هل بدأت واشنطن مساندة الرياض لردع الحوثيين وتغير استراتيجيتها في اليمن لإفشال تفوق إيران؟

الجمعة 10 ديسمبر-كانون الأول 2021 الساعة 07 مساءً / مارب برس-  يمن شباب نت - أبوبكر الفقية
عدد القراءات 4647
 

 

ذات مرة قال لنا الراحل برنارد لويس، الباحث البارز في شؤون الشرق الأوسط، "أنه في حين أنه من الخطر أن تكون عدوًا لأمريكا، إلا أن كونك صديقًا لها ربما يكون قاتلًا"، بهذه المقولة بدأت صحيفة «WSJ» الأمريكية افتتاحيتها الأربعاء 8ديسمبر/ كانون أول 2021، وتساءلت عما إذا كان هذا هو بالضبط ما يشعر به السعوديون حاليا وهم يطلبون المساعدة من أمريكا مع نفاد ذخيرتهم الدفاعية ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.

وخلال الأسابيع الماضية كان هناك ضغط سياسي وإعلامي أمريكي، على إدارة بايدن من أجل اتخاذ خطوات أكثر جدية وحسم، مع ميلشيات الحوثي من خلال دعم السعودية التي تقود التحالف باليمن، وتجاهل العراقيل التي تضعها مجموعات الضغط إزاء ذلك، وهذا ما بدا واضحاً خلال الأيام الماضية على الأقل.

وصوت مجلس الشيوخ الأمريكي يوم الثلاثاء 7ديسمبر/ كانون أول 2021، على عدم منع عرض الرئيس بايدن لبيع أسلحة بقيمة 650 مليون دولار للسعوديين، إذ تشمل الصفقة 280 صاروخًا جو-جو، لكن هذا لا ينبغي أن يحول دون سد حاجة السعوديين الإضافية لمزيد من الصواريخ الاعتراضية ضد صواريخ الحوثيين وطائراتهم بدون طيار - بحسب افتتاحية صحيفة الوول ستريت جورنال الأمريكية.

ووسط ضغط داخلي أمريكي ضد تراخي "إدارة بايدن" تجاه الحوثيين وضغوطها المستمرة على الرياض، حيث تشن الصحافة الامريكية هجوم على إدارة بايدن بالتزامن مع تحركات لمشرعين أمريكيين لمعاقبة الجماعة أعقبت اقتحام مقر السفارة بصنعاء اواخر الشهر الماضي.

بايدن لا يتعامل بصرامة مع الحوثيين

يرى عدد من أعضاء الكونجرس الأمريكي ان إدارة بايدن لا تتعامل بصرامة مع الحوثيين الذين تدعمهم إيران، حيث دشنت ذلك بإلغاء تصنيف الجماعة "كمنظمة إرهابية" في فبراير 2021 بمبرر عرقلة جهود الاغاثة، في الوقت الذي تتحدث الصحافة الأمريكية عن إجراءات مارستها الإدارة الأمريكية وسعت نفوذ الحوثيين، وجعلتهم يتجرؤون أكثر في التصعيد العسكري، وتهديد حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط.

ومن إحدى قراراتها قطعت إدارة بايدن السلاح عن السعوديين للحرب في اليمن، حيث رجحت افتتاحية «WSJ» أن تكون الولايات المتحدة قصدت أن يكون هذا بمثابة غصن زيتون للحوثيين للتفاوض على إنهاء الحرب، لكنهم بدلاً من ذلك صعدوا وضاعفوا هجماتهم عبر الحدود على الأراضي السعودية من اليمن.

وقالت بأنه يتم تزويد الحوثيين إلى حد كبير من إيران، التي لا ترى ضرورة للتوقف عندما ينتصر وكلائها، الطائرات بدون طيار والصواريخ ليست جيدة الاستهداف وتضرب أحيانًا أهدافًا مدنية إذا لم يتم اعتراضها، كما ان هناك أكثر من 70000 أمريكي في المملكة يمكن أن يصبحوا ضحايا.

بالنسبة للصحيفة، "المشهد هنا هو حليف يطالب بذخيرة دفاعية من الولايات المتحدة التي تحاول طمأنة أوكرانيا وتايوان بأن أمريكا ستقف إلى جانبهما في صراعات مع روسيا أو الصين كما تحاول إدارة بايدن إقناع إيران بأنها ستواجه عواقب وخيمة غير محددة إذا استمرت في السعي للحصول على قنبلة نووية".

حاول الرئيس بايدن أن يفعل الشيء نفسه يوم الثلاثاء في مكالمة فيديو مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بخصوص أوكرانيا، لكن الحليف الذي لن يزود أصدقاءه بمزيد من صواريخ باتريوت الاعتراضية المضادة للصواريخ ببساطة لا يتمتع بالمصداقية مع هؤلاء الأعداء المتعنتين.

وقالت الصحيفة "السعوديون ليسوا دائمًا أصدقاء جذابين، وقد خاضوا حرب اليمن بطريقة قاسية في كثير من الأحيان، وإن كان ذلك أقل بمساعدة المدربين الأمريكيين خلال سنوات ترامب، لكن في جوار السعوديين، يمكن أن تكون الخيارات العسكرية وجودية".

وكانت صحيفة «WSJ» نقلت عن مسؤولين أمريكيين قولهم ان الخارجية الأمريكية، تدرس طلبا سعوديا بالحصول على صواريخ باتريوت الاعتراضية، كما نقلت ايضا عن مسؤول بارز بالإدارة الأمريكية قوله بأن "الولايات المتحدة ملتزمة تمامًا بدعم الدفاع الإقليمي للسعودية، بما في ذلك ضد الصواريخ والطائرات المسيرة التي يطلقها الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن".

يأتي ذلك عقب طلب الرياض مئات من صواريخ باتريوت الاعتراضية من الولايات المتحدة، وكذلك من دول الخليج وحلفائها الأوروبيين، وذلك في الوقت الذي تواجه فيه الهجمات الأسبوعية بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة التي يشنها الحوثيون.

ضربات التحالف الأخيرة بصنعاء

في المقابل خلال الأيام الماضية شنت مقاتلات التحالف العربي غارات مكثفة ودقيقة على مواقع ميلشيات الحوثي في صنعاء، وكانت صحيفة «WSJ» كشفت في 20 نوفمبر 2021، إن المملكة العربية السعودية أطلقت إعادة تقييم داخلية لاستراتيجيتها في اليمن، وطلبوا من إدارة بايدن تقديم دعم استخباراتي وعسكري لاستهداف المواقع التي يستخدمها الحوثيون لإطلاق طائرات مسيرة وصواريخ.

وبدا ذلك التسريب للصحيفة واضح مؤخراً، حيث رجح تقرير أمريكي أن تكون الغارات الجوية المستمرة للتحالف بقيادة السعودية على مواقع استراتيجية في صنعاء، قد أعاقت القدرات الجوية للحوثيين، ووفق مشروع «ACLED» الامريكي، فقد استمرت الضربات الجوية للتحالف بقيادة السعودية على مدينة صنعاء والمناطق المجاورة الأسبوع الماضي، ودمرت العديد من مواقع الحوثيين لتجميع وإطلاق طائرات بدون طيار وصواريخ باليستية. وقد كان هذا هو الأسبوع الرابع على التوالي الذي استُهدفت فيه العاصمة اليمنية بضربات جوية للتحالف بقيادة السعودية.

يأتي ذلك بالتزامن مع تصعيد الحوثيين للهجمات العسكرية ضد القوات الحكومية في مختلف جبهات القتال بمدينة مأرب لمحاولة إحراز تقدم على الأرض بالتزامن مع استمرار استهدافهم بالصواريخ البالستية للأحياء المدنية داخل المدينة التي وصفها تقرير حديث لشبكة "بي بي سي" البريطانية بأنها استقبلت عددا كبيرا من النازحين يفوق ما استقبلته أوروبا من اللاجئين، حيث باتت المدينة تؤي حاليا قرابة الثلاثة ملايين نازح.

والخميس، أعلن التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، مقتل 145 عنصرا من مليشيات الحوثي الإيرانية في المدينة الواقعة شمال شرقي اليمن. يتزامن ذلك مع اعلان الحكومة اليمنية عن مقتل خبير عسكري من مليشيات حزب الله اللبناني في مأرب.

إيران والقتال في مأرب

اتهم مسؤولون يمنيون وأمريكيون النظام الإيراني بإدامة الحرب في اليمن من خلال تسليح الحوثيين وتدريبهم، مجددًين مطالبهم بالتخلي عن الأنشطة العسكرية والالتزام بجهود السلام.

من جانبه قال المبعوث الأمريكي إلى اليمن ليندركنج إن تصعيد الحوثيين للأنشطة العسكرية في اليمن - لا سيما في محافظة مأرب - وهجماتهم عبر الحدود على السعودية، أثبتت عدم استعدادهم لإنهاء الحرب، وأضاف ليندركينغ عن هجوم مأرب: "الحوثيون يخالفون الرأي الدولي الحالي هنا، إذ يُنظر إلى هذا على أنه نوع من اختبار الحالة هنا لاستعداد الحوثيين للابتعاد عن الحل العسكري إلى حل سياسي".

جاء ذلك خلال مؤتمر سنوي رفيع المستوى برعاية وزارة الخارجية الإيطالية والتعاون الدولي والمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية في روما، حضره وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك، والذي حذر من أن احتلال الحوثيين لمأرب سينهي العملية السياسية في اليمن ويؤثر على الأزمة الإنسانية في اليمن.

وقال بن مبارك إن الإيرانيين يستخدمون اليمن ورقة مساومة لانتزاع تنازلات خلال المحادثات النووية وتصفية حسابات مع خصومهم. حيث يوافقه ليندركينغ القول بأن الإيرانيين لعبوا دورًا سلبيًا في اليمن وأن الحوثيين ليسوا جادين في إبرام اتفاق سلام لإنهاء الحرب.

وقال ليندركينغ إن هجوم مأرب يجب أن يتوقف إذا كان الحوثيون جادين بشأن السلام، مضيفا أن الحوثيين "يجندون قسرا" الشباب في المناطق المكتظة بالسكان الخاضعة لسيطرتهم من خلال الترهيب والضغط للتعويض عن الخسائر الكبيرة التي عانوا منها خلال هجومهم. في مأرب.

ويعد قتال الحوثيين المستميت على أطراف محافظة مأرب لمحاولة السيطرة عليها من ضمن الملفات الإيرانية، التي تسعى من خلالها لتحسين تفاوضها سواء مع الولايات المتحدة أو السعودية، وبدا ذلك من خلال مساندة حزب الله في المعركة عبر قياداته في الميدان او التصريحات العلنية لزعيمة حسن نصر الله.

وعادت المعركة والقتال بشكل عنيف حيث تقصف السعودية بشكل يومي في جبهات القتال وتعلن عن عملياتها الجوية والخسائر بصفوف الحوثيين، في عملية واسعة لإسناد القوات الحكومية لمنع أي تقدم لميلشيات الحوثي نحو مدينة مأرب، في محاولتها تضييق الخيار الإيراني الذي لم يحقق انجاز منذ نحو عام على أبواب مدينة مأرب.

المحادثات الدولية والإقليمية

تجري حاليا المفاوضات النووية الإيرانية بين واشنطن وطهران، وتمضي على نحو له علاقة بما يحدث في الإقليم في التهديدات ضد السعودية، من قبل الحوثيين المدعومين من إيران، واستخدام ذلك ضمن ملفات التفاوض، ويأتي هذا بعد حالة من الجمود والتعثر في المحادثات الإيرانية السعودية التي بدأت في أكتوبر الماضي بمدينة بغداد العراقية.

وحذر البيت الأبيض أمس الخميس 9 ديسمبر/ كانون أول، من أنه سيتخذ "إجراءات أخرى" لسد أبواب الإيرادات أمام إيران إذا أخفقت الدبلوماسية بشأن برنامجها النووي، في وقت تستمر فيه مفاوضات فيينا من أجل إحياء الاتفاق النووي، وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي إنه "في ظل التقدم المستمر للبرنامج النووي الإيراني، طلب الرئيس من فريقه الاستعداد للتحول إلى خيارات أخرى في حال فشل الدبلوماسية".

وكان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أكد في وقت سابق الخميس، إنه إذا أخفقت السياسة الحالية الخاصة بإيران فإن الرئيس جو بايدن قالها بوضوح: "مستعدون للانتقال إلى خيارات أخرى"، من جانبه أكد قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال ​كينيث ماكنزي​، على "أننا لدينا مجموعة متنوعة وقوية جدًا، من الخيارات العسكرية لردع ​إيران​"، وأضاف: "إذا كانت إيران تعتقد أن بإمكانها مواصلة هجماتها في ​العراق​ و​سوريا​، وإجراء مفاوضات نووية، فإنها تسيء تقدير إمكاناتنا"، وفق ما نقلت صحيفة "فاينانشيال تايمز" الأميركية.

ومن خلال التهديدات والتلويح بالخيار العسكري بين واشنطن وطهران، تكون الحرب في اليمن من ضمن الملفات التي تدخل في حسابات التفاوض والتهديدات المتبادلة، باعتبار إيران لها اليد الطولي في دعم الحوثيين وتهديد حلفاء الولايات المتحدة في ومن ضمنهم السعودية.

 

وذكر تقرير لمجلة «Foreign Affairs» الأمريكية بأنه "في اليمن الذي أصبحت الحرب الأهلية فيه حربًا بالوكالة، تريد السعودية أن تعتمد على إيران لدفع الحوثيين لإنهاء الحرب في اليمن ووضع حد لهجمات الطائرات المسيرة على أراضيها".

ووفقا للتقرير فإن "إيران بدورها تريد التطبيع الكامل للعلاقات مع السعودية، معتبرا بأن مسألة الانفراج ليست في متناول اليد، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن المحادثات تجري في ظل المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة".

حاليا، ومع تعثر المحادثات السعودية -الإيرانية ومساع طهران لاستخدام اليمن ورقة مساومة لانتزاع تنازلات خلال المحادثات النووية، فإن احتمالية التصعيد على الأرض تصبح أكثر، سواء عبر دفع الحوثيين لتكثيف هجماتهم في مأرب الغنية بالنفط والطاقة، أو بزيادة الهجمات الحوثية ضد الاراضي السعودية، خصوصا مع تحول اليمن إلى ساحة لحرب بالوكالة بين طهران والرياض.

وبالتالي، فقد كان متوقعا أن تعمل الرياض على تعزيز قدراتها الدفاعية لمواجهة تلك التهديدات وهي خطوة رجحتها مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، التي قالت بأنه على الرغم من النفور الواضح للرئيس الأمريكي جو بايدن تجاه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، فإن أول عمل تجاري سيكون تعزيز القدرات الدفاعية للمملكة، حيث توقعت المجلة أن تطلب الرياض التزامًا أمريكيًا بتجديد ترسانتها الدفاعية، بما في ذلك بطاريات باتريوت المضادة للصواريخ والصواريخ المضادة للطائرات المستخدمة لاستهداف الطائرات بدون طيار، وهو الأمر الذي يحدث اليوم بالفعل.

بناء على ذلك، اشادت وسائل اعلام امريكية بتصويت مجلس الشيوخ 30-67 ضد قرار السيناتور راند بول ومايك لي وبيرني ساندرز، الذين انتقدت اعتقادهم بأن العالم سيكون مكانًا ألطف إذا تخلت الولايات المتحدة عن أصدقائها وهم في قتال، حيث قالت افتتاحية «WSJ» "بأن الحقيقة هي أنه من المؤكد أن تزداد الأمور سوءًا، وبطرق دموية للغاية، إذا لم تزود الولايات المتحدة أصدقاءها بالذخيرة للدفاع عن أنفسهم".