عريسان جديدان... كانا ينويان قضاء وقت ممتع في مأرب بعد أن قطعا آلاف الأميال من مدريد صوب المحافظة التاريخية في اليمن

الأربعاء 04 يوليو-تموز 2007 الساعة 04 مساءً / مأرب برس ـ النداء ـ غمدان اليوسفي
عدد القراءات 4864

"ميجول وماجي".. شاب ثلاثيني وفتاة لم يصل عمرها الــ 25 بعد.. كانا ينويان قضاء وقت ممتع في مأرب بعد أن قطعا آلاف الأميال من مدريد صوب المحافظة التاريخية في اليمن، إنهم ا لازالا عريسين جديدين.

يوم مشمس حار على سماء المحافظة الصحراوية، و13 سائحا أسبانيا سيدخلون الآن بوابة فندق عرش بلقيس، الفندق الأبرز في المدينة.

إنها الواحدة بعد الظهر، سيأخذون مفاتيح غرفهم من (سميرة) الموظفة الجديدة في الاستقبال ثم سيدخلون غرفهم لوضع حقائبهم وارتداء ملابس السباحة، إلى المسبح حيث سيمضون وقتا قصيرا قبيل الغداء.

الساعة الثالثة عصرا الآن، "ماجي" تتحدث بابتسامة عريضة لموظفة الاستقبال عن زوجها الذي يعد رئيس مجموعة السياح، "سنأتي مجددا إلى اليمن، وستأتي مجموعات جديدة يرتب لها ميجول"، يبتسم ميجول وبعض النساء في الفريق السياحي الذي كان أغلبه منهن.

هذه الكلمات كانت كافية لترتسم في مخيلة (سميرة)، وهي الكلمات التي ستصبح ذكرى مؤلمة.

إلى المطعم حيث سيتناولون الغداء وسيتعرفون على أشخاص يمنيين ويضحكون معهم.. ابتسامات أخيرة تبادلها الأسبان واليمنيين.

تبقى ساعتين ستكون الأخيرة التي يقضيها السياح في الفندق، الموعد يقترب للتوجه صوب التاريخ، مسافة لاتزيد عن 15 دقيقة بين "عرش بلقيس" الفندق، و"عرش بلقيس" الحقيقة، أو عرش بلقيس الموت.

يلتقطون الصور جوار الأعمدة الستة الآن، يستمعون للدليل بإمعان ودهشة، وحديث عن السيدة التي روى القرآن قصة لها وحكمت شعبا في قديم الزمان، كانت هنا بلقيس، ولم تكن تعرف البارود حينها.

الخامسة وعشرون دقيقة، أربع سيارات سيتحركن الآن عائدة من العرش ثلاث منهن تحمل الوفد السياحي الأسباني ورابعة تابعة للشرطة.. بدأ الأمر بإطلاق نار من اتجاه سيارة "حبة طربال" تويوتا موديل 82، تجمع السائقون بسياراتهم الأربع ليصبح الأمر صيدا ثمينا لقاتل كان يجلس خلف مقود تلك السيارة بانتظار اقتراب السيارات من بعض.

لم يكتف بإطلاق النار لكنه اقترب ورمى قنبلة يدوية لكنها لم تنفجر -تم تفجيرها يوم أمس الثلاثاء من قبل رجال الأمن- ثم اندفع بتلك السيارة صوب منتصف السيارة الثانية.. بعدها كانت الكارثة، تناثرت الأشلاء على مسافة بعيدة، وسمع صوت الانفجار على مسافات لم يتم تخيلها.. سيارات صارت قطعا، أما سيارة الانتحاري فلم يتم التعرف على نوعها إلا بعد مرور يوم من الانفجار، فهي لم تعد موجودة في الأساس.

لحظات غير معهودة في هذه المحافظة التي يحاول أبناءها استرداد الصورة الجيدة عنهم بعد أن تم التعاطي معهم على أنهم خاطفين.. فالماربيون أصابتهم الحادثة بمقتل، وبدا كثير منهم مندهشين لما حدث.

سبعة قتلى من السياح 4 نساء بينهم "ماجي الفارز" وثلاثة رجال بينهم رئيس الفريق "ميجول اسيري" واثنين يمنيين سائقين يعملان لدى وكالة "الإخوة للسياحة والسفر" التي أتى السياح عن طريقها، أحد السائقين من مأرب والأخر من صنعاء، والبقية جرحى هم أربع نساء أسبانيات ورجلين إلى جانب سائقين آخرين يمنيين وأربعة من جنود وزارة الداخلية.

أمست (سميرة) تكفكف دموعها، وتتذكر (ماجي) الفتاة العشرينية وزوجها (ميجول) وابتساماتهما، العمال في الفندق أيضا تأثروا بالمشهد وصاروا يبكون ضيوفهم، "هؤلاء كانوا معنا قبل قليل".

ذهول أصاب مدينة مأرب فهي لم تعهد أعمالا كهذه وعددا من القتلى في عملية انتحارية بهذا الحجم، وخلف الحادث تساؤلات حول ماهي المصلحة من وراء عمل كهذا، ومن المستفيد وماذنب المدنيين الذين جاءوا آمنين.

لم ينه رجال الأمن لملة أجزاء السيارات حتى مساء أمس، فالساحة كأنها كانت مدينة قتال وليس طريق عودة من رحلة.

لم تكد السلطات تتنفس عقب اللهاث وراء الحوثيين في صعدة حتى كانت جبهة أخرى تفتح النار من وراء ظهر الحكومة بشكل أكثر دقة.. تهديد نشر يوم الثلاثاء الماضي من قبل القاعدة، لكن الأمر بدا وكأنه مزحة ولم يؤخذ الأمر على محمل الجد من الجميع.

هذه المرة هددت (القاعدة) ونفذت وعيدها، لكن ربما هذه المرة كان الأمر أكثر استفزازا للمشاعر ولم تلق رواجا حميدا بعد.. فالمستهدفون مدنيون كلهم، وربما وجدت نفسها في موقف غير جيد لذا فهي لازالت تلتزم الصمت ولم تعلن مسؤوليتها عن العملية من عدمها.

 أبرز التأثيرات ستظهر في وقت لاحق على قطاع السياحة، فحتى مساء أمس كان الأمر لايزال بحالة جيدة، تواصلت "النداء" بعدد من وكالات السفر فأكدت تلك الوكالات التأثر بالأمر لكن ذلك لم يظهر بعد ولم تلغ حجوزات سياحية، بل إن الأكثر غرابة أن 17 سائحا من دول أجنبية حجزوا لزيارة اليمن لدى "العالمية للسياحة والسفر" وفقا لتأكيدات أحد المسؤولين فيها.

لم يتأخر الأسبان طويلا فقد وصلوا مساء أمس بطائرة خاصة لنقل جثامين القتلى والجرحى في حين بدا الغضب على قسمات وجه الرئيس علي عبدالله صالح الذي أعلن أن الدلائل الأولية تشير إلى أن المنفذ ربما ليس يمنيا، وأن السلطات الأمنية كانت تعلم بأن حادثا إرهابيا سيقع لكنها لم تتمكن من تحديد مكانه.

الأسبان والإيطاليون هم أكثر السياح الذين يزورون اليمن لغرض السياحة التاريخية، لكن ربما لن يكونوا كذلك على الأقل خلال السنوات القليلة القادمة فبالكاد تعافى هذا القطاع في اليمن بعد سمعة سيئة لحقت بها عقب مقتل السياح في محافظة أبين على يد أبي الحسن المحضار والاختطافات المتكررة.