آخر الاخبار

5 فوائد صحية مذهلة في تناول فص ثوم واحد كل ليلة ‏رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي يوجه بسرعة العمل على فتح الطرقات وتقديم المساعدة لمحافظة المهرة قوات عسكرية ضخمة روسية تقتحم قاعدة للجيش الأمريكي في النيجر مدن بأكملها معزولة عن العالم.. فيضانات البرازيل تحصد 37 قتيلا و74 مفقودا بتوجيهات مباشرة من أبو خرشفة.. عناصر حوثية تقتحم صالة اعراس وتعتقل 3 فنانين تحرك خارجي جديد للشرعية سعياً لدعم الاقتصاد اليمني والإصلاحات المالية والمصرفية في اليوم العالمي للصحافة مؤسسة الشموع تكشف عن خسائر بالمليارات و تدين تجاهل المجلس الرئاسي عن تعويضها وتدين احتلال ونهب ممتلكاتها في صنعاء وحرق مطابعها في عدن وزارة الداخلية تكشف عن احصائيات الحوادث غير الجنائية في المناطق المحررة صحفي يطالب الحوثيين بتسليم طفله المخفي قسراً منذ عشرة أشهر. عاجل : اتفاق سعودي أمريكي في المجال النووي .. وواشنطن تسعى للملمة المنطقة المضطربة بعد انفرط عقد الأمور

(مأرب برس) يحاور الناقد اليمني عبد الحميد الحسامي

الخميس 06 مايو 2010 الساعة 01 مساءً / مأرب برس - عبدالمنعم الشيباني
عدد القراءات 5976

هذا هو الجزء الثاني من حوار مأرب برس مع الناقد والشاعر والباحث الدكتور عبد الحميد سيف الحسامي،الأستاذ المشارك بقسم اللغة العربية بجامعة الملك خالد بالمملكة العربية السعودية- أبها ، صاحب أهم مشاركات وإسهامات نقدية وبحثية، ودراسات لغوية وأدبية عربية قيمة،والحائز على جائزة مؤسسة السعيد الأدبية، لأفضل بحث مقدم في الأدب العربي لدورتين ، العاشرة(التحول الاجتماعي في اليمن من خلال الفن القصصي– دراسة بنيوية تكوينية)، والثالثة عشرة(النقد السياسي في المثل الشعبي- دراسة في ضوء النقد الثقافي)..

بالتأكيد ليس عبد الحميد الحسامي الناقد الوحيد في الوطن العربي، الذي يزخر طولاً وعرضاً وشمالاً وجنوباً بأهم الأسماء النقدية التي لها وزنها واحترامها وثقلها ،وخاصة في مصر والعراق والشام،ولكن ما يميز الحسامي ناقداً أمران اثنان، أحلاهما عسلٌ،ملكات فردية استثنائية ولدت مع الشاعر والناقد مصقولةً بالعلم المنهجي المكتسب،والثاني- وهو الأبرز- قدرات بحثية ربما لا تتوفر لأحد إلاه،وفي الثانية تكمن سر معجزة أديبنا الناقد والباحث رائداً ومجدداً في النقد،من غير محاباه علائقية،أو تعصبٍ قطري،أو ملقٍ فكريٍ أو مناطقيٍ أوحزبيٍ...غايتنا من هذه المحاورة –كما نزعم- الإرتقاء بالعلم المنهجي الموضوعي الموصل إلى تطور مناهج النقد والأدب في عالمنا العربي والإسلامي الواسع....ومع الحوار

حاوره: عبد المنعم الشيباني

س1:حول كتابكَ القيم (وشاح ليلى الأخيلية)...قرأتُ فيه كأنك تريد التأصيل للخطاب العربي النسوي عبر مراحل التاريخ الإسلامي وخاصة من عهد معاوية رضي الله عنه(خطاب المرأة العربية عبر رحلة الزمان والمكان)كما سميته-يعني باللغة العصرية النقدية الحديثة (تاريخ الخطاب النسوي أو تاريخ النسوية)...إذاً هذا السبق في الخطاب النسوي عربياً وإسلامياً يبرز حقيقة مفادها أن (تاريخ النسوية)-الذي كثر الكلام عنه اليوم غربياً-ما هو إلا تقليد وترديد أو محاولة متأخرة جداً للإكتشاف سبقهم بها ليلى الأخيلية وزرقاء بنت عدي...كيف غابت هذه القصص عن النقاد العرب اليوم الذين ربما يردون منشأ كل حركةٍ أو ريادةٍ أو تطورٍ اجتماعي أو فكري إلى الغرب؟

أما قبل

يسعدني أن أزجي ثنائي الجميل لموقع مأرب برس الذي يحتفي بالجديد والمتجدد في واقعنا المعاصر على مستوى الأدب والسياسة والثقافة وميادين الحياة المختلفة ، ثم للكاتب المسكون بقلق المعرفة عبد المنعم الشيباني الذي ما يفتأ يتابع بإصرار كل نقاط الضوء هنا وهناك كفراشة جميلة لا تمل الارتحال في زهرات الحقول .

أما بعد

فالمرأة منذ كانت في مجتمع ما تبوح بمكنونها وتعبر عن شجونها وشؤونها؛ لأن لديها قلبًا وروحًا وطموحًا وذاتاً ، وفي الثقافة العربية كان للمرأة حظ وافر من الحضور في ميادين الحياة المختلفة تشارك الرجل صناعة الحياة بل إن المرأة تحمل عبئا ثقيلا ً ..أما الخطاب النسوي الذي تحدثت عنه في كتابي ( وشاح ليلى الأخيلية – دراسة في الخطاب النسوي العربي ) فهو محصور في الخطابات التي أوردها كتاب الأمالي لأبي علي القالي العلامة الفقيه وكتابه يعد في رأي ابن خلدون احد أعمدة الأدب العربي إلى جانب البيان والتبيين للجاحظ و الأغاني للأصفهاني وأدب الكاتب لابن قتيبة .

وقد أوردت فيه مواقع المرأة في خارطة الفعل الاجتماعي من خلال خطابها الذي يكشف عن تلك المواقع : أمَّا – أختاً – زوجة – بنتاً – عاشقة – جارية – ملكة – معارضة سياسية – مجهولة الدور ...

ولا شك في أن خطابات المرأة العربية لم تغب عن الدارسين فقد جمعوها واحتفوا بها في سياقاتها ، لكن كتاب تناولها في ضوء منهج الخطاب بالنقد والتحليل وهو منهج يمكننا من تبيان موقع المخاطب والمخاطب في علاقتهما بالخطاب ، وقد شدت انتباهي وفرة الخطابات النسوية التي بلغت ما يربو عن ثمانين خطابًا نسويًا ، ولا نستطيع القول بأن النسوية العربية كانت ممنهجة على شاكلة النسوية الغربية التي تزاحم اليوم بمناكبها المجتمع الذكوري في الغرب ، في الأدب العربي كانت النسوية العربية استجابة لطبيعة التكوين الثقافي للمجتمع الغربي وكانت تتميز بالتناغم والتكامل مع الرجل ، النسوية الغربية اليوم تقوم على أساس أنها ردة فعل على تهميش المجتمع لدور المرأة وعلى انسحاق هويتها لقد غدت المرأة الغربية مادة قابلة للدعاية والإعلان والاستهلاك ، وليس معنى ذلك أن الواقع العربي اليوم يضع المرأة في موقعها اللائق بها سواء الموقع الذي بوأها الدين أو الأعراف العربية الأصيلة المرأة العربية اليوم مهضومة مظلومة لا تعامل بموجب تعاليم الدين ولا العادات والتقاليد الأصيلة اليوم تفرض عليها جاهلية من نوع آخر جاهلية تلبس مسوح الدين تارة ، أو جلباب الحضارة المادية تارة أخرى ، ومن أراد التحقق من صدق نظرتي فليستحضر تعاليم الدين الخاصة بالمرأة أو أعراف القبيلة العربية على أقل تقدير وليحاكم بها الواقع بشجاعة حينها سيجد مقدار الزيف الذي طرأ على حياتنا .

 لهذا عمدت إلى تقديم الخطاب النسوي في كتاب أحد الأدباء العلماء الفقهاء المشهورين واستخلصت منه خطابات المرأة العربية نوعا من تأصيل الموقع قبل تأصيل الجنس الأدبي المعني وهو الأدب النسوي إننا نملك رصيدًا من الأدبيات التي يمكن أن تتشكل من دراستها قاعدة كبيرة لنسوية عربية بامتياز بلا إفراط ولا تفريط ويبقى المكان الشاغر هو البحث العلمي الذي ينقب في تلك المواقع بصبر وأناة وصدق وإخلاص للهوية العربية الإسلامية .

س2: مما شدني في كتابكَ البديع(وشاح ليلى الأخيلية) خطاب المرأة كمعارضة سياسية ،جئتَ بأمثلة من نساء معارضات كـأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأم الخير بنت حريش وزرقاء بنت عدي...هل تلك المقدمة النسوية التاريخية التي تفضلت بها للمرأة العربية المعارضة سياسياً تصلح تأصيلاً للخطاب النسوي السياسي المعارض اليوم؟ أما الشق الثاني من السؤال يبدو أن مقولة أن (الخطاب النسوي السياسي في تاريخنا العربي والإسلامي مغيب أو مقصي) تحتاج الى مراجعة..هل ترى أنه حاضرٌ أم مغيبٌ في ضوء(وشاح ليلاك) البحثي؟ وماذا أردت أن تقول هنا؟

كتابي( وشاح ليلى الأخيلية ) يتغيا تحقيق عدد من الأهداف منها إبراز الخارطة الاجتماعية للمرأة بمعنى خارطة الفعل والتفاعل في حركة المجتمع ومن ذلك الفعل السياسي وهو ما تجلى في موقف ليلى الأخيلية التي جاء خطابها للحجاج ليحمل عددا من الرسائل السياسية الضمنية ومنها خطاب الشجاء الخارجية التي جاء خطابها مفعماً بالثورة الساخرة والسخرية الثائرة ، وإذا كانت ليلى الأخيلية قد قدمت خطاباً سياسياً نقديا مضمرا موجها للحجاج فإن خطاب الشجاء الخارجية قد قدم خطابا ثائرا أمام زياد بن أبيه حين سألها ماذا تقولين في معاوية ؟ قالت ماذا أقول في رجل أنت خطيئة من خطاياه ؟ ! وههاتان المرأتن أنموذجان للمرأة العربية في هذا المضمار ، ويمكن أن يكونا تأصيلا للخطاب النسوي السياسي المعاصر الذي ينبغي أن لا يذعن للصمت بل يقدم رؤاه الباصرة للمجتمع للإسهام في تنمية الحياة .

- أما الشق الآخر من الجواب فأقول إن خطاب المرأة المعاصرة وإن كان حاضرا بشكل ما إلا إنه يحتاج إلى ترشيد وتعضيد وتسديد ، ويقتضي لم شمله ليمثل تيارا له تكامل يناى به عن حالة الشتات المريع الذي يعيشه الخطاب العربي عمومًا .

س3:خلاصة ما حاولتُ أنا فهمَه من محتوى (وشاح ليلى الأخيلية) أن النظرية النقدية النسوية، عربية المنشأ والمنبع، وكأنه لم يكن ينقصها إلا إعادة الطرح والإخراج للعالمين كمنهج نقدي ناضج في الخطاب النسوي العربي، حتى جاء الحسامي ليبرز هذا السبق المتأخر في الإخراج فقط، والمتقدم كحقائق اجتماعية تاريخية...كيف غابت مثل هذه الحقائق عن رواد مدرسة النقد العربية ؟

للإنصاف والعلمية لم أكن أنا فاتحة السطور في هذا الباب لكني أعتقد ان دراستي سابقة في تناول الخطاب النسوي من منظور منهج الخطاب الذي يتيح للباحث التعمق في دراسة أبعاد الخطاب ومراميه ، دراستي لها منهجها ووجهتها ، ولكل وجهة هو موليها نحن بحاجة إلى قراءة تراثنا وليس بالضرورة إلى تأكيد سبقنا في هذا المضمار أو ذاك المنهج ، لقد حان الوقت لنصغي إلى ذواتنا ونحاور ثقافتنا حوارا جادًا حقيقياً دون الضرورة لركوب الموجة أو البحث عن الموضة .

س4: في ضوء كتابك الفائز بجائزة السعيد الدورة العاشرة، الفن القصصي اليمني والتحول الإجتماعي، إشرح للسادة المتابعين والسيدات ببساطة كيف يصنع كتابة قصة تحولاً إجتماعياً؟ وماهو التحول الإجتماعي الذي يمكن أن يصنعه كتابة قصة في اليمن ؟

لعل كتاب التحول الاجتماعي في اليمن من خلال الفن القصصي دراسة بنيوية تكوينية الذي حاز على جائزة السعيد في الدورة العاشرة 2006م يكشف عن جدلية العلاقة بين الأدب والمجتمع وهنا يبرز سؤال هل الأدب يصنع التحول أم التحول يصنع الأدب ؟؟؟

وهي جدلية عميقة والتأثير المتبادل بين الطرفين هو الكائن لأن المبدع هو ابن مجتمع وكل تغيير يطرأ على مجتمع ما يعكس نفسه على الأدب بشكل أو بآخر ، وفي الوقت نفسه فغن التغير في المجتمع أي مجتمع لا يكون إلا بفعل مؤثرات منها المؤثر الثقافي والأدب جزء من منظومة الثقافة التي تصنع التغيير إذن هناك فعل دائري يمر من الأديب إلى المجتمع إلى الأديب وهكذا ، وقد كشفت في كتاب التحول الاجتماعي هذا التأثر المتبادل بين كتاب القصة الذين بلغوا 12كاتبا من الأجيال القصصية المختلفة ومن مناطق اليمن المختلفة من أقصى حضرموت فشبوة فعدن وتعز وغب وذمار وصنعاء والحديدة .. كتابًا وكاتبات وبلغت المجموعات القصصية التي درستها 42 مجموعة قصصية ، وهو عمل مضن في العرف البحثي . وتبين من خلال الدراسة أن القصة تشكل الوعي وأن الأديب قاصا أو شاعرا قادر على التغيير بالكلمة المبدعة ، فمن يقرأ قصص محمد عبد الولي مثلا عن الأرض والهجرة ستسكنه تلك الرؤى وسيصدر عنها في فعله الاجتماعي ، ببساطة قال الزبيري أبو الأحرار يوما :

"كنت أحس إحساسًا أسطوريًا بأني قادر بالشعر وحده على أن أقوض ألف عام من الفساد . "

لا بد أن نعيد الاعتبار للكلمة ، ألم يكن القرآن معجزة هذه الأمة نصًا بليغا ؟؟ صنع أمة وبنى فكرًا وعلم أجيالا وغير مجرى التاريخ ؟؟

س5:من النتائج البحثية التي تشد القارئ لكتابك التحول الإجتماعي في اليمن من خلال الفن القصصي،علاقة التحالف التاريخية بين الحاكم والفقيه –إسمح لي أكتبها " السلطان والفقي"(بدون هاء)...كيف تقرأ في النظرية البنائية التي استعملتها في بحثك المذكور،هذا الترابط والتحالف بين(السلطة والفقي)..ولماذا اتوطد هذا التحالف في عصورنا العربية الإسلامية المتأخرة بين (صميل الحاكم) و(فتوى الفقي) ؟..وبالمناسبة أشار الروائي البريطاني سلمان رشدي الى هذه النقطة بقوة،إشارة مشحونة بسخرية لغوية في روايته (العار)...ماذا ترى أنت حسب منهج الدراسة البنيوي (التأريخ وعلم الإجتماع) المستعمل في هذا البحث؟

يؤكد ابن خلدون في كتابه( العبر ) وفي المقدمة تحديدًا مبدأ خطيرًا من مبادئ علم الاجتماع حين قال إن الأمة العربية أمة متدينة ويؤثر فيها الدين ولا تقاد إلا به هذا مفهوم كلامه غن لكم تخني الذاكرة .. الإنسان العربي ينصاع لصوت الدين وحينما يقال له قال الله قال الرسول لا يجد محيصا ولا يجد في نفسه حرجا مما قضى الله ورسوله ويسلم تسليما .. وقد وعى الحكام في اليمن هذه المسألة فكان الارتباط بين السلطان والفقيه فكان الإئمة يتوسلون بالفقيه لبرر تصرفاتهم لا ليقومها في ضوء الشرع الفقيه غدا محللا للسياسي فعله ولو كان شنيعا . أصبح الفقي سيفا مصلتا في رقاب العباد يثنيها ويخضعها لأمر الحاكم هكذا صورت القصة اليمنية الفقيه وقدمته في صورة ساخرة مريعة تكشف عن التشوه الذي لحق برسالة العالم الرباني الذي تنشده هذه الأمة ليقوم بدوره في فضح كل التشوهات في عالم اليوم ؟ فمن يأتينا بالفقي المنشود يا شيباني ؟؟

علمًا أن الفقيه كان ذا حضور في الأمثال ومن ذلك قول المثل " اخلط يا فقيه كله حقنا " وقد وقفت أمام هذا المثل وحللته في ضوء النقد الثقافي في عدة صفحات .

س6:في ضؤ كتابك الجديد الحائز على جائزة مؤسسة السعيد الدورة الثالثة عشرة(النقد السياسي في المثل الشعبي)،فصلت في أنساق الأمثال والتي أبرزها نسقان أساسيان تنبثق عنهما باقي الأنساق وهما(نسق الهيمنة،ونسق المواجهة)،تصنيف بحثي يستحق الإشادة العلمية،ولكن قل لنا من فضلك .. تحت أي الأنساق تأتي الأمثال الشعبية اليمنية الآتية وهي أمثال قيلت وترددت في سياقات تاريخية سياسية يمنية معاصرة مختلفة:-

(( جني تعرفه ولا إنسي ما تعرفوش))-

((طيع الدولة ولا تغارمِه))-

(( الدمة –أي القطة- تأكل أولادِها))-

(( سلاح بيد عجوز))-

(( ساعة الدولة سنة))

((الدم-أي القط- يحب شانقُه))-

(( من كان عملِه بيدِه،الله يزيدِه))-

(( لا تضاربوا الرُباح إشرح جربتكْ))-

ي كتابي الجديد عن النقد السياسي قرأت ديوان الأمثال اليمنية المتمثل بعدد من المؤلفات لكني اخترت عينة الدراسة كتاب العلامة القاضي الأكوع رحمه الله ومن المفارقات العجيبة أني بدأت قراءة الكتاب في الشهر الذي توفي فيه مؤلفه فكتبت حينها مقالة في الصحوة " موت الأكوع وفاجعة الكتابة " ويتضمن كتابه بجزأيه سبعة آلاف وستمئة مثل وزيادة ، وبينت فيه كثيرا من الأمثال التي تتحدث عنها في سؤالك فمثلا (جني تعرفه ولا إنسي ما تعرفه ) بلهجة صنعاء وما حولها بكسر التاء و الفاء وكان تحت نسق الثبات والتثبيت أي الثبات في الذهنية الثقافية وتثبيت الواقع والخوف من تغييره ، تناولته كما يأتي :

" جني تعرفه ولا إنسي ما تعرفه "

فالمثل يكشف عن نسق الثبات والتثبيت في الذهنية الاجتماعية التي لا تقبل التغيير فالجني المعروف أولى من الإنسي المجهول ، ولعل البنية التقابلية في لغة المثل تجسد هذه المفارقة المذهلة حيث إن الألفة تجعل قبول الجني المألوف مستساغًا ومقدمًا من قبل إِلْفِهِ على الإنسي المجهول الذي هو من بني جنسه ، وليس أدل على التأثير الثقافي للمثل من الشاهد الواقعي المتجسد في موقف الراحل / عبد الله بن حسين الأحمر من قضية منافسة الرئيس علي عبد الله صالح في الانتخابات الرئاسية عام 2007م ، حيث كان الشيخ عبد الله يرأس حزب (التجمع اليمني للإصلاح ) أكبر أحزاب المعارضة اليمنية الذي دخل مع أحزاب اللقاء المشترك في اتفاق لترشيح المهندس فيصل بن شملان لمنصب رئيس الجمهورية .. وقد صرح الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر مراراً بأنه سيرشح الرئيس علي عبدالله صالح مخالفًا كل الأعراف في النظم الديمقراطية ، ومتنصلاً عن موقف حزبه واللقاء المشترك المتحالف معه ، وتذرع الأحمر بقوله : " جني تعرفه ، ولا إنسي ما تعرفه "

إننا أمام ما يسمى في النقد الثقافي بالمجاز الثقافي حيث يصبح المثل وهو قول فردي في الأصل متسعاً للاستعمال الجمعي " فالاستعمال فعل عمومي جمعي ، وليس فعلاً فردياً .. أي أن هناك أفعالاً ثقافية تتحرك وتتفاعل ، وعبر هذا التحرك والتفاعل تتخلق نماذج للقول تسود في الخطاب ، ومن ثم يأتي الاستعمال الذي يعني وضع الخطاب في وظيفة تجعله يعمل ويُعمل به ، وهنا يولد المجازي ولادة ثقافية تخضع لشروط الأنساق الثقافية التي نسميها بالاستعمال ، وما الاستعمال سوى المسمى الإجرائي ذي الطابع العمومي الجمعي "

فنحن إذا نظرنا للبنية اللغوية للمثل على أنها تشكل ما يوازي الحقيقة مقابل المجاز فإن الاستعمال والتوسع باستخدام المثل كحادثة ثقافية من قبل الشيخ الأحمر – وربما غيره من أبناء الشعب - في تلك اللحظة الحرجة يعد مجازاً ثقافياً يعبر عن نسقٍ مضمرٍ كامنٍ في بنية العقلية الشعبية " يوجه ويتلبس الخطاب ويحرك القناعات التي تتحكم في علاقاته مع ( الغير) .. إنه يدير أفعالنا ذاتها ويوجه سلوكياتنا العقلية والذوقية ... فالمجاز الثقافي لا يقف عند حدود اللفظة والجملة ، بل يتسع ليشمل الأبعاد النسقية في الخطاب وفي أفعال الاستقبال . "

لقد تلقفت تلك المقولةَ أفواهُ الجماهير ، وأضحى العديد من جماهير الشعب قبيل الانتخابات إذا دُعوا إلى انتخاب المرشح الجديد ( فيصل بن شملان ) يقولون: " جني تعرفه ولا إنسي ما تعرفه " وهذا التلقف السريع ليس إلا لكون المثل يشكل دلالة ثقافية ضاربة في عمق البنية الثقافية لدى الشعب ، ويعبر عن مضمر نسقي في ( اللاشعور الجمعي ) ، كما يسميه العالم النفساني ( يونج ) .

