الفساد مُتنفس القادة.. والسلطة يحتكرها القائد ... والحزب طريق الثراء للبعض

الأحد 16 سبتمبر-أيلول 2007 الساعة 11 مساءً / مأرب برس - عادل أمين - صنعاء
عدد القراءات 3912

احتفل المؤتمر الشعبي العام في الـ24 من أغسطس الماضي بمناسبة مرور خمسة وعشرون عاماً على تأسيسه، بيد أن الاحتفاء بذكرى التأسيس لهذا العام يأتي وسط جملة متغيرات وحزمة تحديات يواجهها الحزب الحاكم، فعلى الصعيد التنظيمي بدأت أصوات ترتفع من داخل الحزب تطالب بإحداث تغييرات في سياساته وبالأخص فيما يتصل بصناعة القرار في هيئاته القيادية، وعلى الصعيد الشعبي يواجه المؤتمر اليوم أخطر التحديات التي قد تهدد مستقبله السياسي، فالأوضاع المتفجرة من صعدة إلى حضرموت مروراً بأغلب محافظات الشمال وكل محافظات الجنوب تضع الحزب الحاكم أمام اختبار تحدي البقاء, وهو تحدٍ ستكشف عنه نتائج الانتخابات النيابة المقبلة في أبريل 2009م، لكن كيف يبدو المؤتمر الشعبي الحاكم اليوم بعد مرور 25 عاماً على ولادته في حجر السلطة؟

*حزب الحاكم

غالباً ما عبر السياسيون والمراقبون عن نظرتهم تجاه المؤتمر بأنه حزبٌ للحاكم وليس حزباً حاكماً، وقد أثبتت الأيام صدق هذه المقولة، اليوم خرجت الأصوات من داخل المؤتمر تشكو تغييب الحزب وتهميشه وإقصائه من عملية صنع القرار، أعضاء اللجنة العامة "المكتب السياسي" في المؤتمر يتذمرون من طريقة تعامل رئيس المؤتمر معهم، فهم غالباً ما يناقشون بيانات وقرارات اُتخذت وسياسات أُقرت من سابق -حسب وصف محمد عبد اللاه القاضي- عضو مجلس النواب عضو اللجنة العامة رئيس شورى مجلس التضامن الوطني ـ ويضيف القاضي: القرار ليس بأيدينا كمؤتمر وإنما بيد الأخ الرئيس، ويشكو القاضي عدم قدرة قيادة المؤتمر في اللجنة العامة على المشاركة في صنع القرار أو إبداء الرأي في الوزارة الفلانية أو في أي عضو في الحكومة ويؤكد: نحن نبصم، ولا يوجد هناك نقاش لأي موضوع، والقرار يأتي ونوافق عليه للعلم فقط.

ويستطرد في وصف هذه الديكتاتورية التي تُمارس داخل الحزب بالقول: نحن نُصفق قبل الشعب وهو يتبعنا.. ويؤيده في ذلك زميله أحمد الميسري –عضو اللجنة العامة في المؤتمر حيث يقول :إن اللجنة العامة لا تمتلك صنع القرار..، وهو يطالب الرئيس بأن يُشركهم، ويضيف: نحن في الجانب البروتوكولي نعقد اجتماعات لكن لا نشعر أننا في اللجنة العامة نصنع القرار...

وفي ذات الاتجاه يذهب ياسر العواضي –نائب رئيس كتلة المؤتمر في البرلمان- والذي يؤكد بدوره على أن المؤتمر لا يمارس دوره كحزب حاكم مطلقاً عبر مؤسساته وهيئاته، وبعيداً عما يمكن أن يُقال حول صراعات أجنحة بدأت تبرز داخل المؤتمر وتريد أن تتقاسم السلطة "الكعكة" بداخلة، فإن ما يمكننا مشاهدته بالفعل – من خلال السياسات الفعلية ـ أن الحزب الحاكم ظل مجرد قناة لتصريف السياسات الفوقية التي تتحكم بمساربه، وهو طيلة الفترة الماضية الممتدة لخمسة وعشرين عاماً، لم يتمكن من بناء قواعد وأصول الديمقراطية بداخله، وبرغم شعارات الديمقراطية التي ظل يرفعها ويواجه بها خصومه إلاَّ أنه افتقد الممارسة الحقيقية لها في أطره الداخلية، ونتيجة لذلك فقد عجز المؤتمر في صناعة تحول ديمقراطي حقيقي على الساحة اليمنية، وفشل في تهيئة الظروف والمناخات المساعدة في خلق بيئة مشجعة للعمل الديمقراطي، وفي أحسن الأحوال فقد ظلت ديمقراطية المؤتمر مجرد قوالب ديكورية جامدة هدفت بالأساس إلى تحسين وجه النظام خارجياً وخداع المجتمع في الداخل.

*الحاكم الأوحد

إذا كان الحزب الحاكم لا يحكم، ولجنته العامة لا تملك حق صناعة القرار، فمن الذي يحتكر القرار فيه؟! أصابع الاتهام تتجه –وبدون مواربة- نحو الرئيس صالح، لكن هذا الأخير يتحدث عن دولة المؤسسات وأن اليمن بلد مؤسسي وتعددي ديمقراطي، وبالتالي لا وجود لما يمكن تسميته بالحكم الفردي في ظل وجود مؤسسات تمارس مهماتها بالفعل!! بيد أن ما يقوله الرجل يناقض تماماً مايذهب إليه بعض أعضاء اللجنة العامة للمؤتمر، فالرئيس –كما يتحدثون- كان يسمع سابقاً من ذوي الرأي، ومن تهمهم المصلحة العامة، لكن وبعد حرب 1994م وصل الرئيس إلى مرحلة –يقول القاضي- أصبح يعتقد فيها أن ما يفعله هو الصواب، وأن من يُشير أو يُبدي رأيه في قضية ما ليس بمستوى أفكاره، ولذلك أصبح يعتقد أنه يعرف تفاصيل كل شيء وأنه ليس بحاجة لأحد، ولذلك وصلنا إلى هذه الأوضاع حسب وصفه، ويضيف: ولو كانت الحرية والخيارات موجودة لأعضاء اللجنة "العامة" لربما كانت القرارات المتخذة سليمة وتخدم البلد، لكن للأسف نحن نصفق ونبصم..، وفي ذات السياق يذهب الميسري فيقول: الذي جرى أننا لم نتعاون لبناء دولة المؤسسات، وظل العمل الفردي هو المسيطر..، باختصار –يقول الميسري- يجب أن نقوم بثورة داخلية في أنفسنا..، وعلى نفس المنوال يعزف العواضي، فالرئيس هو من يحتكر السلطة ولكن بمساعدة حزب "قديم" غير المؤتمر، حزب غير معلن يقوده الرئيس مع تحالفات تقليدية قديمة جمعتها الجغرافيا والتاريخ وكونت مصالح حولها..، واتساقاً مع رأي القاضي فإن حرب 94م شكلت نقطة تحول كبيرة في سياسة الرئيس؛ فبعد ذلك التاريخ تعرض المؤتمر –حسب العواضي- للإقصاء واتجه الحكم باتجاه حزب الرئيس القديم، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن الرئيس الذي يتحكم في مصالح قيادات المؤتمر صار أيضاً يتحكم في مصالح غالبية القيادات السياسية والاجتماعية والقبلية في البلد، وبمعنى آخر فإن السلطة تراكمت يوماً بعد يوم بيد الرئيس وحده، وبدلاً من بناء دولة المؤسسات انحرف التوجه نحو بناء دولة الفرد.

ويعترف العواضي بأن منجزات كثيرة هامة تحققت في عهد الرئيس صالح، لكن للأسف الشديد –يضيف- أنه إلى هذه اللحظة لم يُصنع النظام الذي يحافظ على هذه المنجزات..، أي أنه لا يرى حتى الآن نظام يصح وصفه بالمؤسسي يستطيع حماية تلك المكتسبات، وما هو موجود بالفعل حكم فردي يستحوذ على السلطة والثروة معاً، ولهذا يؤكد العواضي أن الرئيس يتحكم اليوم بتوجيه أغلب الاستثمارات الكبيرة، والتجارة والشركات، وهو يحرص على دعم أبناء قبيلته الذين امتلكوا المال وعملوا في التجارة، وهو يحرص –أي الرئيس- على أن تكون أغلب الثروة في يد قبيلته والقريبين منه.

وخلاصة تلك الآراء التي جاءت على ألسنة بعض أعضاء اللجنة العامة للمؤتمر "العواضي- القاضي- الميسري" هي أن المؤتمر ليس أكثر من واجهة سياسية ومظلة تمنح المشروعية السياسية لحكم فردي يحتكر كل مقومات السلطة والثروة بيده، هذا الحكم يستخدم المؤتمر كشعار وإطار للعمل السياسي لكنه في واقع الأمر لا يعتمد عليه بالقدر الذي يعتمد على القبيلة والأسرة التي صارت هي العمود الفقري لأركان النظام..! المؤتمر اليوم هو بيئة تفقيس للفساد وحاضنة له، هذا هو دوره المنوط به، أو بمعنى آخر لقد سُمح له القيام بهذا الدور وتُرك له المجال ليعبث بمقدرات الشعب في مقابل بقائه مظلة سياسية للممسكين حقيقة بمقاليد الحكم والثروة.

لقد مثل الفساد المُتنفس الوحيد لمشاعر السخط والتبرم التي اعترت قيادات الحزب الحاكم والتي ربما وجدت نفسها في لحظة ما خارج دائرة الفعل والتأثير فيما يتصل برسم السياسات وصناعة القرار، وفي ذات الوقت لم يكن المؤتمر أكثر من أداة بيد مؤسسة لصبغ حكمه العسكري بالصبغة المدنية، وإضفاء مسحة ديمقراطية عليه، لقد تركزت السلطة طيلة ثلاثة عقود بيد فرد واحد تحت غطاء حزب سياسي لم يُتح له العمل بقواعد النظام الحزبي وطيلة تلك العقود كرس الحاكم من سلطاته وأخذ يحكم بآليته هو لا بآلية الحزب أو الحكومة أو المؤسسات.

*الخارج يعرف الكثير عن الداخل

الأوضاع السياسية في اليمن وطبيعة الحكم السائد فيه لا تخفى عن المراقبين والمنظمات الدولية المهتمة بهذا الجزء من العالم، فالتقارير الدولية التي رصدت الأداء السياسي للرئيس صالح وحزبه خلال الفترة الماضية –وبالأخص فترة ما بعد الانتخابات- أشارت إلى أن المشكلة الأساسية في الأزمة السياسية التي تعيشها اليمن هي المركزية الشديدة للسلطة التنفيذية، وسيطرة الرئيس والموالين له على الساحتين التجارية والسياسية في البلد، وعلى الحزب الحاكم والوزارات والبرلمان، وكذا وسائل الإعلام الرسمية والجيش، وهو ما أدى بالتالي –حسب تلك التقارير- إلى إضعاف آمال وطموحات تطور الديمقراطية اليمنية، إلى جانب خلق بيئة يصعب على أحزاب المعارضة العمل فيها.

ولذا تذهب التقارير الدولية إلى تصنيف اليمن ضمن قائمة الدول الآيلة للسقوط.

وفي دراسة علمية للمركز اليمني لقياس الرأي العام أكدت الدراسة بأن صناعة القرار السياسي في اليمن تتم بصورة بدائية ومتخلفة، حيث تتم بصورة فردية، وتخضع لتأثيرات الأقارب وتقارير المخابرات والزعامات القبلية، وأن القرارات تتركز بيد المسؤول الأول، ولا تتم مناقشته، وبناءً على هذا الرأي العلمي نستطيع القول إن المؤتمر –كحزب حاكم- لم يستطع إرساء تقاليد حزبية من قيم الديمقراطية واللامركزية وتبادل السلطة سلمياً في أوساطه فضلاً عن أوساط المجتمع.

*موسم الهروب من المؤتمر

يذهب أحمد الميسري –عضو اللجنة العامة ورئيس دائرة الشباب بالمؤتمر- إلى القول بأن السواد الأعظم في المؤتمر الشعبي مظلوم، وأن المصالح هي لأشخاص بعينهم في الحزب الحاكم، هم الذين يثرون الثراء الفاحش، وهم الذين ينهبون ثروات البلد، وهم اليوم الذين سيهربون حد وصفه، وفي السياق ذكرت صحيفة إيلاف (4/9) أن القيادة العليا للمؤتمر استطاعت في ساعة متأخرة من مساء الجمعة (31/8) إقناع الأمين العام للمؤتمر عبد القادر باجمال ،العدول عن قراره السفر إلى الخارج وتأجيله إلى وقت آخر، وذكرت المصادر أن قرار باجمال بمغادرة البلاد جاء بعد تقديمه استقالته من قيادة المؤتمر احتجاجاً على بعض التعيينات التي تمت دون موافقته، إلى جانب اعتراضه على سير الأمور المالية داخل المؤتمر والتي يتحكم فيها الدكتورعبد الكريم الإرياني و محمد دويد رئيس الدائرة المالية للحزب.

ربما تمثل هذه الحادثة نموذجاً حياً لشيوع ظاهرة التمرد على سلطة الفرد التي بدأت تطفوا على سطح المؤتمر وتُعلن رفضها لسياسة تركيز السلطة وعدم تقاسمها بشكل متساو، وهي من جانب آخر تعد دليلا على أن القيادات التي بالواجهة لا تملك من أمرها شيء إلاَّ بالقدر الذي تمسح به المصالح العليا.

تلك المصالح أقامت بالفعل نوعا من الشراكة مع مختلف القوى، لكنها شراكة مُحددٌٌ مسبقاً حجمها ومستواها ومقدار العائد منها، وإذا ما تعارضت تلك الشراكة مع مصالح الجهات العليا تصبح ساعتها بلا قيمة.

لكن آخرون فضلوا الهروب من المؤتمر بطريقتهم الخاصة فهم مازالوا يعتبرون أن مصالحهم هنا بالداخل، هؤلاء لجئوا إلى تكوين إطار تنظيمي جديد باسم مجلس التضامن الوطني، علَََهم من خلاله يستطيعون إعادة شيء مما سلبهم الحزب الحاكم، وقد تكون محاولتهم تلك بهدف إعادة الاعتبار للقيادات الشابة التي لم تتمكن من مزاحمة القيادات العتيقة المرتبطة بشبكة المصالح العليا في المؤتمر، ومهما يكن الأمر فيبدو أن موسم الهروب من المؤتمر قد حل وهؤلاء الشباب ما زالت بهم طاقة لمواصلة العمل والنضال, فهم لا يريدون أن تنتهي بهم حياتهم كمستشارين للسلطة دون أن يكونوا شركاء فاعلين فيها.

* مدير تحرير صحيفة العاصمة

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن