آخر الاخبار

قراءة في ثورة شباب مصر – وكيف يمكن أن نستفيد منها في اليمن من قبل السلطة والمعارضة

الأحد 13 فبراير-شباط 2011 الساعة 06 مساءً / مأرب برس - نبيل الشرعبي – مصر – خاص
عدد القراءات 6645
 
 
 

هناك من يقول بأن مصر انهارت ودمرت وتعرضت للكثير من الخسائر بسبب ثورة 25-يناير/2011، وأن البلد كان في استقرار وأمن وأمان، ويسعى جاهداً لتقديم الحجج والمبررات مستشهداً بما حصل في مصر من سلب ونهب وبلطلجة (بغض النظر عن من وراء كل ذلك)، وذلك كله بهدف إخافة وترهيب وخلق الذعر في قلوب شعوب باقي الدول العربية الراغبة في التغيير .

في نفس الوقت الذي يتم فيه تجاهل المكاسب التي حصدتها الثورة في مصر.. والحقيقة أن مثل هذا التوجه هو توجه معروف ومعتاد للأنظمة العربية الحالية (ومنها النظام في اليمن)، فهم دائماً ما يخوفون الشعوب مما حدث في أفغانستان والسودان والصومال وفي ...إلخ . ليس خوفا منهم على استقرار الأوطان بقدر ما هو خوفاً منهم على بقائهم واستقرارهم ومصالحهم ..بل وخوفاً منهم على أن يتم تحويلهم للمحاكمة – متى ما انتصرت الثورات – عما فعلوه ومازالو يفعلوه في الشعوب .

وقبل أيام من كتابة هذا المقال كان التلفزيون المصري المتحدث الرسمي بلسان النظام (السابق أو المخلوع أو سميه كما شئت) يرهب الشعب المصري ويخوفه من خطورة ما يحدث في الساحة على الأمن والاستقرار وما يترتب عليه من حصول خسائر، كما يحمل المتظاهرين مسئولية كل ما يحدث من انفلات أمني وخروج المساجين من السجون وحالات السلب والنهب بل ويتهمهم بالخونة والعملاء والذين يسعون لتنفيذ أجندة خارجية ولا يعترف بثورتهم ولا بشهدائهم..وقد ساهم ذلك كله في خلق حالة من الكره والحقد بين الأخوة المصريين ..بسبب التعبئة الإعلامية السيئة تجاه المتظاهرين والمعتصمين في ميدان التحرير (وهو نفسه ما يمارسه الإعلام اليمني الرسمي اليمني والذي ستكون عواقبه وخيمه إذا لم يتم تدارك ذلك وبسرعة ).

وحين تنبه – لذلك - المخلصين من المثقفين والسياسين والكوادر المصرية الوطنية بمختلف فئاتها ..تم تنبيه الإعلام المصري إلى الخطأ الذي يرتكبه بل وتم الضغط حتى على الحكومة المصرية والتي سارعت بالاعتراف بشرعية مطالب المتظاهرين وبضرورة حمايتهم وبأنهم وطنيين ومخلصين وثوار وبأنهم حققوا لمصر خلال أيام ما لم يكن أحد يتخيل أن يتم تحقيقة خلال سنين، فلمسنا بذلك تغيراً كبيراً في توجه ورسالة الإعلام المصري الرسمي والذي بدى واضحاً في خطابه وحواراته التي عقدها مع مختلف الأطياف بما فيهم مجموعه من المتظاهرين والمعتصمين في ميدان التحرير، معترفاً بذلك بثورتهم وأهميتها وما حققته من إنجازات، وتم التركيز على شهداء الثورة والتواصل مع أهاليهم، كما تم مناقشة العديد من المسائل الحرجة، ومحاولة التوفيق بين أراء الثوار المعتصمين في الميدان من جهة وبين اؤلئك الذين ثاروا ثم اقتنعوا بفكرة بقاء الرئيس إلى نهاية فترته الرئاسية فقط) من جهة ثانية، واؤلئك المؤيدين للنظام من جهة ثالثة .. مع احترام الإعلام المصري الرسمي لوجهات نظر الجميع وحرية الرأي والرأي الآخر ..وهي مرحلة لم تكن تشهدها مصر قبل ثورة 25/يناير /2011 على حد تعبير الكثير من المحلليين والسياسين المصريين أنفسهم ..ذلك الحوار الجديد البناء الهادف والحر الذي طرأ على الساحة السياسية المصرية ..والذي لو كان متاحاً قبل الثورة ..لما كان هناك حاجة أصلاً لقيام ثورة .

وفي هذه المرحلة، أتيح للشباب المصري حرية التعبير من مختلف مواقعهم سواء كانوا صحفيين أو مراسلين أو ناشطين ..إلخ، كما أتيح لهم الإفصاح عن أرائهم في مختلف الصحف والقنوات الفضائية المحلية والعالمية (ليس الشباب فقط بل أن حرية الرأي قد طغت على المناخ السائد في مصر خلال الثورة بشكل عام)..ليخرج الأخوة المصريون مستفيدون استفادة كبيرة من الثورة في مختلف المجالات والتي من أهمها المجال السياسي، فقد ظهر مجموعه من الشباب التي لم تكن تهتم بالمشهد السياسي ولا تعرف شياً عنه، بل وكانت متهمه بأنها مجموعة أو فئة خامله غير فاعلة لا تعمل شي ( وهذا وفقا لما أكده بعض الشباب الثوار في مقابلات تلفزيونية رسمية معهم) بدى اؤلئك الشباب وهم يتحدثون - لا أقول وكأنهم - بل وأنهم بالفعل ناشطون سياسيون محنكون في أمور السياسة ويتعدى اهتمامهم بما يجري على الساحة إلى أبعد من ذلك، فهم يفكرون في مصر بعد الأزمة وكيف سيخرجون أقوياء وستخرج مصر معهم قوية وعظيمة، ويخططون كيف سيبنون بلدهم ويعمرونها وينظفونها من مخلفات الحرائق والأوساخ بعد أن ينظفونها أولاً من الفساد والفاسدين .

كما نلحظ من جانب آخر، أنه تم فتح العديد من ملفات الفساد على مختلف الأصعدة وتقديم بلاغات من جهات مختلفة عن بعض المتهمين بالفساد لم تستثني حتى رأس النظام المصري، وتطالب بالتحقيق بثروته، ومن أين؟ وكيف حصل عليها؟ ..خاصة وأن العديد من الصحف المحلية والعالمية تداولت الحديث عن أن ثروة مبارك تتراوح ما بين 40 إلى 70 مليار دولار ..فضلاً عن تقديم الكثير من البلاغات المتعلقة بوزراء ومسئولين تنفيذيين وسياسيين في الحكومة السابقة وفي الحزب الحاكم ..ووصل الأمر إلى منع بعضهم من السفر إلى الخارج .

كل ذلك ..الحقيقة يعكس وبوضوح بأن الثورة المصرية والتي صاحبتها كل تلك المكاسب المشار إليها أعلاه ..فضلاً عن مكاسب أخرى عدة تمثلت في تعيين نائب رئيس الجمهورية، وإقالة حكومة وتعيين حكومة جديدة والموافقة على إجراء تعديلات في بعض مواد الدستور، فضلا عن تعهد مبارك بعدم الترشح لفترة رئاسية جديدة، وبعدم توريث الحكم لإبنه، ..إلخ ، والتي توجت أخيراً ( 11-فبراير/2011) بتحقيق المطلب الرئيسي للشعب، كل ذلك هو خير شاهد أن مصر في مختلف فئاتها وأطيافها - ومن كل النواحي - قد استفادت استفادة كبيرة من قيام الثورة ..وأنها ستعود بقوة على الساحة المحلية والإقليمية والعالمية .

أما الخسائر التي ترتبت على الثورة، فلا توجد ثورة بلا تضحيات، ولا بد من دفع ضريبة على مكاسب وانجازات الثورات، وفي نفس الوقت، كان من الممكن تلافي الحجم الأكبر من تلك الخسائر اليومية في الاقتصاد المصري (مثلاً) لو أن الثورة حققت هدفها الرئيسي والأول في أسبوعها الأول (ذلك من جهة) .

ومن جهة أخرى، فإن المكاسب أو المنافع التي ستجنيها مصر من الثورة – مستقبلاً - هي أكبر (من وجهة نظري) من الخسائر التي يستعرضها البعض (وبالتالي فإن الثورة - في ظل عدم وجود اصلاحات عملية حقيقية ونية صادقة لتداول السلطة سلميا - تكون أمراً لا بد منه وفقاً لمحدد التكلفة/ المنفعة) .

والحقيقة، هي أن المكاسب أو المنافع لا يراها من يتخوف مما يجري الآن على الساحة أو من يخاف على مصالحه الحالية، أو من يخاف من أن يتم تحويله للمحاكمة (في مصر)، أو من يخاف أن تهب رياح الثورة تجاهه لتقتلعه من على كرسي السلطة (في باقي الدول العربية) ..إنما يراها من ينظر إلى أبعد من ذلك بكثير ..من ينظر إلى مستقبل مبني على أساس من الحرية والديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان والمشاركة الفعالة للشعب في اختيار أعضاء المجالس المحلية والتشريعية والاستشارية وفقا لآليات سليمة وصحيحة ومشروعة وليست مزورة، والتعامل مع رئيس الدولة بناء على العلاقة التعاقدية بين الشعب وبينه، لا على أساس علاقات من نوع آخر، وعدم تأليه الأشخاص، وإدراك المسئولين بأن المسئولية تضعهم في موضع المسائلة عن خدماتهم للشعب، وليست استعباد المواطنين وترهيبهم وتعذيبهم وسلب حقوقهم المادية والمعنوية، فضلاً عن إطلاق شعار بالروح بالدم .. للأوطان وليس للأشخاص .

لذلك ..بدلاً من تركيز النظام في اليمن بشكل عام والإعلام اليمني الرسمي بشكل خاص على ماحدث في مصر من خسائر وحرائق وسلب ونهب واختلافات وصراعات (مستشهداً بشهادة بعض المواطنين والطلاب العائدين من مصر خلال أيام الثورة) بغية تخويف الناس وترهيبهم والحد من قيام ثورة حقيقية في اليمن نكاد نجزم بأن اليمن في حاجة ماسة إليها.

بدلاً من ذلك،على النظام في اليمن أن يعترف بحقيقة مكاسب الثورة المصرية على كل الأصعدة،والتي أعترف بها سياسيون ومثقفون من داخل النظام المصري نفسه، كما اعترف بها العديد من المراقبين من محلليين وناشطين وعلماء ومفكرين وزعماء دول، بل وباركتها معظم الشعوب العربية – التائقة للحرية - من المحيط إلى الخليج.

كما أن على النظام في اليمن عدم المراهنة على تهويل الشعب اليمني مما حدث في مصر ..وأن يعي الدرس جيداً مقدماً المصلحة الوطنية أولاً على المصالح الشخصية والحزبية والبدء وبأسرع ما يمكن بحزمة من الإصلاحات وبتلبية مطالب الشعب اليمني – وهي المطالب التي يعرفها النظام حق المعرفة .

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ألا يمكن للنظام اليمني أن يحقق مطالب الشعب ..دون الإنتظار لقيام ثورة وسقوط الكثير من الشهداء؟ يمكن ذلك .. لما لا ..؟ إذا ما كان النظام حقاً صادقاً في نواياه وتوجهاته نحو التغيير . وإذا كان النظام حقاً قد استفاد من تجربة مصر، وتعلم الدرس جيداً، وأيقن بأن لا جدوى من خوض معركة مع الشعب نتيجتها معروفة سلفا، وهي أن الشعب هو الأقوى وهو الذي ينتصر متى ما أراد الحياة.

أما إذا انتظر النظام مراهناً على تخويف الناس مما حصل في مصر! (ولم يحصل إلا كل خير)، أو مراهناً على الحلول الأمنية (فشلت مصر في هذا الجانب وقد عرف عنها بأنها الأقوى بالمقارنة)، أو مراهناً على بعض الخطابات والمبادرات الهادفة إلى امتصاص غضب الشارع في الآونة الحالية بدون تأكيدها بممارسات عملية على الواقع، أو مراهنا على ...إلخ .

فإنه لن تكون هناك فرصة أخرى للنظام لإجراء أية إصلاحات ..إذا ما تطورت حالة عدم الثقة بين الشعب والنظام (باعتبارها موجودة حالياً) وترتب عليها قيام ثورة وسقوط شهداء و ...

وهنا تجدر الإشارة إلى أن المبادرة التي تقدم بها الأخ الرئيس علي عبدالله صالح هي مبادرة غاية الذكاء والحكمة ..والتي تميز من خلالها وبها على الكثير من رؤساء الدول العربية الذين أخذتهم العزة بالإثم ...وتكبروا على شعوبهم وراهنوا على قمعها (من وجهة نظري - وقد أكون مخطئ- لو أن الرئيس مبارك بادر وأعلن أنه لن يترشح لفترة مقبلة وأنه لن يورث إبنه ووافق على إلغاء قانون الطوارئ وسمح بإجراء بعض التعديلات ..لو فعل ذلك قبل الثورة لما حصل ما حصل ) .

ولكن ..على الأخ الرئيس ونظامه أن يثبتا حسن النية، وأن يوصل إلى الشعب اليمني – الإحساس- بأن ما تقدم به الأخ الرئيس من مبادرة وما ينوي النظام القيام به من إصلاحات هي – لا أقول محاولة – ولكن خطوة حقيقية وصادقة على طريق التغيير والتداول السلمي للسلطة وعدم احتكارها أو توريثها، مبنية على الاستفادة من الدروس، وهادفة إلى تغليب المصلحة الوطنية ..ولاشي غيرها، ويتأتى ذلك من خلال القيام بإجراءات فعلية حقيقية وسريعة تدعم صدق نوايا النظام.

فعلى النظام أن يدرك بأنه إذا ما راوغ في الحوار، أو أخفق في الإصلاحات أو فشل في مد جسور الثقة بينه وبين الشعب ، فإن الخيار الآخر للنظام (ولن نتحرج ولن نخاف من قول ذلك) هو أن يتنحى ويترك الشعب اليمني يحافظ على وحدته ويقرر مصيره بنفسه.

يتسائل البعض.. لماذا لم يقم النظام بتلك الإصلاحات سلفاً خلال فترة حكمه التي دامت عقوداً من الزمن ..؟! وهو سؤال منطقي .. (والإجابة عليه سهلة وواضحة ولا تحتاج إلى الكثير من الاجتهاد!)، ولكن أعتقد بأننا في هذه المرحلة الحرجة بحاجة للتفكير بشكل إنساني أكثر منه بشكل منطقي بغرض خلق حالة من الثقة في البيئة اليمنية عامة وفي المناخ السياسي اليمني خاصة بدلاً من المساهمة في زيادة حالة الشك التي برزت وبقوة في الساحة السياسية في اليمن، نقول هذا - ليس خوفاً على فئة معينة (ننصح بأن تكتفي بما جلبته لِ أو على - الوطن - سلباً أو إيجاباً)- بقدر ما هو من أجل اليمن الذي يكفيه مافيه .

وأعتقد أن اليمن تستحق منا جميعا – كل في مجاله - أن نفكر ونعمل من أجل وحدتها وتقدمها وازدهارها، وإذا لم يفعل أبنائها ذلك ..فمن سيفعل ؟!

ويمكن أن نخرج مما سبق بالتوصيات التالية :

1 – ينبغي على النظام تلبية مطالب الشعب في الحرية والعدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان وإبداء الرأي وحق التغيير وممارسة جميع الحقوق التي كفلها له الدستور، وسرعة ترجمة المبادرة من نصوص على ورق إلى ممارسات عملية حقيقية تثبت حسن نواياه، فضلا عن تقديم النظام ضمانات كافية تكفل وتسهم في مد جسور الثقة بين النظام والشعب والتي أصحبت على شفا جرفٍ هار .

2 – ينبغي على المتظاهرين الأبطال من أبناء الشعب اليمني الحر أن يحرصوا كل الحرص على التظاهر والمطالبة بالحقوق بشكل سلمي،وأن لا يسمحوا لأياً كان أن يشوه نضالهم.

3 – يجب أن لا يراهن نظام الحكم في اليمن على الحلول الأمنية في التعامل مع المتظاهرين .

4 – ينبغي على رجال الأمن أن لا ينجروا إلى معركة خاسرة مع إخوانهم وبني وطنهم، بل عليهم أن يحموهم في نضالهم السلمي المشروع.

5 – ينبغي على الجيش اليمني أن يكون دائماً وأبداً حامياً وحارساً أميناً للوطن من أقصاه إلى أدناه ومن شماله إلى جنوبه، كما ينبغي عليه أن يدرك (ونحسبه كذلك) أن دوره متمثل في حماية الوطن لا في حماية النظام الحاكم.

6 – ينبغي على الإعلام الرسمي اليمني أن يعرض الحقيقة كما هي في الواقع اليمني بكل صدق وشفافية، وأن يبتعد عن توجيه التهم للمعارضين من أبناء الشعب بكونهم دعاة تخريب أو عملاء أو ...إلخ، كون هذا التوجه الإعلامي يشعل الحقد والكره بين أبناء الوطن الواحد، ويخلق حالة من عدم الإستقرار لا يحمد عقباها.

7 – علينا جميعا تغليب مصلحة اليمن على مصالحنا الشخصية والحزبية والقبلية، علينا أن نروي قلوبنا بحب الوطن، علينا أن نزرع الخير في تراب الوطن، علينا أن نتفق من أجل الوطن، وأن لا نختلف من أجل أشخاص، فالوطن باقِ والأشخاص زائلون .

 
اكثر خبر قراءة أخبار اليمن