الحيرة تستولي على أبين، عقب انسحاب القاعدة فجأة مثلما استولت على المحافظة فجأة قبل عام!!

الأربعاء 13 يونيو-حزيران 2012 الساعة 09 مساءً / مأرب برس/ أبين/ شكري حسن
عدد القراءات 12142

  

«ما أشبه الليلة بالبارحة ».. عبارة رددها كثيراً سكان مدينتي _ زنجبار وجعار_ يوم أمس فور انسحاب عناصر القاعدة دون مقاومة تذكر بعد أن ظلت مسيطرة عليهما منذ أكثر من عام.

وتذكر سكان جعار وزنجبار على الفور كيف سقطت المدينتين أيضاً بيد الجماعات المسلحة دون مقاومة تذكر وهروب معظم القيادات الأمنية والعسكرية، حينها، ليخوض الطرفان بعدها حرباً ضروساً خلفت وراءها دماراً هائلاً في المباني العامة والخاصة وتهدم كامل للبنى التحتية والخدمية وتشريد مئات الأسر من منازلها وحرق المزارع والممتلكات وتعطيل تام للحياة بما في ذلك حياة "الطيور والحيوانات"، فضلاً عن المئات من القتلى من الجانبين وتبديد أموال طائلة أضرت بالاقتصاد الوطني المتدهور أصلا بسبب الصراعات التي شاهدتها الساحة اليمنية.

بعد عام ونيف من المأساة الكبيرة التي حلت بابين وأهلها أسدل الستار أمس على المسرحية الهزيلة دون معرفة بطلها الحقيقي ومخرجي ومعدي فصولها ودوافع تنفيذها في أبين بالذات دون غيرها، والفوائد الخفية التي جنتها غير القتل والتنكيل والعذاب، الذي لحق بمعظم سكان أبين المغلوبة على أمرها.

كثيرة هي الأسئلة الملحة اليوم!! وعديدة هي التساؤلات التي تتزاحم في مخيلة الكثيرين لكن الإجابة البارزة التي سرعان ما تطفو على السطح: «المخرج عايز كذا».

أفراح وأحزان

فور تناقل وسائل الأعلام المختلفة هروب عناصر القاعدة من أبين وتمكن الجيش من فرض سيطرته على مدن زنجبار وجعار والكود والحصن وغيرها، عمت مشاعر الفرح والحزن معا!! وردد البعض وهم يتقاطرون على العاصمة زرافات ووحدانا: «ليس هناك اليوم مساحة للحزن فقط نريد تقبيل الأرض وإن كانت محروقة والديار وإن كانت مدمرة والشوارع والأركان وإن غدت موحشة».

شاب في الثلاثين من عمره لم يتسن لنا معرفة اسمه أجهش بالبكاء وهو يقف على إطلال بيته المدمر وحين أردت مواساته قال: "لا أبكي حزنا على تهدم منزلي ولكني أبكي سنين وأيام وذكريات جميلة كانت هنا وساعات فرح وسعادة مع الأهل والعائلة فها أنا ذا اقبل الأحجار المتبقية والأواني التالفة فلكل ما تحت الركام ذكرى وصورة خالدة ولا سامح الله من كان سببا في مانحنا عليه الآن".

من بعيد لحظت امرأة تهرول مسرعة يبدو أن فرحتها الغامرة بمشاهدة منزلها غير المتضرر قد أثر على هيئتها وشكلها الخارجي فتناست حجابها وقد أقبلت علينا وهي تردد "الحمد لله.. الحمد لله بيتنا سلم من القصف" ثم قالت ضاحكة لكنه يحتاج إلى شيول لتصفيته.

هناك طفل صغير كاد يطير من الفرح وهو ينادي بأعلى صوته "يا ابه .. يا ابه حصلت دراجتي ولعبة أختي نوال"، ولم يبدد فرحته إلا صوت أخته الكبيرة وهي تقول "يا الله الحق السيارة بتروح".

سؤال الساعة

أكثر ما كان يردده السكان يوم أمس وهم يجوبون الشوارع والأركان في جعار وزنجبار هو مصير أنصار الشريعة فلا تكاد تمر بأحد إلا ويأتيك السؤال: وين راحوا الجماعة؟؟ لم يعد لأحدهم أثر؟؟ البعض كان يجتهد في الإجابة ويقول ربما قتل أكثرهم أو سلكوا طريق البحر هربا إلى شبوة وحضرموت والبعض الآخر لا يجد متسعا من الوقت للإجابة فقد شغل بما هو أهم بالنسبة له وهو الاطمئنان على بيته وأثاثة!! لكن ما هو مؤكد أن أنصار الشريعة تلقوا ضربات موجعة وهم اللذين كانوا يراهنون وإلى وقت قريب بسقوط معظم المدن والعواصم ومن ثم فرض سيطرتهم على كامل التراب اليمنية.

وبالقدر الذي كان خروج الجماعة من أبين مثيراً للدهشة عطفاً على العمليات النوعية التي نفذتها والمكاسب المحققة على الأرض إلا أنه كان خروجا متوقعا خاصة بعد الانتصارات الكبيرة التي حققها الجيش مؤخرا على القاعدة وعدم تكافؤ المعركة بين الجانبين وقبل ذلك كله خروج السكان المحليون عن طاعتهم تحت مسمى اللجان الشعبية ليكتشف عناصر التنظيم فيما بعد أنهم كمن يطارد خيط دخان في هواء طلق فكانت الهزيمة والخيبة الشديدة.

الحرب الكبرى

تنتظر أبين وأبناءها حربا لا تقل عن سابقتها من حيث التحدي والإرادة فمسألة بناء ما دمرته الحرب سريعا تبدو عويصة ولكنها ليست مستحيلة إذا ما توفرت الإرادة والتصميم وتكاتف كل الجهات المسئولة فالبنى التحتية " الكهرباء المياه الطرقات والمبان الحكومية " كلها دمرت وإعادتها إلى وضعها السابق يحتاج إلى جهود مضاعفة فضلا عن التدمير الذي طال كل شيء ولم تسلم منه حتى منازل المواطنين وممتلكاتهم الخاصة وأتصور أن عملية بناء وإعادة إلى الأوضاع إلى سابق عهدها يحتاج لفترة طويلة فهل ستبادر الدولة وتتجه بجهودها نحو المحافظة المنكوبة حتى يتمكن الناس من العودة إلى منازلهم ومغادرة حياة ولحظات الشقاء والعناء في منازلهم أم أن الأمور ستبقى معلقة وهو ما يعني المزيد من الألم بالنسبة للسكان النازحين اللذين يعانون الأمرين في في أماكن نزوحهم.

ولعل فرض هيبة الدولة وبسط الأمن في كل مدن المحافظة يبدو في طليعة المهام المفترضة للدولة في أبين لأن غياب ذلك معناه المزيد من الفوضى والسرقة والعبث بالممتلكات الخاصة للمواطنين من قبل بعض أصحاب النفوس المريضة التي يزداد نشاطهم وتكبر أعمالهم في مثل هكذا أجواء وأحداث.

إقراء أيضاً
اكثر خبر قراءة الحرب على القاعدة