هل تعني مقاطعة المشترك للانتخابات نهاية وهم الديمقراطية في اليمن..وكم هي المرات التي اضطرت فيها الأحزاب لعدم خوض السباق

الإثنين 13 أكتوبر-تشرين الأول 2008 الساعة 11 مساءً / مأرب برس - محمد العلائي، المصدر
عدد القراءات 4632

لم يكن من شيم الحركات الإسلامية في العالم العربي مقاطعة الانتخابات. وفي غضون عامين فقط، امتنعت ثلاث منها عن المشاركة في السباقات الانتخابية: إخوان مصر، إخوان الأردن، إخوان اليمن.

المقاطعة ليست ترفاً. ثم إنها لا يمكن أن تكون مؤشراً معتبراً لتدني شعبية الأحزاب الإسلامية. المقاطعة توضح كم أن وهم الديمقراطية(في طبعتها العربية الرديئة) شارف على نهايته أو يكاد. وكيف أنه يتلاشى شيئاً فشيئاً، مثل قوالب آيسكريم الشوكولاته جيدة التبريد.

في اليمن، لطالما خاض الإصلاح غمار الانتخابات مرات ومرات( سواء كانت برلمانية أم محلية أم رئاسية مرورا بانتخابات النقابات والطلاب). ورغم أنه ما انفك يشكك في نزاهتها، شأنه شأن بقية أحزاب المعارضة، فإنه، حتى مطلع 2008، كافح للاحتفاظ بسجله نظيفا من أي خبرة مقاطعة. وحينما قرر الرئيس صالح إجراء انتخابات المحافظين، بدت التصاميم القانونية وكأنها لا تسمح إلا بصعود مرشحي المؤتمر. كانت جائرة ومكيفة بطريقة سافرة لصالح الحزب الحاكم.

إذّاك اختار اللقاء المشترك، وعلى رأسه الإصلاح، عدم دخول السباق، على مضض. وبهذا يكون الإصلاح قد سطر، في روزنامته، أول قرار مقاطعة في تاريخه السياسي الحافل.

وبالطبع، فإن تغاضي الإصلاح كل هذه المدة إيجابية يمكن أن تحسب له. ومثلما هو الحال بالنسبة لبقية الأحزاب الإسلامية واليسارية والليبرالية في المنطقة، فالإصلاح مع مرور الوقت أدرك، دون أن يتفاجأ طبعاً، بأن الديمقراطية(المنقوصة أساساً) تأخذ في الانحسار والتقهقر رويدا رويدا، بدلا من تناميها وتطور أدواتها ومؤسساتها لتصبح، يوماً، آلية عصرية لانتقال سلس للسلطة.

***

 ذات مرة أوشك الإصلاح على المقاطعة. حدث ذلك قبل 7 سنوات. فقبيل الانتخابات المحلية الأولى التي جرت منتصف 2001، ببضعة أشهر التأم المؤتمر العام الثاني للحزب. كانت الفعالية متزامنة مع جدل ساخن بشأن السجل الانتخابي.

حينذاك كانت علاقة الإصلاح بالرئيس، والتي وصفت بالاستراتيجية، وامتدت لنحو عقدين، ما تزال تلفظ أنفاسها الأخيرة، لكنها لم تمت.

ولقد تضمن البيان الختامي للمؤتمر توصية هامشية تنص على الآتي:" والمؤتمر العام إذ يقدر الجهود التي بذلتها الهيئة العليا والأمانة العامة لتنفيذ القرار السابق الخاص بالعمل على تصحيح سجلات وجداول قيد الناخبين فانه يكلفها بمواصلة تلك الجهود واتخاذ كافة الوسائل والإجراءات الدستورية والقانونية لضمان تصحيح الجداول بما في ذلك الدعوة لعقد مؤتمر وطني عام لتحقيق هذا الهدف، كما يوصي بعدم الدخول في أي انتخابات أو استفتاءات إذا لم يتم تنقية تلك السجلات والجداول من الأخطاء".

قلت هامشية، لأنها لم تتصدر قرارات المؤتمر لتعطي الانطباع بأنها جوهرية.

فهي وردت تحت بند الانتخابات، وبالتالي فاكتشاف أهميتها يحتاج لشخص يعرف المكانة المرموقة والمحورية التي يحتلها المؤتمر العام في السلم التنظيمي للحزب.

حينذاك، لفتت تلك الفقرة اهتمام المراقبين. وخضعت للفحص والتأويل. ومع أن قرار المقاطعة فيها لم يكن قطعياً تماما بقدر ما كان متصلاً بشرط تصحيح السجلات الانتخابية، إلا أن مفعوله بلغ من التأثير إلى درجة استدعت أن يهرع رئيس الجمهورية شخصياً لإقناع الإصلاح العدول عن قراره.

وتقضي لوائح الحزب بأن قرارات المؤتمر العالم لا تُنقض إلا بمؤتمر عام مماثل. ما يعني أن العدول عن المقاطعة يستلزم عقد مؤتمر استثنائي تكلفته باهظة.

كانت العلاقة مع الرئيس في رمقها الأخير. ولحسن الحظ كان هذا الرمق لا يزال قادرا على حمل الرئيس ليتكفل بتمويل المؤتمر العام.

وقد كان. ففي 13-1-2001 عقد التجمع اليمني للإصلاح مؤتمراً عاماً استثنائياً لتعديل تلك الفقرة، حضره الرئيس وألقى كلمة أثارت الكثير من الشجون، واعتبرها المؤتمرون، على سبيل المجاملة، واحدة من وثائق المؤتمر.

ولقد جاءت فقرة التعديل على هذا النحو: "يقر المؤتمر تفويض الهيئة العليا في اتخاذ قرار مشاركة الإصلاح في الانتخابات المحلية والاستفتاء على التعديلات الدستورية، التي دعا الأخ رئيس الجمهورية الناخبين إليها في قراره الصادر بهذا الخصوص، ويؤكد على الهيئة العليا أن تواصل جهودها وحواراتها مع مختلف القوى السياسية، وبالتعاون مع الجميع، من أجل إيجاد سجل انتخابي يُوثقْ به مستقبلاً".

وهكذا انتهت المحاولة. خرج الإصلاح منها قوياً بأكثر مما يريد الرئيس فأضمر الأخير لهم شراً. وكان ما كان بعد ذلك حتى هذه اللحظة. وإذا شئنا الدقة فإن المؤتمر الاستثنائي ذاك كان بمثابة الزفرة الأخيرة للتحالف العتيد.

***

في عدد مرات المقاطعة، يتساوى الإصلاح مع الوحدوي الناصري وحزب الحق: مرة واحد لكل حزب (انتخابات المحافظين الأخيرة). بيد أن الحزب الاشتراكي واتحاد القوى الشعبية يحتفظان في سجلهما السياسي بقراري مقاطعة اتخذاهما مرة في الانتخابات البرلمانية 1997، ومرة في انتخابات المحافظين. وكان لكل منهما حساباته الخاصة، لا سيما الحزب الاشتراكي الذي أدرك انتخابات 97 محطم الأوصال بفعل حرب 94.

لو فكرنا في ديمقراطية مثالية، فإن هناك دائما أسباباً كافية للإحجام عن المشاركة. ولا بد أن المقاطعة ستكون أدعى، حالما تكتنف ديمقراطية شبه ناشئة عيوب تتساوي مع مزاياها بل وتفوقها أحيانا.

***

في بيان الخميس، لم يكشف اللقاء المشترك عما يعتزم القيام به حيال الانتخابات القادمة. أومأ إيماءة مبهمة إلى أنه مضطر إلى اتخاذ "الموقف المناسب" بشأن المشاركة في الانتخابات، ولم يزد على ذلك. لكن أحدا لم يخامره شك في أن الموقف لا يتجاوز أحد هذين الخيارين: المقاطعة، أو المشاركة، (مع أرجحية الخيار الأخير). هل ثمة طريق ثالث؟

قيادة المؤتمر استنبطت من عبارة المشترك التلويح بالمقاطعة. وهو استنباط متعجل له دوافعه التي يسهل تخمينها. ولقد تلقفت الأمر بما قد ينم عن السخرية والاحتقار، دأب الأقوياء.

ويبدو أن بيان المشترك أدى غرضه كما يجب. فهو لم يكن يرمي إلى إعلان موقف نهائي، بقدر ما كان يستهدف قياس ردة فعل المؤتمر تجاه المقاطعة دون أن يضطر إلى إعلانها الآن. لم يقل البيان ما يشي بالمقاطعة صراحة، لكن معدوه كانوا على يقين بأن قيادة المؤتمر ستستشف من منطوقه نية عدم خوض السباق الانتخابي في 2009، وبالتالي سيحمل ردها عليه ما إذا كان القلق يساورها من المقاطعة أم الارتياح.

لم يبطئ المؤتمر كثيرا في الرد. ففي اليوم التالي، الجمعة، أطل قياديون مؤتمريون من طرازين متباينين. الأول سلطان البركاني رئيس كتلة الحزب، المعروف بسلاطة اللسان وغلظته. والثاني عبدالله غانم رئيس الدائرة السياسة، الشخصية الاشتراكية السابقة والقانوني المتمرس، وهو رجل يتسم بالهدوء لكنه ماكر يمتلك قدرة فائقة على الفذلكة والتحوير والمغالطة، حتى ليخال المرء أن ما يطرحه هو عين الصواب.

الاثنان تصديا للرد بشراسة معهودة. فالبركاني راح يلصق بالمشترك، عبر موقعي "المؤتمرنت" و"سبتمبرنت"، طائفة من التهم. لقد تحدث الرجل بشكل سلس وبلغة مسبوكة جيدا لا يبدو أنها مرتجلة، كيف أن المشترك يسعى لتعطيل الحياة السياسية من خلال النكث بالعهود والالتزامات ويحاول طمس الحقائق. وانتقد غضب المشترك من الحملات الإعلامية، التي قال إنها تهدف إلى توضيح الحقائق للرأي العام، وليست استهدافا بأي حال. ومضى، دون أن يلوي على شيء، يكيل التهمة تلو الأخرى. والملاحظ أن البركاني لم يتطرق إلى التلويح الضمني بالمقاطعة الذي حمله بيان المشترك، غير أن الطريقة النزقة والحادة التي تحدث بها، تعكس، على نحو أو آخر، ما إذا كان المشترك ما يزال لاعبا مرغوباً فيه، وهل سيؤثر غيابه في مجرى الأمور.

***

خذوا أيضاً ما صرح به عبدالله غانم لصحيفة 22 مايو. فقد أظهر كم هو بارع في الفذلكة والتلاعب بمدلول الأشياء، حينما أصر على أن المشترك مُمثل الآن في لجنة الانتخابات رغم اعتذار ممثليه، وأن غيابهم لا ينفي عضويتهم الرسمية فيها، لأنهم بحكم القرار الجمهوري موجودون شاؤوا أم أبوا، فهذا لا يهم. وبشأن المقاطعة قال غانم: "من سوف يقاطع فإنه لن يرتكب عملاً غير قانوني، فالمشاركة حق ديمقراطي يكفله القانون، ولصاحب الحق أن يستخدم هذا الحق أو لا يستخدمه، إلا أن المقاطع سيكون هو الخاسر".

كلام غانم فيه شيء من التخويف والابتزاز. على سبيل المثال، قال إن موقف أحزاب المشترك تجاه العملية السياسية عدمي، وأنها وحدها تتحمل المسؤولية عن هذا الموقف "الذي يعكر صفو الحياة السياسية، والذي من شأنه أن يدفع جماهير هذه الأحزاب إلى عدم الاقتناع بجدوى العمل السياسي أو جدوى الديمقراطية، وبالتالي البحث عن وسائل أخرى للتعبير عن نشاطها، بعيداً عن العمل الديمقراطي". إنه تلميح استباقي إلى أن المشترك سيتحمل ما سينجم عن عدم خوضه الانتخابات. وهذه طريقة أخرى للضغط.

 بالتأكيد هناك فقدان ثقة فاحش في أوساط الناس، إنما لا يسمح المنطق بإلقاء وزر هذه الحالة على المشترك.

مازلنا نظن أن المؤتمر يتظاهر بالثقة واللا اكتراث. بينما هو في قرارة نفسه يشعر بخطورة أن يدفع المشترك للمقاطعة. لكن فظاظة وغرور(هل نقول وصبيانية) بعضاً من قيادة المؤتمر، لا يمكن أن تدع مجالا للظنون. (هل نضيف وابتذالها أيضاً؟).

من الواضح أن السجال السياسي بدأ يأخذ طابع شتائم القرية. إذ عندما يتشاجر اثنان ويقول أحدهما للآخر"مال أبوك" يرد الثاني محتداً "وأبوك"، فيرد الأول" يا نذل" ويرد الثاني " والله ما نذل إلا أنت"... وهكذا تتنامى الشتائم ويتطور الشجار ليتحول إلى عراك. على هذا المنوال يسير سجال المؤتمر مع المشترك.

طبعا هذا وضع معتاد. المختلف في الآونة الأخيرة أن التصريحات قد تميط اللثام عن الاحتمالات السياسية للفترة القادمة، وخصوصا الموقف من الانتخابات.

لمَ الكذب، لا يكف بعض أعضاء كتلة المؤتمر البرلمانية على البرهنة بأنهم عديمو مسؤولية، ومقامرون صغار دون أن يكلفهم ذلك شيئاً.

وفي مطلق الأحوال، فالراجح هو أن الأمور أخذت تسير باتجاه المقاطعة وبوتيرة متسارعة. والمقاطعة إن تمت لن تعني شيئا سوى نهاية وهم عمره 18 عاما، وفتح الباب على مصراعيه لمرحلة لا نستطيع تبين ملامحها الآن.

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن