جنوبيون يرفضون نقل السلطة من سنحان الشمال إلى سنحان الجنوب!!

الثلاثاء 28 فبراير-شباط 2012 الساعة 09 مساءً / مأرب برس/ عبدالملك شمسان */ بالتزامن مع صحيفة الأهالي
عدد القراءات 16932
 
صورة تذكارية لحسن بن عوم والفقيد علي شايع
  

لا يزال الانتماء القبلي والمناطقي هو المؤثر والمحرك الأول للواقع اليمني رغم أكثر من نصف قرن من العمل الحزبي سرا وعلنا .

دخل المؤثر الحزبي علنا على المؤثر القبلي فتعايش معه وفق علاقة التوافق أو التداخل أو التناقض في أحيان كثيرة، إلا أن هذا المؤثر الحزبي لم يستطع التفوق والتحول إلى المستوى الأول في قدرته التحريكية والتأثيرية على المجتمع .

مشائخ آنس وخولان الذين اصطفوا مع الحزب الاشتراكي خلال الفترة الأولى من التسعينات، إنما وجدوا بينهم وبين الاشتراكي قاسما مشتركا وهدفا مشتركا وهو مغالبة "الدولة الحاشدية" التي يقودها صالح .

وعلى هذا الأساس أيضا وجد الحزب الاشتراكي في تلك الفترة من يتحالف معه في صعدة وغيرها من الهاشميين ممن لم يكونوا قد تجاوزوا عقدة الانتماء القبلي .

وبالمقابل وعلى سبيل المثال أيضا: مشائخ من عمران "حاشد" ومشائخ من بكيل في المشرق وصنعاء وذمار وغيرها من الوسط والغرب، تحالفوا في تلك الفترة مع التجمع اليمني للإصلاح. وانضم فريق ثالث من هؤلاء إلى المؤتمر الشعبي العام. وتواجدت هذه الثلاثة الأحزاب في أكثر القبائل، بل ربما وجدت الثلاثة معا في القبيلة الواحدة .

وهذا طبيعي لو أن هذا الانتماء القبلي للأحزاب قام على أساس القناعة بالأفكار والبرامج السياسية، إلا أن ما حدث في الغالب أن هذا الانتماء قام على أسس توجهات الصراع القبلي بشأن السلطة، والحديث في كل هذا عن الغالب لا عن الجميع. ومن هنا أعيد إنتاج وفرز القوى القبلية تحت غطاء الأحزاب السياسية الذي لم يمنع من تطور في قناعات كثير من هؤلاء الناس بالأحزاب، وهي القناعات التي تخلقت –مع مرور الوقت- بحكم الألفة وطول المعاشرة، أو بحكم التطور الثقافي .

كان علي عبدالله صالح يدرك جيدا تفوق المحرك القبلي في حياة اليمنيين، وكان يعرف أن الديمقراطية ليست إلا غطاء يمنح تلك الخلافات والتباينات والصراعات القبلية والمناطقية صبغة الحداثة والصراع العصري، أو هكذا أراد من الديمقراطية أن تكون .

وفيما كان قد أسس بنيان نظامه معتمدا على حاشد وعلى حساب بكيل، وجرّب قوة الجدار القبلي والمناطقي، فقد رأى أن يستفيد من الاحتقان الذي تولد في هذه الفترة عند بكيل والآخرين ليبني نظام ابنه أحمد معتمدا على بعض بكيل وعلى حساب حاشد والآخرين .

وعلى هذا الأساس بنى أجهزة نظامه الجديد العسكرية والأمنية والمالية والسياسية واعتمد بشكل كبير على التناقضات والتباينات القبلية باعتبارها المحرك الأول والأكثر عمقا، ولهدف آخر هو الحيلولة دون تطور العمل الحزبي الذي يسعى ويهدف إلى إحقاق مبادئ الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة والحريات الصحفية والحريات العامة وإلى آخر هذه المفردات التي رآها صالح خطرا مستقبليا عليه، وكثف جهوده في طباعة نسخة مزيفة لمؤسسات التعددية السياسية في البلد ليلاعب بها الأحزاب .

اندلعت الثورة السلمية قبل أن "يكمل المشوار"، وما إن اندلعت حتى فزع مباشرة إلى القبائل المحيطة بالعاصمة من تلك التي كان قد بدأ الاتصال بها ووعدها بالحكم والمستقبل الأفضل .

ولهذا، وفي تعامله مع الثورة الشعبية، اختزل كل الثورة في حميد الأحمر، ومن بعده علي محسن، ومن بعدهما المشترك، ثم استبدل الإصلاح بالمشترك واقتصر على حميد الأحمر وعلي محسن والإصلاح .

فأما الشق المتعلق بعلي محسن فقد كان هدف صالح منه هو الحفاظ على تماسك مؤسسته العسكرية التي بناها على بغض علي محسن لا على حبه هو .

وأما الشق المتعلق بالإصلاح فلتحييد بقية الأحزاب، ولاستمالة الأطراف الخارجية، ولأن هذا الاتهام قريب من أن يصدقه الناس نظرا لكثافة الوجود الإصلاحي بالميدان، وللتقارب بين الإصلاح وكل من علي محسن وحميد الأحمر .

وأما الشق الثالث المتعلق بحميد الأحمر، وهو الشاهد هنا، فكان صالح يهدف منه إلى استمالة بكيل والقبائل اليمنية الأخرى التي ذاقت مرارة الإقصاء الحاشدي طيلة عهد صالح .

ولم ير اختزال الثورة في محسن وحميد نافعا وناجعا في المحافظات الشمالية فقط، بل والجنوب أيضا نظرا لأن ما تشبع به الجنوبيون هو رفض أي رئيس جديد يأتي من الشمال فكيف إذا كان من سنحان أو حاشد الذين يحكمون البلاد منذ عقود!؟

ولهذا كله، كان تتابُع قبائل المحافظات الشمالية إلى الثورة بمثابة تتابع الصفعات على وجهه، أو كانت هذه القبائل بمثابة أصابع ديناميت، وكلما انضمت قبيلة إلى الثورة انفجر أصبع ديناميت في جدار نظامه .

وبذلك احترقت أدواته التي يتعامل بها مع الأحزاب، والأخرى التي يتعامل بها مع القبائل، وها هم جميعا في ساحات الثورة .

في اتجاه الجنوب، كان النظام المعمول به هو الحزب الواحد، وليس إلا الحزب الاشتراكي. وتوحد كثير من الجنوبيين تحت هذا الحزب الواحد لكن الانتماء القبلي ظل محركا أولا رغم ذلك، فكان هناك فصيلان قبليان أو مناطقيان: الأول يمثله قيادات ردفان والضالع، ويلحق بهم عدد من الحضارم والجنوب الشرقي، والآخر يمثله قيادات أبين. وأخذ هذا التقسم –في الظاهر- صيغة سياسية باعتبار أنها الصيغة المسموح بالاختلاف في حدودها ووفق مصطلحاتها، فأصبح هناك "الطغمة" وهم جناح عبدالفتاح إسماعيل (القادم من الشمال) وقيادات أخرى منهم علي سالم البيض، ويتركز هؤلاء في ردفان وبقية ردفان ومحافظة الضالع، و"الزمرة" الذي هو جناح علي ناصر محمد وقيادات أخرى منهم عبدربه منصور هادي، ويتركز في محافظة أبين .

أصحاب الجناح الأول من أصحاب ردفان والضالع استمروا –بعد الوحدة- في الحزب الاشتراكي باعتبار أنهم أصحاب النفوذ والقوة بداخله، فيما اتجه أصحاب أبين إلى المؤتمر الشعبي لأنهم كانوا قد فقدوا كثيرا من نفوذهم في الحزب الاشتراكي على خلفية أحداث يناير 86م وسعَوا لأن يوجدوا لهم في المؤتمر قوة ومصدر نفوذ يكافئ ما لدى الجناح الآخر لدى الاشتراكي. وتمكن الإصلاح من منافسة الحزبين فأخذ قسطا من هنا وقسطا من هنا بعيدا عن المنطق القبلي، بل توسع في داخل هذين الفصيلين بعد أن كان وجوده هناك محدودا وسريا خلال فترة ما قبل الوحدة .

بعد خروج الحزب الاشتراكي في 94م اندفع صالح يصفي الاشتراكي وقياداته وكوادره فوجد أصحاب ردفان والضالع أنفسهم خارج اللعبة مستضعفين لا يكادون يملكون شيئا، فيما تعزز موقف أصحاب أبين المنخرطين بالمؤتمر الشعبي وتحولت لهم الغلبة، ومن هنا نشأ في الجنوب (وتحديدا في ردفان والضالع) مصطلح يصف أبين بأنها "سنحان الجنوب "!!

أمعن صالح في النكاية بالجنوبيين من أنصار الاشتراكي فتجاوزهم إلى المحسوبين على الإصلاح بعد أن أصبح عدوا في نظر صالح يجب استئصاله. ثم إن الأيدي التي أوكل إليها المهمة وأسند إليها حكم الجنوب أوغلت في فسادها فلم تتوقف عند حد حتى اندلع الحراك الجنوبي الذي أسسه مجموعة من العسكريين الذين تعرضوا للإقصاء من أبناء ردفان والضالع، ثم انضم إليهم أصحاب الأراضي المنهوبة من ذات المحافظات، ثم انضم إليهم زملاؤهم من هاتين الفئتين (عسكريين وملاك أراضي) في المناطق الشرقية، ثم تحول الحراك إلى ثورة كبيرة تحمل اسم "القضية الجنوبية ".

كل ذلك فيما محافظة أبين بعيدة رغم أن ما نهب فيها من الأراضي ربما يفوق مساحة الضالع وردفان مجتمعتين .

رويدا رويدا تمددت ثورة الحراك على النحو الذي تمددت به الثورة السلمية التي اندلعت مطلع العام الماضي، فانضم كثير من أصحاب أبين إليها، وانخرط في ثورة الحراك السواد الأعظم ومن مختلف الأحزاب بما في ذلك عدد كبير من قيادات المؤتمر الشعبي العام الذين استقالوا من حزبهم .

في هذا الوقت كان الخلاف الحزبي بين ردفان والضالع من جهة وأبين من جهة ثانية قد تلاشى، وتلاشى معه مصطلح الزمرة والطغمة، إلا أن الخلاف بصبغته القبلية والمناطقية الذي كان بطانة لصراع ما قبل الوحدة الذي عبروا عنه بلغة دامية في 86م وتجدد في صيف (94م) ظل حيا يرزق، ولا يزال قائما حتى اليوم إلا أنه يعبّر عن نفسه بصيغ أخرى، وسواء اعترف به أصحاب هذه المناطق أم لم يعترفوا، أو سواء شعروا به أم لم يشعروا .

بل وصل الأمر أن الحراكيين من أصحاب ردفان والضالع لم يعترفوا بانضمام الأبيني طارق الفضلي إلى حراكهم رغم تأثيرات ثورة القضية الجنوبية، وظلوا يغمزونه ويلمزونه، ومنهم من يتهمه صراحة بالخيانة والكذب والانضمام المخادع للحراك وأنه ليس إلا جنديا من جنود نظام علي صالح قدم لاختراق الحراك -حسب تصريحات كثيرة لهم .

ولأن علي سالم البيض محسوب في الأصل كحليف لتيار أصحاب ردفان والضالع، فقد كان –خلال السنوات الماضية- يتعمد الإشارة والتطرق إلى اسم طارق الفضلي في خطاباته للحراك وأحاديثه عن القضية الجنوبية، إذ كان يحاول من خلال ذلك أن يقدّم الفضلي إلى أصحابه ليقبلوه بينهم من أجل الحراك الجنوبي وخلخلة صفوف الخصم الأبيني. وكان طارق الفضلي يبالغ –بالمقابل- في الإشارة إلى علي سالم البيض ليؤكد صدق انتمائه للحراك .

وعندما اندلعت الثورة السلمية الشاملة مطلع العام الماضي انخرط فيها الحراك الجنوبي، وتلاشى مطلب الانفصال، وتوحد الجميع تحت شعار الثورة "الشعب يريد إسقاط النظام". وكان أبرز ما تمدح به الثورة هو أنها أعادت توحيد الشمال والجنوب .

وما إن ظهرت المبادرة الخليجية تنص على تنحي صالح وإسناد الرئاسة إلى عبدربه منصور حتى أعلن الحراكيون رفضهم للمبادرة مع بقائهم في صفوف الثورة على أساس أن عامة شباب الثورة أيضا يرفضون المبادرة. وعندما وقع صالح والأحزاب على المبادرة ورأى كثير من أولئك الحراكيين المنتمين إلى ردفان والضالع وحلفائهم من تيار البيض بحضرموت أن الرئاسة ستنتقل من علي صالح إلى عبدربه، ومن سنحان الشمال إلى سنحان الجنوب، ثارت ثائرتهم وأعلنوا انشقاقهم عن الثورة وتعاهدوا على إفشالها وتداعوا إلى منعها بالقوة .

ولهذا تركزت العراقيل وأعمال العنف التي واجهت الانتخابات في ردفان والضالع والمناطق الشرقية الحليفة. فيما تكفلت القاعدة بالانتخابات في عدد من مناطق أبين. وهذا يفسر تركز أصحاب القاعدة في أبين الذين اتجهوا –عندما قرروا التوسع- صوب البيضاء ولم يتجهوا إلى ردفان والضالع، ذلك أن تنظيم القاعدة لم يكن بحاجة للتوسع بذلك الاتجاه، فالحراك –هناك- سيكفيه المهمة !!

وهكذا تتكفل القاعدة بإفشال الانتخابات في أبين والبيضاء، والحوثي في صعدة وحرف سفيان وبعض الجوف ومحافظة حجة (بحسب ما كان مخططا له)، ويتكفل ذلك الفصيل من الحراك بردفان والضالع وبعض حضرموت وشبوة. وإذا فشلت الانتخابات في كل هذه المناطق فلن يكون أمام بلاطجة صالح غير إكمال الدائرة وإفشالها في العاصمة وعدد من المدن. إلا أن هذا المخطط تبدد على أرض الواقع وتشظى بعد أن ارتطم بحجم الالتفاف الشعبي حول الثورة. لكن ما يجب الالتفات إليه هو أن هذا المخطط قد لا يكون سقفه إفشال الانتخابات، وأنه سيستمر لإفشال الرئيس هادي والمرحلة الانتقالية برمتها .

سبّابة الجنوب تفقأ أعيونكم !!

يحسب لأبناء الشمال إجماعهم على انتخاب عبدربه منصور هادي رئيسا، ورضاهم بمحمد سالم باسندوة رئيسا للوزراء، وقبولهم بأن يحظى الجنوب –فوق ذلك- بأغلبية في الحكومة .

وقد يقال أين ذهب المحرك القبلي من هذا التنازل الشمالي إلى حد الإجماع على هادي؟ والحقيقة أن هذا المحرك القبلي هو السبب الأول لإجماع أبناء المحافظات الشمالية الذين وجدوا في اختيار هادي ما يكفيهم شر الاختلاف .

ونقطة أخرى بالغة الأهمية وراء هذه القضية، إذ فيها إشارة واضحة إلى اعتراف أبناء المحافظات الشمالية بالقضية الجنوبية، وتعبير منهم عن معرفتهم بمظلومية أبناء الجنوب، كما أن في ذلك دفعا من أبناء الشمال نحو حلحلة القضية الجنوبية .

المشكلة أن مثيرين اعتقدوا أن صعود هادي الجنوبي إلى الرئاسة، ومعه باسندوة في رئاسة الوزراء، أمر يكفل –بحد ذاته- إطفاء جذوة الاشتعال في الجنوب، أو على الأقل بكسب رضا الجنوبيين وتهدئة نفوسهم. وهذا تقدير صحيح لكن ليس في ردفان والضالع وديس حضرموت !!

بمثل يمكن ضربه هنا: لو أن "الشمالي" حميد الأحمر هو من وقع عليه الاختيار عند البحث عن مرشح توافقي، هل كانت الانتخابات ستجري في أي من المحافظات الشمالية!؟ بالتأكيد لا، وهذا بالرغم من أنها تطيح برئاسة صالح كما فعلت هذه الانتخابات تماما. بل كانت ستواجه بالقوة في أكثر هذه المحافظات إن لم يكن جميعها، وقطعا سيحدث هذا رغما عن رعاة المبادرة ورغما عن الأحزاب التي وقعت عليها، وإذا كان هذا في الشمال فكيف بالجنوب!؟

وسواء قام الشماليون حينها بتفسير هذا الموقف القبلي بصراحة ووضوح وقالوا إنهم لن يقبلوا تصعيد شخص من ذات المربع الذي ثاروا عليه، أو بحثوا لموقفهم عن غطاء آخر .

وهذا بالضبط هو ما حدث في الجنوب حين لجأت تلك المناطق في ردفان والضالع إلى القوة لمنع الانتخابات وتصعيد هادي. ليس لأن هذه الانتخابات التفاف على الثورة كما قالوا، ولا لأنها تفريط بدماء الشهداء كما برروا أفعالهم، ولا لأنها مؤامرة على القضية الجنوبية كما تحدثوا. كل ما هنالك أن هذه الانتخابات نزعت السلطة من الخصم في سنحان الشمال، وسلمتها إلى الخصم في سنحان الجنوب !!

ربما أقدر موقف أولئك القياديين بالحراك الذين قاطعوا الانتخابات بما فيهم الذين قاوموها في مناطقهم بقوة السلاح، ولكن: عليهم أن يعترفوا أنهم إنما كانوا يجترّون –بذلك- صراعا قبليا قديما، وأن وراء ذلك الموقف شيئا في نفوسهم بعيدا عن القضية الجنوبية كل البعد. أما أن يتخذوا القضية الجنوبية غطاء شرعيا لقضية أخرى في نفوسهم غير شرعية، فإنهم يبنون مصالحهم على حساب أبناء الجنوب المطحونين المغلوبين على أمرهم، ويستغلون القضية الجنوبية استغلالا في منتهى البشاعة.. نعم، وهذه سبّابة الجنوب تشير إليكم بالاتهام تكاد تفقأ عيونكم فكذّبوا سبّابة الجنوب إن استطعتم !!

كيف تجاوزت الجوف وحرف سفيان موقف الحوثي؟

جماعة الحوثي تشبه جماعة صالح إلى حد كبير: أولا من حيث اعتمادها على القوة المسلحة لفرض وبسط نفوذها كما تفعل جماعة صالح، وبدأ الحوثي مؤخرا يضيف المال إلى السلاح. وثانيا من حيث رفض هذه الجماعة للأدوات السياسية الحديثة "الأحزاب" وما يتعلق بعملها من انتخابات وديمقراطية لأن مشروع الحوثي يتنافى مع مبدأ المساواة وقيم الديمقراطية. وثالثا من حيث اعتماد الحوثي –في التوسع والانتشار- على البعد الاجتماعي القبلي الذي يعتمد عليه صالح، حيث يصطف مع الحوثي عدد من قبائل صعدة وما حولها من الذين استمالهم الحوثي بإعلانه الحرب على الدولة "الحاشدية" ولامس لديهم خبيئة في النفس بل هوى ظاهرا .

أغلب هؤلاء القبائل ينتمون إلى بكيل ولديهم مشكلة مع حاشد وحلفائها، ووجدوا في محاربة الحوثي للدولة "الحاشدية" قاسما مشتركا بينهم وبين الحوثي الذي حرك في مناطقهم المياه الراكدة. إلا أننا رأينا الإقبال الكبير على الانتخابات في مناطق تقع تحت نفوذ الحوثي وبتلك الصورة الملفتة للنظر، وفي ذلك دلالات عدة يمكن الإشارة هنا إلى بعضها باختصار :

- كثير من تلك القبائل المتحالفة مع الحوثي إنما تحالفت معه لإسقاط صالح ونظامه العائلي الذي تحالف مع خصمهم القبلي (حاشد) على امتداد الفترة الماضية، وفي آخر المطاف عندما اختلف صالح مع حاشد اتجه نحو بعض بكيل من هنا وهناك ممن لم يعد لهم صلة ببكيل صعدة وحرف سفيان. وعندما لاحت لهؤلاء فرصة صعود عبدربه وجدوه حلا توافقيا مُرضيا فتجاوزا الحوثي وضربوا بتوجيهاته وتهديداته عرض الحائط، فقد وجدوا أن هذا الحوثي يريد أن يحرمهم الوصول إلى هدفهم في إسقاط صالح من أجل أن يصل هو إلى هدفه. وأبرز هذه القبائل هي تلك التي تنتمي إلى حرف سفيان والأخرى التي في المناطق الواقعة تحت سيطرته بالجوف :

- أظهرت الانتخابات هناك أن الحوثي ليس القوة الأولى اجتماعيا وسياسيا في صعدة ومناطق تواجده، بل هناك قوى أخرى قبلية وسياسية كثيرة الأنصار ليست تحت سيطرته .

حجة تصفع نظامي صنعاء وصعدة !!

كان الحوثي يعتقد أن محافظة حجة تنتظره على أحر من الجمر لترتمي في أحضانه، وظن نظام صالح أن الأمر كذلك. وعندما اتفق هذا الطرفان على حجة، واندفع صالح إلى تسليمها، واندفع الحوثي إلى استلامها، إذا بذلك الشيء الذي اعتقدوا أنه لقمة سائغة إنما هو حجر صلب وليس لقمة .

وجميعا تابعنا إجراءات الطرفين ضمن مؤامرتهما على حجة خلال الأشهر الأخيرة، وهي المؤامرة التي ارتفعت وتيرة تنفيذها إلى أعلى مستوى بعد توقيع المبادرة الخليجية، فعندما طلبت المبادرة من نظام صالح أن يسمي (16) وزيرا من حكومته ويتنازل عن مثلهم لصالح المعارضة وقوى الثورة، إذا به يتنازل عن (17) وزيرا، منهم (16) حل محلهم وزراء قوى الثورة، ووزير واحد حل محله فريد مجور الذي كان محافظا ردفانة !!

لماذا يقوم صالح بتعيين "محافظ حجة" وزيرا ولديه (16) وزيرا واقف على الباب؟ لا تفسير لذلك سوى تعمد إخلاء موقع مجور في محافظة حجة تمهيدا لتعيين آخر مكانه من الحوثيين، أو من المؤتمريين المستعدين لتنفيذ ذلك المخطط الذي فشل فشلا ذريعا. ومن المؤكد أنه سيفشل مستقبلا تبعا لما رأينا من نسبة مشاركة لتلك المحافظة في الانتخابات .

ومشاركة حجة في الانتخاب أولاً، وتصويتها لـ"هادي" ثانيا، هما صفعتان مدويتان تزامنتا في وقت واحد: الأولى في وجه صالح، والثانية في وجه الحوثي. ولقد سمعنا دوي الصفعتين ولا يهمنا إن كنا لم نتبيّن من منهما الذي صفعته باليمين، ومن منهما الذي صفعته باليسار!؟

تعز.. الأخت الكبرى

مشائخ وقبائل متحالفون مع الحوثي وبعضهم حارب معه سنين، شاركوا في الانتخابات وضربوا بتوجيهات عبدالملك الحوثي عرض الحائط إذ رأوه يريد منهم التخلي عن هدفهم ليحفظوا له هدفه .

كان هذا موقف هؤلاء المشائخ والقبائل الذين يروق لكثير من الكتاب أن يصموهم بالجهل والتخلف، فيما الشيخ البرلماني سلطان السامعي الذي تعرف على الحوثي بالأمس القريب يلتزم بتوجيهات الحوثي حرفيا، بل ويدعو أبناء سامع إلى مقاطعة الانتخابات .

لقد كان بوسعه أن يدعو قريته الصغرى للمقاطعة حتى تكون فضيحة صغرى إذا خرجوا للاقتراع وتجاوزوا دعواته، لكنه أراد، بل أراد الله أن تكون فضيحة كبرى بحجم سامع التي لم تسمع لغير نداء ضميرها الوطني الثوري فخرجت عن بكرة أبيها تشارك في إسقاط صالح، وقد أسقطته وإلى الأبد .

لقد كان سلطان السامعي النائب الوحيد من المعارضة الذي وقع قبل الثورة على التعديلات الدستورية التي كانت تهدف إلى التمديد لعلي صالح، وقال يومها إنه وقع لحاجة في نفس يعقوب. وها هو اليوم يدعو إلى مقاطعة الانتخابات من أجل استمرار صالح، ولا شك أن هناك حاجة أخرى في نفس يعقوب !!

وبعد هذين الموقفين وما ظهر له من شعبيته في سامع، لا أدري إن كان سيتحدث مجددا باسم سامع أو سيجرؤ على ترشيح نفسه في الانتخابات النيابية القادمة!؟

حتى لا تعيد الثورة ذات الواقع

أخيرا: هاهو الشعب اليمني في الشمال والجنوب على عتبات الدولة المدنية التي خرج ثائرا من أجلها وضحى في سبيلها بآلاف الشهداء وقدم لها آلاف الجرحى وما زال المخطوفون في سجون نظام صالح بالمئات فضلا عن طول العناء المستمر منذ عام كامل .

وما لم يسع الجميع إلى بناء هذه الدولة على هدى وبصيرة ومعرفة بصفاتها وطرق الوصول إليها ويبدؤوا بانتشال الجيش من براثن مربع الصراع القبلي والمناطقي فيجعلوه مؤسسة وطنية حيث يجب أن يكون، ويدخلوا مؤتمر الحوار الوطني بهدف تحويل اليمن إلى قبيلة كل اليمنيين، فإن هذه الثورة لن تزيد على إعادة صياغة ذات الصراع القبلي وإنتاج ذات الواقع، وستضيع هذه الفرصة التاريخية السانحة وقد لا ترجع في المستقبل، وإن رجعت فعلى الأغلب لن تجدنا هنا ..!!

* Shamsan75@hotmail.com

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن