الدولة هي من تجبر الشباب على الارتماء في أحضان التنظيم لاستثمار مكافحة الإرهاب

السبت 06 فبراير-شباط 2010 الساعة 01 مساءً / مأرب برس- محمد الصالحي/ نشوان العثماني:
عدد القراءات 13116

مرت ثلاث سنوات ولم تنتهي بعد. تبدلت الأعوام, ولم تتبدل القضية التي بدأت باعتقال مالك بن سعود بن حسن بن معيلي (23 عاما حينها) من العاصمة صنعاء, أبريل 2008, وردّت قبيلته باختطاف كيكو هيمو, وكيكو نيشمو- سائحتين يابانيتين من طريق سد مأرب التاريخي (مايو 2008), بعد مضي نصف شهر على الاعتقال, إلا أنهما أطلقتا في نفس اليوم, بوساطة قبلية.

استمر مالك- من محافظة مأرب- عشرة أشهر في معتقلات الأمن السياسي فالبحث الجنائي ومن ثم السجن المركزي بصنعاء, قال والده إنه تعرض لأصناف التعذيب, حتى إنه حين أفرج عنه خرج مشلولا عن الحركة إلى أن تمت معالجته في جمهورية مصر على نفقته.

كيف بدأت القصة حتى تصل إلى اتهام مالك وإخوانه بانتمائهم لتنظيم القاعدة, ما أدى إلى قصف مزرعتهم بالطيران في العشرين من يناير 2010؟.

في الأول من فبراير الحالي كنا في الطريق إلى مأرب, قطعنا مسافة تزيد عن 175 كيلومترا حتى التقينا بأبي مالك سعود بن حسن بن معيلي, وحاورناه عن كثير من المعلومات.

بدأت الحكاية منذ العام 2001, وبالذات منذ إجراء أول انتخابات للمجالس المحلية. حين ترشح بن معيلي للانتخابات ممثلا لحزب الإصلاح في إحدى مراكز مديرية الوادي، وقد فاز فيها، لتقوم وزارة الإدارة المحلية بإيقاف نتائج المديرية، لتحول القضية إلى قضية حزبية بين حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم وبين حزب الإصلاح الذي فاز معظم مرشحيه بمراكز المديرية، التي لم تعرف المجالس المحلية في أول تجربة لها, وحين جاء العام 2006 تمكن المؤتمر الحاكم من تحقيق فوز كبير فيها, وربما ذهبت الانتخابات إنما لم تذهب القضية التي حدثت لـ"بن معيلي" ونجله مالك.

مالك, (1985م), لم يهدأ له بال في ضوء إيقاف نتائج الفرز سنة 2001, ظل متابعا للجهات المختصة وملحا على ضرورة الاعتراف بنتائج الانتخابات, وتمكين والده من العمل في منصبه، ومن هنا بدأت لمالك طريق أخرى، وقصة بتفاصيل جديدة.

تهمة الإرهاب

حين سافر مالك إلى صنعاء لإجراء فحوصات طبية في العمود الفقري, ومكث هناك أسبوعين, لم يدر في خلده أنه لن يرجع إلى مأرب, "اعتقل من قبل الأمن السياسي, وتم اتهامه بأن له صلة بتنظيم القاعدة, وصلة بالـ23 الذين هربوا من سجن الأمن السياسي في العاصمة صنعاء (فبراير 2006)", واتهم بتقديم الإيواء لبعض تلك العناصر الفارة, كما جرى اتهامه بأنه وراء مقتل جندي من اللواء 107 في 12 أبريل 2008 على طريق صافر بالقرب من مفرق "الضمين" بمأرب.

يقول سعود بن معيلي- 52 عاما: "كان عمر مالك 23 عاما, وظل قرابة الشهر في سجن الأمن السياسي, وتم نقله إلى البحث الجنائي, فالسجن المركزي".

عشرة أشهر لدى أجهزة الأمن, في الأمن السياسي منها 15 يوما تعرض فيها لأصناف التعذيب، قال والده انه كان يعلق إلى السقف طوال اليوم, وتعرض للإهانات والشتم من قبل الضباط والجنود بالأمن السياسي. كان لا يعرف كيف ينام, كما كان يعذب بالكهرباء وبالتغطيس في الماء, سجن في سجن إنفرادي لم يعرف فيه ضوء النهار, حتى وصل إلى أن عجز عن الوقوف على قدميه عند التحقيق معه في البحث الجنائي, وحين تم الإفراج عنه بحكم قضائي برأه من التهم الذي وجهت إليه, خرج من سجنه مشلول الحركة وتم إرساله إلى مصر للعلاج وإجراء عدة عمليات له, حتى عادت له صحته.

تدخل في هذه القضية الدكتور رشاد العليمي- وزير الداخلية حينها, والشيخ علي القبلي نمران (أحد مشائخ قبيلة مراد), وعدد من مشائخ ووجهاء محافظة مأرب, إلا أن بن معيلي لا يدري إلى حد اللحظة ما الذي تريده الدولة منه بعد أن عرض عليها حتى المعاونة فيما يخدم الحكومة والسلم والاستقرار.

سعود بن معيلي نفى أنه جاهد في أفغانستان زمن المد الشيوعي, ولا له أي علاقة بالقاعدة, وأكد أن الدولة هي من تجبر الشباب على الارتماء في أحضان تنظيم القاعدة بدلا من أحضانها.

عندما سُجن مالك ورُفض الإفراج عنه, وعندما تدهورت حالته الصحية جراء ما تعرض له من تعذيب جسدي، تحمس إخوانه ومعهم مجموعة من الشباب, وقاموا باختطاف السائحتين اليابانيتين "هيمو ونشيمو", إلا أن أباهم وبتواصل عدد من شيوخ القبائل معه أطلق الرهينتين على أمل حل قضية مالك.

لم تنتهي المسألة, بل اُتهما رائد وطارق –شقيقا مالك- بالانتماء لتنظيم القاعدة, وعممت صورهما في كل مكان, وغدوا مطاردين ومحاصرين في محافظتهم مأرب.

كان "طارق 1986م" طالب في جامعة الإيمان بصنعاء, و"رائد 1983" تاجر سيارات يسافر إلى صنعاء وحضرموت وكثير من مناطق اليمن, ونتيجة للمطاردة والملاحقة من قبل الدولة, ظل الشابان في مأرب, بعيدان عن الدراسة والتجارة.

يقول بن معيلي: الدولة هي من تسوق الشباب إلى الاتجاه الخطأ, فطارق ورائد بعدما حصل لأخيهم ما حصل في صنعاء قاما باختطاف السواح.

"أصبح الأولاد يبحثون عن ملجأ, وهم في أحوج ما يكونوا إلى نصير, فالدولة طاردتهم وصورهم في جميع النقاط, وهي من صنعت الإرهاب لدوافع كثيرة", حسب بن معيلي.

يضيف "الدولة هي التي صنعت الإرهاب باعتقال مالك وسجنه وتعذيبه لحتى خرج من سجنها معاقا, والتعميم على إخوانه ومطاردتهم".

يؤكد بن معيلي أن نجليه "طارق ورائد ليس لهما أي علاقة بالتنظيم على الإطلاق, وحالهم من القاعدة كحال الطارف (أي واحد) من المسلمين, فالمسلم يتأثر مما يحدث في غزة وأفغانستان والعراق, إنما لا توجد أي علاقات خاصة".

"لقد وضعت الدولة الشباب في حالة يحتاجون فيها لأي نصير ومن أي مكان, فحين تكون محاصرا من الدولة ومطاردا ومعمما عليك, فأي إنسان يأتيك ليناصرك, ستقول له يالله أنا معك", كما يضيف والد مالك.

استدعاهم الرئيس وضربوا بالطائرات فور عودتهم من صنعاء

يقول بن معيلي إن الشيخ علي القبلي, وهو أحد شيوخ الوساطة منذ كان "مالك" مسجونا, اتصل بهم طالبا منهم اللقاء, واتصل القبلي بالرئيس علي عبد الله صالح بعد ذلك, وبعد أسبوع تحدث الأخير عن عفو وتسامح مع الحوثيين والقاعدة مع بداية العام 2010 في افتتاحية صحيفة الثورة, التي دعا فيها إلى أن يكون العام الجديد عام خير وبركة وسؤدد ومحبة وسلام.

"قلنا للقبلي أنت عارف بالقصة والأولاد أصبحوا مطاردين ومعمم عليهم في كل النقاط, وأدخلوهم في (جحر) لا يريدوه, فقال أنا سأتصل بالرئيس, وبالفعل اتصل به, وبعد أسبوع من هذه الاتصالات (نهاية ديسمبر 2009), استبشرنا بعفو الرئيس, وقلنا الحمد لله أولادنا ما عندهم شيء, ولم يدعوا إلى تخريب".

 

يضيف بن معيلي "حين قال لنا القبلي إن الرئيس يريد لقاءنا, قلنا يا شباب الباب انفتح الآن, الرئيس أصدر عفو (على ضوء ما جاء في افتتاحية صحيفة الثورة), وانتم الحمد لله لم تذهبوا في هذه الطريق (...)".

ذهب بن معيلي ونجله طارق بمعية الشيخ القبلي إلى صنعاء لمقابلة الرئيس صالح, "لكن الرئيس لم يقابلنا, قالوا لنا اذهبوا قابلوا الدكتور رشاد العليمي- وزير الدول لشؤون الدفاع والأمن, ومجموعة من الضباط, وبعد ذلك سيرفع تقرير إلى الفندم (الرئيس) وهو لن يقابلكم إلا بعدما يرى قضيتكم".

