احتمالات صوملة اليمن وتأثيراته على الأمن الإقليمي الخليجي

الثلاثاء 28 أكتوبر-تشرين الأول 2014 الساعة 07 مساءً / مأرب برس – وكالات :
عدد القراءات 2745

أحداث متسارعة وتطورات متلاحقة تشهدها الساحة السياسية اليمنية من سيطرة الحوثيين على مفاصل الدولة والعاصمة صنعاء، ودخولهم إلى الحديدة وأب، ودخولهم في معارك مع تنظيم القاعدة في محافظة البيضاء وهجوم صاروخي نفذته وحدات عسكرية يمنية واستهدف مواقع التنظيم، ودخول قوات موالية للرئيس السابق على عبد الله صالح على خط المواجهات العسكرية المسلحة، ومطالبة الجنوب بفك الارتباط مع الشمال ومن ثم احتمالات تقسيم اليمن مرة أخرى.

كل هذه الأحداث والتطورات على الأرض تشير إلى احتمالات اتجاه اليمن إلى سيناريو الصومال أو ما يمكن تسميته “صوملة اليمن” في ظل سيطرة الحوثيين على أخطر المناطق الاستراتيجية في اليمن وهو مضيق باب المندب، الذي يمثل أهمية قصوى للتجارة الدولية، وللأمن الإقليمي الخليجي عامة، وللأمن العماني على وجه الخصوص بحكم التواصل الجغرافي للحدود.

وبالرغم من معالجة الربيع اليمني وفق الأطر الإقليمية الخليجية بالتناغم مع الأطر الدولية والتي ظهرت بوضوح في القرارات التي صدرت بإجماع أعضاء مجلس الأمن الدائمين، فإن الحالة اليمنية جسدت صورة جلية للتدخل الإقليمي الخارجي وذلك وفقا لتطورات كل مرحلة، ومن ثم تحويل مجريات الأحداث في اليمن طبقا لهذا الدور الإقليمي الخارجي وكان الدور الإيراني هو الأكثر وضوحا وتأثيرا.

إذ شهدت الساحة اليمنية منذ أوائل عام 2013 تطورا خطيرا تمثل في اتهام اليمن لإيران بدعمها العسكري للمنشقين الحوثيين بعد ضبطه لسفينة قادمة من إيران “جيهان1” في حدوده البحرية الإقليمية وعلى متنها عشرات الأطنان من الأسلحة المتطورة القادرة على إسقاط طائرات عسكرية ومدنية، كان قبلها وبفترة قصيرة لم تتجاوز الـ6 أشهر تقريبا، قد وجه الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي أصابع الاتهام وبشكل رسمي لإيران بالتدخل في شئون بلاده، وذلك من خلال كشفه القبض على خلايا تجسس إيرانية في صنعاء.

والذي لا شك فيه أن التطورات التي تشهدها الساحة اليمنية باتت محل قلق خليجي بشكل عام وقلق عماني على وجه التحديد، لأن تأثير عدم استقرار اليمن الإقليمي سيفتح أبواب الصراعات المذهبية في المنطقة، وفق ما أشارت إليه العديد من البيانات التي صدرت عن اجتماعات وزراء الخارجية لمجلس التعاون الخليجي.

تأثيرات إقليمية عديدة

أما بالنسبة لتأثير التطورات في اليمن على الأمن الإقليمي الخليجي عموما وعلى الأمن الوطني العماني خصوصا، فيمكن القول أن سلطنة عمان بحكم أنها واقعة في مرمى تأثيرات وانعكاسات وتطورات الصراع الدائر في اليمن بوجه عام والحراك الجنوبي على وجه الخصوص بسبب خصوصية الموقع الجغرافي وارتباط الدولتين بنقاط تاريخية وثقافية واجتماعية مشتركة، تتأثر السلطنة بالأحداث في اليمن بوجه عام بطريقة غير مباشرة في أغلب الأوقات، إلا أن ذلك التأثير يتطور ليؤثر عليها بشكل مباشر من خلال إشكالية طول الحدود مع اليمن والتي يصعب احتواءها وضبطها بشكل كامل مما يسهل تسلل عناصر تنظيم القاعدة ومهربي الأسلحة والمخدرات وتجار السلاح، وغيرهم من الهاربين من جحيم الصراع الدائر في اليمن إلي الداخل العماني، ووفقا للمتخصصين في الشأن العماني، تتنوع مسارات ومجالات ذاك التأثير كما يلي:

أولا: إمكانية استمرار تسلل عناصر القاعدة والحوثيين والمهربين إلي الأراضي العمانية، والذين يمكن لهم تشكيل خلايا استخباراتية أو عسكرية أو حتى عناصر ضغط على الحكومة العمانية لاحقا من خلال الإخلال بالأمن والاستقرار الوطني العماني، وإعادة توجيه الحراك الجنوبي لوجستيا من المناطق الجنوبية لسلطنة عمان والسعودية، وذلك من خلال مناطق التخلخل الجغرافي أو البطن الرخو للحدود الجغرافية المشتركة اليمنية - السعودية - الإماراتية - العمانية من محيط البر الصحراوي.

ثانيا: سيتسبب تصعيد الحرب في الجنوب إلى لجوء العديد من المواطنين اليمنيين إلى الحدود اليمنية العمانية، وبالتالي حتمية بناء مئات وربما الآلاف من المخيمات لاستيعاب اللاجئين الهاربين من جحيم الصراع على تلك الحدود، وهو ما سيشكل زيادة في الضغط والعبء على الحكومة العمانية من عدة نواحي، على رأسها الناحية الإنسانية وانعكاساتها الأمنية والاجتماعية والاقتصادية على الداخل العماني.

ثالثا: مع احتمالات صوملة اليمن وانفصال الجنوب عن الشمال، ومن ثم تقسيمها، ستولد على الحدود العمانية اليمنية دولة جديدة ذات طابع إثني هجين من الأيديولوجيا المتناقضة والقابلة للاشتعال والصراع الداخلي، والتي يمثلها القاعديين من جهة والاشتراكية الشيوعية التي يمثلها أقطاب وزعماء الدولة الجنوبية المنفصلة الوليدة، خصوصا أن نائب الرئيس الأسبق علي سالم البيض أكد أن عودته إلى جنوب اليمن وشيكة، مجددا دعوته لفك ارتباط الجنوب عن الشمال، ومطالبته للأمم المتحدة بالتحضير لاستفتاء شعبي حول تقرير مصير الجنوب في اليمن.

رابعا: أنه في حالة نجاح أو حتى تصعيد مطالب الانقسام الجنوبي، فإن الشماليين من الحوثيين “الطائفة الشيعية الزيدية” سيطالبون بالاستقلال والانفصال أسوة بالجنوبيين لتقوم بجوار الدولة الجنوبية المحتمل استقلالها وانفصالها دولة ذات طبيعة أيديولوجية دينية ربما تدين بولائها لإيران بطريقة أو بأخرى، وبالتالي فإن اليمن ربما سيقسم إلى ثلاث دويلات “سنية - شيعية - اشتراكية شيوعية” قابلة للصراع والتناحر.

خامسا: أنه مع احتمال نجاح الثورة في جنوب اليمن في تحقيق أهدافها بالانفصال عن الدولة الأم، وتشكيل دولة جديدة على الحدود العمانية - اليمنية، أيا كان نوعها أو شكلها أو توجهها الأيديولوجي، فإن ذلك ربما سيدفع أو يشجع بطريقة أو بأخرى تلك التنظيمات وخصوصا الإسلامية الراديكالية منها كتنظيم القاعدة والانفصاليين الإسلاميين اليمنيين المتشددين من مختلف التيارات الدينية والمذهبية على نقل وسائل وأهداف تلك الثورة إلى الداخل الخليجي بوجه عام والعماني على وجه التحديد بسبب القرب الجغرافي.

سادسا: أنه مع تصاعد وتيرة الصراع في الجزء الجنوبي اليمني المجاور لسلطنة عمان، أو حتى الشمال ذو الصبغة الأيديولوجية الشيعية، فإن التدخل الغربي الخليجي بات واردا ومن ثم فإن الأمن الإقليمي الخليجي بات محل انتهاك دولي وفي ذلك تأثيره السلبي على منظومة التنمية الشاملة لدول مجلس التعاون الخليجي.

وبحكم العلاقات الاستراتيجية بين السلطنة وإيران، ستكون الدبلوماسية العمانية بتحركاتها الواعية والحكيمة العابرة للقارات قادرة على احتواء الأزمة اليمنية ومنع انزلاقها إلى آفاق غير محمودة العواقب والتأثيرات.

وتأسيسا على ما سبق، يمكن القول أن آفاق الأزمة السياسية اليمنية يكتنفها الكثير من الغموض ولا يمكن التنبؤ بما ستصل إليه، على اعتبار أن الحوثيين قوة لا يمكن تجاوزها أو إغفالها، ولابد من توافق الجميع حول ما تم التوصل إليه من اتفاق السلم والمشاركة بين النظام اليمني والحوثيين قبل اندلا ع التطورات الأخيرة .

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن