وفاء الريمي.. اليمن لا تُنتج القات فقط.. فالمبدعون على قارعة الفرصة

الأربعاء 06 فبراير-شباط 2013 الساعة 09 مساءً / مأرب برس ـ آلاء أبو عيشة
عدد القراءات 24760

"جائزة إكسون موبيل لأفضل شركة للعام 2012م، هي لـ..."، قالَها شهاب النووي (عريف الحفل المصري) بالإنجليزية هذه المرة! ثم صمَتَ برهةً، وجال بنظرهِ في أرجاء القاعة..!

الجمهور الذي كتَمَ أنفاسه بانتظار النتيجة، بدأ ينادي من بعيد: "هيا قُل (..) أستاذ شهاب قُلْها".. ليستجيب فجأةً ويصرخ :" Yemen "، (اليمن بالعربية)..

هاجت القاعة وماجت بتصفيق الحضور، الكلُّ رفَعَ القبعات احتراماً لإنجاز فريق " Creative Generation " (جيل الإبداع) اليمني المشارك في مسابقة "إنجاز العرب" لرواد الأعمال الشباب، برئاسة الطفلة وفاء الريمي (16 عاماً).

"لا تبكي يا أماني، سيعوّضنا الله خيراً العام القادم.. لقد اجتهدنا قدر المستطاع، والحمد لله على كل حال"، قالتها وفاء لصديقتها بعد إعلان النتيجة تماماً، ثم بدأت ترِبتُ على كتفيها، محاوِلةً مداراة "دموعها" هي الأخرى: "كفى أرجوكِ.. لم أعد أحتمل".

من بعيد، كان المشهد بمثابة "اللغز" المعقّد، فمشرف الفريق الأستاذ (ماجد الشمري) كان يلوّح للفتيات بيده ضاحكاً، ويقول :"هيا.. تعالوا بسرعة"..

انتَبَهَت "وفاء" لأستاذها، وردّت تؤشِّر بيدها متسائلة :"ماذا هناك؟.. ما الأمر؟".

بالقرب منهنّ كان يجلس أعضاء الفريق العماني الذين ابتسموا لطرافة الموقف، قال أحدهم:

- لماذا تبكون؟ هيا اذهبن، فأنتنَّ الفائزات.

صُعِقَت الفتيات لحجم "الصدمة"، وقالت إحداهن "همساً" لصاحبتها بعد أن كفكفت دموعها وضحكت :"تباً للجهل".. ثم انطلقنَ "هرولةً" نحو المنصّة استعداداً لمعانقة "الانتصار".

- للأسف تعليم الإنجليزية في بلادنا ضعيف (..) لم نفهَم ما قاله عريف الحفل! بكينا كثيراً عندما ظننّا أن فريقنا خَسِر، لكن الحمد لله.. اليوم نضحكُ أكثر كلما تذكرنا الموقف.

  "وفاء محمد علي الريمي" طفلةٌ يمنيةٌ تدرس في الصف الثالث الثانوي بمدرسة (السيدة زينب) وسط العاصمة "صنعاء". وعلى الرغم من سنّها الصغير، و"تخصصها" في القسم "الأدبي"، إلا أنها تمكَّنَت من الحصول وفريقها على الجائزة الأولى في مسابقة "إنجاز العرب" عن ثلاثة منتجات "إنارة" صديقة للبيئة تعمل من خلال الطاقة الشمسية!

ميول "علمية".. وواقع "أدبي"

كانت "وفاء الريمي" من ذوات المعدّلات "الجيدة جداً" على مستوى المراحل التعليمية المختلفة، لكنّها آثرت اختيار التخصص "الأدبي" على نظيره "العلمي" لسبب قد يكون مقنعاً:

- الفصل الواحد عندنا يجمع أكثر من 80 طالبة في غرفة واحدة، بينما تتشارك ثلاث طالبات فأكثر في المقعد، وهذا سبب يجعل من الصعب على أيٍّ منا استيعاب المادة المطروحة (..) نحنا يا دوب نسمع الأستاذة وهي تشرح.

أما "المشكلة الأكبر" التي دفعت "وفاء" إلى إلغاء فكرة الانخراط في القسم العلمي أصلاً فهي "أزمة الكهرباء" التي مرّت بها اليمن خلال العامين الماضيين، حيث كانت تنقطع عن بيوت العاصمة ما يقارب الـ (8) ساعات يومياً، لكن "وفاء" –ورغم ذلك- لم تنسَ أبداً أساسيات "الرياضيات" و"الكيمياء" و"الفيزياء".

- بدا الأمرُ وكأنه يقدَّمُ إليَّ فوق طبقٍ من "نور"! في يومٍ من الأيام حضر الأستاذ الشمري إلى مدرستنا، وكان وقتذاك مدير "إنجاز اليمن"، وطلبَ من المديرة اختيار 10 طالبات مبدعات، على أن تقدِّم كلٌّ منهنّ فكرةً تصلح لمشروع "شركة" خلال أسبوعٍ فقط.

