آلية انتقال الحكم في السلطنة لا تحتمل الفراغ بعد السلطان قابوس

الأحد 29 ديسمبر-كانون الأول 2019 الساعة 08 مساءً / مأرب برس-القدس العربي
عدد القراءات 3741

حين يتم الحديث عن سلطنة عُمان اليوم، فإن السؤال الذي يقفز إلى الواجهة هو: أي مستقبل ينتظر عُمان بعد السلطان قابوس بن سعيد الذي اعتلى العرش عام 1970؟ فالأنباء المتعلقة بالوضع الصحي للسلطان تجعل السؤال مشروعاً، وإنْ كان العُمانيون يرون أن ثمة حملة مبرمجة تُطلق الشائعات من جهات في “البيت الخليجي”.

يحرص متابعون للشأن العُماني على التأكيد أن النظام الأساسي للدولة يُحدّد بوضوح لا لبس فيه آلية انتقال الحكم في السلطنة، بما لا يؤدي إلى وقوع البلاد في فراغ أو الدخول في نزاعات من شتى الأنواع. فالنظام الأساسي ينص على أن نظام الحكم سلطاني وراثي في الذكور من ذرية السيد تركي بن سعيد بن سلطان، ويُشترط فيمن يتمّ اختياره لولاية الحُكم من بينهم، أن يكون مسلماً رشيداً عاقلاً وابناً شرعياً لأبوين عُمانيين مسلمين”. وترسم المادة السادسة منه الآلية، إذ تشير إلى أن “مجلس العائلة المالكة يقوم، خلال ثلاثة أيام من شغور منصب السلطان، بتحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم، فإذا لم يتفق مجلس العائلة المالكة على اختيار سلطان للبلاد، قام مجلس الدفاع بالاشتراك مع رئيسي مجلس الدولة ومجلس الشورى ورئيس المحكمة العليا وأقدم اثنين من نوابه بتثبيت من أشار به السلطان في رسالته إلى مجلس العائلة”.

المراقبون يرون أن غياب منصب ولي العهد الذي كان من شأنه أن يرسم طريق الخلف قبل حصول فراغ في سدَّة الحكم، تعوّضه الآلية التي تُحتّم على كبار أركان الدولة المُحَدَّدين في النظام الأساسي تثبيت من اختاره السلطان في رسالته، في حال ظهر أن مجلس العائلة غير قادر على اختيار الخلف. ويعزو هؤلاء حال القلق التي تسود بعض الأوساط العُمانية إلى شعورهم بأن غياب السلطان قابوس الذي ينظرون إليه على أنه أب الجميع سيترك فراغاً حقيقياً في نفوس العُمانيين، الذين يُقدّرون له ما أنجزه للبلاد خلال نصف قرن جعل خلالها عُمان في مصاف الدول الحديثة، عبر خطط التنمية والنهوض التي تتواصل بخطى حثيثة. كما نجح بعد توليه الحكم بإعادة توحيد العُمانيين بعد نزاع داخلي في السبعينيات عُرف بـ”ثورة ظفار”، وتوفير مظلة آمنة لهم، فيما المنطقة تغلي بالاضطرابات والحروب والقلاقل والأحداث المتقلبة.

وقد خطت سلطنة عُمان سياسة خارجية اعتمدت على سياسة الأبواب المفتوحة. تقول إحدى الشخصيات النافذة إنه من الحكمة أن “نبقي على نافذة إذا أوصد الآخرون الأبواب”. هذا ينطبق على العلاقة مع إيران. ففي خضم احتدام المواجهة الأمريكية-السعودية مع طهران، تحوَّلت مسقط إلى دور وصل لا قطع. هذه السياسة أملتها اعتبارات معادلة “الحياد الإيجابي” ودبلوماسية الوساطة، وانتهاج الحلول السلمية في حل الصراعات، وعدم التدخل في شؤون الغير ورفض الغير التدخل في شؤونها.

أرادت القيادة العمانية خلال العقود المنصرمة الالتفات للداخل العماني الذي كان يتطلب بناء دولة مؤسسات والدخول في عصر الحداثة من دون الانقلاب على التقاليد، وتعزيز مفهوم المواطنة والمسؤولية المشتركة للفرد. ويذهب البعض ممن رافق مسيرة قابوس إلى الجزم بأن الرجل كان ليسير بخطى أسرع بكثير، لكنه آثر عدم الذهاب إلى تحوّلات جذرية في المجتمع كان يمكن أن تؤدي إلى ردَّة فعل سلبية، واتخذ منحى الخطوات المدروسة التي تتلاءم مع المزاج العام ومستوى تقبّل النسيج العُماني للتحوّلات. وقد بدا ذلك واضحاً في كيفية مساندته بشكل دائم لدور المرأة، وتعبيد الطريق أمامها لتكون عنصراً فاعلاً ومساهماً في نهضة عُمان، كما لعب دوراً أساسياً في تغيير الكثير من المفاهيم المجتمعية لجهة “أن لا عيبَ في أي عمل ولا انتقاص”، وفي الدفع باتجاه إرساء ثقافة التعايش واحترام الأديان الأخرى، حيث جرى تأمين دُور عبادة لمختلف الطوائف والإثنيات التي تعيش في السلطنة وتُسهم في اقتصادها وعمرانها.

 

والسلطنة التي تعتمد على النفط كمصدر دخل أساسي، تضع في خططها تطوير القطاعات الإنتاجية التي تؤمِّن تنويعاً في مصادر الدخل. ويتركز الاهتمام، اقتصاديا، على التسويق لمشروع “الدقم” جنوب مسقط الذي رصدت له الحكومة العُمانية مليارات الدولارات لتحويلها من منطقة نائية إلى موقع اقتصادي ضخم يشمل مناطق صناعية ولوجستية وسكنية، مدعومة ببنية تحتية ومطار دولي لجذب الاستثمارات الكبيرة في رهان على ميناء مؤهل ليصبح واحداً من أكبر الموانئ في الشرق الأوسط على المدى الطويل، كونه يقع جغرافياً على خطوط الملاحة الدولية، رابطاً بين الشرق والغرب، ومشرفاً على أهم مناطق في آسيا وأفريقيا. بينما يتم إيلاء السياحة أهمية قصوى، حيث أن استراتيجية وزارة السياحة تهدف إلى تأمين أكثر من خمسمئة ألف فرصة عمل حتى عام 204، وتنمية القطاع بنحو خمسين مليار دولار من الاستثمارات.