كيف سياسات ترامب في تعزيز نفوذ الحرس الثوري داخل إيران؟

الأحد 28 إبريل-نيسان 2019 الساعة 01 صباحاً / مارب برس - الخليج الجديد
عدد القراءات 2787

 

صنف الرئيس "دونالد ترامب" رسميًا يوم الإثنين 9 أبريل/نيسان الحرس الثوري الإسلامي الإيراني كمنظمة إرهابية أجنبية. في حين أن هذه الخطوة قد تخلق عقبات جديدة أمام الحرس الثوري الإيراني خارج إيران، إلا أنها قد تشجعه وتمكنه في الداخل.

   الحرس الثوري والسياسة

تأسس الحرس الثوري الإيراني في الأصل في أعقاب الثورة الإيرانية في عام 1979، ولكن دوره السياسي والاقتصادي في إيران قد توسّع بشكل كبير في السنوات الأخيرة. وفي الفترة من 2005 إلى 2013، في عهد الرئيس "محمود أحمدي نجاد"، حصل على قدر هائل من السلطة بدعم من المرشد الأعلى، "آية الله علي خامنئي"، واستمر في توسيع أنشطته السياسية في السنوات التي تلت ذلك. وفي الانتخابات الرئاسية لعام 2013، كان أربعة من المرشحين الستة المتنافسين مع "حسن روحاني" أعضاء سابقين في الحرس الثوري. ولذا، كان فوز "روحاني" بمثابة نكسة للحرس، وبعدها خسر العديد من أعضاء الحرس الثوري السابقين الانتخابات البرلمانية والمحلية.

وعبر الحفاظ على موقف محافظ بشأن القضايا العسكرية والاقتصادية والأمنية والأيديولوجية، يمثل الحرس الثوري الإيراني أقوى معارضة للرئيس "روحاني". وهو يزدهر بسبب انعدام الأمن وعدم اليقين الاقتصادي والفوضى السياسية، لأنه في مجتمع آمن وديمقراطي لا يوجد أساس للحكم العسكري. وبينما يعمل "روحاني" على تعزيز الديمقراطية وسيادة القانون، يهدف الحرس الثوري الإيراني إلى زعزعة استقرار البلاد بشكل أكبر حتى يتمكن من توسيع سيطرته.

وفي حين يتطلع "روحاني" لخلافة "خامنئي"، فإن هناك عقبات كبيرة أمام هذا الأمر. وأهمها أن يكسب ثقة وولاء الحرس الثوري الإيراني، الذي يعتبر نفسه "حارس الثورة" وله تأثير هائل على كل مستوى من مستويات هيكل السلطة في إيران.

لكن الحرس الثوري الإيراني يعارض بحزم تطلعات "روحاني"، ويشن إعلامه حربا هادئة ضده فيما يشكّل النواب الراديكاليون المؤيدون للحرس الثوري الإيراني تحديًا لمشاريع القوانين التي تقدمت بها حكومته.

وبعد توقيع الاتفاق النووي في عام 2015، بدأ "روحاني" العملية البطيئة لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة وأكد على أهمية الحوار مع المجتمع الدولي.

وأدى ذلك إلى استجابة فورية وسلبية حادة من "خامنئي"، ودعم الحرس الثوري الإيراني كلماته بإطلاق صواريخ باليستية متوسطة المدى مكتوب عليها "الموت لإسرائيل". وزعم "روحاني" أن هذا كان محاولة متعمدة لعرقلة الصفقة وإفشال خططه الاجتماعية والاقتصادية، فضلاً عن أهداف سياسته الخارجية.

   الحرس في مواجهة "روحاني"

لكن خلال فترة ولايته الثانية، قاوم "روحاني"، وتجاهل أعضاء إدارته السابقين في الحرس الثوري الإيراني وعين جنرالًا من الجيش الإيراني لمنصب وزير الدفاع، الذي يشغله عادة أحد أفراد الحرس الثوري الإيراني.

كما اتخذ خطوات لمنع غسل الأموال من قبل البنوك التي يسيطر عليها الحرس عن طريق إدخال تشريعات جديدة تمتثل للمعايير الصادرة عن فريق العمل المالي المعني بغسل الأموال.

