أكاديمي يمني في جامعة صنعاء يرصد ... اليمن في السياسة الأمريكية: محطات الالتقاء ومعابر الافتراق

الخميس 01 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 الساعة 08 صباحاً / مأرب برس - د. محمد الميتمي
عدد القراءات 5461

تصنف مراكز صناعة القرار في الولايات المتحدة الامريكية بلدان الشرق الاوسط إلي أربع مجموعات:

1) المجموعة الاولي: أنظمة صديقة ومجتمعات صديقة، وتقع ضمن هذه المجموعة دول مثل تركيا والمغرب وإسرائيل والكويت والبحرين وقطر والامارات العربية المتحدة.

2) المجموعة الثانية: أنظمة عدوة ومجتمعات معادية: وتدخل ضمن هذه المجموعة إيران وسورية والس ودان وليبيا، وعراق ما قبل الغزو وفلسطين ياسر عرفات.

3) المجموعة الثالثة: أنظمة صديقة ومجتمعات معادية: وتدخل مصر واليمن والاردن والسعودية والجزائر والعراق الحالي وفلسطين في الوقت الراهن ضمن هذه المجموعة.

4) المجموعة الرابعة: أنظمة معادية ومجتمعات صديقة مثل لبنان علي سبيل المثال.

كما أن ترتيب كل دولة في هذه المصفوفة الامريكية يخضع لتراتب محكم بحيث يرقم هذا التراتب إلي أربعة مستويات من 1 إلي 4، بحيث يشير الرقم (1) إلي الدرجة الدنيا، والرقم (4) إلي الدرجة القصوي. وكلما اقتربت الدولة المعنية بهذه الإستراتيجية علي مسافة قريبة من الدرجة القصوي، كلما استنفرت مراكز صناعة القرار خططها لمواجهة التحديات والمواقف التي تتطلبها الحالة التي تقع فيها الدولة ودرجتها.

وتصمم مراكز القرار هذه خيارات متنوعة طبقا للدرجة التي تقع فيها الدولة المعنية في هذا التراتب بحيث تكون القرارات ملائمة وفاعلة للحفاظ علي مصالح الولايات المتحدة الامريكية في هذا الجزء الهام والحساس من العالم من وجهة نظرها. وهي نظرة تقوم علي بعدين إستراتيجيين:

الأول : إقتصادي: ويتمثل بدرجة رئيسية في تامين مصادر إنتاج الطاقة الرخيصة وإعطاء الشركات الامريكية العاملة في هذا القطاع اليد الطولي في عملية إنتاج وتسويق مصادر الطاقة تلك، وبخاصة النفط. بالاضافة تأمين سلامة واستمرار وحماية الملاحة العالمية في المضايق البحرية الممتدة في هذه المنطقة الجغرافية البالغة الحساسية.

الثاني: سياسي: ويتمثل في محاربة الإرهاب وتأمين ودعم عملية السلام في الشرق الأوسط، وحماية إسرائيل.

إن مكانة وقوة ودرجة تطور ونوعية الدولة والمجتمع المعني في الشرق الاوسط تحدد طبيعة ونوعية خيارات التعامل معها وأولوياتها. ودرجات الترتيب الاربع المذكورة اعلاه لها علاقة مباشرة بهذه الخيارات. وخيارات التعامل تلك تتوزع بحسب الترتيب علي النحو التالي: خيارات سياسية، خيارات إقتصادية وخيارات أمنية وعسكرية واستخباراتية. ويمكن بحسب طبيعة الدولة والظروف المحيطة بها محليا وإقليميا ودوليا استخدام أكثر من خيار من هذه الخيارات في وقت واحد. فاذا كانت الدولة المعنية في الشرق الاوسط تقع ضمن المجموعة الاولي أو الثالثة استخدمت الخيارات تلك لدعمها وتعزيز مكانتها بدرجات مختلفة بحسب موقعها في الترتيب بين الرقم 1 و4. والعكس صحيح عندما يتعلق الامر بالمجموعة الثانية والرابعة.

وياخذ موضوع الدولة الفاشلة أو الدولة المرشحة للفشل مرتبة بالغة الاهمية في الاستراتيجية الامريكية الجديدة، والاستراتيجية الأوروبية أيضا بدرجات متفاوتة. غير أنه يكاد يكون هناك إجماع حول طبيعة ومحتوي الدولة الفاشلة ومخاطرها علي المصالح الغربية والامريكية. وبالتالي تتقارب الرؤي والاستراتيجيات في طريقة التعامل مع الدولة الفاشلة أو المرشحة للفشل والخيارات المطروحة. وفي الواقع غدت الدولة الفاشلة أوالمرشحة للفشل موضوعا مغريا لمئات من مراكز البحث العلمي المنتشرة في ارجاء أوروبا وامريكا، بل ان الأمر بلغ درجة تشكيل لجان مختصة في الكونغرس الامريكي ومجلس الشيوخ والبرلمانات الاوروبية والمؤسسات الامنية والعكسرية التابعة لها لدراسة هذا الموضوع في كل بلد من بلدان الشرق الاوسط علي حدة. ونشرت في هذا الحقل عشرات الآلاف من الابحاث، بعض منها تحولت إلي تقارير سرية مع توصيات ومقترحات بكيفية التعامل مع هذه الدولة أو تلك طبقا لحالة الدولة والدرجة التي هي فيها، وضعت أمام مراكز صناعة القرار في الولايات المتحدة الامريكية لوضع الخيارات باتخاذ القرار. ويري الاستراتيجيون والاكاديميون الغربيون أن الدولة القومية يمكن أن تفشل أو تكون عرضة للفشل وذلك عندما تغدو عاجزة عن تأمين السلع السياسية وأهم الخدمات والسلع الاقتصادية العامة لشعوبها. فوجود الدولة مرهون بتقديمها لمواطنيها خدمات الامن والتعليم والصحة، والمياه والكهرباء والطرق والمواصلات بكفاءة مرضية، وتوفير مناخ آمن ومستقر للمستثمرين، وتطبيق النظام والقانون بصورة عادلة وصارمة وفعالة ووجود نظام إدراي فعال ومتين، وقضاء مستقل عادل، وحرية وتعددية سياسية. ومن دون ذلك تفقد الدولة المعنية شرعيتها وهيبتها في عيون وقلوب مواطنيها، تؤمن عندئذ الوقود الكافي للمناوئين السياسيين للانقضاض عليها، او علي الاقل هز دعائم رسوخها. ويعتقد هولاء الاستراتيجيون والأكاديميون أن من سمات الدولة الفاشلة أو المرشحة للفشل أن وضعها السياسي والاقتصادي حرج، وأنها صدامية وخطرة وذات بيئة نزاعية شديدة مغرية للجماعات المتحاربة أو المتنازعة، وغالبا ما تغري فصائل من جيشها وقوات أمنها علي تنظيم الانقلابات أو الثورات كما أن القوي السياسية المعارضة كثيرا ما تلجأ وتنجح في خلق بؤر التوتر وإشاعة الاضطرابات وعدم الاستقرار. ولما كانت الدولة الفاشلة أو المرشحة للسقوط دولة مضيافة وملجأ للارهابيين ولوردات الحروب وتجار الأسلحة ـ من وجهة نظر هولاء المنظرين ـ فان فهم ديناميات هذه الدولة وتتبع توازنها وقواها الداخلية الحاكمة للصراعات أمر مركزي وحيوي في استراتيجية الحرب علي الارهاب. كما أن تقديم الدعم والمساندة للدولة الضعيفة وتقوية مكانتها لتجنيبها الانهيار أمر ملح ومركزي في هذه الاستراتجية ايضا. في الواقع يبرز فشل الدولة القومية للعيان عندما يتسلل العنف وينتشر علي شكل حروب ونزاعات محلية، وعندما تدهور مستوي معيشة السكان، وحينما تتآكل البنية الأساسية الضروية لحياة طبيعية وحينما يتخطي جشع الحكام حدود مسؤولياتهم والتزاماتهم بتحسين ظروف حياة المواطنين المحكومين. ان الحروب الاهلية هي معيار قاطع علي فشل الدولة. وهذا النوع من الحروب تغذيه الصراعات والكراهيات القبلية والدينية والعرقية أو أي كراهيات بين الشرائح والفئات والطبقات الاجتماعية التي تعيش في المجتمع. ان الخوف من الآخر والتربص به هو الذي يقود إلي الصراعات والنزاعات ويوقد نار الفتنة والبغضاء والكراهية بين الفئات والجماعات الحاكمة والمحكومة. وفشل الدولة القومية لا يمكن أن يحدث إلا عندما يغيب الانسجام والتوافق بين الجماعات المكونة للدولة والمجتمع. ان الحقيقة الناصعة والبسيطة، هو أن الدولة الضعيفة والواهنة تحمل في حشاياها تناقضات شديدة بين من يملكون كثيرا ومن لا يملكون أبدا، وتحتوي علي تشكيلة متنافرة من الجماعات العرقية والدينية والشرائح الاجتماعية، بالاضافة إلي هيمنة أقلية علي إدارة الموارد السياسة والاقتصادية وحرمان الاكثرية من المشاركة فيها وهذه جميعا تسهم بأكثر مما يظن الكثيرون في الاسباب العميقة لفشل الدولة. وعلي عكس الدولة القوية المتماسكة، تبدو الدولة الفاشلة أو المرشحة للفشل عاجزة عن السيطرة علي حدودها، وهو ما من شأنه تهديد الأمن الاقليمي والعالمي. كما أن ارتفاع معدل الجريمة يشكل معيارا آخر مهما عن الدولة الفاشلة. فحينما تكون الدولة ضعيفة، تكون فيها سلطة القانون شكلية لا تتعدي القوانين واللوائح المكتوبة والتصريحات الاعلامية، وحينئذ تتولي العصابات والمافيات والوجاهات ومراكز القوي بمختلف مصادرها الاجتماعية والجغرافية فرض قوانينها الخاصة علي المجتمع. وتكون سلطة الدولة غائبة لا قيمة لها إلا علي الضعفاء. هكذا بايجاز يمكن تلخيص الرؤي الاستراتيجية والاكاديمية والسياسية الغربية والأمريكية علي وجه الخصوص تجاه مفهوم الدولة الفاشلة أو الآيلة للفشل.

وتفرد الإدارة الامريكية اليوم والمؤسسات الامريكية المختلفة مكانا بارزا ومهما للدول الفاشلة، أو الضعيفة والمرشحة للفشل في استراتيجيتها القومية. فقد شكلت لهذا الغرض عدة لجان قومية من الكونغرس ووزارة الدفاع ووزارة الامن القومي، والـ FBI والـ CIA وغيرها من المؤسسات التي عالجت قضايا الامن القومي الأمريكي ومصالح الولايات المتحدة الامريكية. وكان الشرق الاوسط، يمثل بؤرة رئيسية لهذه التقارير وهذه الاستراتيجية. ولم تخرج اليمن عن دائرة هذا الاهتمام الامريكي، بل أنها وضعت ضمن الزوايا المهمة وتحت العدسات الكاشفة في الاستراتيجية الامريكية للحرب علي الارهاب والتصدي له. فقد جاء ذكر اليمن مئات المرات في تقارير هذه المؤسسات وراسمي إستراتيجية الامن القومي الامريكي للقرن الواحد والعشرين. فعلي سبيل المثال وليس الحصر جاء ذكر اليمن 136 مرة في تقرير 9/11 الذي أعدته اللجنة القومية حول الهجوم الارهابي برئاسة ثوماس كيين ولي هاملتون ( The 9/11 Commiion Report ) وذلك عام 2002 وهو تقرير يحتوي علي 585 صفحة، اي أن ذكر اليمن كان يتردد علي كل ثالت صفحة من هذا التقرير تقريبا.

ويعتبر السياسون والاستراتيجيون الأمريكيون أن اليمن حلقة مهمة ضمن حلقة الحرب علي الارهاب. فاليمن دولة كبيرة وآهلة بالسكان يبلغ تعدادهم نحو عشرين مليون نسمة وهي بذلك أكبر دولة من حيث عدد السكان في الخليج والجزيرة العربية، وتشرف علي مضايق مهمة للملاحة العالمية. والاهم من ذلك أنها تقع في جوار مع أهم البلدان المنتجة للنفط للعالم التي تصرح الولايات المتحدة الامريكية في كافة المناسبات علي أنها جزء رئيسي وحيوي من الامن القومي الامريكي. ولهذا فان المخططين الاستراتيجيين الأمريكان يرون بضرورة الحفاظ علي أمن اليمن واستقراره ومنع حدوث اي اضطراب أو انهيار يمكن أن يقع وذلك بكل الوسائل المتاحة. ويعتبر هؤلاء السياسيون والأستراتيجيون أن النظام في اليمن نظام حليف في استراتيجية الحرب علي الارهاب، وأنه ينبغي مساندته وتقديم العون له بمختلف أشكاله. وأن النظام السياسي الرسمي في اليمن يتقدم كثيرا بخطوات علي النظام الاجتماعي والقوي السياسية المعارضة من حيث مواقفه وتصوراته تجاه الديموقراطية والاصلاحات الاقتصادية ومكافحة الارهاب. غير أن هؤلاء السياسيين والاستراتيجيين لا يلبثوا ان يحذروا من ضعف الدولة والاوضاع الاقتصادية والمادية والامنية والاجتماعية المتدهورة السائدة الآن في اليمن. ويرون أن انتشار البطالة والفقر علي نطاق واسع وتدهور معيشة السكان، وغياب سلطة القانون وتدهور البنية الاساسية كخدمات المياه والكهرباء، وانتشار السلاح مع تفاقم النزاعات القبلية والنزاعات السياسية والاجتماعية يمكن له أن يهدد استقرار هذا البلد، ويضعه علي طريق خطر وغير مأمون مما يتطلب موقفا اجرائيا إحترازيا محددا في الاستراتيجية الامريكية الراهنة بخياراتها المتنوعة. ويري هؤلاء ضرورة تشجيع وحث ودعم النظام في اليمن علي اتخاذ اجراءات عملية وسريعة في تثبيت سلطة النظام والقانون وتحسين البيئة الاستثمارية، وتطوير البنية المؤسسية والادراية، ومكافحة الفساد وتحسين وتطوير البنية الاساسية وبخاصة المياه والكهرباء والصحة والتعليم وتحسين مستوي الحياة عند المواطنين اليمنيين. كما أن تحسين وتطوير الاداء السياسي وبخاصة دائرة المشاركة السياسة وخاصة المرأة مسائل مهمة في تثبيت وترسيخ مكانة الدولة والحيلولة دون وقوعها فريسة للفشل.

