بعد 20 عاماً على هجمات 11 سبتمبر.. ما مستقبل العلاقات السعودية الأمريكية؟..تقرير

السبت 11 سبتمبر-أيلول 2021 الساعة 10 مساءً / مأرب برس - الخليج أون لاين
عدد القراءات 3705

تعرضت المملكة العربية السعودية، على مدى سنوات عديدة، لاتهامات أمريكية بتورطها في الهجمات التي طالت برجي مركز التجارة العالمي بمدينة نيويورك في 11 سبتمبر 2001، فيما دأبت الرياض على نفي كل تلك الاتهامات.

 

وبعد نحو عقدين من التكتم قررت الإدارة الأمريكية رفع السرية عن الوثائق المتعلقة بتلك الهجمات، فيما رحبت السفارة السعودية في واشنطن بالإفراج عن تلك الوثائق السرية، مؤكدةً أن "أي مزاعم بتورط السعودية في الهجمات أمر زائف تماماً".

 

وأبدت السعودية دعمها الدائم للكشف التام عن الوثائق والمواد المتصلة بالتحقيق الأمريكي في الهجمات، معربة عن أملها أن يؤدي الكشف التام عن هذه الوثائق إلى دحض المزاعم الواهية تجاه المملكة مرة واحدة وللأبد.

 

وعزا الرئيس الأمريكي جو بايدن9 سبب رفع السرية عن تلك الوثائق إلى تنفيذ ما التزم به خلال حملته الانتخابية وحرصه على ضمان الشفافية، وتعهد بمواصلة التعامل باحترام مع عائلات ضحايا الهجمات، مشدداً على ضرورة محافظة الحكومة الأمريكية على أقصى قدر من الشفافية وتبقى السرية في المناسبات فقط.

   

قانون جاستا

وكانت العلاقات السعودية الأمريكية بلغت أعلى حالات التوتر عام 2016 عندما أصدر الكونغرس الأمريكي قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي بات يُعرف اختصاراً في العربية باسم "جاستا"، بتأييد ساحق من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ.

 

ورغم أن قانون جاستا لم يشر صراحة إلى السعودية، فإنه يخوِّل بالدرجة الأولى لذوي ضحايا هجمات 2001، رفع دعاوى بحق السعودية كبلد دعَّم بشكل مباشر أو غير مباشر، المجموعات المصنَّفة دوليّاً "إرهابية" التي نفذت هجمات سبتمبر.

 

وحول ذلك يقول الكاتب أسامة يوسف الطاحوس، إنه لم يثبت طوال السنوات السابقة أي دليل على الاتهامات الموجهة للسعودية في علاقتها بمُنفذي هجمات 11 سبتمبر، لكنه يرى أن المملكة لو كانت دولة فقيرة لَما وُضع قانون "جاستا" وتوجهت الأنظار إليها.

 

ويرى في حديثه مع موقع"الخليج أونلاين"، أن قانون "جاستا" جاء لضرب السعودية من الناحية السياسية والاقتصادية، فمن الناحية السياسية هي محاولة لفرض تبعية إدارة المملكة للولايات المتحدة، وتحجيم دور السعودية في المنطقة وجعلها دولة محدودة وليست دولة ذات ثقل.

 

ويشير إلى أن هناك بعض الدول "لا تريد التسابق مع السعودية، بل إضعافها وتوريطها في بعض الأمور، وعلى رأسها مشكلة قانون جاستا وما يحمله من إشارات إلى اتهام السعودية".

 

وعن أهداف اتهام السعودية بهجمات 11 سبتمبر واستخدام قانون جاستا ضدها، يقول المحلل السياسي أنور الرشيد: إنه "مجرد اتهام جاء على خلفية الـ15 سعودياً من المشاركين في الهجمات".

 

وأوضح بالقول: "إن السعودية لا علاقة لها بالعملية، لكن السياسات التي أُتبعت بدعم ما سموه بالصحوة، والتي شارك فيها الأمريكان والغرب عموماً، من برمجة تلك العقول دون قصد اﻹضرار بهم، ولكنهم عندما استُخدموا بمواجهة الشيوعية والاتحاد السوفييتي وانتهوا منهم اكتشفوا أنهم قد ربّوا وحشاً بفنائهم الخلفي، وبدأ هذا الوحش ينهش بمُربيه وهذا ما حصل داخل السعودية نفسها".

 

وتابع"، لا يعتقد "الرشيد" أن "السعودية ستتعرض لعقوبات بسبب قانون جاستا، لأن تطبيق ذلك ‏القانون يحتاج أدلة دامغة لا يمكن دحضها في المحاكم"، مشيراً إلى أن "الغرب عموماً يحكمه نظام قوي، ولا يمكن فرض عقوبات دون قرار مسنود بأدلة قاطعة، لسبب بسيط وهو يمكن أن يتظلم منه المتضرر منه في المحاكم".

 

محاولات إثبات التهم

وتحاول عائلات ضحايا أحداث 11 سبتمبر منذ سنوات، إثبات قيام الحكومة السعودية بتسهيل وقوع الهجمات، ووجود صلة بين مواطنين سعوديين وبعض خاطفي الطائرات التي استُخدمت في الهجمات، لكنها لم تُثبت تورط الحكومة السعودية بشكل مباشر.

 

وتأمل عائلاتٌ إثبات مزاعم مماثلة، فكثير منهم يعتقدون أن تفاصيل هذه الهجمات محكمة التنفيذ لم يتم الكشف عنها بالكامل، بسبب إحجام الحكومة الأمريكية عن محاسبة كاملة لكل المتورطين.

 

السعودية أعلنت مؤخراً ترحيبها بكشف إدارة بايدن عن الوثائق السرية، ويعتقد الباحث والأكاديمي د. فارس تركي محمود، أنه لا يوجد شيء في الوثائق يدين السعودية ولن تتعرض لأية عقوبات، فضلاً عن أن العلاقة بين واشنطن والرياض علاقة استراتيجية وقوية وترتكز إلى أسس متينة، ولا يمكن أن تتأثر بمثل هذه الإجراءات.

 

ويضيف في حديثه :"، أن "السعودية طالبت ومنذ وقت طويل، بالكشف الكامل عن الوثائق؛ من أجل تبرئة ساحتها وإزالة كل الظنون والشكوك التي تلاحقها، والتي تثار ما بين الفينة والأخرى، سواء في الأروقة السياسية في واشنطن أو في الصحافة الأمريكية، حتى إن وزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل، زار واشنطن عام 2003 وطالب إدارة بوش الابن بالكشف عن كل الوثائق والتحقيقات".

 

ويؤكد ذلك الرشيد، ويقول إنَّ كشف تلك الوثائق لن يدين السعودية، لافتاً إلى أن "المملكة رحبت بكشف الوثائق، وهذا دليل على أن تلك الوثائق لن تُدينها".

 

وحول السيناريوهات المتوقعة بعد الإعلان عن كشف الوثائق، يرى الرشيد أن ‏"السيناريو الأهم وهو المفصل الأساسي والرئيس المتمثل بالعلاقات بين دول المنطقة، حيث إن علاقة الدول العربية مع أمريكا ليست كما كانت في السابق، فهناك تحالفات تدمرت وهناك تحالفات جديدة تُبنى الآن على أثر ما يحصل من تطورات في المنطقة، والذي لا يتحدث عنه الإعلام المحلي، وسيتواصل الضغط على دولنا بكل السُبل الممكنة".

 

مستقبل العلاقات

وحول مصير العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة، يرى الطاحوس أن "الإدارات الأمريكية المتعاقبة تحاول ممارسة الضغط والابتزاز على السعودية، لاسيما بملف اتهامات ضلوعها في هجمات 11 سبتمبر، وغيرها".

 

ويضيف الكاتب: إن "الرابح في تهدئة الأوضاع بقضية 11 سبتمبر والمتهمين بها وأطراف العلاقة، هو الولايات المتحدة الأمريكية، والخاسر في العقوبات أيضاً الولايات المتحدة، لأن انسحاباتها من العراق وأفغانستان وبروز قوى دولية أخرى في المنطقة، يهددها بأن تخسر كفة السعودية وحلفائها الآخرين"، بحسب الطاحوس.

 

بدوره يؤكد الدكتور فارس أن "العلاقات السعودية الأمريكية علاقات استراتيجية وممتدة لعقود طويلة من التعاون والتفاهم والتنسيق والمصالح المشتركة، وقد أثبتت قوتها ومتانتها في مناسبات كثيرة واختبارات عديدة، لذلك فهي أقوى وأعمق من أن تتأثر بتقرير لجنة أو تسريبات صحفية، فضلاً عن أن سياسة الرياض الخارجية سياسة مُحنكة ومقتدرة ولها خبرة طويلة في التعامل مع التغييرات والتقلبات السياسية لقاطني البيت الأبيض".

 

أما الرشيد فيرى أن "‏العلاقات الأمريكية السعودية اليوم في أدنى درجاتها التي يمكن أن تُبنى عليها علاقات الدول، ولم تمر علاقاتهما بهذا المستوى من التدني تاريخياً، والسياسات التي تتبعها الحكومة السعودية اليوم لن تحظى بالقبول لدى الإدارة الأمريكية، لأن المطلوب اليوم أن تتحول دول منطقتنا لأنظمة ديمقراطية، وهذا ما لا تُريده بعض الدول".

 

وحول ما الخطوة السعودية القادمة بعد الكشف عن الوثائق، يرى أنه على "المملكة وبقية دول المنطقة إدراك واستيعاب حقيقة أن التاريخ والأجيال والمعرفة تغيرت، واستيعاب هذه الحقيقة سيكون طوق النجاة لكل مجتمعاتنا العربية، أما مُعاندة صيرورة التاريخ فلن تُفيد أحداً".

 

ويختتم بالقول: إن "سلَّمت العقلية الحاكمة في المنطقة بهذه الحقيقة، فستنتقل مجتمعاتنا من مجتمعات تصدّر النفط والدم، إلى مجتمعات مُتحضرة وراقية تتماهى مع التطورات التي طرأت على البشرية".

 

من جانبه يتحدث الدكتور والمحلل السياسي محمد مساعد الدوسري عن التهديد الأمريكي بكشف سرية مستندات الحادي عشر من سبتمبر، قائلاً: إنه "لا يخرج عن كونه مساومة مستمرة لتمرير طلبات أمريكية، تراها المملكة العربية السعودية تدخلاً في السيادة وتخلياً عن اتفاقيات معقودة بين الجانبين، ومنها مؤخراً سحب البطاريات المضادة للطائرات والصواريخ "باتريوت" وثاد".

 

ولا يعتقد الدوسري أن العلاقة المتوترة بين الجانبين الأمريكي والسعودي ستصل لمرحلة عقوبات، فحاجة كل دولة للأخرى وتشابك المصالح وحاجة الولايات المتحدة الأمريكية للثقل السعودي بالمنطقة، كل ذلك يقف في وجه أي تحرك مزمع لاستخدام سياسة العقوبات الأمريكية المعهودة مع دول أخرى في المنطقة.

 

وبحسب الدوسري فإن الولايات المتحدة الأمريكية تستفيد من تهديداتها عادةً أكثر من الفعل بحد ذاته، وهذا ما تستمر بفعله سواء مع المملكة العربية السعودية أو دول أخرى، معتقداً أنَّ كشف المستندات لن يسفر عن إدانة للمملكة، بل قد يحررها من هذه الضغوط المستمرة، علماً أن أي مسؤول أمريكي لن يجازف بالتستر على أي معلومة أو دليل يكشف تواطؤ أي دولة أخرى مع جماعات إرهابية ضد الولايات المتحدة، فذلك سيعتبر إعداماً سياسياً وقانونياً لأي مسؤول أمريكي، وهو ما يجعلنا ننحو إلى اعتقاد أنها ملفات للمساومة فقط بلا أي دليل.

 

ويتابع في هذا الصدد: "المنطقة تمر بتغيرات استراتيجية كبرى، مرتبطة بما يجري على الساحة العالمية، عودة العالم متعدد الأقطاب، والانسحاب الأمريكي من المنطقة، وتراجعها والانكفاء الذي يجري مؤخراً، يدفعان دول المنطقة للبحث عن حلول لتوفير الأمن والاستقرار، سواء كان ذلك من خلال اللجوء لدول عظمى أخرى أو تعزيز اتفاقيات إقليمية جديدة، لضمان استقرار الأوضاع والوصول لتسويات مع المنافسين الآخرين قي المنطقة، وهذا سيكون دأب دول الإقليم كافة ومن ضمنها السعودية".