قابل بن معيلي ونجله ومن معهما الوزير العليمي, "وقلنا يا عليمي أنت عندك القضية من أولها, وانتم الذين طاردتم الأولاد من حين اخذوا السياح وعممتم عليهم حتى ساروا والشباب الذين معهم إلى أن دخلوا مع القاعدة, والآن قد مسكنا أولادنا وهذا واحد منهم, (طارق). قالوا سيأخذون أقوالنا, وأعطيناهم الأقوال التي عندنا وقصتنا كلها على أن تحل, وقلنا لهم حولوا قضيتنا للفندم (الرئيس) لحلها ويصير حالنا من حال الشعب, ونتعاون معهم في أي شيء لمصلحة بلدنا وحكومتنا".

وبعد جلوس بن معيلي ونجله فترة في صنعاء, لم يقابلهم رئيس الجمهورية, وتوصلوا إلى أن قضيتهم لن تحل ولن يلتقوا بالرئيس.

"قلنا للقبلي أرجعنا مثلما جئت بنا, فهذا بيع وشراء بالمسلمين, قضيتنا واضحة وهناك طلب من الرئيس, وجئنا بالشباب, فبدل ما يروحوا للقاعدة ها نحن جئنا بهم, جئت بأولادي والشباب الذين معهم حسب عفو الرئيس, وقلنا لهم خذوهم منا واستلموهم, وضموا الشباب إلى صفوف الدولة, وحلوا قضاياهم, والمتعطل منهم (العاطل عن العمل) شغلوه, والذي معه مشكلة حلوها, لكنهم ماطلونا وأخرجونا كأنهم يريدونا نصبح كبش فداء, هذا ما أحسينا به, ولم يريدوا حل القضية ولم يريدوا أحدا يرجع إلى أحضان الدولة, لاستثمار قضية مكافحة الإرهاب".

يضيف بن معيلي: "نزلنا من صنعاء, وتفاجأنا في اليوم الثاني بقصف الطائرات لنا في مأرب". (الضربة الجوية التي قال عنها مصدر أمني مسئول بوزارة الداخلية إنها استهدفت وكرا لعناصر إرهابية في منطقة آل شبوان في محافظة مأرب يقودها الإرهابي عائض الشبواني, القيادي في تنظيم القاعدة, 20/1/2010). يوضح أبو مالك أنها استهدفت مزرعة له في وقت كان أولاده فيها, إلا أنها أخطأت هدفها, "قلنا هذا أول حل للقضية (يضحك) أن ننزل اليوم الأول من عندهم وثاني يوم يقصفونا بالطائرة.., فما معنى هذا؟".

"الشباب قالوا لي: طلعت صنعاء ولا جئت لنا بحل واليوم الطائرة نازلة بعدك.. قلنا إن شاء الله ما نيأس والأمور هي بيد الله سبحانه وتعالى, وما يحيي ولا يميت إلا الله".

الموقف بعد ذلك

يقول بن معيلي: "أنا لا أرى إلا أنهم يريدون يتاجرون بالناس للحصول على دعم أمريكا وبريطانيا, ولم يريدوا لنا أي حل", ومما اتضح له "أن الدولة لم ترد أي حل لإنسان خصوصا قبل مؤتمر لندن (انعقد في 27/1/2010)", يضيف "يريدون الشباب أن يهربوا, كي يطاردوهم على أنهم إرهابيين, وما أحسسنا منهم إلا هذا الشيء, حتى يستمدوا الدعم من أمريكا, ومن بريطانيا, ومن المملكة العربية السعودية".

وفي السياق, كان بن معيلي قد نفى ما تحدثت عنه معلومات من أن المختطفين الألمان قد نقلوا من محافظة صعدة إلى مأرب, كما نفى أن يوجد لديهم أي واحد من الـ23 الذين هربوا من سجن جهاز الأمن السياسي في صنعاء في الثالث من شهر فبراير (شباط) 2006م, واعتبر بن معيلي أن هذه دعايات تنطلق من مزرعة استخبارات الدولة.

كلمة أخيرة

"قضيتنا لم تحل منذ سنتين ونحن الآن في السنة الثالثة منها", يقينه يقول إن "كل قضية لها حل", ويتساءل: هل هذا بيع وشراء أم يريدون يزجون بأولادنا ومن معهم من الشباب, ليذهبوا مع القاعدة غصبا؟, "الإنسان يسأل نفسه: لم المسئول ما يريد حل؟, هل يمكن أنهم يريدون بيع وشراء بدماء المسلمين؟".

"الخط الواضح" عند سعود بن معيلي, "أنهم (النظام) مع أمريكا وبريطانيا ومعهم من يدعمهم من الدول العربية".

إقراء أيضاً
اكثر خبر قراءة الحرب على القاعدة