 

بالمقابل، في 15 يوليو/تموز 2017، اعتقل الحرس الثوري الإيراني شقيق "روحاني"، "حسين فريدون"، ولاحقا اعتقل شقيق النائب الأول للرئيس "مهدي جاهانجيري" بتهم الفساد.

بالإضافة إلى ذلك، عمل المتشددون المقربون من القائد الأعلى والحرس الثوري الإيراني على إثارة الاحتجاجات في أواخر عام 2016 وأوائل عام 2017. وأعقب ذلك أزمة عملة أجنبية شهدت انخفاض قيمة الريال بحدة مما وضع الكثير من الضغط على الحكومة.

علاوة على ذلك، فإن قضايا مثل الحروب بالوكالة الإقليمية وتجارب الصواريخ، فضلاً خروج "ترامب" من الاتفاق النووي، أثرت بشكل متزايد على "روحاني"، الذي وجد نفسه يواجه العداء على الجبهتين، في الداخل والخارج.

في إيران، هناك في الواقع حكومتان منفصلتان: الحكومة "المنتخبة" للرئيس "روحاني" وحكومة الظل التي يقودها المرشد الأعلى ويديرها الحرس الثوري. ويبدو أن التوازن بين الحكومتين يزداد هشاشة يوما بعد يوم. اقترابا من نقطة اللاعودة التي ستقضي فيها إحدى الحكومتين على الأخرى، فإما أن تتحكم حكومة الظل بشكل كامل في البلاد وتخرج من الظل أو سيتعين عليها التراجع عن الساحات الاقتصادية والسياسة الخارجية .

   الحرس الثوري والاتفاق النووي

وعارض الحرس الثوري الإيراني منذ فترة طويلة الاتفاق النووي لأن الاتفاق يهدد مصلحته الذاتية، لأنه يمكن يؤدي في نهاية المطاف إلى إلغاء العقوبات وتقليل مخاطر الصراع، مما يقلل من دور الحرس الضخم في الاقتصاد والسياسة الإيرانيين. ففي غياب العقوبات، يمكن للمستثمرين الأجانب تمويل مشاريع واسعة النطاق في مجالات مثل البنية التحتية، ولن تحتاج الحكومة إلى تسليمها إلى منظمات مثل "خاتم الأنبياء" التي يملكها أو تربطها صلة كاملة بالحرس الثوري الإيراني.

بعد التوقيع على الاتفاق النووي، ألغت حكومة "روحاني" عقدين كبيرين، مُنحا خلال حكم "أحمدي نجاد"، مع "خاتم الأنبياء" بقيمة 2.6 مليار دولار، وكان لدى الحرس الثوري الإيراني عقود أخرى بقيمة 25 مليار دولار في قطاع النفط والغاز كانت عرضة للخطر أيضًا. ودافع "روحاني" عن هذه الخطوة: "لقد منحنا الاقتصاد لحكومة ظل، ولا يملك أحد الجرأة على التنافس معها".

وكان انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية الإيرانية في عام 2018 وإعادة فرض العقوبات بمثابة ضربة كبرى لـ"روحاني" الذي بدأ يفقد نفوذه. وظهرت أوضح علامة على ذلك أواخر فبراير/شباط 2019 عندما لم تكن إدارته على علم بزيارة رئيس النظام السوري "بشار الأسد" إلى طهران وتم إبلاغ "روحاني" قبل ساعة من وصول "الأسد".

من السابق لأوانه التنبؤ بتداعيات قرار "ترامب" تسمية الحرس الثوري كمنظمة إرهابية. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة شجعت الحرس الثوري بالفعل محليا. واستخدم التصنيف لإجبار الإصلاحيين الوسطيين، وحتى الرئيس "روحاني" لإظهار دعمهم الشعبي للحرس.

وقال "عبدالله رمضان زاده"، الناطق الرسمي باسم الحكومة الذي سُجن في عام 2009 بسبب دعمه للحركة الخضراء: "على الرغم من جميع الخلافات في الشؤون المحلية والوطنية، فنحن جميعًا متحدون ضد تهديد أجنبي غير منطقي ونؤيد قواتنا المسلحة".