وفي الواقع، لدي اليمن امكاناث كثيرة وفي متناول اليد لان تصبح دولة قوية ومزدهرة تضاهي البلدان النفطية المجاروة في رخائها . فنظامها السياسي نظام ديموقراطي تعددي يتخطي بايجابياته ودينامياته السياسية كثيرا من دول المنطقة، وهو يتمتع بموارد بشرية هائلة وموارد طبيعية واقتصادية كامنة يمكن من خلال استغلالها وحسن إدارتها لها أن تمد اليمن بقوة دفع جبارة تمكنها من تجاوز كل صعوباتها. ولدي اليمن اليوم مؤسسة عسكرية قوية وحديثة أقوي من أي وقت مضي، مؤهلة للاضطلاع بدور تامين الامن القومي وتثبيت دعائم سلطة النظام والقانون. ولديها خطط استراتيجية تنموية حديثة جديرة بالتقدير والمساندة. كما أنها تلقي دعم وتعاطف ومساندة المجتمع الدولي. وكل ما تحتاجه الان هو الاستمرار في سياسة الاصلاحات الاقتصادية والمالية والادارية والسياسية بشكل عميق وسريع وملموس، وإضعاف مراكز القوي الكابحة لسلطة النظام والقانون والعدل، وتطوير وتحسين البنية الاساسية، وخاصة التعليم والصحة والمياه والكهرباء، والتعليم علي وجه الخصوص يحتاج إلي مراجعة جذرية، برؤية جديدة، وفلسفة جديدة وإدارة جديدة. كما أن خلق بيئة استثمارية نشطة وجاذبة يعتبر ضمن الحراب الرئيسية لمكافحة الفقر والبطالة وتامين نمو إقتصادي سريع ومستدام، بل انها قادرة علي تنفيس الاحتقان الاجتماعي والسياسي. ويمكن أن تكون المنطقة الحرة في عدن وتشغيل المناطق الصناعية وتطويرها بشكل فعال نقطة الانطلاق الرئيسية لذلك وذلك من خلال تأمين الادارة الحديثة المقتدرة والبيئة المؤسسية الملائمة. وهي مجالات قابلة للتحقق من دون تكاليف سياسية اجتماعية وحتي إقتصادية، بل ان مردودها السياسي والاقتصادي والاجتماعي يتخطي التصورات السائدة بكثير. فعلي سبيل، تفيد التقارير الفنية التي نفذها خبراء ضليعون وذوو خبرة وسمعة دولية واسعة في مجال المناطق الحرة، ان المنطقة الحرة في عدن يمكن أن تكون أهم منطقة حرة في الشرق الأوسط خلال عقد من الزمن، وانها بمقدورها أن تؤمن عشرة آلاف وظيفة بدلا من 350 وظيفة في الوقت الراهن ونصف مليار دولار مداخيل صافية للدولة في الستة الاشهر الاولي إذا ما طبقت معاييرالتقرير الفني الذي نفذه خبراء الاتحاد الاوروبي منذ ثلاثة أعوام مضت، كما أن المنطقة الحرة مرشحة في ظل تلك المعايير لان تحتل مركزا مهما يضعها بين أهم موانئ العالم الخمسة الرئيسة خلال ربع قرن علي أكثر تقدير. ان مثل هذه التقديرات إذا ما تحققت يمكن لها أن تنقل اليمن من عصر الي عصر. وحينئذ سوف يعطي للـتأريخ فرصة تسجيل مثل هذه الانجازات العظام بإجلال وإكبار علي مر العصور.

* عن القدس العربي