مشروع تاريخي ومعبر روسي لأوروبا.. ما هو السيل التركي؟

الأربعاء 08 يناير-كانون الثاني 2020 الساعة 11 مساءً / مأرب برس - الخليج أونلاين
عدد القراءات 4482

تسعى تركيا، منذ نهضتها الجديدة في العقدين الأخيرين كقوة سياسية واقتصادية صاعدة، لبناء شراكات استراتيجية مع دول كبرى وإقليمية حول العالم.

 

ولعل آخر فصول المساعي التركية كانت العلاقات الاستراتيجية التي بنتها مع روسيا، القوة الكبرى التي عادت إلى المشهد الدولي بشكل فاعل خلال العقد الماضي.

 

ويبرز من تلك الشراكات مشروع "السيل التركي" (ترك ستريم)، الذي افتتحه الرئيسان؛ التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في إسطنبول، الأربعاء (8 يناير 2020)، لنقل غاز روسيا إلى أوروبا عبر الأراضي التركية.

 

مشروع تاريخي

وقال أردوغان في خطاب الافتتاح: إن "السيل التركي الذي بذلنا جهوداً كبيرة مع أصدقائنا الروس من أجله يعد مشروعاً تاريخياً فيما يخص العلاقات الثنائية وخريطة الطاقة".

 

وأردف: إن "تركيا وروسيا أنجزتا مشروع السيل التركي خلال 2019 وفق الخطة المرسومة مسبقاً"، مضيفاً أن تركيا اشترت من روسيا خلال السنوات الـ33 الماضية، 400 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي".

 

ونوه الرئيس التركي بأن "15.75 مليار متر مكعب من أصل 31.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي ستصل إلى تركيا مباشرة بفضل (السيل التركي)، دون وجود أي بلد وسيط".

 

وأكّد تجاوز تركيا "التحديات التي تطول تعاوننا مع روسيا في مجال الطاقة وباقي المجالات، وهناك زيادة منتظمة في التبادل التجاري بين تركيا وروسيا".

 

كما شدد على أنه "لا مجال لتمرير أي مشروع في شرق المتوسط يستبعد تركيا".

 

من جانبه قال الرئيس الروسي: إن "التعاون بين تركيا وروسيا يزداد في جميع المجالات رغم التوترات ومحاولات البعض إعاقته"، مضيفاً أن "خط السيل التركي ليس فقط من أجل تركيا وروسيا، بل لكل القارة الأوروبية".

 

توقيع اتفاق خط السيل التركي

 

ما هو مشروع "السيل التركي"؟

كشف عن المشروع لأول مرة رسمياً عام 2014، عندما أعلنه الرئيس بوتين خلال زيارته إلى تركيا.

 

وهو مشروع اقتصادي ضخم يهدف لبناء خطوط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا عبر تركيا، مروراً بالبحر الأسود إلى البر التركي، لينتهي عند الحدود التركية-اليونانية، حيث تُقام مستودعات ضخمة للغاز، ومن ثم يُورّد للمستهلكين في شرق ووسط أوروبا.

 

ويدخل خط الأنابيب الأراضي التركية عبر ولاية كيركلاريلي في الشمال الغربي، ثمّ إلى الأراضي اليونانية.

 

ويحتوي المشروع أنبوبين بقدرة 15.75 مليار متر مكعب من الغاز سنويّاً لكل منهما، ويبدأ من روسيا إلى تركيا مروراً بالبحر الأسود، إذ يغذِّي الأنبوب الأول تركيا، والثاني دول شرقي وجنوبي أوروبا.

 

ومن المرجح أن يحتوي المشروع عند اكتماله أربعة خطوط تبلغ قدرة إمدادها الإجمالية 63 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، إلا أن المرحلة الحالية من المشروع ستقتصر على خطين فقط.

 

ويبلغ طول خطوط نقل الغاز إجمالياً نحو 1160 كيلومتراً، وتتوزع بالشكل التالي؛ "930 كيلومتراً تحت قاع البحر الأسود"، و"180 كيلومتراً في البر التركي"، بالإضافة لـ"50 كيلومتراً في البر الروسي".

 

وفي يونيو 2019، قالت المفوضية الأوروبية في تقرير لها إن تركيا حقّقَت تقدُّماً كبيراً فيما يتعلق بأمن إمدادات الطاقة، وأشارت إلى استكمال المرحلة الأولى من مشروع خط أنابيب الغاز العابر للأناضول "تاناب"، في يونيو 2018، والجزء البحري من مشروع السيل التركي للغاز، في نوفمبر 2018.

 

خط السيل التركي

 

البداية والعثرات

لم تكن هناك فكرة للمشروع بين روسيا وتركيا قبل تردي الأوضاع بين الروس والأوكرانيين، حيث كان يمر من أوكرانيا 80% من الغاز الروسي نحو أوروبا.

 

خصوصاً أن الأزمة التي نشبت بين موسكو وكييف، وبلغت مداها بالتدخل العسكري الروسي في شبه جزيرة القرم عام 2014، جعلت الروس يفكرون ببدائل أخرى.

 

وسبق ذلك عام 2011 عقد الروس اتفاقاً مع ألمانيا لبناء خط أنابيب بحري "نورث ستريم" يمر عبر بحر الشمال ويسمح بتوريد 55 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً إلى ألمانيا مباشرة، لتقل بذلك نسبة الغاز الروسي الذي يمر عبر الأراضي الأوكرانية إلى نحو 48%.

 

وعملت موسكو على إقناع بلغاريا بمشروع بناء خطوط أنابيب جديدة تمر عبر أراضيها تحت اسم "ساوث ستريم"، إلا أن الاتحاد الأوروبي الذي تُعد بلغاريا أحد أعضائه وقف عقبة أمام إتمام هذا المشروع، فضلاً عن الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة كي لا يرى النور، في سياق التخوفات الغربية من ازدياد النفوذ الروسي، ما دفع بوتين لإنهاء المشروع عام 2014.

 

بعد الاتفاق بين موسكو وأنقرة على المشروع، عام 2014، واجه تعثراً بعد توتر شاب العلاقات بين البلدين إثر إسقاط المقاتلات التركية طائرة روسية من طراز "سوخوي 24" فوق الأراضي التركية قادمة من سوريا، في نوفمبر 2015.

 

لكن تطبيع العلاقات بين الطرفين، في أغسطس عام 2016، في زيارة لأردوغان إلى موسكو، أعادت إحياء المشروع مجدداً، ليبدأ العمل في مايو 2017، وينتهي في نوفمبر 2018.

 

كما يواجه المشروع تحديات أخرى تتمثل بالقانون الذي أصدره الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في ديسمبر 2019، الذي سيفرض عقوبات على الشركات المشاركة في بناء خطي "السيل الشمالي 2" وعلى خط "السيل التركي".

 

ويعتبر ترامب أن المشروعين سيزيدان من ارتهان الأوروبيين للغاز الروسي، بالإضافة لتعزيز نفوذ موسكو، وهي المبررات التي رفضتها وندد بها كل من ألمانيا والاتحاد الأوروبي.

 

في الوقت الذي تصر فيه موسكو، من جانبها، على استكمال مشروعاتها لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر خطي السيل الشمالي 2، والسيل التركي، وهو ما تتبناه تركيا بطبيعة الحال.

 

السيل التركي

 

فائدة استراتيجية

ويحمل المشروع، بحسب الساسة الأتراك، فائدة كبرى لبلادهم كإحدى أكبر المستهلكين للغاز في ظل التطور الصناعي الذي تشهده تركيا، وكذلك إنهاء مخاطر عبور الغاز في أراضيها وتحوله إلى خط بحري، بالإضافة لتحولها إلى دولة ممر ووسيط لتجارة الغاز.

 

وفي إطار ذلك قال وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، فاتح دونماز، أثناء افتتاح المشروع في إسطنبول، (8 يناير 2020)، إن مشروع "السيل التركي" سيساهم في تخليص أنقرة من مخاطر العبور (مرور الغاز عبر أراضي بلاده)، بجعلها المشتري الأول للغاز الطبيعي.

 

في حين قال المحلل السياسي التركي حمزة تكين، في حديث مع "الخليج أونلاين": إن "مشروع السيل التركي يعد مشروعاً استراتيجياً لتركيا، وسيجعل منها دولة مركزية فيما يتعلق بالطاقة عالمياً"، مضيفاً أنه "حتى يصل الغاز الروسي إلى أوروبا سيمر من تركيا الآن".

 

وحول ارتباط "السيل التركي" بالصراع على الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط شدد "تكين" على أنه "منفصل عنه، وهذا المشروع غير مرتبط به"، مؤكداً أن "المشروع سيؤمن لتركيا جزءاً من احتياجاتها من الغاز، ولكن أنقرة ستبقى بحاجة للغاز الذي يجري البحث عنه في شرق المتوسط، أي إن تركيا بحاجة لكلا المصدرين، وهو ما يؤكد إصرار الطرف التركي على حماية حقوقه من الغاز في المتوسط".

 

وأشار "تكين" إلى أن خط الغاز الجديد "سيسهم بتخفيض أسعار الغاز على تركيا وفي أسواقها أيضاً، وسيعطي أنقرة قوةً في الميدان السياسي، وخاصة فيما يتعلق بعلاقاتها الاستراتيجية مع روسيا".

 

وفي سياق متصل يعد المشروع فائدة لروسيا أيضاً؛ حيث سيسمح "السيل التركي" للأولى بتجاوز أوكرانيا عن طريق فتح خط نقل مباشر ثانٍ إلى تركيا، ومنها سيصل الغاز الروسي إلى جنوب وجنوب شرقي أوروبا عبر خطوط جديدة وحالية.

 

وفي 5 يناير 2020، قالت شركة "بلغارترانسجاس" البلغارية، إن روسيا بدأت شحن الغاز لأوروبا عبر خط الأنابيب الجديد "السيل التركي" الممتد إلى تركيا، وذلك في وقت تتطلع فيه موسكو إلى خفض الشحنات عبر أوكرانيا.

 

وأوضح فلاديمير مالينوف، الرئيس التنفيذي لشركة بلغارترانسجاس، للراديو الوطني البلغاري "بي.إن.آر": إن "شحنات الغاز الروسي ليست لنا فقط وإنما لليونان وجمهورية شمال مقدونيا، ويتم تسليمها عبر نقطة التسليم الجديدة" على الحدود البلغارية التركية.