والأمثال الأخرى ((طيع الدولة ولا تغارمِه))لهجة أهل تعز(( الدمة –أي القطة- تأكل أولادِه)) (( سلاح بيد عجوز)) (( من كان عملِه بيدِه،الله يزيدِه)) (( الدم-بكسر الدال المشددة أي القط- يحب شانقُه))

كلها تقع تحت نسق الهيمنة أو نسق السلطة وهو في أنساق فرعية متعددة منها ما هو تحت نسق القوة (طيع الدولة ولا تغارمِه) (( الدمة –أي القطة- تأكل أولادِه)) وتبرير السلطة في المثل (القط يحب شانقه ) اما المثل القائل يوم الدولة بسنة فهو تحت نسق المواجهة أو الرفض وكذلك( لا اضاربوا الرُباح إشرح جربتكْ))وهو تحت نسق فرعي كشف سوءات السلطة ضمن نسق الرفض فهو يكشف مدى الصراع بين أقطاب السلطة ويصمهم بالرباح ، وقد بينت بان الذاكرة الشعبية تنتقم من السلطة بوصم أقطابها بأنهم ربح رداً على المثل القائل " قرب القرود بالعهود " الذي كان يستشهد به الحكام ومنهم الإمام يحيى كما يقول الأكوع .

وكذلك المثل :(( ساعة الدولة بسنة)) يقع تحت نسق الرفض لسياسة الدولة ويسخر منها .

س7:تعليقاً على مقالةٍ نشرها موقع مأرب برس بعنوان (عبد الحميد الحسامي ناقد بدرجة مجتهد) كانت فكرة المقالة تصب في خلاصة فهم ونقد وإضافة الناقد عبد الحميد الحسامي لمنهج الحداثة كمنهج نقدي وافد ذي مصطلحٍ غامض ...

علق أحد القراء العرب ولعله ناقد أو تلميذ للنقد أو عاشق بقوله :

((أن المشكلة ليس في الحداثة،فالحداثة مفهوم واضح وليس غامضًا كما تفضل الحسامي...)) ما ذا يقصد القارئ العزيز بذلك؟

وأضاف قارئٌ آخر:

(( نقدر إجتهاد الناقد الحسامي الذي أوضح لنا كباحث في منهج الحداثة علاقة (الأنا ) بـ (الآخر) وأضاف أننا بحاجة الى الحداثة)).. ماذا يريد أن يقول؟

يريد القارئ الأول أن يقول إن الحداثة فنيًا ليس فيها غموض ولو كان فيها غموض ما بنى عليها الحسامي أطروحته للدكتوراه وأنا أوافقه في أن الحداثة الفنية فيها نوع من الوضوح أقل مما هي عليه من الناحية الفلسفية ، فهي تعني تحولا في آليات التعبير وطرائقه ، ومع ذلك فليس هناك إجماع لدى النقاد في هذه القضية فادونيس وهو من كبار المشتغلين في الحديثة منذ نصف قرن يعترف في كثير من حواراته بأن الحداثة لم تزل لديه يكتنفها الغموض واللبس .

أما القارئ الآخر فيدعو إلى أن يكون لنا موقع في خارطة العالم أن تكون لنا حداثتنا الخاصة بنا المنبثقة من همومنا الخاصة ، ومزاجنا المتسق مع روحنا ، تكون حداثة خاصة نسخة أصلية لا مقلدة أي أن تكون لنا روح الحداثة بحسب تعبير الناقد الفيلسوف طه عبد الرحمن في كتابه روح الحداثة ، نحن بحاجة إلى الحداثة بمفهومنا لا بمفهوم الآخر حداثة ننتجها لا حداثة نستوردها من الآخر .

س8:حدث القراء والقارئات والمتابعين جميعا عما أفدتموه أو رشفتموه من فيض بحر أستاذكم البروفيسور –عراب اللغة العربية- عبد الملك عبد الوهاب الحسامي.

الأستاذ الدكتور عبد الملك عبد الوهاب الحسامي قامة ضوء شامخة يحظى بتقدير كل من عرفه أو تعامل معه، هو مدرسة في الأخلاق الرفيعة وصدق الطوية وصفاء النفس قبل أن يكون أستاذًا في اللغة وعلومها ، وهو رقم كبير في سجل حياتي العلمية وتجربتي الحياتية ، أفدت منه علميا وتتلمذت على يديه ووجه مساري صوب مشروع أن أكون أستاذًا جامعيًا منذ كنت طالبًا في الجامعة وكان أستاذًا فيها ...يحرص على تقديمي للآخرين أكثر من حرصه على تقديم نفسه ،باختصار : إنه يمتلك روح الكبار .

على المستوى العلمي أعود إليه في ما يعتاص عليَّ لا سيما في مجال اللغة ، وعلى المستوى الحياتي أستشيره في كثير من الأمور الخاصة ، هو صديق من أصدقائي الأصفياء ، يعيش معي الأمل والألم .وبالمناسبة كان من أوائل من هنأني بالفوز بجائزة السعيد فور انعقاد المؤتمر الصحفي للإعلان عنها ، يتابع الأخبار ، كما أنه يعمل بصمت ولا يحب الأضواء ولا يبحث عن شهرة ، علمه وأخلاقه يطيران بنكهته الزاكية في الآفاق . وهذا السؤال يمنحني فرصة لأن أدعوه للكتابة التي طالما بحثت عنه . 

س9:سئل الراحل الشاعر والناقدعبد الله البردوني عن شعر البردوني فأجاب (( لا يعجبني شعره))..، فهل الناقد الحسامي يلذ بشعر الشاعر الحسامي..؟ إختر لعشاق الشعر قصيدة من قصائدك تتويجاً لهذا اللقاء..

النقد أفسد علي الاستمتاع بالقصيدة وأنا لا أحترف الشعر ولا يعجبني شعري كثيرًا ، عدد محدود من القصائد التي قلتها قريبة من نفسي ، أصبحت أنظر لكل نص بمنظار الناقد، هاجس نقد النص يهيمن عليَّ وكلما أوغلت في النقد ابتعدت عن الشعر ، هجرت القصيدة من أمد ، أصبحت أمارس القصيدة من خلال النص النقدي بمعني أني لا أكتب النص النقدي بلغة علمية جافة بل أحاول أن اكتبه بلغة الشعر اللغة النضرة التي تستهوي القارئ ولا تتحول إلى غصة في حلقه ، وأصبح رهاني على هذه اللغة الشعرية الناقدة ، أما من قصائدي التي ربما أجد فيها روح الشعر فهي :

نخيل يتقزم

كم غابة في إثر غابةْ

نهشت خطاك ولا غرابةْ 

مالاح خيط من سنا

إلا طوى إلاظلام بابهْ

ما زلت تحتضن الحروف

وتمتطي وجع الكتابةْ

والأرض حبلى بالمواجع

والفواجع والكآبةْْ؟؟

ولأنتَ في عرصاتها

وترٌ أضاعته الربابةْ

وسؤال دهر حائر

 دوَّى ولم يلقَ الإجابةْ

وقصيدة منهوكة الأو-

زان تنهشها الرتابةْ

ظمأ يدمدم في العروق

وعز قطرك يا سحابةْ

فهنا تقزمت النخيل

وحاكت النحلُ الذبابةْ 

ما زال بينك والضحى

 أمدٌ ودونك ألفُ غابةْ

ما زلت في زمن الرحيل

 فضم أمانيك المصابةْ

ما زال خطوك عاثراً

و الزرع لم يبلغ (صرابهْ)

إقراء أيضاً
اكثر خبر قراءة يمنيون في المهجر