طوال تلك "المُهلة" كانت "وفاء" مصرّة بعد اختيارها ضمن قائمة الفتيات "الأكثر تميزاً" على أن تكون "فكرتها" أكثر ملامسةً لمشكلات "الشعب اليمني"، فتساعدهم على قضاء "حاجةٍ ما" تؤرّق حياتهم.. لكنها لم تُحدّد ما هيتها، حتى ثلاثة أيام فقط ما قبل موعد التسليم.

"أن تلعنَ الظلام.."

ليلتها، كانت الكهرباء مقطوعةً عن منطقة سكن وفاء، وكانت شعلة الشمعة تتمايل مع نسمات الريح المتسللة عبر طرف النافذة.. إخوة "وفاء" الخمسة، كانوا يحاولون التأقلم مع وضع أن "لا كهرباء الليلة"، أما الوالد، فكان يقلّب محطات المذياع.

- يا الله ما هذا؟

شهَقَ الجميع أسَفاً على الخبر الذي أورده المذيع للتو : حريقٌ نشبَ في أحد البيوت بسبب "شمعة" كان أشعلها أصحابه نظراً لانقطاع التيار.. وهناك حديث عن أضرار بشرية فادحة!

بسرعة، انطلَقَت وفاء، ونفخَت على الشمعة، وقالت :"هنا.. أن تلعن الظلام خيرٌ ألف مرة من أن تضيء شمعة".

لم يكن هذا الحريق الأول الذي تسببه "الشموع" في صنعاء العاصمة، فما بالنا لو كنا نتحدث عن المناطق النائية التي لا تصلها "الكهرباء" أصلاً حتى يومنا هذا.

"والله فكرة... لقد وجدتها أخيراَ"، قالتها "وفاء" بعد أن طرقعت إصبعيها الإبهام والوسطى، وتساءلت كمن يحدّث نفسه بصوتٍ عالٍ :"لماذا لا أقدم فكرةً تحدّ من حرائق البيوت، أو انفجارات الغاز في اليمن؟".

ضحِكَ والدها، وشاركها الحديث :"الطاقة الشمسية مثلا؟"، أجابتها :"أيوة... فكرة بناءة وممتازة".

محاسن "الصدف"

في اليوم المنتظر، حضر الأستاذ الشمري، ليستلم الأفكار من الفتيات.. بدأ يراجع الأوراق، ووجد بعضها تخصّ كماليات الحياة كـ (ديكور متكامل للمطبخ، أو صابون يتم تحويله إلى شنطة نسائية، أو علاج لتساقط الشعر يتم تصنيعه من شجرة السدر).

لكن، عندما بدأ يقلّب ورقة "وفاء"، صرَخَ منبهراً :"أوووه، ما هذا؟ مظلة شمسية؟ مروحة شمسية؟.. وفانوس شمسي"!!

كانت فكرة المظلة الشمسية –لمن لم يتخيَّل تركيبتها- تعتمد على تصنيع مظلّات مضيئة تعلوها شرائح شمسية، لتضيء وقت الليل بعيداً عن إهدار الطاقة الكهربية، وهي مظلات يمكن استخدامها في أكشاك شرطة المرور، والفنادق الكبيرة أيضاً.

- تمت الموافقة على الأفكار الثلاثة، واختيار الفريق الذي سيساعدني في الإنجاز، لكن كانت هناك عقبة "أساسية".. إيجاد مهندس مختص بالطاقة الشمسية!

لقد يسر الله الأمور أمام "وفاء"، فبالصدفة، وخلال تواجدها برفقة إحدى زميلاتها في محلٍّ لبيع المصابيح الكهربية، سألت صاحب المحل :أتعرف مهندساً مختصاً بالطاقة الشمسية؟ ليجيبها زبونٌ كان بالقرب منها يشتري :أنا مهندس.. لماذا تسألين؟.

حكَت "وفاء" للمهندس غايتها من السؤال، وبدأ العمل فعلياً! لقد علّمهن أسس العمل بعد اللقاء الأول بيومين فقط! ومن دون مقابل!!

- كان مقتنعاً جداً بهذه الفكرة، وواثقاً من الفوز فيها على صعيد إنجاز اليمن على الأقل.

"شرفتموني"

بدأت الاستعدادات لمسابقة (إنجاز اليمن) على مستوى المحافظات كلها، وعلى الرغم من أنها مسابقة محلية، إلا أنها كانت "مصيرية" بالنسبة لوفاء ، إذ ستكون النتيجة فيها هي "الفيصل" في اختيار الفريق الذي سيمثل "كل اليمن" في مسابقة (إنجاز العرب) الكبرى في قطر.

ضعف "الإنجليزية" في مدارس بلادي وأد "فرحتي" بذاك "النصر"

- كان معرضنا بسيطاً جداً بالنسبة للمعارض الأخرى (..) بصراحة، كنا ننظر إليها بطرف عين لأنها كانت مبهرة، رغم أن معرضنا كان تقريباً صاحب الفكرة الأقوى، كان الناس كلما مرّوا بالقرب منا ابتسموا وقالوا :أنتم الفائزون.. أنتم الفائزون.

وكان الفوز وقتذاك لا يعني أبداً الإعجاب بالفكرة وحسب! كان الفوز يعني أن الشركة ناجحة بدءًا من فكرة المنتج، مروراً بالتسويق والإدارة المالية والموارد البشرية كذلك.

- "لقد فزنا"! صرخنا بصوتٍ واحد لحظة إعلان النتيجة، وأذكر جيداً صورة مديرة المدرسة الخمسينية، وهي تهرول ناحيتنا وتبكي قائلةً :شرفتموني يا بنات.

"المعرض المبهر"

2-11-2012م.. في قطر، حيث الحفل الرئيسي لإعلان نتائج مسابقة (إنجاز العرب) لعام 2012م، كان فريق "وفاء" يستعد لإطلاق معرضه الذي أضفت عليه الملبوسات التراثية الصبغة اليمنية الأصيلة.

- هذا المرة، كان معرضنا من ناحية الشكل "مزخرفاً" ومبهراً لكل من رأى شكله ومضمونه، ولكننا بين اللحظة والأخرى يساورنا شكٌّ حول أمر الفوز، فالدول المشاركة معنا، قوية من ناحية التعليم –خصوصاً اللغة- والوضع الاقتصادي.. وكنا نعتقد أننا لن نستطيع أبداً مجاراة الفرق الأخرى.

4-11-2012م.. انطلقت فعاليات المعرض، وكانت كل الدول المشاركة حاضرة:

- بعض الزوار، كانوا يحضرون إلى معرضنا، ويكلموننا بالإنجليزية، وكانت معنا مشرفة اسمها آمال المقبولي تترجم لنا ما يقولون.. كانت دائماً تنقل لنا إعجابهم بمنتجاتنا كونها توفر الكهرباء أولاً، وتستغل طاقة الطبيعة بعيداً عن أي مشكلات قد تسببها للبيئة ثانياً.

  حتى حانت اللحظة الحاسمة.. إعلان النتائج: اليمن تفوز بجائزة إكسون موبيل لأفضل شركة للعام 2012م، مناصفةً مع "الجزائر".

- كلمتُ أمي بعد إعلان النتيجة.. بكت، وقالت لي يومذاك :كأن في شارعنا عرساً يا حبيبتي، لقد رفعتِ رأسَ والدك عالياً.

"أشعر بالأسف، عندما أسمع أن البعض يطلق على اليمن اسم "بلد القات".. في اليمن مبدعون، ولكن الفرصة لم تتح لهم كما أتيحت لغيرهم من ابناء الدول العربية الأخرى المرتاحة اقتصادياً.. أتمنى لبلدي كل الخير والسعادة"، قالت وفاء، التي انتقدت أيضاً بعض العادات القديمة المتوارثة في اليمن، والتي لا تسمح للفتاة بتأدية أي دور سوى دور الأم والزوجة.

- رغم الإنجاز الذي حققته، هناك بعض الناس يوجهون لوالدي اللوم لأنه سمح لي بالخروج عبر شاشات التلفاز للتحدث عن مشروعي.

والد "وفاء" الذي وَثِقَ بقدرات ابنته، كان أول من شجّعها ودعمها للاستمرار في طريق العلم والابتكار، ملقياً وراء ظهره كل "نقد" يمكن أن يثبّط من معنوياتها أو يثنيها عن المضي قدماً في طريق مستقبلها".

اليوم تنتظر "وفاء" تقديم امتحانات الثانوية العامة بفارغ الصبر، حتى تتفرغ لمشروع شركتها الذي تطمح إلى نشره على مستوى محافظات اليمن كافة، سيما تلك التي لا تتوفر فيها الكهرباء أصلاً.

يذكر أن فعاليات مسابقة "إنجاز العرب" لرواد الأعمال العرب الشباب، انطلقت أول مرة عام 2007م، ويشارك فيها الفائزون بالمسابقات الوطنية الفرعية من جميع بلدان المنطقة.

وكانت مسابقة العام الماضي 2012م، تتويجاً لمنافسة شارك فيها 5430 طالباً عملوا بجد على إنشاء 240 شركة طلابية في 13 دولة هي: الجزائر، والبحرين، ومصر، والأردن، ولبنان، والمغرب، وعُمان، وفلسطين، وقطر، والمملكة العربية السعودية، وتونس، والإمارات العربية المتحدة، واليمن.

المصدر : فلسطين اون لاين

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن