انتخابات غيرت المطالب و الأولويات والمواقع على المستوى الجمعي وأحدثت استعدادت نفسية على المستوى الفردي

الأربعاء 18 أكتوبر-تشرين الأول 2006 الساعة 03 صباحاً / مأرب برس / د. عبد الباقي شمسان
عدد القراءات 3768

شهدت اليمن لأول مرة تنافساً حاداً بين مرشحي الرئاسة: صالح وبن شملان. حاول كل طرف منهما استعراض وجوده من خلال المهرجانات الانتخابية التي فاجأت الجميع في حراكها محلياً وخارجياً وتحديداً أحزاب المعارضة (اللقاء المشترك) التي كانت تعاني من ضعف أو انعدام التجاوب الجماهيري مع مطالبها ورهاناتها منذ فترة طويلة جداً، الأمر الذي جعل النخب السياسية تناقشه بجدية أدت إلى وضعه بحذر كرهان.

فما الذي استجد ليحدث ذلك الحراك والتجاوب مع أحزاب اللقاء المشترك تحديداً؟ وما هي الإمكانيات والآليات الموظفة من قبل المنظومة السياسية (سلطة ومعارضة) في إدارة العملية الانتخابية؟ وما هي المطالب والمهام المتوجب ترتيبها تفاضلياً بناءً على نتائج الانتخابات؟

أسئلة تحمل أسئلة سنحاول الاقتراب قدر الإمكان من إجاباتها، واستقراء واستنطاق، وتحليل صيرورة تشكلها السياسي وآليات الاشتغال. وقبل الشروع في تحقيق ذلك نعلن بوضوح أننا نعتبر أن مرحلة ما بعد انتخابات 2006 مرحلة مختلفة تماماً عن سابقاتها، وإن كانت محصلة لها، لأنها غيرت المطالب و الأولويات والمواقع على المستوى الجمعي وأحدثت استعدادت نفسية على المستوى الفردي مهيأة لتقبل ملامح وسمات مرحلة جديدة وإن كانت ضبابية.

التجاوب والوسائط:

سعى اللقاء المشترك من خلال الحشد الجماهيري إلى إظهار حجمه ومساحته الجغرافية في خارطة القوى، وذلك الحراك والتجاوب الجماهيري حير الباحثين والدارسين السياسيين لأنه خالف النظريات الاجتماعية والسياسية المفسرة للاشتغال السياسي.

وكلها ترى بعدم توفر شروط التجاوب الجماهيري مع المطالب السياسية للنخب الحزبية. فالديمقراطية ابنة الرفاه والرخاء الاقتصادي فالمنظومة الديمقراطية تنمو في بيئة منتعشة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، ومستوى دخل فردي مرتفع. فهناك علاقة شرطية بين الإنسان والاحتياجات والمطالب الديمقراطية، فإذا ما توفرت احتياجاته الأساسية المتعلقة بالوجود وغريزة البقاء، تزداد وتتسع المطالب باتجاه الديمقراطي (حرية الرأي والتعبير، الرقابة، المساءلة، المساواة)، والعكس. وارتفاع المستوى المعيشي يعني وجود طبقة وسطى تكون الحامل الاجتماعي للقيم والمبادئ الديمقراطية، لأنها صاحبة المصلحة من التغيير وهي طبقة قلقة ومتوترة بفعل موقعها الخائف من السقوط والطامح للصعود نحو الأعلى، وتتوزع بتكامل على المؤسسات المدنية والحزبية في حراك وتفاعل يعبر عن مطالبه في هيئة حركات اجتماعية (طلابية -نسائية- وبيئية ...الخ)، تحمل وتناضل عن القضايا المجتمعية الكبرى رافضة للأوضاع السائدة مندفعة باتجاه التغيير.

وتعد الحركات الاجتماعية والمثقفون، من الوسائط التعبيرية بين الثقافي والاجتماعي المترابطين بالفعل الاجتماعي. بعبارة أخرى الحركات الاجتماعية والمثقفون هما من يمنحان الدلالة للفعل الاجتماعي والدلالة رهان اجتماعي.(1)

فعندما تتظاهر الجماهير مطالبة -على سبيل المثال- بتوسيع مساحة الحرية تحاصر الشرطة الدلالة الممنوحة لتظاهراتهم وهكذا. والمجتمع اليمني يفتقر لوجود طبقة وسطى (الحامل الاجتماعي) فرقعة الفقر متسعة جداً وتدني الأوضاع المعيشية في انحدار مستمر.(2) والدخل الفردي منخفض جداً وهذا يعني أن أولويات المطالب تتمثل بالاحتياجات الأساسية وليست المطالب الديمقراطية.

فما هو إذاً المحرك لتلك الجماهير؟ إن مرد ذلك الحراك المؤقت إلى العوامل التالية: إعادة توزيع المنافع والنفوذ (تقليص المساحة)، تدني الأوضاع، الإقصاء.

إعادة توزيع المنافع:

كنا قد تناولنا في مقال سابق بعنوان «رؤية استشرافية لخارطة القوى» صحيفة «الوسط» العدد 114، 2006م. تقسم الحقل السياسي إلى عام وخاص. وإعادته هنا ليس تكراراً وإنما تأكيد لثبات المعطيات، وامتداد منهجي للمقال السابق. والتقسيم جاء بفعل الصراع السياسي والاجتماعي الذي افرز مناطق أو قبائل مهيمنة وأخرى مهيمن عليها ومنح رموز المناطق والقبائل المهيمنة مكانات ونفوذ في مؤسسات الدولة الحديثة المدنية والسياسية والعسكرية والأمنية، استمر بفعل عدم الاستقرار وتعثر عمليات التحديث والتنمية والرئيس علي عبد الله صالح المنتمي إلى المناطق المهيمنة اعتمد بذكائه الفطري وانتمائه للمؤسسة العسكرية على تحالفات واقعية، تستجيب وتلبي معطيات الواقع المضطرب فأعتمد على انتماءه المرجعي الذي يمنحه المناصرة، أي اعتمد على العصبية العامة التي هي عدد من العصبيات يجمعها نسب واحد بعيد(3)، وأقام تحالفات ومصالح من الرموز السياسية والتجارية، وإعادة بناء وترتيب المؤسسة العسكرية على قاعدتي القرابة والولاء وهو تفكير له ما يبرره مؤقتاً ومع الزمن ظهر جيل جديد تم تأهيله، أعتمد عليه في المفاصل الهامة إضافة إلى علاقة المصاهرة، واكتسب الرئيس صالح الشرعية والدعم من قطاعات واسعة مكنته من السيطرة وقلة الحاجة للعصبية العامة الشاملة ليعتمد على العصبة التي تعني الجماعة التي تتكون من أقارب الرجل الذين يلازمونه(4) وهذا يعني تقليص نفوذ ومصالح جزء كبير من مكونات العصبية العامة مما يؤدي إلى تضارب المصالح والصراع، وتنتمي تلك القوى إلى التجمع اليمني للإصلاح وتعد إحدى مكوناته الأساسية. وهذا ما جعل الحراك جدياً وحقيقياً لأنها جزء من المناطق المهيمنة ومتواجدة في مفاصل الدولة المدنية والعسكرية وتتحرك بنفوذ بثلاث دوائر متداخلة: قبلية، حزبية، تجارية وهذا مكنها من التحرك بقوة مؤثرة. وهذا لا يعني غياب الجانب الحزبي للتجمع اليمني للإصلاح وبقية مكونات المشترك ونؤكد وجهة نظرنا من خلال وصف الرئيس صالح وبعض القيادات المؤتمرية للتحرك والمنافسة بالمؤامرة الانقلابية.

ولابد أن نشير إلى تكامل الالتقاء بين مكونات اللقاء المشترك وفقاً لحاجة كل طرف.. فالتجمع اليمني للإصلاح يحتاج للمساحة الجماهيرية والجغرافية، والبقية تحتاج لقوة وتواجد الإصلاح الذي يشهد اليوم حراكاً وصراعاً بين الأجيال وتضارب مصالح تتفاعل فيما بينها لتكون نتائجها ايجابية إذا ما انتهجت مساراً مؤسسياً وبالعكس.

تدني الأوضاع والإقصاء:

إن تدهور الأوضاع المعيشية وتفشي الفساد في كل الثنايا والشقوق جعل من تلك الجماهير التعبير احتجاجاً، (وهذا العامل مشترك) وشعور جماعات ومناطق وقبائل أخرى بالتهميش والإقصاء (بدرجات متفاوتة) عبرت عنه احتجاجاً.

وهنا يأتي السؤال: هل العوامل الثلاثة (إعادة توزيع المنافع والنفوذ -تدني الأوضاع -الإقصاء) المذكورة آنفاً هي المحددة والمفسرة لذلك التجاوب؟ يأتي الجواب بالنفي فالأحزاب السياسية جماهيرها وقواعدها لعبت دوراً ولكن العوامل الدافعة في مرحلة انحلال الوسائط التعبيرية (الحركات الاجتماعية -المثقفين ...) بين الاجتماعي والثقافي وذلك الانحلال يعني تعليق دلالة الفعل الاجتماعي.

فالجماهير لا تتجاوز في مطالبها الأساسيات المتعلقة بالوجود البيولوجي، وهنا ينبثق سؤال: ما العلاقة بين الحشود الجماهيرية والتصويت؟

السلوك الانتخابي:

إن اتخاذ قرار اختيار المرشح لا يخضع في جانب كبير منه للعلاقات الوشائجية والمصالح فحسب بل لحاجة الجماهير سواء كانت أساسية أو مطلبية وهنا المطلبية معلقة الدلالة فالنخب مطالبها سياسية والجماهير الوجود البيولوجي (الأمن والاستقرار) وعزز هذا الخطاب المتوتر في الحملات الانتخابية وما صاحبها من احداث (تفجير - خطف... الخ).

فاستدعى ذلك المناخ شعوراً نفسياً من الذاكرة الجماعية يستحضر تجارب الصراع الدموي الذي عرفته اليمن في المرحلة الشطرية أو بعدها. وهناك أيضاً عوامل أخرى منها ماهو مجتمعي حضاري وآخر انتخابي (إدارة العملية الانتخابية). فالعامل الأول يتمثل بغياب ثقافة التداول السلمي ليس فقط في الفضاء اليمني بل العربي الإسلامي. أما العامل الثاني يتمثل بمقدار العلاقة القائمة مع المرشح فالمرشح بن شملان مهما كانت نزاهته فإنه يظل مجهولاً وفترة تسويقه قصيرة جداً ومهما كانت الأسباب تنسيقية، تكتيكية، أمنية أو إدراك المنظومة السياسية بعدم توفر بيئة مهيأة للتداول السلمي للسلطة... الخ. فإن التسويق يتطلب فترة طويلة المدى يتم فيها تسويق عدد من الأشخاص جماهيرياً كرموز سياسية واجتماعية من خلال الفعاليات والأنشطة وإعلان المواقف وتلك العمليات تعمل على إقامة علاقة حميمة مع الجماهير تمكن الجماهير من اكتشاف جوانب عديدة من شخصيتها ومواقفها تبدد المخاوف وتتصالح مع كل الجماعات السياسية والمناطقية، والقبلية. وعند إعلان ترشيح أحدهم يكون معروفاً وعلاقته حميمة بالجماهير ويمنح ترشيحه الطمأنينة. ودون الالتفاف إلى كل ما تقدم، لقد توفرت كل الحظوظ الموضوعية محلياً وخارجياً للمرشح علي عبد الله صالح. وفي نفس السياق لابد أن نسجل للتأريخ الموقف الشجاع للمهندس فيصل بن شملان الذي سيمنحه المكانة والموقع البارز مع المؤثثين للمستقبل اليمني.

خروقات مجانية:

تأسس المؤتمر الشعبي العام عام 1982، في بيئة اجتماعية وسياسية وثقافية طاردة لكل ما هو حزبي لملء الفراغ السياسي. وهذا ما جعل النخبة السياسية ترفض تعريفه رسمياً كتنظيم حزبي وحتى تلك الأحزاب والقوى التي انضوت تحت جناحيه تم قبول رموزها بصفتهم الشخصية وبتأسيس المؤتمر تنفست السلطة بعد صراع مرير لم تعرف اليمن بشطريه الأمن والاستقرار. وبغض النظر عن الهدف المعلن من التأسيس وآليات الاشتغال المتفق عليه فإن ظروف تلك المرحلة فرضت بفعل تركز السلطة (عسكرية ومدنية) لدى جماعة محددة. وهذا ما جعلها تمنح البقية منافع ومناصب ومزايا، وخلق في نفس الوقت خطوط تواصل وتعارف واختراق للشخصيات والأحزاب الممثلة. وأصبحت تلك الآلية (توزيع المنافع والمزايا والمناصب) عبئاً على المؤتمر في مرحلة لاحقة عندما تغيرت معطيات الواقع وأهداف التحالفات.

ومع قيام الوحدة اليمنية عام 1990، كبرت واتسعت رقعة المؤتمر وجماهيره واكتسب الحزب شرعية وطنية وتاريخية لدوره في تحقيق الوحدة اليمنية وتعززت هيمنته وانفراده بالحقل السياسي تدريجياً بدءاً من انتهاء حرب 94 حتى اليوم. وساهمت ثقافة التقاسم المتبعة في تعزيز آليات توزيع المنافع والمناصب (انظر مقالنا السابق الذكر)، وأدى ذلك التوسع الأفقي إلى إهمال المجتمعي وانعكس ذلك على شعبية المؤتمر.

إن آلية توزيع المنافع والمناصب لم تعد صالحة اليوم فقد اكتسب المؤتمر بعداً وطنياً وحجماً هاماً يمكنه من الاستمرار بقوة مؤسسية فهو يمتلك كوادر مؤهلة وجماهير يمكن كسبها بفضل الإنجازات وعليه أن يتخلص من عبء الفاسدين والمنافقين الذي يشكل وجودهم عبئاً له تأثيراته السلبية عليه وهؤلاء هم من ارتكبوا الخروقات الانتخابية ويستغلون عضويتهم لتحقيق مصالحهم الذاتية.

إن المؤتمر الشعبي العام كحزب حاكم وظف كل الإمكانيات واستعمل كل الوسائل في تطابق بين الحزب والدولة وهذا يدركه الجميع والمهم أن يدركه بوعي المؤتمر وقيادته وإذا ما تم ذلك فإنهم يستطعيون إعادة بناء الذات وتفعيل العمل المؤسسي والاعتماد على الكوادر، وتنفيذ البرنامج الانتخابي مما يجعلهم في المستقبل أكثر طمأنينة ودون الحاجة لإمكانيات الدولة وخدمات الفاسدين وأصحاب المصالح.

نتائج الانتخابات المحلية:

عندما اشتدت الحملات الانتخابية الجماهيرية، أربك الحضور الجماهيري لمرشح اللقاء المشترك الجميع محلياً وخارجياً وكان اشد وطأة على الرئيس علي عبد الله صالح وجماعته المقربة الأمر الذي جعله يقود الحملة الانتخابية بنفسه بحزم واستنفار حزبي انعكس بقوة نحو الأسفل بقوة، ووظف ذلك الاستنفار والموارد والإمكانيات للانتخابات الرئاسية والمحلية، الأمر الذي حقق تلك النتائج للمؤتمر وساعده في ذلك غياب التنسيق بين أحزاب اللقاء المشترك، وهيمنة الإصلاح وإحساسه بالتفرد والتميز والقوة عن بقية الشركاء وكان من المفترض إجراء الدراسات والمسوح الميدانية لتحديد الشخصيات الجماهيرية. فأحزاب اللقاء المشترك انشغلت وشغلت بالعملية الانتخابية وتحديداً باللجنة العلياء للانتخابات واستنفدت طاقتها في ذلك ولا ننسى عاملاً آخر يتمثل بتاريخ اللقاء المشترك والمتمثل بانسحاب التجمع اليمني للإصلاح من التحالف بعد تحقيق مأربه من المؤتمر وهذا جعل النخب والمتتبعين ومنها كاتب هذا المقال تشكك باستمرار التجمع اليمني للإصلاح في التحالف حتى النهاية وكان لهذا أمر انعكاس سلبي ناتج عن انعدام الثقة بين مكونات اللقاء المشترك. وإكمال التجمع اليمني للإصلاح المشوار، يعني أن هناك تشكيلاً جديداً لخارطة القوى والمصالح.

اللقاء المشترك:

لقد جاء اللقاء المشترك استجابة لتحول خارطة القوى وكان الهدف التنسيق بهدف تحقيق انتخابات نزيهة واستمر التنسيق بنفس المستوى حتى اتخذ منعرجاً جديداً مع انتخابات 2006، ونرى ان اللقاء المشترك بدأ خطوة الألف ميل بانتخابات 2006 بكل سلبياتها على المستوى التنسيقي وان تحديد استراتيجية واضحة وبراجماتية لمكونات اللقاء المشترك تستوعب وتدرك وتفرق بين القضايا المشتركة ذات الطابع الوطني والمسائل الحزبية فاللقاء ليس إطاراً اندماجياً بل تنسيقي وقبل كل ذلك لابد أن تتوفر لدى القيادات النية والوضوح والشفافية.

الأولويات:

توضع الأولويات وفقاً للمواقع ونرى أن أول أولويات المؤتمر الشعبي العام تتمثل في إعادة بناء الحزب من الداخل وهذا ما يمنحه القوة والتماسك لتنفيذ برنامجه الانتخابي وثانيها التخلص من عبء الأعضاء غير المخلصين أما أحزاب اللقاء المشترك فتتمثل أولوياتها في بدء حوار شفاف وواضح يقيم الأداء والنتائج وإذا ما تم توضع أجندة من المطالب يتم تفعيلها باستمرار ولا تقتصر على الفترة السابقة للمشاركة وعليه متابعة تنفيذ وتقييم برنامج المؤتمر الشعبي العام المعلن والتذكير المتواصل بالوعود، والقطع في نفس الوقت القطع مع ثقافة التوافق التي أفرزتها مرحلة ما بعد الوحدة بين الحزبين الحاكمين وبقية المنظومة السياسية، وفي مرحلة ثانية بين المؤتمر وبقية الأحزاب السياسية وتلك الآلية تضعف دولة النظام والقانون وتضعف مكاسب الأحزاب على المستوى البعيد فالالتفاف على الدستور والقوانين يفقدها الدربة ومعرفة المعيقات للعمل على إزالتها أو تعديلها.

استمرار التفاؤل:

لقد تحدثنا في موقع سابق عن شروط التجاوب الجماهيري وبينا انعدامها. وهذا يعني أن الرهان على الجماهير وتحريك الشارع ليس خياراً عملياً في بداية مرحلة 2006 على الأقل فغياب الحامل الاجتماعي والوسائط التعبيرية يجعل الرهان على العامل النفسي الفردي المتفائل بالتغيير والتحسن. واستمرار خلق الحالة يجعل الجماهير غاضبة في حالة الإحباط أو معاقبة عند الانتخابات، وهذا يتطلب العمل عبر وسائل الإعلام، الأشرطة، النزول الميداني، بعبارة أخرى شبه حملة انتخابية مستمر وهذا يجعل المؤتمر الشعبي العام مستنفراً في حالة حرب تدفعه نحو تحقيق إنجازات تعكس العملية كلها على الوطن وتلك العملية -نقصد تواصل الحملة- تمهد بقوة لأي انتخابات قادمة للأطراف المتنافسة، وأي تعثر في التنفيذ من قبل المؤتمر سيجبره على التخلص من الأعضاء السلبيين والفاسدين.

علي عبد الله صالح:

غالباً ما يتفاجأ المراقبون والجماهير بصعود قادة عسكريين غير متوقعين إثر الانقلابات أو الاغتيالات إلاَّ أنهم يحملون مواصفات شخصية ومواقع مفصلية في معادلة توازن القوى وهذا يكون غير معروف للجماهير وينطبق هذا على الرئيس علي عبد الله صالح الذي توقع له الكثيرون الالتحاق السريع بالرؤساء السابقين وإذا به يشكل استثناء تاريخياً في سنوات بقائه وفي المنجزات التي تحققت في عهده (دون النظر إلى السلبيات) واهم تلك المنجزات تحقيق الوحدة اليمنية. ويخرج صالح من الجحيم دائماً منتصراً، يقيم علاقات تحالفية مع كل المكونات ويعيد حميمية العلاقة مع خصومه في التوقيت الذي يريد.

لقد خدمت الظروف المحلية والدولية الرئيس علي عبد الله صالح ومنحته رصيداً تاريخياً وطنياً يمكن أن يستثمر إذا ما وظف جيداً. فالخلود لا يقاس بسنوات البقاء في السلطة بل المسافة الحضارية المقطوعة في عهده. وإذا ما كان الرئيس صالح جاداً في تحقيق وعوده فإنه بحاجة لدعم المنظومة السياسية كاملة.

إن بقاء علي عبد الله صالح رمزاً وقائداً لا يتمثل في بقائه أو توريث السلطة بل بتهيئة اليمن للمستقبل وهذا ما سيجعله رمزاً يمنح أولاده وأحفاده رأسمالاً وطنياً يمكنهم من استثماره سياسياً، اجتماعياً، تجارياً... الخ، ويمكنهم من الوصول ثانية إلى السلطة.

إن هذه المسألة ليست بالأمر اليسير كما هو الحال وأنا اكتب هذه المقالة النظرية فالرئيس علي عبد الله صالح وإن توفرت له الإرادة فإنه قادر منفرداً على اجراء الاصلاحات ومكافحة الفساد. واضعاف نفوذ مراكز القوى وتخسيس وزن القطط السمان لأنه الآن يمتلك شرعية جماهيرية وثقة متأتية من سيطرته على المؤسسة الأمنية والعسكرية (وهذا لم يتوفر في السابق) يمكنه من اجراء الاصلاحات المطلوبة، ولا تحتاج البداية الى أكثر من اشارة ومساحة لوسائل الاعلام الرسمية والاهلية والحزبية لتناول ومناقشة المسائل والشخصيات، وهذا يجعله في حل من الحرج والالتزام الاخلاقي في السابق تجاه تلك الشخصيات أو المؤسسات وتبديلها بدماء جديدة تكون سنداً ودعماً له وللدولة الحديثة المرتقبة.

الشيخ/ حميد الأحمر:

لقد ظل الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رقماً صعباً في المعادلة السياسية اليمنية، رقماً لا يمكن تجاهله أو تجاوزه وحتى وهو على فراش المرض غير المعادلة الانتخابية بترشيحه الرئيس علي عبد الله صالح. ونظراً لكبر سنه وتوعكه الصحي بدأت النخب تتحدث عن نهاية دوره في المعادلة، ولكن الانتخابات الأخيرة قدمت الشيخ حميد الأحمر امتداداً قوياً ومقبولاً قبلياً، ونخبوياً، وتجارياً.

لقد جاء بمواصفات تتناسب ومتطلبات الحاضر ليواصل لبيت الأحمر الحضور الهام والمؤثر في المعادلة السياسية.

وأخيراً.. إن مرحلة ما بعد انتخابات 2006 مرحلة جديدة قطعت مع الماضي فلن تقبل الآليات والخطابات السابقة مهما كانت الأسباب وعلى المنظومة السياسية -السلطة والمعارضة- الاستعداد لمتطلباتها.

الهوامش:

 (1) انظر الطاهر لبيب، «ثقافة بلا مثقفين: من الملحمي الى التراجيدي» مجلة المستقبل العربي، العدد 282، 2002م.

 (2) انظر مسح ميزانية الأسرة 1998م.

 (3) انظر محمد عابد الجابري، العصبية والدولة، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2001، ط7

 (4) نفس المرجع السابق.

  E-mail: fanon107@yahoo.com

* أستاذ علم اجتماع ، مؤسس " تجمع دكاترة عاطلون ".. تنشر المادة في " التغيير" بإذن الكاتب.

المصدر / التغيير نت 

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن