أفرزت الانتخابات حقائق أبرزها قناعة اليمنيين بأن الصراع على السلطة لا يأتي عبر الانقلابات العسكرية وحمامات الدم، بل بالاحتكام إلى صناديق

الخميس 28 سبتمبر-أيلول 2006 الساعة 11 صباحاً / مأرب برس / صادق ناشر
عدد القراءات 3150

انتهت الانتخابات الرئاسية والمحلية اليمنية بعد أشهر من الجدل الحاد الذي ميز الحياة السياسية في البلاد، خصوصاً بين اللاعبين الكبار في الساحة أبرزهم حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، الذي يتزعمه الرئيس علي عبدالله صالح وتكتل أحزاب اللقاء المشترك، الذي يضم في عضويته خمسة أحزاب أهمها التجمع اليمني للإصلاح، الحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري. وبعد منافسات ساخنة بين الأحزاب المشاركة في هذه الانتخابات بدأت في مرحلة الدعاية الانتخابية، مروراً بيوم الاقتراع في العشرين من شهر سبتمبر/ أيلول الحالي وما لحق هذه العملية من عملية فرز أصوات الناخبين وانتهاء بإعلان النتائج أغلق اليمنيون واحدة من أهم المراحل المفصلية في تاريخهم الحديث، فقد كان الجميع، سواء أولئك الممسكون في السلطة أو المعارضة وحتى المراقبين يخشون أن تتحول هذه العملية إلى اشتباك سياسي وميداني بين الأطراف كافة، بخاصة بعد تبدل التحالفات في الساحة عشية إجراء الانتخابات.

غير أن إعلان النتائج بالصورة التي أعلن عنها من قبل اللجنة العليا للانتخابات التي أشرفت على العملية برمتها وفوز الرئيس علي عبدالله صالح بنسبة تصل إلى 77% وحصول منافسه مرشح أحزاب اللقاء المشترك المهندس فيصل بن شملان على نسبة تصل إلى نحو 22% وقبول المعارضة في نهاية المطاف بهذه النتائج رغم التحفظات التي أعلنتها على بعض الممارسات التي شهدتها العملية أعطى الضوء الأخضر لصفحة جديدة في تاريخ اليمن تكرس مبدأ التنافس السلمي على السلطة.

أفرزت الانتخابات الأخيرة في اليمن العديد من الحقائق التي ستنعكس على مستقبل البلاد، أبرزها قناعة اليمنيين بأن الصراع على السلطة لا يأتي عبر الانقلابات العسكرية وحمامات الدم، بل بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وهذا الإنجاز لا يحسب لطرف بعينه، بل لكل الأطراف السياسية كافة التي قبلت اللعبة الديمقراطية، سواء الحزب الحاكم وعلى رأسه الرئيس علي عبدالله صالح، الذي وفر المناخات الكافية لإجراء هذه الانتخابات أو المعارضة التي مارست حقها في هذه التجربة التي ستكون لها مردوداتها في المستقبل.

وبصرف النظر عن النتائج التي حققها هذا الطرف أو ذاك في هذه الانتخابات، وحتى الخروقات التي شهدتها العملية الانتخابية، إلا أن الجميع خرج من هذه التجربة منتصراً، الحزب الحاكم انتصر لأنه دخل وهو يدرك حجم المعارضة له في الشارع، وقبل التحدي بإنزاله أكثر شخصيات البلاد ثقلاً في الحياة السياسية في البلاد وهو الرئيس علي عبدالله صالح، والمعارضة بقبولها تحدي الرجل الأول في البلاد عبر مرشح اتفقت الأحزاب الخمسة المكونة للقاء المشترك على ترشيحه وهو المهندس فيصل بن شملان، الذي ظهر نداً قوياً للرئيس صالح في كافة المناطق التي شهدت مهرجانات خطابية ضخمة، وسجل الطرفان حضوراً مهماً في تاريخ الحياة السياسية اليمنية، وإذا كان الرئيس صالح حقق انتصاراً متوقعاً فإن خوض ابن شملان هذه التجربة منح المعارضة ثقة بقدرتها على التنافس في هذا المعترك الانتخابي الكبير.

ويحسب لابن شملان المشهود له بالنزاهة والاستقامة إقدامه على خوض هذه التجربة، وهو يدرك أنه سيتعرض للكثير من الهجوم، الذي لا يرحم، وهو ما حدث فعلاً، خصوصاً أثناء الحملات الانتخابية وحتى يوم الاقتراع، فقد نزع ابن شملان حالة الخوف من المنافسة على منصب الرجل الأول في البلاد، وشاهده الناس وهو يجوب البلاد من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها بحثاً عن اصوات الناخبين للوصول إلى هذا المنصب المهم في البلاد العربية، كما أن تسليم الرئيس صالح بهذه المنافسة أمر جديد على المواطن العربي، حيث شاهدنا الرجل وهو يجوب البلاد طالباً أصوات الناخبين لإعادته إلى منصبه من جديد.

وأحدثت الانتخابات الرئاسية في اليمن تحولاً مهماً وكبيراً في تاريخ البلاد، ففي يوم الاقتراع شوهدت الطوابير الطويلة من المواطنين للإدلاء بأصواتهم لانتخاب رئيس جديد للبلاد، الأمر الذي يؤسس لمبدأ مهم في حياتهم وهو أن الصندوق هو الحكم الأول والأخير في التنافس على هذا المنصب الكبير. وربما من المهم الإشارة إلى الشأن الأمني في هذه الانتخابات، فإلى ما قبل ساعات من الاقتراع كان الجميع سلطة ومعارضة يخشون أن تتحول البلاد إلى ساحة من الاقتتال الداخلي، خاصة بين أنصار الحزب الحاكم والمعارضة، إلا أنه لم يسجل ما يذكر من حوادث عنف خلال مرحلة الدعاية الانتخابية ومرحلة الاقتراع والفرز وما تلاها باستثناء حالتين أو ثلاث لا تعد ضمن دوائر القلق.

وبعد الانتخابات كان لزاماً على الجميع التسليم بنتائج الانتخابات، ويسجل للمعارضة هذا الموقف المهم، إذ اعترفت بنتائج الانتخابات، وإن أكدت على حقها في متابعة الخروقات التي شوهت العملية الانتخابية، وتعهدها بمواصلة النضال السلمي منحها قدراً من العقلانية في التعامل مع الأمور.

واليوم وبعد انتهاء المرحلة المهمة في تاريخ اليمنيين المتمثلة في الانتخابات تبدأ المرحلة الأهم، وتتمثل في ترجمة السلطة الوعود التي قدمها مرشحها أثناء الدعاية الانتخابية إلى واقع ملموس، فالبلاد بحاجة إلى طي صفحة الماضي والبدء بصفحة جديدة، وهو ما وعد به الرئيس علي عبدالله صالح في أول تصريح له عقب إعلان فوزه.

والأهم كذلك هو العمل على ترجمة الوعود الأخرى التي وردت في برنامجه الانتخابي ومن أبرزها تحسين أوضاع اليمنيين، الذين يستحقون أكثر من الوعود من خلال توفير فرص عمل للشباب العاطل عن العمل، حيث تصل نسبة البطالة في البلاد إلى أكثر من 40 %، وعدم الركون إلى المساعدات والهبات الخارجية، بل بالبحث عن موارد بديلة لتحسين الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

ولابد للدولة من تنفيذ وعودها في محاربة الفساد والمفسدين وتطهيرهم من أجهزة الدولة، لأن عدم تحقيق ذلك يسرق أحلام الناس ويفقدهم الثقة بالوعود التي تطلق أثناء الدعاية الانتخابية.

إن يمناً جديداً هو المطلوب بناؤه اليوم من قبل الجميع، فبناء البلد، كما يقول الرئيس صالح في مختلف خطاباته، هي مسؤولية الجميع في السلطة والمعارضة، وإذا كانت المعارضة مطالبة اليوم بمراقبة أعمال الحكومة والتحول إلى قوة تغيير حقيقية فإن على السلطة توسيع صدرها واستيعاب ملاحظات الخصوم لتتمكن من بناء دولة ترتكز على مؤسسات قوية تمنع وقوع البلاد في فراغ إذا ما غاب الرجل الأول 

 المصدر / الخليج