كيف نفهم الرغبة الرسمية الملحة لتدخل حزب الاصلاح في صعدة؟

الأحد 04 أكتوبر-تشرين الأول 2009 الساعة 05 مساءً / مأرب برس - الناس ـ شاكر أحمد خالد
عدد القراءات 7986

الحديث عن موقف ودور الاصلاح في قضية صعدة لم يتوقف، وخلال جولة الحرب الحالية، وفي الاسبوعين الماضيين تحديدا، بدا أكثر إلحاحا، بعدما توسعت دائرة المواجهات، وبلغت معها ساحة المناقشات، مناطق ومربعات مثيرة للفزع.

رسميا، يمكن القول أنه جرت عدة محاولات لدفع الحزب الى مربع الحرب الدائرة هناك، ففي خطابه الأخير بمناسبة ذكرى ثورة 26 سبتمبر، حمل الرئيس علي عبد الله صالح المعنى ذاته، عندما هدد ضمنيا الحزب وبقية القوى السياسية الاخرى، وقال ان "المتأخرين عن دعم الصف والثوابت الوطنية سوف يندمون." مضيفا "أكرر مرة أخرى وأكرر مرة أخرى وأدعو بل وألح إلى اصطفاف وطني واسع وان الذين سيتأخرون عن مؤازرة القوات المسلحة والأمن في صعده سيكونون هم النادمين إذا لم يقفوا مع القوات المسلحة سواء أحزاب أو قوى سياسية أخرى أو مواطنين ما لم يؤازروا المؤسسة العسكرية في حربها في صعده سوف يكونون هم الخاسرين والنادمين في المستقبل".

ورغبة المشاركة والاصطفاف هذه، ربما تتجاوز الجانب النظري والسياسي المطلوب، الى ميدان المعركة، بحيث ترى انه يمكن للاصلاحيين تشكيل تحالف واصطفاف يشبه ذلك الاصطفاف الذي جرت عليه تجربة الماضي.

ومن اللافت ان جماعة الاخوان المسلمين في مصر، أصدرت الأسبوع الماضي بيانا حول صعدة بالتزامن مع ما يثار من تساؤلات حول دور الاصلاح في القضية، وهو الحزب المعروف بأنه الواجهة الفكرية لتنظيم جماعة الاخوان في اليمن.

لكن الملاحظ في بيان جماعة الاخوان المسلمين في مصر انه جاء مضمنا تقريبا لنفس العبارات والمواقف التي تضمنتها بيانات الاصلاح الصادرة عن صعدة سواء بشكل منفرد او ضمن تحالف احزاب اللقاء المشترك. وكدلالة على الموقف العام من الاحداث، يمكن اقتفاء نفس الاثر من بيان جماعة الاخوان في مصر لجهة تأكيده على ما أسماه موقف الاخوان الثابت والرافض لاستخدام كافة أشكال العنف المسلح في حسم الأزمات، ورفع السلاح في وجه الدولة.

وكذلك مناشدة الرئيس صالح " وقفَ إطلاق النَّار في المحافظات التي تشهد الاشتباكات الدَّامية، والاستجابة للمناشدات الإسلاميَّة والدَّوليَّة التي صدرت في هذا الشَّأن، وبحْث جذور الأزمة وأسبابها، ومحاولة حلِّها بالأساليب السِّلميَّة."

لقد حرصت أحزاب المشترك على توحيد مواقفها تجاه إحداث صعدة منذ بدايتها، وأصدرت العديد من البيانات الخاصة بذلك. الا أن الاداء السياسي والاعلامي اختلف في التعبير عن المواقف تجاه التفاصيل اليومية من حزب الى اخر ومن صحيفة الى اخرى.

وعلى المستوى السياسي العام، لاحظ مراقبون ان تلك الاحزاب اتفقت على موقف يطالب بالتزام الدستور والقانون في معالجة الاحداث. وبصيغة مقاربة لما جاء في بيان جماعة الاخوان، نقرأ في بيانات الاصلاح او المشترك ما يدعو السلطة الى تغليب لغة الحوار والتفاهم وادانة استخدام القوة العسكرية، ورفع السلاح في وجه الدولة أيضا.

وقد يجادل كثير من المسؤولين في الاصلاح عن سلامة هذا الموقف ووضوحه، كما عن طابع اضفاء وصف الحكمة والمسؤولية عليه. لكن ذلك لايروق للكثيرين، ومنهم حمد الماجد الذي كتب الأسبوع الماضي في جريدة "الشرق الاوسط" يقول "تجولت في الموقع الرسمي للتجمع على شبكة الإنترنت وتصفحت مقالاته وقرأت مقابلات قادته لعلي أجد موقفا للتجمع يفي ويشفي حول ما يواجهه اليمن من خطر الحوثيين فلم أجد إلا تزويقا لعبارات حمالة لأوجه، وليا لذراع النظام اليمني في فترة عصيبة لا يليق فيها الإصرار على رفع سقف المطالب وتشديد الملام على نظام الحكم مهما بلغت أخطاؤه وتجاوزاته." .

ورغم اشادة الكاتب بمساهمة الاصلاح الفاعلة في تذويب الفوارق المذهبية لكنه اتهم ايران باذكاء الفتنة الطائفية واشعال جذوة التناحر المذهبي عبر مخالبها الحوثية. وزاد التأكيد بالقول ان "الحفاظ على المكتسبات الوطنية الرائعة ووحدة اليمن المذهبية أمام الأطماع الخارجية الإيرانية من المفترض أن يكون مطلبا وطنيا لكل الأطياف السياسية"، وان " المناكفات السياسية والمطالب الحزبية والمزايدات المرحلية ومحاسبة النظام على أخطائه وتجاوزاته فالموقف الطبيعي أن يؤجل إلى ما بعد زوال العاصفة." .

ويعني هذا، ان الرغبة الرسمية بموقف اصلاحي مساند في صعدة، يوجد له أنصار كثر من خارج الدوائر الرسمية.

وينطلق البعض من واقع يرى بأن التوجه الفكري للحوثيين يستهدف الاصلاح قبل السلطة القائمة والتي لن تعدم الوسيلة في المحافظة على البقاء، وان الجدية التي تبديها حاليا في صعدة، يمكن الاستفادة منها في تحجيم قوة الحوثيين، خصوصا بعد ان لاحت ملامح الخطورة وفتحت الابواب للتدخلات الخارجية.

وفي سياق هذا التوجه، يجري الحديث عن تجارب ماضية للتعاون بين الاصلاح والسلطة في مواجهة خصوم أيدلوجيين، مع الاشارة تحديدا الى أحداث المناطق الوسطى وحرب صيف 94م.

ومع التأكيد على ان هناك متغيرات عميقة بين ما جرى في السابق مقابل الحالة الماثلة في صعدة الآن، فان هذا الاستدعاء للماضي يثير بعض الالم في قلوب الاصلاحيين. وبحسب ناشط إصلاحي، قال انه حتى في حالة توفر القناعة لدى الكثيرين منهم بعدالة التعاون مع السلطة في الماضي. لكنه اشار الى ان العبرة في النتائج. وهي النتائج التي لا تبين خسارة الاصلاح سياسيا فحسب، بل الخسارة على مستوى الوطن عموما، ومن خلال مكتسبات وطنية دافع عنها الجميع، حسب قوله.

وهنا تبدو العقدة الاصلاحية على أكثر من صعيد، وذلك بالاشارة الى وقائع متعددة جرى فيها اقصاء الاصلاحيين بمختلف الوسائل، وكيف انه تم العبث بمقدرات الوحدة والثروة في المحافظات الجنوبية، وتشويه الدور الذي قام به الاصلاح هناك من خلال المشاركة في حرب صيف 94م.

أما الظاهرة الحوثية، فهناك قصة معروفة ومتداولة بشأن الاسباب والعوامل التي أدت الى تقوية التيار الحوثي في محافظة صعدة.

ورغم كل ما يثار حول ذلك، فلا بأس من القول ان كل ما جرى جزء من الماضي، وترديد عبارة "لندع كل تلك الاسباب والملابسات" بما فيها حروب صعدة السابقة، وبالتالي اعادة طرح السؤال، كيف نفهم الرغبة الرسمية الملحة لتدخل الاصلاح في صعدة؟

يعرف الكثير ان الحزب أصبح جزءاً من ائتلاف أحزاب المشترك، وهي تجربة محل اشادة وافتخار قيادات تلك الأحزاب مجتمعة، حيث يصفونها بالتجربة الرائعة والفريدة، ويؤكدون على أهمية بقاءها واستمرارها، بل ويعدون بقائها أمام المؤامرات السلطوية، إحدى المنجزات واقواها على الاطلاق، وذلك أثناء الرد على تساؤلات البعض حول الدور الذي قدمته لانصارها.

وهي رؤية صحيحة، لولا المبالغة فيها لجهة تبرير السلبيات القاتلة أحيانا، ولاشك ان موقف الاصلاح يؤثر ويتأثر بالموقف العام لتلك الاحزاب تجاه مختلف القضايا. وطالما والحديث هنا لصعدة، فالاشارة الى حزبي الحق واتحاد القوى الشعبية واضحة، خصوصا مع معرفة التوجهات الفكرية المعروفة للحزبين.

كما يبدو الغموض في موقف الاصلاح من صعدة، عائد في جزء منه الى غموض الحرب نفسها والاليات التي تدار بها المعركة، فكثيرا ما اشتكى قياديون معارضون من تغييبهم عن تلك الملابسات، وعدم دعوتهم للحوار حول القضية.

والشيء الاهم، والذي ربما لن يأتي من خلال تصريحات أي من قيادات الاصلاح، هو لحظة الشعور بأن السلطة لا تريد موقفهم المساند في صعدة سوى لمزيد من ايغال صدور الحوثيين تجاههم واثارة التناقضات بينهم ومع بقية احزاب المشترك، وقد يكون الاسوأ من ذلك عن طريق دفعهم الى محرقة المعركة، ثم الاعلان فجأة عن توقف الحرب، كما حدث في جولة الحرب الماضية، بناء على اتفاق سياسي معين مع الحوثي، ومهما أبدت من جدية في مواجهته حاليا.

اكثر خبر قراءة أخبار اليمن