم في الظروف العادية، لكن الكادر البشري للوزارة محدود، كما أن الظروف الاستثنائية باليمن وندرة الخبراء وأجهزة الفحص تعرقل إجراءات الرقابة.

ويشير مدير مكتب الصحة بأمانة العاصمة صنعاء مطهر المروني إلى أن مسؤولية مراقبة بيع العدسات في محالّ النظارات والبصريات من اختصاص دوائر وزارة الصحة، لكنها لم تفعّل الرقابة على مدى الصلاحية والتخزين، ولم تصدر تعميما بمنع بيعها إلا بوصفة طبية، رغم انتشار الإصابات جراء العدسات المخالفة للمواصفات.

تنص المادة 17 من القانون رقم 46 الصادر عام 2008 بشأن حماية المستهلك على منع بيع سلع غير مطابقة للمواصفات والمقاييس المتفق عليها، ونصت المادة 34 من القانون على أن كل من خالف مواد القانون يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة مع تعويض المستهلك، كما نصت المادة 40 أنه في حال وجود ضرر من سلعة يلحق بصحة وسلامة المستهلك يصدر وزير الصناعة والتجارة قرارا بحجز السلعة وسحبها من السوق ومنع تداولها وتوريدها.

تواصلنا مع الأمين العام المساعد للشؤون الفنية لجمعية حماية المستهلك بصنعاء الدكتور صادق شمسان فأكد تلقي الجمعية شكاوى عدة من متضررين من العدسات اللاصقة، لكن الجمعية لم تتابعها لأنها لم تكن رسمية وموثقة من أطباء، كما أن الجمعية لا تمتلك أجهزة لفحص العدسات اللاصقة والتثبت من مدى صلاحيتها لتوثيق الشكاوى ورفعها إلى القضاء، كما أشار إلى أن أولوياتهم في الجمعية تنصب على السلع والمنتوجات الأكثر انتشارا.

وتبعا لكل ذلك، فقد تُرك استيراد المواد التجميلية، وبينها العدسات اللاصقة، وكذلك تجارتها وبيعها من دون تأطير أو رقابة لحماية المستهلك من مخاطر صحية لا يضعها التجار والمهربون في حساباتهم، ولا تملك المتضررات وسيلة لاسترجاع حقوقهن قضائيا في ظل الأوضاع السائدة وتشتت المسؤوليات بين أجهزة الدولة.