مطب في طريق المصالحة

الأربعاء 09 يناير-كانون الثاني 2013 الساعة 07 مساءً / مأرب برس - خاص
عدد القراءات 6546
 
 

أفضى مشروع قانون العدالة الانتقالية الذي أحيل مؤخراً إلى مجلس النواب لإقراره، إلى أزمة جديدة يتوقع مراقبون أن تؤثر على مسيرة الوفاق في البلاد.

وأشعل مشروع القانون جدلاً في الأوساط السياسية والحقوقية، بحيث اعتبره كثيرون نكسة في طريق التحول الذي تشهده اليمن. وجاء ذلك فيما أعلنت كتل أحزاب اللقاء المشترك البرلمانية أمس الثلاثاء المقاطعة للجلسات التي ستعقد في البرلمان، بالإضافة إلى أنهم أعلنوا مقاطعتهم لفنية الحوار وهددوا بمقاطعة الحكومة وتأتي هذه المقاطعة كتعبير عن رفضهم للمشروع المحال إلى البرلمان من قبل رئيس الجمهورية.

وأكد وزير الشؤون القانونية محمد المخلافي أن القانون الذي أحاله الرئيس إلى مجلس النواب ليس قانون العدالة الانتقالية الذي تم الاتفاق عليه مع رعاة المبادرة الخليجية ومبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن.

واعتبر القانون الذي قدمه حزب المؤتمر "ألغاما تهدد بنسف المصالحة الوطنية والمرحلة الانتقالية ومؤتمر الحوار الوطني" وأنه قد يتسبب بعودة العنف إلى البلاد لأنه من وجهة نظره لا يحقق المصالحة الوطنية ولا يضمن حقوق الضحايا.

كما اعتبر الوزير في تصريحات صحافية تبني الرئيس لقانون يمثل حزب المؤتمر فقط مدعاة لزعزعة ثقة المجتمع الدولي بالمرحلة الانتقالية وبالرئيس.

وأشار الوزير إلى أن حزب المؤتمر هدف من هذه الخطوة للتهرب من تشكيل لجنة تحقيق مستقلة في الانتهاكات التي ارتكبها أنصاره أثناء الانتفاضة الشعبية.

واختلف أنصار الانتفاضة الشعبية في اليمن مع أنصار الرئيس السابق وحلفائه في مجلسي النواب والوزراء حول المدة الزمنية التي يفترض أن يشملها قانون العدالة الانتقالية.

ففي الوقت الذي يتمسك أنصار الانتفاضة بأن يشمل كل الانتهاكات المرتكبة في حق اليمنيين في الفترة الزمنية منذ السبعينيات وحتى عام 2012 يتمسك أنصار الرئيس السابق بأن يقتصر فقط على أحداث 2011 وهو ما اعتبره أنصار الانتفاضة تهرباً من انتهاكات وجرائم عديدة يتهمون الرئيس السابق بارتكابها، ومنها مقتل الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي واختفاء العشرات من رواد حركة يونيو أواخر السبعينيات بالإضافة إلى انتهاكات عدة خلال أحداث المناطق الوسطى نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات إضافة إلى أحداث صعدة وحرب صيف عام 1994 في الجنوب وضحايا الحراك الجنوبي.

وانسحبت الكتل البرلمانية التابعة لأحزاب اللقاء المشترك من قاعة المجلس أثناء انعقاد الجلسة احتجاجاً على إحالة مشروع قانون العدالة الانتقالية إلى اللجان المختصة خلال جلسة أمس الأول، وطالبوا رئيس الجمهورية بسرعة سحب المشروع من المجلس كونه وكما اعتبروه يشكل أزمة وفتنة جديدة.

وقال رئيس كتلة الإصلاح النائب زيد الشامي إن كتل المشترك معترضة على قرار إحالة مشروع قانون العدالة الانتقالية إلى اللجان والذي اتخذ من قبل طرف واحد في المجلس وهو حزب المؤتمر الشعبي العام .

وقال الشامي أن كتل المشترك طالبت هيئة الرئاسة إتاحة الفرصة للتشاور والتفاهم حول المشروع الذي أحيل إلى اللجان بصورة مستعجلة وغير توافقية إلا أن رئيس المجلس لم يستجب لطلباتهم الأمر الذي زاد من استياء معارضي هذا المشروع، معتبراً إحالة المشروع بتلك الطريقة مخالفاً للائحة المجلس التي تشترط مرور 48 ساعة قبل إحالة مشاريع القوانين إلى اللجان.

وقال إن القانون لا ينصف الضحايا بشكل عام كونه لن يؤدي إلى اجتثاث وإطفاء نيران الصراعات السابقة ولا يخدم كل الأطراف وإنما يخدم طرفا بعينه على حساب الأطراف الأخرى"

واعتبر الشامي المشروع بصورته الحالية مكملاً لقانون الحصانة ومقتصراً على عام واحد، في حين كان من المفترض أن يشمل الفترة الخاصة بالحصانة، مؤكداً أن القانون بوضعه الحالي لن يؤدي إلى مصالحة وطنية، ولا إلى إنصاف الضحايا، ولا منع تكرار حدوث الانتهاكات مستقبلاً.

ويرى الشامي أنه يجب إجراء نقاش مسؤول بين القوى السياسية حول أهم ما ورد في قانون العدالة، حتى يصبح القانون له جدوى قبل الاتجاه لإقراره لأنه حتى الآن يمثل وجهة نظر المؤتمر ولم يراعِ وجهات نظر بقية الأطراف المشاركة في التسوية – حد قوله

من جانبه رئيس كتلة المؤتمر سلطان البركاني استغرب من موقف الكتل البرلمانية التابعة لأحزاب اللقاء المشترك واصفاً إياهم بـ" المتقلبين لأنهم يوم مع الرئيس ويوم ينقلبون ضده.

وقال البركاني كان من المفترض التصويت على مشروع قانون العدالة الانتقالية دون إحالته إلى اللجان لأنه جاء من قبل رئيس الجمهورية ويعتبر أنه استوفى حقه من النقاش، منوهاً إلى أنه لن يسمح بالإساءة للرئيس هادي أو رفض قراراته أو التحايل عليها

وقال البركاني أيضاً إن مشروع قانون المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية الذي أحيل إلى مجلس النواب قبل أوانه كونه مخرجاً من مخرجات الحوار وكان استجابة لهذه الأصوات الناعقة التي تصدر بيانات رفض وتعيش خارج سياق الموضوعية وتجافي الحقيقة بكل تصرفاتها.

وكان المجلس الأعلى للقاء المشترك عبر عن رفضه للصيغة التي أحيل بها مشروع العدالة الانتقالية شكلاً ومضموناً، مشيراً إلى أن المشروع جاء مختلفاً في مسماه ومضامينه عن المشروع الذي أحيل إلى رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية, بصورة تمثل آراء وتوجهات المؤتمر الشعبي العام، حيث تم شطب الكثير من عناصر العدالة المعروفة في مقدمتها الكشف عن الحقيقة, تحقيق الإصلاح المؤسسي، ضماناً لعدم تكرار انتهاكات حقوق الإنسان وغير ذلك من العناصر.

وأشار بيان المشترك إلى أن المشروع بصيغته المطروحة على مجلس النواب لا يحقق الأهداف المقصودة من العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية العامة التي تحقق الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره بما توفره من إنصاف للضحايا وتعيد لميزان العدالة توازنه الذي اختل بإصدار قانون الحصانة, فالعدل والعفو هما ركيزتا وركنا المصالحة الوطنية، لا يصلح أحدها بدون الآخر ولا قوام للعفو إلا بالعدل والإنصاف للضحايا.

وطالب المشترك، رئيس الجمهورية بسحبه وحل الخلافات حول المشروع المحال من مجلس الوزراء وفقا لمقتضيات التوافق السياسي الذي قامت عليه العملية السياسية وبما يحقق جوهر العدل ويجعل من قانون العدالة والمصالحة مرتكزاً هاماً في نجاح الحوار الوطني.

وأبدى اللقاء المشترك رفضه لمشروع المصالحة الوطنية كونهم اعتبروه فتنة، بعد أن كان النائب الإصلاحي محمد الحزمي مؤيداً لمشروع قانون المصالحة الوطنية وقال أن المشروع سيفتح الباب ليمتد إلى ثورة 48 في توضيح منه لزملائه المعارضين للمشروع في الفقرة التي تتعلق اقتصار المدة على الأحداث خلال الفترة من 1 يناير 2011م وحتى 21 فبراير 2012م.

ويتكون مشروع قانون المصالحة الوطنية من20 مادة موزعة على أربعة فصول، وتنشأ بموجب هذا المشروع هيئة مستقلة تسمى هيئة الإنصاف والمصالحة مكونة من 21 عضوا وتهدف إلى إجراء مصالحة وطنية لتجاوز ما خلفته الصراعات السياسية خلال فترة سريان هذا القانون وإنصاف المتضررين، كما تسعى إلى إنصاف وتعويض جبر ضرر الأشخاص المنتهكة حقوقهم. كما ينشأ بموجب هذا المشروع صندوق لتمويل التسويات والتعويضات بمساعدة الداعمين الدوليين.

على صعيد متصل، عبرت عدد من منظمات المجتمع المدني عن قلقها الشديد من مشروع قانون العدالة الانتقالية المحال إلى البرلمان لإقراره بصيغته الحالية

ونبهت لخطورة التراجع عن إقرار قانون العدالة الانتقالية المتفق عليه من المكونات المجتمعية والسياسية من لقاءات وفعاليات سابقة والمقدم قبل وزارة الشؤون القانونية ورغم وجود تحفظات لدى البعض عليه.

وأكدت المنظمات في بيان مشترك لها حرصها الشديد على تطبيق العدالة الانتقالية كمنظومة متكاملة وبالصيغة التي ترضي كافة أبناء اليمن وبما يستوعب التضحيات الجسيمة التي قادها الأحرار اليمنيون في كل سنوات النضال.

وطالبت المنظمات بنشر رسالة الرئيس الموجهة للبرلمان بإحالة القانون، وكذا نشر مشروع القانون المطروح حالياً في البرلمان بصيغته المعدلة والتي تحمل مفهوم المصالحة من أجل العدالة الانتقالية والمرفق برسالة رئيس الجمهورية.

كما طالبت المنظمات في بيانها كل قوى المجتمع وقوى التغيير في البلد الوقوف يداً واحدة من أجل إقرار وإرساء مفهوم العدالة الانتقالية والتي تحقق حصول ضحايا الصراعات السياسية على الإنصاف وجبر الضرر وتحقيق العدالة وضمان عدم تكرار الانتهاكات وتخليد الذاكرة الوطنية والتعويض العادل للضحايا وبما يضمن تحقيق مصالحة وطنية تداوي جراح الماضي وتنقل اليمن إلى مستقبل آمن.

وحذرت حوالي خمسة وعشرين منظمة ممن ذيل البيان باسمها، من التراجع عن أهداف ثورة الشباب السلمية وعن قيم حقوق الإنسان وضمان الحقوق والحريات ووقف الانتهاكات حيث أن التراجع عن هذه القيم يعود بالوطن إلى مربع العنف والصراع والفرقة.

................

 
اكثر خبر قراءة أخبار اليمن