The Atlantic : حماية سورية ..أهي مسؤولية واشنطن؟

الثلاثاء 31 يناير-كانون الثاني 2012 الساعة 06 مساءً / مأرب برس - متابعات
عدد القراءات 3990
 
 

الجريدة الكويتية كتب: Shadi Hamid

يجب أن يبدأ المجتمع الدولي بالتفكير ببعض الخيارات العسكرية المتنوعة (يبقى خيار إنشاء «مناطق آمنة» الأقرب إلى الواقع) واتخاذ القرار الذي سيترافق مع مكاسب تفوق الخسائر المتوقعة، فبعد عام من الانتظار وتمني حصول الأفضل، هذا ما يجب فعله الآن، كما أن هذه المقاربة تنمّ عن مسؤولية جدية في التعاطي مع الأزمة.

كنتُ من أول الداعمين للتدخل العسكري في ليبيا، وقد طالبتُ بفرض حظر جوي في 23 فبراير، بعد ثمانية أيام فقط على بدء الاحتجاجات، أما الآن، ها قد مرّ 300 يوم تقريباً على انطلاق الانتفاضة السورية لكن يقل عدد المحللين (بمن فيهم أنا) الذين يدعون علناً إلى تنفيذ تدخل أجنبي، مع أن النظام السوري أثبت أنه أكثر عناداً ووحشية من نظام معمر القذافي. تحدث المحلل ستيفن كوك في مقالة حديثة ومثيرة للجدل عن خيار التدخل العسكري في سورية. أنا أوافق على معظم ما ورد في مقالته باستثناء بعض النقاط، فمن الناحية العاطفية والأخلاقية حصراً، أوافق على كل ما كُتب في المقالة لكن تبقى مخاطر التدخل هائلة. في المقابل، قدّم المحلل مارك لينش طرحاً مقنعاً يدعو إلى الحذر. الاختيار بين المقاربتين صعب فعلاً! من المنطقي إذاً أن نراجع الأسباب التي سببت خلافاً مع المحللين اليساريين ودفعت البعض إلى دعم عملية حلف الأطلسي في ليبيا. في المقام الأول، يجب أن يتعامل صانعو السياسة الأميركية بجدية مع الرأي العام العربي، ففي المرحلة التمهيدية لحرب العراق، لم يطالب العراقيون أنفسهم بتدخل الأميركيين أو غيرهم عسكرياً، أما في ليبيا، فقد حصل العكس، كان الثوار الليبيون يتوسلون الأميركيين لاستعمال القوة العسكرية في بلدهم. في الأشهر الأخيرة، تزايد عدد الناشطين السوريين (في سورية وفي المنفى) الذين طالبوا مراراً وتكراراً بحصول شكل معين من التدخل الخارجي، سواء عبر فرض مناطق حظر جوي وإنشاء ممرات إنسانية و”مناطق آمنة”، أو عبر تسليح القوات الثورية مثل الجيش السوري الحر. ثم دعا المجلس الوطني السوري صراحةً إلى حصول تدخل خارجي، علماً أن هذا المجلس هو أهم هيئة تمثل المعارضة السورية والمثال الأقرب إلى المجلس الوطني الانتقالي الليبي. لطالما أصدر قادته هذا النوع من الدعوات وتوجهوا إلى المجتمع الدولي بلهجة صريحة مماثلة. ينطبق الأمر نفسه على الناشطين السوريين ميدانياً، فكل أسبوع، يختار هؤلاء موضوعاً معيناً يكون عنوان احتجاجات يوم الجمعة التي تعمّ أنحاء البلد. يوم الجمعة 28 أكتوبر، رفع المحتجون شعار “جمعة الحظر الجوي”، ولا يمكن أن يدعم الأميركيون قراراً معيناً لمجرّد أن المعارضة في أحد البلدان تطالب بذلك القرار، لكن يجب أن يأخذوا مطالبها على محمل الجد لأن تلك المطالب موجّهة إليهم مباشرةً. سبق أن ذكرتُ في مقالة حديثة صدرت في صحيفة “ذي نيو ريبابليك” ( The New Republic ) أن المحتجين والثوار العرب، على الرغم من بغضهم للسياسة الأميركية، يتابعون اللجوء إلى الأميركيين بحثاً عن الدعم في أوقات الحاجة، ويجب عدم الاستخفاف بهذه الظاهرة، ففي زمنٍ يطالب فيه ملايين العرب بالحرية ويموتون في سبيلها، تجد الولايات المتحدة نفسها أمام دور مميز. بسبب مكانة الولايات المتحدة الرفيعة والقيم التي تجاهر بها (ولا ننسى طبعاً إمكاناتها العسكرية المتفوقة)، يملك الأميركيون القدرة على قلب الموازين نحو الأفضل أو الأسوأ! وفق الشعار التقليدي القائل إن الانتفاضات العربية تعني العرب وحدهم ولا تعني الغرب، قد يظن البعض أن القوى الغربية هي مجرّد جهات بريئة تكتفي بالتفرج على الوضع من دون تحريك أي ساكن، مع أنها لم تكن كذلك يوماً منذ خمسة عقود.

كانت العوامل الدولية مؤثرة في معظم البلدان التي واجهت الاضطرابات، بما في ذلك سورية واليمن والبحرين وليبيا، وحتى مصر لكن بنسبة أقل. باختصار، يبقى الدعم الأميركي للديمقراطية عاملاً مهماً وهو سيحافظ على أهميته في المستقبل المنظور، وفي بعض البلدان، ستتزايد هذه الأهمية بنسبة أكبر.كان بعض منتقدي عملية التدخل في ليبيا يخشون أن تصبح تلك التجربة سابقة من نوعها، وأنا شخصياً كنتُ أتمنى حصول ذلك، أي أن تتحمل الولايات المتحدة وأوروبا والدول الحليفة لهما مسؤولية الحماية الجدية، وأن تفكر هذه الأطراف بالتدخل العسكري كخيار شرعي كلما تعرض المحتجون المطالبون بالديمقراطية لتهديدات بالقتل، لكن شرط أن يطلب المواطنون المحليون ذلك التدخل من الغرب. لكن لسوء الحظ، لا تكفي تجربة عسكرية ناجحة واحدة (في ليبيا) لإرساء سابقة في هذا المجال، فخلال فترة طويلة، افترض النظام السوري أن ليبيا كانت استثناء على القاعدة وسرعان ما تبين أنه كان محقاً.

فقد أكد المسؤولون في إدارة أوباما ذلك وأصروا على أن الخيار العسكري ليس مطروحاً بجدية لمعالجة الوضع السوري. لا مفرّ من التشكيك، لدرجة معينة، بقرار التدخل الغربي في الأراضي العربية، فمن المعروف أن سجل الولايات المتحدة في هذه المنطقة مأساوي كونها كانت تدعم الأنظمة الدكتاتورية القمعية بزخم ملحوظ لأكثر من خمسين عاماً، لكن يمكن التكفير دوماً عن ذنوب الماضي. اعتُبرت الحملة الليبية عملية تدخل “بمعنى الكلمة” لأنها لم تحصل بهدف حماية المصالح الغربية الحيوية، إذ لم تكن تلك المصالح مهددة بأي شكل في ليبيا، كان هذا الواقع سبباً إضافياً للإشادة بتلك العملية. لقد قدمت التجربة الليبية للأميركيين فرصة إعادة توجيه السياسة الخارجية الأميركية على الرغم من صعوبة الأمر، فضلاً عن ضمان الالتزام أخيراً بالمُثل الأميركية المعروفة. بالنسبة إلي، تشكل سورية جزءاً من جدل واسع آخر: ما الدور الذي تريد الولايات المتحدة تأديته في ظل هذا العالم الذي يتغير بوتيرة متسارعة، حيث يتمنى الناشطون والثوار حتى الآن أن تعترف الولايات المتحدة بالصراع القائم وأن تهبّ لمساعدة ثوراتهم؟ لا يمكن أن تضطلع الأنظمة الديمقراطية الناشئة مثل البرازيل والهند بهذا الدور، ولا شك أن روسيا والصين لا تستطيعان ذلك بأي شكل. سيكون الإسراع في إسقاط بشار الأسد عملية محقّة، كما أنه سيصبّ في مصلحة الأميركيين، وبهذه الطريقة، سينهار المحور الثلاثي المؤلف من إيران وسورية و”حزب الله”، وستجد إيران نفسها في موقع أضعف من دون بوابتها التقليدية إلى العالم العربي، كذلك، سيهتزّ وضع “حزب الله” كونه يعتمد على الدعم العسكري والمالي من إيران وسورية معاً. في غضون ذلك، من المتوقع أن تكون سورية الديمقراطية أكثر تماشياً مع المصالح الأميركية، وعند إجراء انتخابات حرة، يملك “الإخوان المسلمون” في سورية فرصة جيدة للفوز بعدد كبير من المقاعد، لكن يتميز “الإخوان المسلمون” السوريون بكونهم من أشرس معارضي الهيمنة الإيرانية على المنطقة. باختصار، لا يزال خيار التدخل مطروحاً بقوة، وذلك استناداً إلى المصالح الخاصة أو احتراماً للقيم الغربية، لكنني لستُ خبيراً عسكرياً ولا أستطيع الجزم بنجاح التدخل العسكري، ونظراً إلى جميع المعطيات الراهنة، قد يتحول التدخل إلى فوضى رهيبة وقد يصبح الوضع أسوأ مما هو عليه الآن. تتعدد الأسباب التي تجعل من التدخل اليوم خياراً مبكراً ولكنه قد لا يبقى كذلك بعد شهر أو شهرين، إذ يجب أن يبدأ المجتمع الدولي بالتفكير ببعض الخيارات العسكرية المتنوعة (يبقى خيار إنشاء “مناطق آمنة” الأقرب إلى الواقع) واتخاذ القرار الذي سيترافق مع مكاسب تفوق الخسائر المتوقعة. بعد عام من الانتظار وتمني حصول الأفضل، هذا ما يجب فعله الآن، كما أن هذه المقاربة تنمّ عن مسؤولية جدية في التعاطي مع الأزمة.

اكثر خبر قراءة عين على الصحافة