إخوان اليمن.. الدفاع عن الوحدة أم التخلي عنها ... قراءه تحليلية

الخميس 14 مايو 2009 الساعة 04 مساءً / مارب برس - عبد السلام محمد
عدد القراءات 7958

لم يشعر أي تنظيم في اليمن بأهمية الوحدة اليمنية منذ ما قبل قيام الثورة اليمنية في ستينيات القرن المنصرم كما هو شعور الحركة الإسلامية المتمثلة في التجمع اليمني للإصلاح.

لكن بعض مواقف قيادات الإخوان المسلمين تجاه الوحدة قبيل تحقيقها في 22 مايو 1990م وبعد حرب صيف 1994م خلقت حالة من الجدل المتمثل في عدم القدرة على تصنيف الحركة التي تمتلك قاعدة شعبية كبيرة في مختلف المحافظات الجنوبية والشمالية إن كانت مع الوحدة أو ضدها؛ وزاد من ذلك انضواء عدد من أبناء الحركة الإسلامية في تجمعات جنوبية محسوبة على مشروع الانفصال.

في عام 1936م أعلن عن تأسيس "حركة الطليعة العربية الإسلامية"، وهي واجهة لنشاط الإخوان بين أوساط الطلبة اليمنيين في مصر، وكان ضمن المؤسسين طلبة من المحافظات الجنوبية.

وشكلت الحركة قاعدة كبيرة بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م على الحكم الإمامي في الشمال والمستعمر البريطاني في الجنوب عام 1963م وعاد كثير من الطلبة الذين يحملون فكر الإخوان، من بينهم الدكتور محمد علي البار الذي أسس المركز الثقافي الاجتماعي الإسلامي كواجهة للإسلاميين في جنوب اليمن.

في عام 1966م شهد العمل الإسلامي في الشمال مضايقات من قبل الرئيس عبد الله السلال والقيادة العربية المصرية، وحصلت اعتقالات لقيادات الإخوان الشابة من بينها أمين عام الحركة آنذاك عبده محمد المخلافي، فهاجرت بقية قيادة العمل الإسلامي من بينهم الشيخ عبد المجيد الزنداني إلى عدن، وأداروا عملا دعويا مع قيادات العمل الإسلامي في الجنوب.

بعد خروج القوات المصرية وقيام حركة نوفمبر 1967م، عاد نشاط الحركة الإسلامية في صنعاء، لكن الحركة في الجنوب شهدت وقتها أسوأ عمليات تصفية فهاجر الجيل المؤسس هناك إلى الشمال.

وحتى سبعينيات القرن المنصرم بقيت الحركة الإسلامية في الشمال والجنوب ملاذا لأبنائها حين يضيق عليهم في احد الشطرين. ولكن عاد تنظيم الإخوان بقوة مع مطلع الثمانينيات، خاصة بعد عودة الطلاب الذين تم إيفادهم للدراسة إلى الخارج وانضموا إلى الحركة الإسلامية هناك، معظم من عادوا وهم يحملون فكر (الإخوان) وجدوا في صنعاء موطئ قدم آمن، والقليل ممن عاد إلى عدن نشط في سرية تامة.

بعد أحداث 13 يناير 1986م والتي شهدت قتالا عنيفا بين فصيلين اشتراكيين وراح ضحيتها الآلاف برزت مظاهر العمل الإسلامي في عدن، ووقتها حصل تواصل بين الإخوان في الجنوب والشمال، وتمت عملية الاندماج الكامل للتنظيم.

مفاجأة استعجال الوحدة

قبيل إعلان الوحدة اليمنية دخلت قيادات في الحركة الإسلامية في مواجهة مع الرئيس علي عبد الله صالح الذي كان وقتها قد تواصل مع نظيره في الشطر الجنوبي علي سالم البيض، واتفقا على إعلان الوحدة في 22 مايو 1990م.

شكل اعتراض تلك القيادات على ما أسمته (استعجالا) في تحقيق الوحدة كثيرا من الشكوك التي استغلها خصوم الحركة في أن الإخوان المسلمين رافضون للوحدة.

نهاية 1989م كان الشيخ عبد الله صعتر أحد القيادات التنظيمية للحركة يحذر من عواقب إعلان الوحدة قبل التحضير لاندماج كامل لمؤسسات الدولتين والاتفاق على تفاصيل كثيرة.

فرض الانتقال المفاجئ على الإخوان المسلمين واقعًا جديدًا فمعظمهم كان يشك في إمكانية قيام الوحدة، بفعل التجارب السلبية لعلاقات الشطرين، وعدم جديتهما في اتفاقيات الوحدة السابقة، والتي كانت إما لتهدئة الحرب، أو لمزايدة طرف ضد الآخر.

أصبحت الحركة الإسلامية أمام خيارات ضيقة، خاصة أن خصم الحركة التاريخي الحزب الاشتراكي اليمني أصبح حليفا مع الرئيس علي عبد الله صالح الذي انحاز كثيرا إلى جانبه خلال سنوات الفترة الانتقالية التي امتدت بين 1990 و1993م.

أعلن (الإخوان) تأسيس التجمع اليمني للإصلاح بعد أشهر من قيام الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م كلافتة سياسية للحركة ودخلوا في سباق وتنافس مع الحزبين الحاكمين آنذاك المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، ومثلت مؤتمرات الوحدة والسلام في 1992م بقيادة الشيخ عبد المجيد الزنداني واجهة جماهيرية لمواجهة الاشتراكي اليساري.

خاض الإسلاميون أول انتخابات برلمانية بعد الوحدة في أبريل 1993م وحققوا نتائج مفاجئة حيث جاء ترتيبهم الثاني بعد حزب الرئيس صالح متفوقين على الاشتراكي.

في 1994م وبعد ائتلاف ثلاثي فاشل أعلن أمين عام الحزب الاشتراكي ونائب الرئيس انفصال الجنوب فقرر (الإخوان) إنقاذ الوحدة، وحسموا المعركة لصالحها من خلال مشاركة قوية ساعدهم العامل الأيدلوجي في الخصومة التأريخية مع الاشتراكيين.

الحاضر قبل 15 عاما

في سبتمبر من العام ذاته عقد التجمع اليمني للإصلاح المؤتمر العام الأول، وأشار بيانه الختامي إلى قضية لم يتنبه احد لها وقت ذاك.

فالإصلاح دعا الحكومة إلى "سرعة معالجة آثار الحرب وإزالة مخلفاتها وتعمير المناطق المتضررة والإسهام في عملية البناء".

وطالبها بالاهتمام بمحافظات "عدن ولحج وأبين وشبوة وحضرموت والمهرة"، وهي المحافظات الجنوبية الست.

ودعا الحكومة إلى إعطاء تلك المحافظات "الأولوية في المشاريع والخدمات لتحسين أوضاعها وحسن اختيار الكوادر التي تدير مرافق الدولة في تلك المحافظات، والإسراع في معالجة موضوع الأملاك المؤممة بما يكفل إعادة الحق إلى أهله بصورة عادلة بعيداً عن الكيد السياسي، والحفاظ على النهج الديمقراطي الشورى وترسيخ التعددية السياسية وترشيد الممارسة الحزبية وترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة في البلاد"، وكلها نقاط تحولت اليوم إلى مطالب حقوقية وسياسية للفعاليات الاحتجاجية في الجنوب.

ويدرك الإصلاح العواقب من خلال إشارته إلى أن ذلك "يمثل الطريق الأمثل لتجنب اليمن مغبة الصراعات السياسية التي تنعكس بآثارها السلبية الخطيرة على مختلف المستويات ولإيجاد استقرار سياسي يؤدي إلى تلاحم الطاقات والإمكانات وتوحيدها وتوجيهها لخدمة المصالح العليا للوطن".

خلطة تصالحية حافظت على الوحدة

لقد مثل إعلان الإسلاميين المتمثلين في حزب الإصلاح والقوميين داخل التنظيم الناصري والبعث واليساريين في الاشتراكي لتأسيس تحالف في 2001م - مفاجأةً كبيرةً لكل المراقبين في الداخل والخارج؛ لأن هذا التحالف المسمى (اللقاء المشترك) لم يجمع خصمين فحسب، بل أدى للحفاظ على الوحدة اليمنية بشكل مباشر.

لم يكن يفطن النظام وقتها ايجابية هذا التحالف الذي سحب البساط من تحت واجهات اشتراكية ترى في الوحدة اليمنية مرادفا للاحتلال.

اتهم النظام بعدها بالوقوف وراء اغتيال أحد القيادات الاشتراكية، الذي يعرف بمهندس اللقاء المشترك وهو (جار الله عمر) في قاعة مؤتمر حليف حزبه وخصمه السابق التجمع اليمني للإصلاح في ديسمبر 2002م.

وبغض النظر عن مدى صحة تورط النظام في الدفع بأحد قيادات الفكر الجهادي لاغتيال القيادي الاشتراكي في مؤتمر الإصلاح الثالث؛ فإن الحادثة شكلت هزة كبيرة للمولود الجديد (اللقاء المشترك)، وهو ما يعني استهداف للوحدة، فالإصلاح اعتبر اغتياله استهدافا "لرمز وطني ومناضل وحدوي"، داعيا "إلى التماسك ورص الصفوف في وجه دعاة الفتنة والتمزيق".

وفي الدورة الثانية لمؤتمر الإصلاح الثالث التي عقدت في 13 فبراير 2005م وقف الإصلاح مرة أخرى على حادثة اغتيال القيادي الاشتراكي واعتبر الكشف عن الملابسات "قضية وطنية لا يجوز تحويلها إلى ورقة للمكايدة السياسية".

في ذلك العام بدأت بوادر الاحتجاجات في المحافظات الجنوبية في الظهور، وخرج الضباط والجنود الذين أحيلوا للتقاعد عن صمتهم وأسسوا جمعية خاصة بهم مطالبين بإعادة وظائفهم، ولم يخلوا من بين المحتجين المطالبين بقضايا حقوقية صوت يرتفع للمطالبة بإنهاء آثار حرب صيف 1994م وهي مطالب أشار إليها الإصلاح في أول مؤتمر له بعد الحرب مباشرة، وبعضها بالانفصال.

تصاعدت الاحتجاجات وزاد الاحتقان في المحافظات الجنوبية ليصل إلى ذروته في 2007م ما أدى إلى مواجهات بين المحتجين وقوات الأمن أدت إلى سقوط قتلى ومصابين من الجانبين، وهنا ارتفعت أصوات تطالب بـ(الاستقلال) وهو مصطلح أسوأ من مصطلح (الانفصال) الذي يعني التراجع عن الوحدة، فالأول يعني أن الجنوب كان يرزح تحت وطأة الاحتلال.

في المؤتمر الرابع للحزب في 26 فبراير 2007م أشار البيان الختامي إلى جزئية في القضية الجنوبية وهي التأكيد على "حق التعبير السلمي عن الحقوق والمطالب من خلال التظاهر والاحتجاج والمسيرات والاعتصامات والإضرابات السلمية"، لكنه لم يشر إلى الحراك في الجنوب، الذي لم تكن قيادات ميدانية للإصلاح بمنأى عنه.

القضية الجنوبية مدخل للإصلاح

ومع تصاعد وتيرة الحراك الجنوبي كان الإصلاح مطالبًا بموقف قوي وعادل، عندها خرج أمين عام الحزب سابقا والقائم بأعمال رئيس الهيئة العليا حاليا محمد اليدومي ليلقي محاضرة اعتبرت موجها للإصلاحيين في الشمال والجنوب إزاء ما يحدث.

أعاد اليدومي ما يحدث إلى تصرفات الحزب لحاكم "التي أوصلت المواطن إلى مرحلة من ضيق العيش".

واعترف اليدومي بأن هناك "جوعا يحس به أغلب الشعب اليمني، وغلاء للأسعار، وظلم في كل اليمن"، لكنه انتقد "الأصوات النشاز التي تنادي بالانفصال"، وبرر هذا بأن استهداف الوحدة "عجز عن مقاومة الظلم"، قائلا: "سنواجه الانفصال وسنواجه الظلم ونسعى إلى تغيير الواقع السيئ ونحافظ على وحدة بلدنا".

بدت الأوضاع خلال 2008م لا كما تحدث اليدومي، لقد أصبحت أكثر تأزما، وخرجت عن سيطرة السلطة والمعارضة وحتى عن سيطرة الاشتراكي الحاكم في الجنوب سابقا.

قبيل شهر من عودة المواجهات بين السلطات ومحتجين ينتمون للحراك الجنوبي وبالتحديد في 12 مارس 2009م فاجأ الإصلاح الجميع بوضعه بندًا مستقلاً في بيان مؤتمره الرابع الدورة الثانية يتحدث بوضوح عن القضية الجنوبية.

أشار الحزب هنا إلى ما أسماه "الأوضاع الخطيرة في المحافظات الجنوبية ونذرها الكارثية"، واعتبر ذلك "ناجما عن سياسات التفرد، وإقصاء شركاء الحياة السياسية، وغياب المواطنة المتساوية".

وقال: "أدارت السلطة ظهرها لأسس التعددية السياسية والحزبية ومرتكزات الشراكة الوطنية التي قامت عليها الوحدة السلمية في 22 من مايو 1990م، وإصرارها على التعامل مع أوضاع وتحديات ما بعد حرب 94م بخفة وتعالٍ فأصمت آذانها عن سماع النصح الصادق والرأي الصائب".

واتهم السلطة القيام في الثلث الأخير من التسعينيات بتسريح انتقائي لعشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين بالذات المنتمين إلى المحافظات الجنوبية.

وسرد بيان مؤتمر الحزب قصة الجنوب: "عندما بدأ الآلاف من هؤلاء بإقامة الفعاليات السلمية أصمت السلطة آذانها مرة أخرى عن رؤى ومقترحات اللقاء المشترك في المعالجة الوطنية لهذه الأوضاع، وراحت تعمل على طريقتها في معالجة واحتواء الأزمة تارة عبر أساليب توزيع الهبات والأموال وشراء السكوت، أو عبر استخدام العنف وإطلاق الرصاص الحي والسجن والملاحقات التعسفية لقمع هذا الحراك تارة أخرى، فلم يؤد ذلك إلا إلى المزيد من التأجيج والتعقيدات وسد أبواب المعالجات الوطنية، وفتح الثغرات أمام المشاريع الصغيرة واللاوطنية لتنخر في جسد الوحدة الوطنية بصورة غير مسبوقة".

ودعا المجتمع اليمني بكل قواه إلى "مغادرة حالة السلبية والتفرج وتحمل مسئوليتهم الوطنية والتنادي لطرح ودراسة الحلول والمعالجات الجادة متخذين من القضية الجنوبية مدخلاً للإصلاح السياسي والوطني الشامل".

واعترف الإصلاح في بيانه بانخراط "أعضاء وأنصار الإصلاح في كافة المناشط والفعاليات السلمية في المحافظات الجنوبية"، باعتبار القضية الجنوبية، كما يرى أنها "قضية سياسية حقوقية مطلبية وتعد مدخل صحيح وسليم للإصلاح السياسي والوطني الشامل".

إخوان الجنوب والانفصال

برغم أن الحركة الإسلامية المتمثلة في حزب الإصلاح خطت خطوات كبيرة باتجاه قضايا الجنوب في محاولة لتضييق الخلافات الداخلية والتقرب أكثر من المعارضة والضغط على الحزب الحاكم، إلا أن أعضاءها في المحافظات الست منقسمون في توجهاتهم حيال الوحدة اليمنية.

قيادات الإصلاح الجنوبية لا تخرج تصريحاتها عن الإطار الرسمي للحزب كما هو حال رئيس المكتب التنفيذي للإصلاح في الضالع سعد الربية.

فالربية يرى أن الاحتقان في الجنوب ناجم عن "الفساد المتمثل بالمواطنة غير المتساوية، والبطالة والفقر والجوع ومصادرة الأراضي والثروات والمحسوبية".

لكن في المقابل نجد القيادي الإصلاحي ورئيس الدائرة القانونية لفرع الحزب في الضالع محمد مسعد ناجي منتميا لأحد ملتقيات الحراك الجنوبي، وهو ملتقى التصالح والتسامح والذي يشارك في قيادته شباب ينتمون للحركة الإسلامية.

يؤكد ناجي هنا أن النضال السلمي هو الطريق الوحيد للقضية الجنوبية، لكنه وهو يشير إلى انتمائه للحركة الإسلامية يعبر عن قناعاته بأهداف ملتقى التصالح والتسامح، ومنها "استعادة دولة وأرض وشعب والعودة إلى ما قبل الوحدة".

وينفي أن يكون هناك تناقضا مع رؤية وقناعات الإسلاميين "إذا كانت رؤية الإصلاح التمسك بالوحدة فأنا أيضا مع الوحدة التي قامت في 22 مايو، لكن ما هو حاصل وحدة يسيطر فيها طرف على الآخر وقد وئد كل ما تم الاتفاق عليه عقب حرب صيف 1994م". ومثل ناجي الكثير من الإسلاميين الذين تأثروا بالحراك الجنوبي.

إن تغلغل الإسلاميين في أوساط الهيئات والملتقيات والجمعيات المؤيدة للانفصال أثار تساؤلات كثيرة، من بينها: هل معنى ذلك استعداد الحركة الإسلامية لمرحلة مجهولة قد ينفصل الجنوب عن الشمال؟ أم أن تلك المواقف لسحب البساط من تحت أقدام التيارات الانفصالية؟ أو قد تكون قناعاتهم قد تغيرت بالفعل مع تراكم التجارب والأحداث إلى جانب ضغط المجتمع الجنوبي الذي يشعر بالظلم والقهر من تصرفات السلطة.

لكن ما هو معروف للجميع هو أن الإصلاح كواجهة للحركة الإسلامية في اليمن داعم للوحدة اليمنية قولا وفعلا، ومنوط به مسئولية كبيرة في الحفاظ عليها لمكانته الشعبية والحزبية.

فالإصلاح الذي يمثل الإخوان المسلمين في اليمن يقف وسط خيارات صعبة متمثلة في استمرار النضال السلمي ومواجهة ظلم وفساد السلطة والدفاع عن الوحدة اليمنية، التي يرى البعض أن العد التنازلي لها قد بدا بالفعل إذا لم تتدارك السلطة أخطاءها.