الحرب جردت اليمنيين من رواتبهم .. وكورونا يجهز على ماتبقى

الأحد 29 مارس - آذار 2020 الساعة 09 صباحاً / مأرب برس - العربي الجديد، محمد راجح
عدد القراءات 2718

 بعد أن جردتهم الحرب من رواتبهم منذ نحو أربع سنوات، يواجه اليمنيون شبحا آخر بدأ يجردهم مما تبقى من مصادر رزق، في ظل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة اليمنية أو الحوثيون في المناطق الخاضعة لسيطرتهم لمكافحة انتشار فيروس كورونا، وشملت تعطيل العمل في مختلف الأنشطة مع استثناءات محدودة.

ودفعت هذه الإجراءات عددا من الموظفين والعمال إلى رصيف البطالة والبقاء في المنازل في ظروف معيشية صعبة، بسبب عدو مجهول عجزت جميع دول العالم عن مكافحته ومواجهته. يقول المواطن بسام حسن، من سكان العاصمة صنعاء لـ"العربي الجديد" إنه مضطر مثل الكثيرين للمكوث في منزله في إطار إجراءات مواجهة كورونا، بينما تزداد الحياة صعوبة في ظل قدرات محدودة لمواجهة أعباء دفع الإيجار وفواتير الكهرباء والماء والغذاء والدواء.

وفاقمت الحرب التي دخلت عامها السادس أعداد الفقراء، الذين وصلت نسبتهم وفق تقرير صادر عن الأمم المتحدة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلى 75 في المائة من السكان، مقارنة بنحو 47 في المائة قبل بدء الحرب. ويبدي جميل محمد، الذي كان يعمل موظفا مدنيا قبل أن يضطر إلى العمل في مجال البناء بأجر يومي، بعد توقف رواتب القطاع العام قبل أربع سنوات، استياءه من الإجراءات المتخذة لمواجهة فيروس كورونا، مشيرا إلى أنها تؤدي إلى حبسهم في المنازل من دون أي مصدر دخل يعينهم على مواجهة هذه الأيام الصعبة، حسب حديثه لـ "العربي الجديد".

انضمت كتلة كبيرة من الأيدي العاملة منذ نهاية 2016 بعد توقف مرتبات الموظفين المدنيين وتسريح شركات وقطاعات الأعمال الخاصة لأعداد كبيرة من العمال، إلى رصيف البطالة الذي يتكدس فيه أعداد كبيرة تقدرها بيانات رسمية بنحو ثلاثة ملايين شخص. واضطر كثير منهم للعمل في أعمال ومهن متعددة بأجور يومية زهيدة، لكنهم فجأة أصبحوا مضطرين مرة أخرى لترك هذه الأعمال والحد من تحركهم في إطار الإجراءات الاحترازية المنفذة لمكافحة كورونا، وفق المواطن مازن سعيد.

ويقول سعيد، الذي لديه بسطة لبيع الملابس في مدينة تعز جنوب غرب اليمن، بينما كان يعمل في السابق موظفا في إحدى المؤسسات الحكومية: "على الجهات المعنية مكافحة الجوع ووقاية اليمنيين من أضراره البالغة أولا من أجل الحد من تفشي الأوبئة مثل كورونا وغيرها". ويضيف: "خمس سنوات مرت والحرب تنتزع من الأبرياء البسطاء الذين لا ناقة لهم ولا جمل حقوقهم ومرتباتهم وأعمالهم، مع انعدام أي إجراءات مسؤولة لمساعدتهم وتخفيف الأضرار الثقيلة التي يتخوف من أن يؤدي الوباء الجديد إلى الإجهاز على ما تبقى من رمق الحياة".

ويصل عدد الموظفين المدنيين في الخدمة العامة إلى حوالي 1.2 مليون موظف يعيلون نحو 5 ملايين فرد، منهم 500 ألف موظف في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، التي كانت قد أعادت صرف رواتبهم منذ عامين، بينما يعيش نحو 600 ألف موظف في مناطق سيطرة الحوثيين للعام الرابع على التوالي في معاناة قاسية بسبب توقف رواتبهم. ودخلت البلاد في انهيار اقتصادي شامل وانخفاض كبير في قيمة العملة الوطنية، إضافة إلى قفزات كبيرة في كلفة سلة الغذاء.

ووفق تقرير صادر عن قطاع الدراسات الاقتصادية (حكومي) مؤخرا فإن معدل التضخم التراكمي لأسعار المستهلك ارتفع بحوالي 110.4 في المائة في ديسمبر/كانون الأول 2018، مقارنة بنفس الشهر من العام 2014، ليستكمل ارتفاعه بحوالي 10 في المائة في نهاية 2019. تصاعدت حدة ارتفاعات أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية، مع تفاقم أزمة الإغاثة. ووفقاً لقاعدة بيانات البنك الدولي، فإن صافي المساعدات الإنمائية الرسمية والمعونات المتلقاة في اليمن ارتفع قليلاً من 1.2 مليار دولار عام 2014 إلى 1.7 مليار دولار في المتوسط، خلال الفترة بين عامي 2015 و2018.

ومع ذلك، فإن نصيب اليمن من المساعدات والمعونات لم يتجاوز 25 في المائة مما حصلت عليه سورية التي تمر بحروب ونزاعات مشابهة. وازدادت حياة المواطنين ارتباكاً في الأيام الأخيرة في ظل قرارات غلق بعض الأسواق والاستراحات والمطاعم، سواء في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة أو الحوثيون. ودب اضطراب واسع في سوق الدواء، تمثل في اختفاء العديد من الأصناف وارتفاع قياسي في الأسعار وصل في بعض الأدوية إلى 500 في المائة.

ويعاني اليمنيون من سوق سوداء للأدوية لا تقل شراسة عن تلك التي تشكلت في الوقود منذ بداية الحرب، إذ أدى الصراع المتفاقم إلى بزوغ طبقة من التجار استفادوا من اختلالات في كافة الجوانب الاقتصادية والتجارية والخدمية، على رأسها انهيار سعر صرف الريال مقابل العملات الأجنبية، وتوقف نشاط مئات المستوردين وفقدان أكثر من 50 في المائة من الصيادلة لوظائفهم، وانحسار الاستثمار في مجال التصنيع الدوائي، وفق رئيس اتحاد منتجي الأدوية، عبد الحكيم شوكت.

يقول شوكت لـ"العربي الجديد" إن الاحتكار في مجال الدواء وصل إلى مستويات غير معقولة، خاصة في ظل القيود المفروضة من قبل قوات التحالف بقيادة السعودية، على المطارات والموانئ منذ خمسة أعوام. ويوضح رئيس اتحاد منتجي الأدوية أن هذه القيود أثرت على مختلف القطاعات التجارية والاقتصادية في اليمن، وعلى تكوين مخزون مناسب من الغذاء والدواء، وعرقلت كثيرا من المكونات الصناعية ومدخلات الإنتاج التي تحتاجها شركات الأدوية المحلية. ويضيف أن القيود المستمرة حالت دون قيام شركات الأدوية اليمنية بدور مؤثر في كسر الاحتكار الذي غذى سطوته بالأدوية المهربة والمزورة، داعياً الجهات المختصة الأمنية والتجارية في الظرف الراهن وما خلقه فيروس كورونا من هلع في أوساط الناس، عدم الوقوف لمشاهدة كل ما يجري في هذه السوق وأن تعمل للحد من ممارسات المحتكرين.

ودفع الإقبال المتزايد في الأيام الأخيرة، على الأدوية والمعقمات والمنظفات والسلع الغذائية والاستهلاكية للوقاية من كورونا، إلى تفشي ظاهرة الغش التجاري وانتشار أدوية ومعقمات فاسدة ومنتهية الصلاحية. ووفق موزع أدوية في صنعاء، فضل عدم ذكر اسمه، فإن بعض تجار الأدوية ممن يتعاملون معهم سلموهم معقمات وأدوات صحية ومستلزمات طبية منتهية، وبعضها كانت قد تعرضت للكساد وتم ركنها في المخازن منذ فترة طويلة. أصبحت ظاهره الغش في السلع سواء الغذائية أو الدوائية، وفق تقييم الجمعية اليمنية لحماية المستهلك، متجذرة لعدة أسباب أهمها غياب اَليات الرقابة وانخفاض مستوى المعيشة وتوقف صرف المرتبات.