تواجه إيران الآن حالة من عدم اليقين على العديد من الجبهات. وقد يكون إعلان الرئيس "ترامب" هو القشة الأخيرة التي تدفع إيران إلى الانسحاب من الاتفاق النووي تمامًا، وربما يؤدي أيضًا إلى مزيد من الصراع الإقليمي أو حرب شاملة.

في كلتا الحالتين، من المحتمل أن يكون الرابحون هم الراديكاليون، في كل من إيران والولايات المتحدة. وكانت الحرب الإيرانية العراقية التي دارت بين عامي 1980 و1988 عاملاً فعالاً في تمكين المتطرفين وقوات الحرس الثوري الإيراني في إيران.

في أوائل يناير/كانون الثاني 2018، اندلعت المظاهرات في إيران بسبب الصعوبات الاقتصادية وتم قمعها بشدة بعد ذلك. وساعدت تلك المظاهرات وإعلان "ترامب" الأخير في إعادة رسم المشهد السياسي لإيران، وتهميش البراغماتيين والوسطاء لصالح عناصر أكثر راديكالية داخل إيران وخارجها.

ويواجه السياسيون الذين كانوا يأملون في إصلاح المجتمع الإيراني الآن قرارًا صعبًا إما بالتوافق مع الواقع الجديد. وفي الوقت الحالي، يبدو أن "روحاني" والبرلمان أصبحا أكثر خضوعا لسياسات "خامنئي" والحرس الثوري الإيراني.

على مدى السنوات الثلاثين الماضية، زادت قوة الحرس الثوري الإيراني باطراد، وهي تنمو مع كل أزمة - حقيقية أو ملفقة.

قد تؤدي دورة الأزمات المستمرة في النهاية إلى قبول الجمهور بتسليم السلطة إلى قائد الحرس الثوري الإيراني لإنهاء المسار الهبوطي. على هذا النحو، يزداد احتمال أن يكون جنرال من الحرس الثوري الإيراني على رأس الحكومة في عام 2021.

في اليوم التالي لإعلان الحكومة الأمريكية تصنيف الحرس الثوري، كان جميع النواب في البرلمان الإيراني، يرتدون زي الحرس الثوري الإيراني وأقروا بالإجماع مشروع قانون لدعمه وتصنيف القوات المسلحة الأمريكية كمنظمة إرهابية. وقال "روحاني" في بيان له "إن هذا الإعلان من قبل الحكومة الأمريكية قد شجع الحرس الثوري الإيراني أكثر من أي وقت مضى".

   تصعيد التوتر

في خطوة تصادمية، استبدل الزعيم الأعلى الإيراني القائد الأعلى للحرس الثوري الإيراني، "محمد علي جعفري"، بمتشدّد آخر هو "حسين سلامي"، في 21 أبريل / نيسان. وتعد تداعيات السياسة الخارجية لهذه الخطوة رهيبة، لاسيما وأن الولايات المتحدة تزيد من الضغط لإنهاء "إعفاءات" الدول المستوردة للخام الإيراني.

ووصلت التوترات بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة إلى نقطة الغليان، ويبدو أن كلا البلدين يتخذان قرارات تؤدي إلى المواجهة وليس إلى المصالحة.

ولدى إيران - وخامنئي تحديدا - ثلاثة خيارات لفعلها لتخفيف التوترات داخلياً. الأول هو إطلاق سراح السجناء السياسيين والنقاد وشخصيات المعارضة من السجن، وتوفير المزيد من الحريات السياسية والمدنية للمجتمع، وتقليل الضغط والتمييز ضد الأقليات العرقية والدينية. والثاني هو تقليل دور الحرس الثوري الإسلامي في الساحة السياسية والاقتصادية. والثالث هو تحويل بعض الأموال من المنظمات التي يسيطر عليها المرشد الأعلى مباشرة، مثل لتمويل مشاريع التنمية ومعالجة البطالة المتفاقمة.

ولكن من الصعب التنبؤ بتداعيات تعيين رئيس الحرس الثوري الإيراني الجديد على المدى الطويل، ولكن بالنظر إلى أن الجنرال "سلامي" لديه آراء جذرية وتفضيل للمواجهة مع الغرب، فمن المرجح أن تكون النتيجة الفورية زيادة في التوترات المتنامية بالفعل بين إيران والولايات المتحدة.

المصدر | محمد حسين ضياء - معهد الشرق الأوسط