ميناء عدن.. مؤامرات دولية بأيدٍ يمنية (الحلقة الثالثة)

الإثنين 04 مارس - آذار 2013 الساعة 06 مساءً / صحيفة مارب برس - تحقيق رياض الاديب
عدد القراءات 7847
عرجت صحيفة "مأرب برس" في الحلقتين الماضيتين إلى أهم المعوقات التي يعاني منها ميناء عدن وأسباب الركود الذي يكتنفه و الصعوبات التي تواجه المستورد اليمني وعزوف معظمهم عن ميناء عدن وتحول وارداتهم عبر ميناء الحديدة بعد خسائر بلغت مئات الملايين، وبعضهم أعلن إفلاسه وبشكل نهائي جراء الأمور المضطربة التي شهدها الميناء.
في هذه الحلقة تقف "مأرب برس" حول أبعاد المؤامرات التي أدت إلى تدمير ميناء عدن والطرق التي اتبعها تجار عدن بالوصول إلى اتفاق مع العمل ودور المملكة السعودية في استقرار العملة المحلية طيلة فترة الثورة الشبابية الشعبية.
شركات ملاحية عالمية
 للتعرف أكثر حول المشاكل التي تعتري ميناء عدن، وبعيدا عن التجار ومخاوفهم من ذكر أسمائهم، كان لـ"الجمهورية" لقاء مع شركة سبأ العالمية للملاحة أحد الوكلاء الملاحيين لشركات الخطوط الملاحة الدولية MSC الخط الملاحي للبحر الأبيض المتوسط وشركة الخطوط الملاحية الدولية BIL.
 يوضح الأستاذ/ سالم العباب - مدير عام العلاقات العامة في الشركة - لـ"مأرب برس": أن أهم الانتكاسات التي تعرض لها ميناء عدن تسير في اتجاهين عام وآخر خاص، ويعود الأول إلى وضع الكساد في العالم وبالتالي الشركة وكيلة الخطوط تمر عبر البحر الأحمر وخليج عدن حيث أثرت عمليات القرصنة على معظم أداء النشاط التجاري الذي ذهب إلى دول الخليج والقرن الأفريقي أهمها جيبوتي.
 وتكمن الانتكاسة الثانية (الخاص) إلى الربيع اليمني الذي انعكس على الاقتصاد بشكل غير عادي وما تبعه من انفلات أمني في البلد في ظل وجود حكومة هيكلية غير قادرة حتى على إدارة نفسها في صنعاء مما أدخل البلد في حالة من الفوضى وفرض سياسة الغاب بالقوة.
 يستدل الحاج سالم: (تصور عمالاً في ميناء ومش موظفين أصلا يتم استدعاؤهم عندما تأتي بضائع التجار من قبل الوكلاء الملاحين للعمل أغلقوا الميناء, أضربوا عن العمل؛ يشتوا زيادة في الأجور ويشتوا يتفاوضوا مباشرة مع أرباب البواخر ويشتوا ويشتوا... لا قدر الوزير ولا مدير الميناء ولا مفاوضة التجار من إقناعهم، وبالتالي معظم التجار حوّلوا عبر ميناء الحديدة).
 يتابع مدير العلاقات العامة: أيضا هناك أمر آخر، فعندما تسلمت موانئ دبي الميناء أدارته بشكل عشوائي عكس ما هو معروف عنها وهذه عوامل ساعدت على تأخيرنا وتعطلت الكثير من الأمور بما في ذلك أراضي الميناء .
الخيانة من الداخل
 وأضاف: دبي سلمت الميناء وهو خارج على الجاهزية حيث تعطلت معظم الآلات الخاصة به بما في ذلك الآلات الخاصة برفع الحاويات (القطار الذي يسير عليه الكرين)، والآن بحاجة لترميم، ويُقال: إن هناك شركة صينية تتكفل بالمهمة.
 وحول سؤال: لماذا تعمدت دبي إهمال الميناء؟.. أجاب العباب: معروف أن دبي تدير موانئ عالمية ويبدو أنها تنبهت لأهمية ميناء عدن الآمن على الخط الملاحي مباشرة عبر البحر الأحمر والمحيط الهندي وفي حال تطويره سيكون الواجهة لكل العالم مما يشكّل ضربة لموانيها وموانئ الخليج بشكل عام.
 يتابع الأستاذ سالم: عمدت شركة موانئ دبي إلى إغراء الدولة في تلك الفترة بعد أن وجدت وبسهولة من يروج لها سياستها والتي ظاهرها تشغيل الميناء أما الباطن توقيفه.
 يتذكر الرجل: دبي عندما استلمت الميناء عملت على خفض الإنتاجية بحجة عدم تحمل الميناء لقوة التفريغ, وكل هذا جزءٌ من المؤامرة، وهناك أخبار مفادها أن العديد من سهلوا شركة موانئ دبي مقابل رواتب شهرية وبالعملة الصعبة.
عراقيل وخسائر
يؤكد.. أن العديد من العوامل القاسية أدت إلى تراجع الميناء.. منوها الى أن الاهتمام في الميناء سيعود بالنفع على الوطن.. يتابع: من الترانزيت فقط قد تصل عوائد الميناء إلى أكثر من 60 مليون دولار سنويًا، وهذه العوائد غير التجارة.
كمن سبقه يتفق الحاج سالم حول العراقيل التي أدت إلى عزوف التجار في شحن بضائعهم إلى ميناء عدن, مضيفا: من أهم أسباب الخسائر التي يعاني منها التجار عدم وصول بضائعهم في موعدها مما يترتب على ذلك غرامة مالية, تأخر السفن في الميناء يحمل خطوط الملاحة نفقات باهظة للميناء مقابل الرسو.
 يوضح: كما هو معروف الربان حين ينطلق بالباخرة يضع في حساب مسافة الخط الذي يمر فيه فإذا حدد زمن سيره بـ20 ساعة فبمجرد وصوله للميناء وهناك عراقيل مما يضطره للتأخير عدة أيام قد تصل إلى أسابيع.
 ما يحدث في ميناء عدن عرقلة متعمدة وليست مؤقتة, حيث أصبح العمل عشوائيا داخل الميناء وباستطاعة أي تاجر أو عامل إيقافه في الوقت الذي يشاء في ظل غياب قانون يحمي الميناء كما كان في السابق وذلك عكس ميناء الحديدة حيث هناك نظام واحترام للقانون.
قبل فوات الأوان
يطالب الحاج العباب رئيس الجمهورية وحكومة الوفاق بسرعة تطهير الميناء من الفساد والمفسدين.. وهو يردف: تصور!. كلّ يعمل لمصلحته من أجل الكسب المادي بعيدا عن مصلحة الوطن ناهيك عن التوظيف والتعيينات بالواسطة والمحسوبية, بالرغم من الكفاءات والخبرات التي يزخر بها الميناء.
 يتابع: بالمناسبة ميناء عدن يمتلك من الكوادر القادرة على تشغيل جميع شركات موانئ دبي العالمية وهذه الكوادر تتمتع بخبرات متراكمة بمواصفات عالمية ما يجعلهم قادرين على تشغيل 4 موانئ مثل دبي وبعضهم نقلوا هذه الخبرات للجيل الذي بعدهم من الشباب.
 عندما تتحاور مع معظم هذه الكفاءات تجد القصص المؤلمة عن كيفية تهميشهم وعدم إعطائهم أي اهتمام مما أشعرهم بالإحباط.. زد على ذلك الوضع السياسي المتردي الذي تمر به البلاد.
أغرب دولة في العالم
وعن تسليم ميناء عدن لدبي يقول الحاج سعيد: نحن أغرب دولة في العالم نسلّم رقابنا وسيادتنا لدولة أخرى ولم يحدث أن سلّمت دولة ميناءها أو مطارها لدولة أخرى.. عندنا ميناء وكادر مؤهل وهو أقدم ميناء في الجزيرة والخليج, كانت السفن السعودية والكويتية والخليجية ترسو في ميناء عدن وتحديدا في المعلا دكة.. كان ميناء عريقا ولديه سمعة دولية مشرفة على امتداد سنوات, قبل أن تأتي موانئ دبي ليصل الوضع إلى ما وصل إليه حيث عمت الفوضى وبدأ الناس يحبطون وبالتالي نُسفت كل السمعة التي كانت للميناء ومعها نسفت الإمكانات وتحول الأمر إلى نهب وسلب.
صحفي برفقة حرس الشرف
حاولنا الاقتراب من الغرفة التجارية والصناعية بالمحافظة وطرح القضية على رئيسها الشيخ/ محمد عمر بامشموش، والذي عزا كل السلبيات التي يشهدها الميناء إلى الفساد الذي استشرى فيه قبل أن يعتذر عن مواصلة اللقاء ليلقي بالكرة إلى مرمى التجار كونهم الأكثر دراية وخبرة بما تواجههم من مشاكل.
 وإيمانا من "مأرب برس" بالرأي والرأي الآخر في نقلها للأخبار وهذه المرة حول ما تم طرحه من قبل التجار وما حصلت عليه "مأرب برس" من وثائق تثبت صحة أقوالها كان لنا زيارة للمنطقة الحرة بعدن بغية مقابلة سامي سعيد فارع رئيس مؤسسة موانئ خليج عدن قبل أن يتم منعنا من قبل مدير أمن المنطقة الحرة وعدم السماح لنا بالدخول.
حاولنا الحوار معه وأن المهمة وطنية ولكن أصر على موقفه الذي أرجعه إلى توجيهات رئيس المؤسسة بمنع دخول أي صحفي إلا لمن يقوم هو باستدعائهم فقط وحينها يسمح لصفحي بالدخول مع مرافقين اثنين من حرس الشرف - حد قوله.
معلومات عامة
ميناء عدن: هو أحد الموانئ البحرية الرئيسة والمهمة بمنطقة خليج عدن, والذي يقع بمدينة عدن ويعتبر ميناء من أكبر الموانئ الطبيعية في العالم وخلال الخمسينيات من القرن الماضي تم تصنيفه كثاني ميناء في العالم بعد نيويورك لتزويد السفن بالوقود.
وطبقا لموسوعة ويكبيديا العالمية فإن ميناء عدن يقع على الخط الملاحي الدولي الذي يربط الشرق بالغرب, ولا تحتاج السفن لأكثر من 4 أميال بحرية فقط لتغيير اتجاهها للوصول إلى محطة إرشاد الميناء. ويتميز الميناء بأنه محمي طبيعي من الأمواج, والرياح الموسمية الشمالية الشرقية, والجنوبية الغربية, وذلك لأنه يقع بين مرتفعي جبل شمسان على بعد 553 مترا وجبل المزلقم على بعد 374 مترا, مما يمكنه من العمل دون توقف طوال العام. ويغطي الميناء مساحة مقدرة بـ 8 أميال بحرية من الشرق إلى الغرب و5 أميال بحرية من الشمال إلى الجنوب.
نبذة تاريخية
تعود قصة عدن كمركز تجاري عريق إلى حوالى أكثر من 3000 سنة.. حيث قام ماركو بولو وابن بطوطة بزيارة مدينة عدن في القرنين الحادي عشر والثاني عشر. وفي عام 1800 تطور ميناء عدن وبدأ بتقديم خدمة التزود بالوقود، الفحم، والمياه للسفن البخارية. اتسعت الخدمات المقدمة من قبل الميناء وخاصة بعد فتح قناة السويس عام 1869، ليصبح ميناء عدن عام 1950 واحداً من أكثر الموانئ ازدحاما لتموين السفن بالوقود، ومركزاً للتسوق والتجارة في العالم. كانت الصنادل تقوم بنقل البضائع بين السفن الراسية في الميناء الداخلي. والأرصفة بينما تقوم السفن الشراعية بنقل البضائع من والى الموانئ الإقليمية. توقف الزمن بالنسبة لعدن مع إغلاق قناة السويس حتى عام 1975 م وتغير المسار التجاري بتغيير المسار الملاحي لحركة البضائع عبر القرن الأفريقي, مما دفع بدول الجوار القيام ببناء موانئها وتجهيزها بأحدث الوسائل لمواكبة ازدياد الحركة وذلك بتشييد مراسٍ مباشرة عميقة؛ تلبيةً للطلب.
 بقيام الوحدة اليمنية في مايو عام 1990، بلغ عدد سكان اليمن نحو 15 مليون نسمة وكان للوحدة تأثير إيجابي في عدد من المجالات، منها زيادة إنتاج النفط واحتياطي الغاز، تغييرات مهمة وإيجابية في البلد نتجت عنها الخصخصة السريعة، زيادة الاستثمار والتوسع في إنتاج الصناعات التحويلية لتلبية الطلب المحلي والخارجي. بدأ بعدها نشاط الترانزيت في ميناء عدن وارتفعت الإنتاجية في محطة المعلا من أقل من 10.000 حاوية نمطية في عام 1994 إلى أكثر من 100.000 في عام 1998 / 1999م.
تم بناء محطة عدن للحاويات في الشاطئ الشمالي من ميناء عدن الداخلي لاستيعاب سفن الحاويات الضخمة.. وتم افتتاح المحطة في مارس 1999 م. وتوفر المحطة خدمات مناولة الحاويات من الدرجة الأولى. وقد بلغت إنتاجية المحطة ما يقارب 500.000 حاوية نمطية في عام 2008 م.