آخر الاخبار

تصريحات مفاجئة لرئيس الأركان الأمريكي: هناك قدرات لا نرغب في تقديمها لإسرائيل! تصريحات مفاجئة لرئيس الأركان الأمريكي: هناك قدرات لا نرغب في تقديمها لإسرائيل! تصريحات مفاجئة لرئيس الأركان الأمريكي: هناك قدرات لا نرغب في تقديمها لإسرائيل! مجلس الوزراء يُغرق وزارة الدفاع بالثناء اللفظي ويتجاهل صرف رواتب الجيش واستحقاقات وزارة الدفاع المالية صناعة القرارات الرئاسية في زمن رئيس مجلس القيادة الرئاسي.. قرارات تعيين رغم اعتراض غالبية الرئاسي وقرات يتم تهريبها بسرية .. تفاصيل لجنة المناصرة والتأثير بمحافظة مأرب تعقد ورشة عمل ناقشت دور السلطة المحلية والأحزاب والمنظمات في مناصرة قضايا المرأة رسالة من أمهات وزوجات المختطفين لقيادات جماعة الحوثي : ''نأمل أن نجد آذانا صاغية'' في اجتماع بقصر معاشيق.. قرارات وموجهات جديدة للحكومة اليمنية خلال رمضان فقط.. رابع حادثة وفاة لمختطفين في سجون الإنقلاب الحوثي قضاة محكمة العدل الدولية بالإجماع يوجهون امرا لإسرائيل .. تفاصيل

تفاصيل مثيرة لضرب المدمرة الأمريكية قبالة السواحل اليمنية

الأحد 10 سبتمبر-أيلول 2006 الساعة 05 صباحاً / مأرب برس / الشرق الأوسط
عدد القراءات 8643

  في يوم 12 أكتوبر عام 2000 وفي المياه العميقة لميناء عدن في اليمن، كانت المدمرة الاميركية يو اس اس كول، حاملة الصواريخ الموجهة، التي تزن 8300 طن، متوقفة عند عوامة تزويد للوقود، وكانت المدمرة، التي كلف بناؤها مليار دولار، هي إحدى أكثر سفن البحرية الاميركية قدرة على الصمود، إذ يستطيع إطارها الواقي المتين، الذي يزن سبعين طنا أن يتحمل انفجارا بقوة 51 ألف رطل من المتفجرات في البوصة المربعة، وهي مزودة بتكنولوجيا الستيلث، التي تجعل السفينة اقل وضوحاً أمام الرادارات. وبينما كانت المدمرة كول تعبئ خزانها، تقدم نحوها زورق صيد من الفيبر جلاس محمل بمتفجرات بلاستيكية، أوقف رجلان كانا في الزورق البخاري زورقهما وسط السفن وابتسما ولوحا بيديهما، ثم أديا التحية العسكرية، وكان البعد الرمزي لهذه اللحظة هو بالضبط ما كان يأمل فيه أسامة بن لادن قائد القاعدة، حينما وافق على خطة للهجوم على سفينة حربية اميركية، وقد قال بن لادن في وقت لاحق «إن المدمرة تمثل الغرب بينما يمثل القارب الصغير محمد». حطم الدوي المنبعث من الانفجار نوافذ المنازل المطلة على الساحل. وعلى بعد ميلين من مكان الانفجار ظن الناس أن هزة أرضية قد وقعت. وقد ابتلعت كرة النار التي انطلقت من فوق الماء بحارا كان قد انحنى على حافة السياج ليرى ما الذي يريد أن يفعله الرجلان على متن القارب. وقد فتح الانفجار فجوة أبعادها 40 ×40 قدما في الجانب الأيسر من السفينة، ممزقة اجساد بحارة السفينة، الذين كانوا في الجزء الأسفل منها، حيث كانوا ينتظرون تناول طعام الغداء. لقي 17 منهم حتفه كما أصيب 39 بجروح. وسبح عدد من البحارة عبر الفجوة التي أحدثها الانفجار كي ينجو من لهيب النيران. وقد بدت المدمرة الحربية الكبيرة كحيوان مبعوج البطن.

  في يوم 12 أكتوبر عام 2000 وفي المياه العميقة لميناء عدن في اليمن، كانت المدمرة الاميركية يو اس اس كول، حاملة الصواريخ الموجهة، التي تزن 8300 طن، متوقفة عند عوامة تزويد للوقود، وكانت المدمرة، التي كلف بناؤها مليار دولار، هي إحدى أكثر سفن البحرية الاميركية قدرة على الصمود، إذ يستطيع إطارها الواقي المتين، الذي يزن سبعين طنا أن يتحمل انفجارا بقوة 51 ألف رطل من المتفجرات في البوصة المربعة، وهي مزودة بتكنولوجيا الستيلث، التي تجعل السفينة اقل وضوحاً أمام الرادارات. وبينما كانت المدمرة كول تعبئ خزانها، تقدم نحوها زورق صيد من الفيبر جلاس محمل بمتفجرات بلاستيكية، أوقف رجلان كانا في الزورق البخاري زورقهما وسط السفن وابتسما ولوحا بيديهما، ثم أديا التحية العسكرية، وكان البعد الرمزي لهذه اللحظة هو بالضبط ما كان يأمل فيه أسامة بن لادن قائد القاعدة، حينما وافق على خطة للهجوم على سفينة حربية اميركية، وقد قال بن لادن في وقت لاحق «إن المدمرة تمثل الغرب بينما يمثل القارب الصغير محمد». حطم الدوي المنبعث من الانفجار نوافذ المنازل المطلة على الساحل. وعلى بعد ميلين من مكان الانفجار ظن الناس أن هزة أرضية قد وقعت. وقد ابتلعت كرة النار التي انطلقت من فوق الماء بحارا كان قد انحنى على حافة السياج ليرى ما الذي يريد أن يفعله الرجلان على متن القارب. وقد فتح الانفجار فجوة أبعادها 40 ×40 قدما في الجانب الأيسر من السفينة، ممزقة اجساد بحارة السفينة، الذين كانوا في الجزء الأسفل منها، حيث كانوا ينتظرون تناول طعام الغداء. لقي 17 منهم حتفه كما أصيب 39 بجروح. وسبح عدد من البحارة عبر الفجوة التي أحدثها الانفجار كي ينجو من لهيب النيران. وقد بدت المدمرة الحربية الكبيرة كحيوان مبعوج البطن.

كانت هذه هي الضربة الناجحة الثانية للقاعدة ضد أهداف أميركية، ففي أغسطس (اب) عام 1998 قامت عناصر القاعدة بتفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا، في توقيت متزامن، مما أدى إلى مقتل 234 شخصا. ومع ذلك فان أهمية مخطط المدمرة كول فشل: كان يفترض أن يقوم فهد القوصو (عضو فريق دعم القاعدة بتصوير التفجير في شريط فيديو لأغراض الدعاية، لكنه نام ولم يوقظه صوت المنبه صباحا ولم يجهز كاميرته في الوقت المناسب. كان القوصو يستقل تاكسيا لحظة الانفجار وبعدها مباشرة اختفى عن الأنظار. بعد الهجوم بوقت قليل كان الاميركي من أصل لبناني علي صوفان، البالغ من العمر 29 عاما، يقود سيارته فوق جسر بروكلين، وفي تلك اللحظة تلقى رسالة من فرع نيويورك الخاص بمكتب المباحث الفيدرالي (اف بي أي) حيث كان يعمل كعميل خاص (توقع علي صوفان الذي كان محققاً رئيسياً لمكتب المباحث الفيدرالي في تحقيقات تفجير المدمرة كول، وجود مخطط اكبر للقاعدة). طلب من علي في الرسالة أن يحضر الى مكان عمله على الفور. كان صوفان في ذلك الوقت، العميل الوحيد لمكتب المباحث الفيدرالي في المدينة، الذي يتحدث اللغة العربية، وأحد ثمانية فقط على امتداد البلاد. التحق صوفان بمكتب نيويورك في خريف عام 1997 وتكشفت مواهبه سريعا لجون اونيل رئيس قسم الأمن القومي في مكتب المباحث الفيدرالي، وهو القسم المخصص لمكافحة الإرهاب. وفي شهر فبراير (شباط) من العام التالي، حينما أصدر اسامة بن لادن فتوى يعلن فيها الحرب على اميركا، كتب صوفان تقريرا قوي الأثر عن الأصولية الإسلامية وزعه أونيل على مشرفي إدارته. بعد تفجيرات السفارتين في عام 1998 ساعد صوفان في جمع الأدلة الأولية، التي تربطها ببن لادن. وكانت مهارات صوفان اللغوية وصرامته وجذوره في الشرق الأوسط قد جعلت منه عنصرا ذا قيمة كبيرة في مساعدة مكتب المباحث الفيدرالي على فهم منظمة القاعدة، التي لم تكن معروفة قبل تفجير السفارتين إلا لقلة من الاميركيين، وكان أونيل الذي التحق بمكتب المباحث الفيدرالي قبل 25 عاما يصف العميل الشاب بأنه (كنز قومي). وبالرغم من صغر سن صوفان ومدة عمله القصيرة نسبيا، فان اونيل عينه مسؤولا عن قيادة تحقيق تفجير المدمرة كول. ومع تقدم الزمن صار صوفان يمثل أفضل فرص اميركا في وقف هجمات 11 سبتمبر.

