فلم وثائقي استقصائي يكشف علاقة الإمام يحيى بالصهيونية ودعمه لهجرة اليهود اليمنيين لإسرائيل

السبت 04 ديسمبر-كانون الأول 2021 الساعة 06 مساءً / مارب برس- يمن شباب
عدد القراءات 2709

 

كشف وثائقي "اليهود والإمام" الذي أنتجته قناة "يمن شباب"، خفايا العلاقة التي جمعت بين الإمام يحيى بن حميد الدين (إمام اليمن من عام 1904م وحتى 1948) ومنظمة الصهيونية العالمية، والتي عملت بالدفع بعجلة مشروع الاستيطان الصهيوني في فلسطين واحتلالها، وهجرة اليهود اليمنيين إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي.

ونشر الفيلم - الذي بُث مساء الأربعاء 1 ديسمبر 2021 

- تصريحات للإمام يحيى، قبل الاعلان عن قيام دولة الكيان الصهيوني بأربعين عاماً يتحدث عن أنشطة الجواسيس اليهود في اليمن، واعتمد الوثائقي على عشرات الوثائق من سجلات الارشيف الإسرائيلي والبريطاني والأمريكي، التي احتوت على تفاصيل مثيرة عن تلك المرحلة التي دفعت الإمام يحيى للاستجابة لرغبات جواسيس الصهيونية في دفع يهود اليمن لإحداث تغيير ديمغرافي في فلسطين.

واستعرض التعاون والتنسيق الذي جمع بين نظام الإمام يحيى والمستعمر البريطاني في عدن والولايات المتحدة الامريكية، والتي تحولت على إثره عدن إلى محطة لتجميع وتهجير يهود اليمن، والصفقة التي بموجبها تحصل الإمام يحيى على مليون دولار أمريكي.

الوثائقي

 - الذي يعد الأول من يتناول هذا الموضوع الذي أعده الصحفي عمر العمقي - فنّد ادعاءات الصهيونية العالمية التي زعمت أنها أنقذت يهود اليمن من الإبادة الجماعية، وكشف كيف تحول اليهود اليمنيين إلى ضحايا وأداة احتلال في ذات الوقت، والاضطهاد الذي طالهم من زعماء الصهيونية.

البدايات الأولى

عمدت الصهيونية العالمية إلى إغراء سلالة نادرة من اليهود العرب تستوطن اليمن وجلبها إلى المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين كأول يهود يتم استقطابهم إلى الأراضي المقدسة.

وبالعودة إلى الأرشيف الإسرائيلي أكدت صحيفة "جيتس" أن "أول من شق الطريق للهجرة اليهودية إلى فلسطين كانوا هم يهود اليمن وبصعوبة كبيرة تم منحهم أوراقاً لدخول الأراضي المقدسة مشياً على الأقدام وصلت في العشرين من نوفمبر 1802م أول قافلة يهودية إلى فلسطين كانت تتكون من 30 يمنياً".

الأمر ذاته أكدته صحيفة "هآرتس" حيث قالت: "قبل حوالي 7 أشهر من هجرة يهود أوروبا الشرقية إلى فلسطين، كان يهود اليمن هم السباقون للوصول إلى فلسطين".

وفي العام 1855 تمكن الثري اليهودي البريطاني الأصل "موسى مونتفيوري" من إقامة أول وحدة استيطانية سماها "موشيه اليمني" وأسكن فيها اليهود اليمنيين، تبع ذلك مغادرة 150 يهودياً من صنعاء وتعز واستقروا في القدس ويافا وذلك في العام 1881م.

الكاتب والباحث اليمني "زايد جابر"، قال: لـ "يمن شباب"، أن "الصهيونية العالمية قبل أن تعلن عن نفسها وضعت في تصورها أن تضع اليهود العرب واليمنيين على وجه الخصوص كقاعدة اجتماعية للدولة المنشودة التي يسعون لإقامتها باعتبارهم عمالة رخيصة عبر الترغيب بالدعاية الدينية والأساطير والوعود بتحسين وضعهم الاقتصادي".

دوافع الهجرة بين المزاعم والحقيقة

حاولت الصهيونية العالمية تصوير عمليات تهجير اليهود اليمنيين إلى فلسطين بأنها انقاذ لهم من الاضطهاد والإبادة الجماعية كما سوقوا ذلك لليهود؛ إلاّ أن الفيلم تمكّن عبر غوص فريق الإعداد في الأرشيف الإسرائيلي من تفنيد تلك المزاعم وكشف للمشاهد حقيقة دوافع تلك الهجرة.

 

تُشير الوثائق التي حصلت عليها قناة "يمن شباب" إلى أن الصهيونية العالمية استقطبت اليهود اليمنيين إلى فلسطين لحاجتهم إلى عمالة رخيصة تمتاز بالحرفية ولكونهم بارعون في صياغة الذهب والفضة وصك العملات وعباقرة في أعمال التجارة والزراعة والبناء.

في السابع من سبتمبر 1910م قالت صحيفة "هوعبل" الإسرائيلية: "اليمنيون منهم الصانع والخزفي والمزارع ولتأسيس البيت الاقتصادي لإسرائيل فإن الخطوات الأولى لليهود اليمنيين هي دفعهم نحو العمل في المستوطنات الزراعية.. يهود اليمن من سيمنحوننا الخبز من أجل الحرية".

وفي ظل عدم كفاءة يهود أوروبا وروسيا القادمين إلى فلسطين، تحول اليهودي اليمني إلى أداة الاحتلال الصهيوني والاستيطان في الأراضي الفلسطينية فكانوا معاول الزراعة وأحجار البناء وجرافات شق الطرقات.

عبدالباري طاهر ـ كاتب وباحث يمني ـ رأى أن دوافع تهجير اليهود اليمنيين، كان لحاجة الصهيونية العالمية إلى "عمال زراعة وعمال بدائيين وعمال مهن وحرف متدنية"، وأضاف في حديثه لـ "يمن شباب"، أن هدف هجرة يهود اليمن لأجل "مهن البنية التحتية".

مزاعم الإسرائيليين فندها الحاخام اليمني اسحاق آمنون في تسجيل نادر تحصل عليه فريق عمل فيلم "اليهود والإمام"، وقال: "لأن اليهود الذين جاءوا من روسيا لم يتأقلموا، ولكن يهود اليمن كانوا أنسب من غيرهم وكانوا بسطاء متواضعين.. كانوا يعيشون في أدنى مستوى معيشة ممكنة وأتوا بنا من اليمن من أجل أن نكون قوة أمام العرب في العمل والمقاومة".

وتابع آمنون: "أحضروا لنا عميل متخفي يُدعى يافئيلي ولدينا مستندات تثبت كيف خططوا لهذه الخدعة بإحضار اليهود اليمنيين إلى إسرائيل من أجل استعمالهم كقوة في الأعمال الشاقة بدل العرب الموجودين في هذه الأرض".

مرحلة الجواسيس

مع تولي الإمام يحيى حميد الدين مقاليد الحكم في شمال اليمن، حتى فُتحت أبوب البلد على مصراعيها لجواسيس إسرائيل، الأمر الذي سهل للجواسيس للالتقاء باليهود وحثهم على الهجرة إلى فلسطين، ومع حلول العام 1928 هاجر أكثر من 10 آلاف يهودي يمني إلى فلسطين، حسب ما كشفته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.

الباحث زايد جابر قال إن "الإمام يحي رفع بعض القيود على اليهود مع بداية حكمه وقام بتقريب بعض زعامات اليهود، مشيراً إلى أن ما تم اتضح أنه كان بتنسيق مسبق مع الصهيونية العالمية لتسهيل عملية تهجير اليهود إلى فلسطين.

وفي الفترة التي كان السفر من وإلى اليمن يتطلب تصريح من الإمام أو ولي عهده، كشف الفيلم عن منح الإمام يحيى حميد الدين تصريحاً لجواسيس يهود دخلوا اليمن متخفين تحت أسماء عربية وأخرى أجنبية مثل الألماني "هرمان بوخرت" والأوكراني "شامؤيل يافئيلي" وتمكنوا لاحقاً من إقناع آلاف اليهود اليمنيين إلى الهجرة.

يضيف زايد: سمح الإمام يحيى وابنه للأجانب بالدخول إلى اليمن رغم حساسية النظام الإمامي الشديدة تجاه الأجانب، لافتاً إلى الدور الذي لعبه اليهود المقربين من الإمام في ذلك وهو ما مكن أولئك الجواسيس من التحرك بأريحية والالتقاء بالطوائف والجماعات اليهودية في كل مكان.

قُتل "بوخرت" في محافظة إب (وسط اليمن) في ظروف غامضة، فيما عاد "يافئيلي" إلى فلسطين وبرفقته 1500 يهودي ممن تنطبق عليهم شروط الهجرة (لدية حرفة مهنية، وفي سن الشباب).

في كتابه أكد اليهودي اليمني الأصل "اسرائيل الشرعبي" ـ الذي تولى رئاسة الكنيسيت سابقاً ـ أن التدخل الرسمي للوكالة اليهودية للهجرة في اليمن بدأ في العام 1928م وأن "اليمن كانت أرض خصبة لجواسيس اسرائيل".

بريطانيا خيط الوصل

بالتزامن مع احتلال بريطانيا لفلسطين تتحدث الصحافة الاسرائيلية عن حق اللجوء ليهود اليمن، في العاشر من شهر مايو 1927م جريدة دامار "وفقاً لحق الانتداب البريطاني على فلسطين هاجر اليهود اليمنيين إلى فلسطين بسهولة"، وأضافت: "العلاقة بين إمام اليمن يحيى حميد الدين والانجليز في عدن شكلت دافعاً قوياً لمزيد من المهاجرين لذلك فإن الحكومة البريطانية مُلزمة بإعطاء اليهود اليمنيين حق اللجوء في إسرائيل".

يعتبر الباحث "زايد جابر"، الاحتلال البريطاني في عدن هو الأساس الرابط في العلاقة بين المنظمات الصهيونية ويهود وخامات اليمن من جهة وبينهم وبين نظام الإمامة من جهة أخرى، مشيراً إلى أن جهودهم (البريطانيين) كانت قوية ضمن مساعي تنفيذ وعودهم التي وعدوا بها الصهيونية لإقامة دولة اليهود في فلسطين.

في عام 1929م تحولت عدن بفعل تلك التفاهمات إلى محطة تجميع لليهود اليمنيين الراغبين في الهجرة إلى فلسطين تزامن ذلك مع فتح مكتب للوكالة اليهودية في المدينة وتصف الصحافة ذلك بأنه نتيجة للعلاقة الحميمة بين الإمام يحي وحاكم مستعمرة عدن.

صفقة بمقابل

عمل الإمام يحيى على تسهيل هجرة اليهود اليمنيين عبر البعثات اليهودية التي كانت تصل اليمن بتسهيلات منه وعبر الوكالة اليهودية في عدن، ضمن صفقة بينه وبين الصهيونية العالمية ومع حلول العام 1930م كان 20 في المئة من اليهود اليمنيين قد هاجروا إلى فلسطين.

وكشف الفيلم من خلال عرض وثائق من الأرشيف الإسرائيلي والأمريكي ومذكرات الحاخامات اليهودية عن إقامة الإمام يحيى علاقات قوية مع الزعامات اليهودية وعلى وجه الخصوص منهم التجار، كما هو الحال مع حاخام الطائفة اليهودية اليمنية "سالم سعيد الجمل" الذي قربه الإمام منه ومنحه التصاريح لزيارة الولايات والالتقاء بولاتها، وعندما قرر الجمل الهجرة إلى فلسطين وجه الإمام الأمراء والتجار بسداد مديونيتهم له.

وقال الباحث عبدالباري طاهر، أن "الإمام كان متعاطف مع اليهود وزعاماتهم ومنحهم الامتيازات وقربهم منه"، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل شرعن الإمام الأموال الأمريكية التي قدمتها كتبرعات لليهود رغم اعتراض مقربون منه وتجار في صنعاء.

ومن أخطر ما كشفه الفيلم نقلاً عن الأرشيف الإسرائيلي المركزي، أن الإمام يحيى وجه نائبه في صنعاء بعدم الاعتراض لأي يهودي ينوي الهجرة إلى فلسطين أو التعرض لممتلكاتهم، ولم تكن هدايا الإمام لإسرائيل دون مقابل ووفقا للأرشيف الإسرائيلي "فإن الصهيونية العالمية أمنت له اعترافاً دولياً من (روسيا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وبليجكا وهولندا) في الوقت الذي لم تعترف به الدول العربية".

لم يكن ذلك المقابل فقط وإضافة إلى ما سبق تلقى الإمام يحيى مليون دولار أمريكي ضمن صفقة سرية مع واشنطن حسب ما كشفته صحيفة هارتس.

ومن بين المكاسب التي جناها الإمام يحيى وحاشيته من هذه الصفقة منازل وأملاك اليهود الذين هاجروا حيث اشتروا أجزاء منها بثمن بخس فيما آلت إليه أخرى بلا ثمن، كما يقول "زايد جابر" الذي أشار أن الإمام يحيى ساهم بطريقة غير مباشرة بإقامة الدولة اليهودية واحتلال فلسطين من خلال رفدها بعشرات الآلاف من اليهود في ذلك الوقت.

 

علاقة الإمام تلك التي كشفها الوثائقي، عبّرت عن حقيقتها مراسلات بين رئيس الكيان الصهيوني "اسحاق بن زفي" ورئيس الحكومة الإسرائيلية "دافيدغورتون" بعد الاحتجاجات التي شهدتها مدينة عدن عقب إقرار الكنيسيت تقسيم فلسطين في نوفمبر 1947م، وراح ضحيتها 82 يهودي.

وكشفت المراسلات رفض الإمام يحيى الاحتجاجات العربية ضد القرار، ما يعني دعمه لليهود على حساب فلسطين، وتشير الوثائق الإسرائيلية إلى هجرة (31826) يهودياً من اليمن إلى فلسطين خلال حكم الإمام يحيى، الأمر الذي تزايد بوتيرة عالية في عهد نجله أحمد حيث قام بنقل 70% من يهود اليمن عبر عملية "بساط الريح".

وقالت "كاميليا أبو جبل" مؤلفة كتاب "يهود اليمن" عن الإمام أحمد عقب توليه الحكم "الإمام الجديد لليمن غيّر اسمه من سيف الإسلام إلى الناصر لدين الله وكان أكثر استعداداً وحماساً لفكرة استيطان يهود اليمن في فلسطين".