يقول رئيس الجمعية فضل منصور لـ"العربي الجديد" إن ارتفاع الأسعار في كثير من السلع مثل الأغذية والأدوية وغيرها أدى إلى زيادة الغش والتدليس، وإقبال المستهلك على السلع المقلدة لتدني أسعارها. ويشير منصور إلى اختفاء المعقمات والمطهرات من الصيدليات ومخازن الأدوية والمتاجر، وارتفعت أسعار الموجودة منها خمسة أضعاف ما كانت عليه سابقا، وفي نفس الوقت انتشرت المعقمات والمطهرات المغشوشة. وحسب الباحث الاقتصادي محمد المطاع، فإن بعض التجار قد عمدوا مؤخراً إلى سحب بعض السلع من الأسواق أو إيقاف توزيعها من اجل رفع الأسعار، في ظل تزايد الطلب نتيجة الإجراءات الاحترازية لمكافحة كورونا.

وأدت الحرب التي دخلت عامها السادس إلى سيطرة التحالف على جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية، وفرض إجراءات تفتيش صارمة على دخول البضائع والسلع والمواد الخام الصناعية إلى البلاد، بينما تم تقويض سلطات الحكومة الشرعية، وهو ما خلق اقتصاداً موازياً واسع النطاق. ويرى أمين الأسودي، المسؤول في إحدى شركات الأدوية، أن الوضع الراهن يعد فرصة مناسبة لنمو الصناعات الدوائية المحلية والقيام بدور فاعل في تغطية احتياجات السوق من بعض الأصناف الضرورية، والتي تغطي حاليا حسب تأكيده حوالي 35 في المائة من الاحتياجات. ويعاني القطاع الصحي، تدهوراً حاداً جراء الصراع المتفاقم، الذي أدى إلى تفشي الأوبئة والأمراض، وإغلاق عدد كبير من المرافق الصحية. وذكر صندوق الأمم المتحدة للسكان، في تقرير صادر عنه نهاية فبراير/شباط الماضي، أنه مع دخول النزاع عامه السادس لا يزال اليمن يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم مع مستويات مذهلة من الاحتياجات الإنسانية.

وأطلق نشطاء يمنيون في الأيام الأخيرة، مبادرة تحمل اسم "مسامح إيجار شهر" يدعون فيها مالكي العقارات إلى إعفاء المستأجرين من دفع إيجار المنازل والعقارات لهذا الشهر، تزامنا مع تفشي الوباء الذي أجهز على مختلف مصادر الرزق. وتتزايد الصعوبات بشكل أكبر بالنسبة للنازحين في المناطق الداخلية. وأعربت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يوم الجمعة الماضي، عن قلقها من أن تتعرض الأسر النازحة لـ"مخاطر متزايدة" في حال تفشي كورونا.

وقال المتحدث باسم المفوضية أندريه ماهيستش، خلال مؤتمر صحافي في جنيف، إن "تصاعد القتال في أنحاء محافظات الجوف، وصنعاء (شمال)، ومأرب (شرق) خلال الأسابيع الماضية، أدى إلى نزوح أكثر من 40 ألف شخص". وأضاف: "مع استمرار تدفق الآلاف إلى مدينة مأرب والمناطق المجاورة بحثا عن الأمان، تتراكم الاحتياجات الإنسانية بسرعة، فيما الخدمات والمساعدات تعمل فوق طاقتها". وحذر من أن استمرار النزاع يفاقم الصعوبات أمام جهود تقديم الخدمات الإنسانية، ويدفع لأن يظل اليمن أكبر أزمة إنسانية في العالم، مع وجود أكثر من 24 مليون شخص بحاجة إلى مساعدة، إضافة إلى 3.6 ملايين في عداد النازحين. وأدت الحرب المستعرة إلى توقف العمل في حقول إنتاج النفط والغاز وإغلاق مرافئ التصدير في البلد المنتج الصغير للنفط. وفق تقديرات حكومية، خسرت الدولة نحو 50 مليار دولار، كان من الممكن أن تضخ في الخزينة العمومية، إذ كان الإنتاج يصل إلى حوالي 127 ألف برميل يومياً في المتوسط قبل الحرب في 2014.