صوفان يتحدث بسرعة وما تزال هناك نبرة لبنانية في صوته، وله وجه بشوش وابتسامة مرحبة، رغم أن هناك دوائر تحت عينيه من السهر الطويل للعديد من الليالي. وصوفان مسلم لكنه لا يتبع أي مدرسة محددة في الإسلام وهو ينجذب الى فكر خليل جبران الشاعر اللبناني الاميركي. وقد قال لي إنه مهتم بالكابالا لأنها (ظهرت في زمن كانت فيه البيئة السياسية بالنسبة لليهود قاسية، فاستخدم اليهود هذه الفلسفة للتخفيف من حدة معاناتهم)، وحينما يريد أن يسترخي فانه يشاهد إعادة عروض سينفيلد ( Seinfeld )، وقد رأى كل حلقة منه ثلاث أو أربع مرات أو يشاهد أفلام كرتون (بغس بوني Bugs Bunny ) وأحد كتابه المفضلين هي كارين آرمسترونغ .

نشأ صوفان في لبنان خلال معاناة الحرب الأهلية، حينما تحطمت مدن وشجع الافتقار للقانون واستفحال الفوضى الإرهابيين على الارهاب. كان والده صحافيا في بيروت وقد ساعد صوفان في طفولته والده الذي كان يصدر مجلة اقتصادية. وقد حمل في مرات عديدة الواح الطباعة إلى المطبعة. في عام 1987، حينما كان صوفان في سن السادسة عشرة، انتقلت الأسرة إلى الولايات المتحدة. وكان من أكثر انطباعات صوفان الأولية تجاه بلده الجديد اميركا هو أنها كانت آمنة. وقال «إنها تسمح لي أيضا بأن احلم».

عاش صوفان في بنسلفانيا ولم يعان أبدا من التحاملات، بسبب أنه مسلم عربي. وفي المدرسة العليا حاز العديد من الجوائز الأكاديمية. وقد التحق بجامعة مانسفيلد في وسط بنسلفانيا، حيث انتخب رئيسا لاتحاد الطلاب. وفي عام 1997 حصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة فيلانوفا خارج فيلادلفيا. وكان قد خطط في البدء لمواصلة دراسته لنيل درجة الدكتوراه. لكنه انجذب بشكل خاص نحو دستور الولايات المتحدة، خصوصا ضماناته لحرية التعبير والدين والتجمع والحق في التسريع بالمحاكمات. وقال «إن الناس الذين يولدون داخل هذا النظام قد يعتبرون أن مثل هذه الأمور مسلم بها. إنك لا تعرف مدى أهمية هذه الحقوق إذا لم تعش في بلد يمكن أن تعتقل أو تقتل فيه ولا تعرف حتى لماذا ذلك»، ومثل كثيرين من الذين حصلوا على الجنسية الاميركية شعر صوفان بأنه مدين للحياة الجديدة التي أعطيت له. ورغم أنه كان يطمح في ترق وظيفي في المجال الأكاديمي، إلا أنه قرر ـ كما قال كدعابة تقريبا ـ أن يرسل سيرته الذاتية ووثائقه التعليمية إلى مكتب المباحث الفيدرالي. وقد اعتقد أنه من غير المعقول تقريبا أن يقدم مكتب المباحث على تعيين شخص له خلفية كخلفيته، ومع ذلك ففي يوليو (تموز) 1997 وصلته رسالة تطلب منه تقديم نفسه إلى أكاديمية مكتب الـ(اف بي أي) الفيدرالي في كوانتيكو في ولاية فرجينيا خلال أسبوعين. بعد التخرج ذهب صوفان إلى مكتب نيويورك وقد عُين سريعا في الفرقة (1-40)، التي تركز بصورة رئيسية على حركة حماس الإسلامية شبه النظامية ولكن في 1998، في اليوم التالي على تفجيرات سفارات شرق أفريقيا، سجله أونيل في الفرقة 1-49 التي صارت الوحدة الرئيسية في تحقيق مكتب المباحث الفيدرالي حول القاعدة. كان أونيل واحدا من قلة قليلة من كبار مديري اف بي اي، الذين أدركوا مبكرا الخطورة التي تمثلها القاعدة على الولايات المتحدة. كانت طاقته بلا حدود وكان يستطيع أن يكون قاسيا ليس فقط مع الذين هم أدنى منه رتبة، وانما أيضا مع رؤسائه الذين يشعر بأنهم غير ملتزمين التزاما كاملا بالتحقيق. وقد أثبت صوفان أنه حليف لا يكل ولا يمل وله رغبة كاملة في العمل في الليالي والإجازات. وقال كارلوس فيرناندوز وهو عميل يعرف الرجلين جيدا، «إن اونيل يقدس صوفان بينما يحمل صوفان نفس الشعور تجاه اونيل. إنهما ندان في العديد من الوجوه. إذا قلت شيئا لصوفان فإنه سيتذكره بالكلمة بعد عشر سنوات من الآن، كما أن أونيل أيضا عظيم في تذكر الأسماء وفي توصيل النقاط وربط الخيوط ببعضها، إنهما يستطيعان أن يستمرا لساعات في ربط الأمور ببعضها البعض».

إن حقيقة أن مبتدئا مثل صوفان يملك حق الاتصال المباشر بأونيل أحدثت قدرا من التحامل بين العملاء الآخرين، لكنه ليس هناك بين العاملين في المكتب من له مهاراته وإخلاصه. وصرّح كينيث ماكسويل مسؤول مكتب المباحث الفيدرالي الذي كان حينها رئيسا لعلي صوفان «كنا، أنا وجون، كثيرا ما نتحدث عن الحاجة لاستنساخ علي». في عصر يوم تفجير المدمرة كول سافر صوفان، وبضع عشرات من العملاء الآخرين، جوا إلى اليمن للبدء في البحث عن أدلة يمكن استخدامها ضد القاعدة في المحكمة (فرقة كبيرة اخرى ضمت أونيل ظلت في ألمانيا لمدة أسبوع في انتظار منحها إذنا لدخول البلاد).

كان اليمن يعتبر، على نحو خاص، مكانا صعبا لبدء تحقيق عن الإرهاب، إذ أنه ملئ بخلايا ناشطة للقاعدة وبمتعاطفين معها في أعلى المستويات الحكومية. وعلى شاشات التلفزيون كان سياسيون يمنيون يطلقون الدعوات للجهاد ضد أميركا. وعندما هبط العملاء في عدن، بعد يوم من الهجوم، تطلع صوفان إلى مجموعة من القوات اليمنية الخاصة كان افرادها يرتدون أزياء صفراء مع خوذات روسية قديمة، وكان كل جندي يصوب رشاشه نحو الطائرة الاميركية. ازاء ذلك قام فريق إنقاذ الرهائن المكون من 20 جنديا، الذي أرسل مع عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي لحمايتهم باشهار اسلحتهم. أدرك صوفان أن الجميع قد يلقون حتفهم على الاسفلت، إذا لم يتصرف على نحو سريع. فتح صوفان باب الطائرة. كان هناك جندي يمني يحمل جهاز اتصال. تقدم صوفان نحوه مباشرة وهو يحمل زجاجة ماء، بينما كانت البنادق تتبعه. كانت درجة الحرارة خارج الطائرة 110 فهرنهايت. قال صوفان باللغة العربية للضابط، الذي يحمل جهاز الاتصال «يبدو عليك العطش» وقدم له زجاجة ماء. سأل الضابط «هل هي مياه اميركية؟».

أكد له صوفان أنها مياه اميركية، مضيفا أن لديه مياه اميركية لبقية الجنود أيضا. اعتبر اليمنيون الماء بضاعة عالية القيمة لدرجة أن البعض لم يشربها. وبسبب سلوك الصداقة البسيط هذا انزل الجنود أسلحتهم التي كانت مشهرة.

قسم صوفان العملاء على الأرض إلى أربع مجموعات كانت المجموعات الثلاث الأولى مسؤولة عن الطب الجنائي والمعلومات الاستخبارية والأمن، ووجه الفريق الأخير اهتمامه نحو تبادل المعلومات مع السلطات اليمنية. وكان مجرد الحصول على إذن من الحكومة اليمنية للذهاب إلى مسرح الجريمة ـ للمدمرة المعطوبة في مرفأ عدن ـ يتطلب مفاوضات طويلة. كان الأمن يمثل هما كبيرا مع مسؤولين عدائيين، مع الأخذ في الاعتبار أن الأسلحة الأوتوماتيكية موجودة في كل مكان في البلاد، خصوصا في المناطق الريفية، لكن السفيرة الاميركية في اليمن باربارا بودين رفضت السماح للعملاء بحمل أسلحة ثقيلة. وكانت تتخوف مما قد يستفز السلطات اليمنية.

حينما تفقد صوفان والمحققون المدمرة كول كانت كتل من اللحم مشتتة في الطابق الأسفل منها بين كتل متشابكة من الأسلاك والركام المعدني. وكان غواصو اف بي أي يأملون في القيام بعمليات تحليل للحامض النووي الوراثي ( DNA ) للتعرف على الضحايا وعلى مفجري المدمرة، وذلك من خلال أخذ عينات من اشلاء الأجساد الطافية في المياه حول السفينة. وبالنظر عبر الفجوة الضخمة، التي أحدثها الانفجار في السفينة استطاع صوفان أن يرى الجبال ومدينة عدن القديمة تطل فوق المرفأ المنحني وكأنها مدرج كلاسيكي. وأدرك صوفان أن ثمة كاميرا ما كانت قد أعدت في مكان ما من المدينة لتصوير الانفجار، لأن الإرهابيين يقومون بانتظام بتوثيق عملهم. ورغم أن الاحتمال الأكبر هو أن مفجري المدمرة قد لقوا حتفهم، إلا أن المصور قد يكون ما يزال طليقا. حينما وصل أونيل أخيرا إلى عدن مع العملاء الآخرين تملكته الحيرة لدى نزوله من الطائرة، إذ رأى الجنود اليمنيين يستقبلونه بالتحية العسكرية. شرح له صوفان الأمر قائلا «أخبرتهم أنك جنرال».

اليمن مجتمع يهتم بمركز الشخص. ولأن صوفان أضفى على أونيل رتبة جنرال فإن نظيره كان الجنرال غالب القمش، رئيس جهاز الاستخبارات اليمني (الامن السياسي). وفي كل ليلة أثناء عمل السلطات اليمنية الخاص بالتفجير كان صوفان وأونيل يضغطان من أجل الوصول إلى الشهود والاطلاع على الأدلة ومسارح الجريمة. في البداية أبلغتهما السلطات اليمنية أنه طالما أن الشخصين اللذين فجرا المدمرة، لقيا حتفهما فليس هناك ما يحقق فيه. واصل صوفان يسأل: لكن من الذي زودهما بالمال؟ من الذي قدم لهما المتفجرات؟ من الذي زودهما بالزورق؟ وهكذا ظل يحث اليمنيين برفق لأجل مساعدته.

بعد أيام قليلة من التفجيرات استدعى اليمنيون اثنين من مساعدي بن لادن للاستجواب. كان اسم احدهما جمال البدوي واسم الآخر فهد القوصو، وهو الرجل الذي فشل في تصوير الهجوم على المدمرة كول. كان الرجلان مواطنين يمنيين. وقد قام القوصو، الذي كان يدير فندقا في عدن للاصوليين، بتسليم نفسه بعد أن أقدمت السلطات على استجواب بعض أفراد أسرته. لم يعترف بأن له دورا في مخطط المدمرة كول، لكنه والبدوي اعترفا بأنهما كانا قد سافرا مؤخرا إلى أفغانستان والتقيا هناك باصولي ذي ساق واحدة يدعى خلاّد. وقال بدوي إنه جلب زورقا لخلاّد، الذي أوضح أنه يريده لكي يعمل في مجال صيد الأسماك. وقد توصل اليمنيون في نهاية الأمر إلى أن الزورق هو ذات الزورق الذي استخدم في عملية الهجوم على المدمرة كول.

حينما سمع صوفان أن القوصو قد ذكر اسم خلاّد تنبه فجأة: كان قد سمع بالاسم من مصدر كان قد جنّده قبل سنوات قليلة، والمصدر يقيم في أفغانستان. كان المصدر قد أبلغه انه التقى مقاتلا في قندهار ذا ساق معدنية هو من كبار قادة بن لادن العسكريين. حينما طلب صوفان أن يتحدث مع القوصو وبدوي أبلغه اليمنيون أن الرجلين قد أقسما على المصحف الشريف أنهما بريئان من أي جريمة. وبالنسبة لهم (اليمنيين) فان المسألة تعتبر منتهية.

كان صوفان وأونيل يعرفان أن الجنرال القمش يمثل أفضل أمل لهما في الحصول على أي قدر من التعاون. كان رجلا نحيلا صغير الحجم وكان وجهه يذكّر صوفان بوجه غاندي. وبالرغم من التوتر بين الطرفين، إلا أن القمش كان قد بدأ يطلق على زميليه الاميركيين اسم الأخ جون والأخ علي. وفي ذات ليلة قضى أونيل وصوفان عدة ساعات يطلبان من القمش تزويدهما بصور جوازات سفر المشتبهين في التخطيط للهجوم على كول، خصوصا صورة خلاّد. وكان القمش يكرر أنه ليست هناك حاجة لتدخل مكتب المباحث الفيدرالي في هذه القضية، لكن صوفان وأونيل أشارا إلى أن من الأفضل كثيرا التعجيل بإفساح المجال أمامهما لاستجواب المشتبهين في تفجير المدمرة للحصول على معلومات استخبارية تساعد في تحطيم القاعدة. في الليلة التالية قال القمش «لقد أحضرت لكم الصور التي طلبتموها»، أرسلت الصورة في الحال إلى وكالة الاستخبارات المركزية (سي أي ايه)، كما أرسلها أيضا لعميل تابع لـ( اف بي أي) في إسلام أباد بباكستان. وعندما أبرزها العميل لمصدر صوفان في أفغانستان حدّد المصدر بأن الصورة هي صورة خلاّد القائد العسكري في تنظيم القاعدة. وهذا أوحى على نحو قوي بأن منظمة القاعدة وراء الهجوم على المدمرة كول.

حدث اختراق آخر في نفس ذلك المساء، حينما ذهب صبي في الثانية عشرة من العمر يدعى هاني إلى مركز الشرطة. قال الصبي هاني إنه كان يصطاد الأسماك في وقت سابق على الانفجار، حينما انزل مفجرو السفينة زورقهم إلى المياه. دفع أحد الرجلين 100 ريال يمني للصبي كي يراقب شاحنتهم والعربة المقطورة التي كانت تحمل الزورق، لكنهما لم يعودا. حينما سمعت الشرطة قصة الطفل هاني وضعته في السجن واعتقل والده أيضا.

بعد مطالبات عديدة حصل الأميركيون على إذن بإجراء مقابلة مع الصبي لفحص الموقع الذي تم منه شن الهجوم. كان هاني خائفا لكنه قدم وصفا لمفجري المدمرة: كان أحدهما ضخما والآخر «وسيما». قدم أحد محققي البحرية يدعى روبرت ماكفادين حلوى للصبي. بعد ذلك قال الصبي إن المفجرين دعوه هو وأسرته لجولة على الزورق الذي كان أبيض بأرضية مفروشة بغطاء أحمر اللون. حينما سمع صوفان ذلك استنتج أن المفجرين كانوا يحاولون تحديد الوزن الذي يستطيع الزورق حمله. كانت الشاحنة والعربة المقطورة المهجورتان ما تزالان في مكان تدشين القارب وادخاله الى مياه البحر. كان خطأً بالغاً من جانب القاعدة أن تتركهما هناك. فبعد التحقيق من وثائق تسجيلهما استطاع المحققون ربطهما بمنزل في أحد أحياء عدن يدعى البريقة. حينما ذهب صوفان إلى المنزل الذي كان محاطا بسور وله بوابة، انتابه شعور غريب: هذا المنزل شديد الشبه بمنزل في نيروبي كانت قد أعدت فيه القنبلة الخاصة بالهجوم على السفارة الأميركية هناك عام 1998. وفي داخل المنزل، في غرفة النوم الرئيسية بالمنزل كانت هناك سجادة صلاة مفروشة باتجاه القبلة. وكانت مغسلة الحمام مليئة بشعر بشري. لقد حلق المفجرون شعرهم وأدوا طقوس الاغتسال قبل أن يمضوا إلى موتهم. جمع رجال صوفان موس ونماذج من الشعر، التي توفر لمكتب المباحث أدلة من الحامض النووي الوراثي تعتبر ضرورية لتحديد هوية القتلة (حتى ذلك الوقت لم يكن المحققون في موقع المدمرة كول قد وجدوا شيئا عدا شظيتين عظميتين لا تعودان للبحارة الاميركيين). وجد المحققون أن منزلا آخر قد تم تأجيره في عدن بواسطة الإرهابيين؛ وكان عقد إيجار المنزل مسجلا تحت اسم عبده حسين محمد. كان الاسم غير غريب، لكن له وقع باهت، بالنسبة لصوفان ففي إحدى المرات، خلال تحقيق نيروبي، ذكر أحد الشهود أن حركيا من القاعدة يدعى ناشري كان قد اقترح القيام بهجوم على سفينة أميركية في عدن. قام صوفان بإجراء عملية بحث قادته لاستكشاف أن الاسم الكامل للناشري هو عبد الرحيم محمد حسين عبده الناشري. الأسماء الوسطى هي نفسها، فقط وضعت معكوسة. وهكذا فان حدس صوفان أفاد حينما اكتشف العملاء الاميركيون أن ثمة سيارة في عدن كانت مسجلة باسم الناشري. وكانت هذه صلة قوية أخرى تربط بين القاعدة والهجوم على المدمرة كول.

بعد أسبوعين من التفجير اعتقلت السلطات اليمنية البدوي وقوصو الحركيان في القاعدة وكان اعتقالهما، فيما يبدو، بمثابة إجراء تحوطي. واصل صوفان ضغطه على الجنرال القمش ليسمح له باستجواب الرجلين مباشرة. وأخيرا، وبعد عدة أسابيع، سمح القمش بإجراء الاستجواب.

قضى صوفان ساعات طويلة في التمهيد للمقابلة بحثا عن أرضية مشتركة معهما. وكثيرا ما كان عنصر الارتباط يتمحور حول الدين. قال كارلوس فيرنانديز متذكرا «كان علي شديد الاهتمام بالجانب الروحي. وفي اليمن كان يقرأ القرآن ليلا. وكان يتكلم مع هؤلاء الأشخاص عن معتقداتهم. وفي بعض الأحيان كان بالفعل يقنعهم بأن فهمهم للإسلام يعتبر فهما خاطئا تماما».

خلال استجواب البدوي علم صوفان أن الزورق كان قد تم شراؤه في السعودية. استجوب صوفان قوصو على امتداد أيام عديدة. كان قوصو نحيلا صغير الحجم وكان وقحا ذا لحية هزيلة ظل يشد عليها بقوة على نحو مستمر. قبل أن يبدأ صوفان جاء مسؤول استخبارات محلي إلى الغرفة وقبّل قوصو على خديه وكانت هذه بمثابة إشارة صادمة بان أجهزة الاستخبارات متعاطفة مع الجهاديين. يذكر ماكفادين الذي شارك في التحقيقات أن صوفان لم يشعر بالرعب مما حدث. وقال ماكفادين «كان علي يمتلك قدرة طبيعية على إجراء التحقيقات. وقد استطاع أن يبعد قوصو عن دائرته المريحة». وأخيرا بدأ قوصو في الانفتاح. لقد كان في أفغانستان وتفاخر بأنه كان قد حارب إلى جانب بن لادن. وقال إن بن لادن كان ملهما له من خلال خطبه حول طرد الكفار من شبه الجزيرة العربية، خصوصا طرد القوات الاميركية.

سأل صوفان قوصو عما إذا كان قد فكر في أن يتزوج. ظهرت ابتسامة خجولة يحيطها الحرج. قال صوفان مشجعا: «حسنا إذن. أفصح عما في نفسك. قل لي شيئا».

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن