أعشاب سامة وقاتلة يتم بيعها في أسواق اليمن كأدوية بديلة.. تقرير حصري يكشف المستور

الخميس 12 يناير-كانون الثاني 2023 الساعة 09 مساءً / مأرب برس - عبدالفتاح الحكيمي-خاص
عدد القراءات 4162

 

تفشت مؤخرا في اليمن ظاهرة التدواي بالأعشاب النباتية مجهولة الهوية والمخلوطه بالهرمونات المحرمة دولياً بشكل مخيف حتى اصبحت تباع تلك الخلطات في اغلب المولات التجارية بعواصم وأسواق المحافظات اليمنية وذلك تحت مسميات خلطات دوائية مجهولة المحتوى والصلاحية باسم (النباتات والأعشاب الطبية الطبيعية).

مختصون في مجال الصناعات الغذائية اكدوا لمأرب برس بأن معظم تلك النباتات لا علاقة لها بالتداوي والطبابة، ولا بأدنى معرفة لا بماهية الأعشاب وخصائصها، ولا حتى تمييزه من كون حقيقة استخدام هؤلاء واجهات محلات بيع البهارات والعسل للتربح والكسب السريع مع موجة إعلام الطب التكميلي البديل.

ووفق حديثهم فأن أكثر من ١٥٠ صنفاً نباتياً على الأقل عدا الزيوت تسللت إلى المحلات التجارية ومحلات بيع البهارات بجميع المحافظات يمنية ابرزها صنعاء وعدن وتعز وأب والحديدة وحضرموت وشبوة.


مشيرين الى ان عدد أنواع العقاقير الطبية النباتية المُفْرَدة المعروضة في كل أنحاء اليمن، بما فيها المعدنية بلغت ٤٠٠ نوعاً.. يضاف إليها بهارات المطبخ العلاجية.


وعن أسباب تفشي ظاهرة التدواي بالأعشاب النباتية مجهولة الهوية والممزوجه بالهرمونات المحرمة دولياً والتي تحتوي على مركبات وخلطات وزيوت مستوردة عديدة تحاكي طلبات فئة خاصة تهتم بالعناية بالبشرة والشعر والجمال والرشاقة، وتقوية الرغبة الجنسية والتسمين افادوا بان ذلك هو نتيجة تراجع نغمة سوق أدوية علاج العقم ومشاكل الإنجاب وأمراض الجهاز الهضمي والصدر والبواسير والنواسير... مشيرين بان ما يجري في ما يسمى عطارات وبهارات ومحلات بيع العسل لا علاقة له بالتداوي والمنتجات الطبيعية وحتى الصيدلانية.

* ما خفي أعظم
الدكتور عبدالناصر الجفري في حديث سابق افاد بان التقارير الفنية التحليلية والتحذيرية التي يقدمها المتخصصون تصطدم بحالة عمى وتجاهل فضيع، فوعي الجهات المعنية بخطورة ما يجري ليس أفضل حالًا من وعي أصحاب ثقافة((ألعشبة اللي ما تنفع فإنها ما تضرك)).

الباحث عبدالفتاح الحكيمي الحاصل على اجازة في مجال الصناعات الغذائية اوضح لمأرب برس بانه لا حاجة للناس بالموت بسموم بطيئة أو سريعة، وقد تحللت وتآكلت العقاقير بالتسوس كما يحدث ذلك أيضاً لبذور نبات القُطْبة، قُرطبة، ألشرشر، شوك الجملTribulus terrestris الأشهر بين أعشاب علاج حصوات الكلى وغيرها، فيضاف إلى طبيعتها الهرمونية الصابونينية السامة سموم انتهاء الصلاحية.

وتابع الحكيمي بالقول :الجهالة حتى بأبسط شروط وقواعد خزن وحفظ النباتات والأعشاب الطبية، وكذلك مواصفات تجهيزات هذه المحلات البدائية لمزاولة مهنة علاجية بهذه الخصوصية.

وذكر الحكيمي بعض انواع تلك الاعشاب المغشوشة والقاتله والتي منها أوراق النعناع وأوراق نبات المراميه Salvia officinalis الشهير الذي يباع كعلاج لأمراض النساء والسكري والتخسيس وتحسين هرمون البروجيسترون ..وكذا أوراق نبات لسان الثور Borago officinal ألشهير الذي يتم الترويج له كمقوي وفاتح للشهية، لكنه مثل كثير من الأعشاب والنباتات الطبية قابل للتلف السريع، في درجات حرارة وضوء وطرق تخزين وحفظ سيئة وكارثية.

وتابع : أوراق شربة السنا مكي Cassia angustifolia تباع على أنها الحرجل لعلاج السكر، أما أوراق نبات الزعرور Crataegus monogyna المستعمل كخافض لضغط الدم المرتفع فيعرضها البعض على أنها أوراق نبات الجنكة Ginkgo biloba التي اشتهرت قبل فترة كمقوي جنسي"

وأشار الحكيمي الى ان التطفل القاتل، لازال مستمر ويموت الناس في مناطق عديدة باليمن على أساس(إن العشبة اللي ما تنفعك ما تضرك).. لافتًا الى ان وزارتي الصحة والتجارة ومكاتبها في عدن وصنعاء وأب وتعز وحضرموت لا تعرف وظائفها الوقائية ، المتمثلة في فحص الجودة حماية المستهلك من مخرجات تجارة العقاقير النباتية والعشبية وغيرها.

واكد بان هذه الحالة لا تحتاج إلى مختبرات ولا محاليل وصبغات كيميائية لتقييم صلاحيتها ولا إلى تقارير فحص صلاحية وانما ملاحظتها وملامستها ومشاهدتها بالعين المجردة وبالطعم والرائحة وحاسة اللمس بعتبارها أشياء بائنة ظاهرة مكشوفة ومحسوسة، وهي القاعدة العلمية الأخلاقية الأولى المعتمدة في الكشف عن صلاحية المنتجات.

ومضى قائلا :سلطات صنعاء فاجأتنا مؤخراً بإتلاف إطارات سيارات مخالفة للمقاييس، وتتغاضى مع مثيلاتها في عدن وتعز وأب والحديدة وحضرموت عن سموم يومية قاتلة للأنسان مباشرة تُرى بالعين المجردة"

  
احد المواطنين كان يعمل سابقاً في احدى محلات بيع البهارات بصنعاء كشف عن بعض الاعشاب القاتله التي تباع في محلات البهارت كعلاج نباتي.

واكد لمأرب برس بان ثمرة المنفلة المستعملة في علاج السحر من شجرة Randia dumetorum والمعروفة أيضاً بقرص الغراب والتي تباع في محلات البهارات قد تقتل الشخص بعد الجرعة الأولى وهي ثمرة مقيئة ومسهلة تجلب من الهند ، وتستعمل عندهم بأشراف طبي لعلاج بعض أمراض المعدة رغم سميتها في حالتها الطبيعية، فلا تكون قاتلة إلا في البيئة اليمنية حيث تخزن وتعرض لأكثر من عشر سنوات متوالية.

 

* من العطارة إلى الطوارئ

أحد المواطنين في الشيخ عثمان بالعاصمة المؤقتة عدن تحدث لمأرب برس بأن مالك احدى محلات البهارات باع له عشبه "البابونج"والذي افاد له بانها تعالج المغص المعوي لطفله وهو ماتسبب بتدهور حاله طفله وظهور طفح جلدي على جسمه وحمى وقيء نقل على اثرها الى طوارئ المستشفى.


واوضح في حديثه بالقول :كانت رائحة عفونة البابونجChamomilla officinalis التي تناولها الضَّحية تنبعث بقوة من العلبة البلاستيكية في محل بائع البهارات، واستمر عرضها على آخرين قبل أن يعلم البائع بفعلته الغبية، بل قامر على جودة العشبة، لولا طيبة والد الطفل الذي اشترط عليه إتلاف أزهار البابونج مقابل تخليه عن رفع شكوى إلى الشرطة"

 


*نباتات سامه
بذور الكتان تستهلك بكثرة في اليمن كعلاج حصوات الكلى ورمال البول، والتهابات الحالب والمثانة، وتظهر المضاعفات الصحية على الكلى أحياناً بعد تعاطي عدة جرعات منها لأيام بصورة التهابات. 

ومثلها الثمار الشوكية لنبات القطبة، الحسك، الشرشر، المجلوبة من الهند أو من أرياف اليمن ، وهو نبات سام بذاته حسب ما ذكر المختصون لاحتوائه صابونينات هرمونية بتركيزات عالية. 

*جرع قاتله
يتناول الناس جرعة عالية من تلك الاعشاب قد تصل إلى ٥٠ جرام وأكثر في اليوم من مغلي البذور والأوراق، حسب مصادر مطلعة لمأرب برس بينما جرعتها العلاجية المأمونة في طب الأعشاب الهندي لا تتجاوز ملعقة صغيرة من المسحوق في ماء مغلي مع أعشاب أخرى مثل ملعقة صغيرة من أوراق النعناع ومثلها بذور الكتان لحماية الكلى والغدة النخامية وغيرها.. ولا يتجاوز استعمال القطبة بحسب البروفيسور عبدالناصر الجفري ثلاثة أسابيع، مرة واحدة في اليوم.

قائمة طويلة من توالف نباتات وأعشاب محلات البهارات والعسل التي تباع مفردة أو مخلوطة في ملفوفات فضية بأسماء محلات أو أشخاص ، ومعها المساحيق والمعجونات والمركبات المعبأة محلياً بأسماء محلات وعلامات ورموز تجارية، من صنعاء إلى عدن وتعز وأب وذمار.. فمعظم محتويات علب البلاستيك لا يختلف عن حال ومواصفات المعروض في ما يسمى مجازاً عطارات، وبهارات وغيرها، فمصدر التوريد الخارجي والداخلي نفسه.

 

 * أسرار المهنة

وبمجرد محاولة معرفة بعض محتويات هذه العلب المجهولة من النباتات والأعشاب، يقول لك أصحابها: هذه أسرار المهنةولكن بمجرد التذوق والطَّعم وحاسة الشم وخبرة بأنواع النباتات والبهارات فقط تعرف إن جزءاً من هذه الخلطات غير المرخصة والمخالفة لشروط السلامة الصحية والأمانة الأخلاقية، حتى إن كانت مكوناتها معروفة في علاج مرض معين، إلا أنه لم يتم تصفيتها وتنقيتها وغربلتها من الحصوات والرمال والطين التي تترك أثرها داخل الفم والأسنان، عدا أنه لا يعلم عن حالة مكان الحفظ والخزن ومواصفاته، كما هو حال عينات عبوات علاج حصوات الكلى وغيرها.


* المحنة الأكبر
عندما بدأ سوق العسل في اليمن يمر بحالة كساد بعد انتعاشه المفاجئ من عام ١٩٩٤م إلى ٢٠٠٠م تحول باعة العسل والحبة السوداء وطلع النخيل والمقويات الجنسية والفحولة والخصوبة الذكورية وغذاء ملكة النحل والبروبليس إلى معالجين وأطباء وصيادلة، وكلها بنظرهم خلطات وعصرات وتعبئة علب بلاستيكية وقراطيس ملونة على قاعدة((ألعشبة التي ما تفيدك ما تضرك))

 

 * حيلة العسل
واستعاد العسل بهذه الحيلة التجارية سوقه وأكثر بنظرية وحيلة جديدة اخترعوها أيضاً، وهي أن الأعشاب الطبية تكون قليلة التأثير والنفع من دون خلطها بالعسل والحبة السوداء، فأدخلوا العسل مع خلطات البواسير والنواسير، رغم إن المسألة لا تخلو من غش كبير لا يستطيع معها الناس عند خلط النباتات والأعشاب الطبية المسحوقة التمييز بين عسل حقيقي أو سكر محروق وماء لزج بلون عسلي.

 

* جذور المشكلة

البداية عندما تتدفق إلى البلاد من الخارج بضاعة نباتات وأعشاب، بمسميات طبية ودوائية، وهي قد فقدت الكثير من خصائصها وجواهرها الفعالة وتأثيرها العلاجي من بلد المنشأ والتصدير نفسه بينما أم الكوارث هي في انتقال بيع النباتات والأعشاب من أصحاب البهارات والمعالجين التقليديين المشهورين قبل وفاتهم إلى أصحاب العصَّارات والخلَّاطات والمطاحن الذين أضافوا مصطلح((الطِّبية)) إلى واجهات محلاتهم بمكر ليوهموا الناس بقانونية وشرعية نشاطهم .

ومن خلال الفراغ الكبير الذي تركته أنظمة وقوانين مزاولة المهنة في اليمن وخلو الساحة غالباً من أطباء ومعالجين حقيقيين مؤهلين علمياً وأخلاقياً، قدم هؤلاء الطارئون أنفسهم كمعالجين ومؤهلين مواكبين لموجة الطب البديل والأخضر والطبيعي والأغبر، وليسوا مجرد أصحاب تراخيص بيع عسل ومكسرات ومساحيق تجميل ودهانات للبشرة والشعر فقط.

واستغل هؤلاء حتى الأحاديث النبوية في تجارة عبثية خطيرة كهذه ضمن موجة أخرى، فأضيفت لازمة (التداوي بالقرآن والطب النبوي، وأعشاب داوى بها الرسول صلى الله عليه وسلم) لأضفاء مسحة دينية روحية على نشاطهم التجاري من باب التربح.. لإن التداوي بالنباتات في أرض الله الفسيحة لم يقتصر على عشرة نباتات ذكرها الرسول الأمين صلوات الله عليه وسلم.

أضفت لازمة الأعشاب النبوية عند العوام مصداقية على هؤلاء المستجدين، تفوقوا بها على المعالجين الشعبيين القدامى المشهورين في أسواق العطارة، وحمتهم في الوقت نفسه من المساءلات القانونية والإدارية عن مؤهلاتهم وخبراتهم وحقيقة ما يصفونه للناس من خلطات مجهولة لايعرف جودتها وأضرارها قبل منافعها.


ولأن الحبل متروك على الغارب، ولم تستشعر وزارات وإدارات البلد المعنية فداحة ما يجري منح هاؤلاء أنفسهم صفة الأطباء والصيادلة وصانعي الأدوية والمنتجين والموزعين، وتحديد صلاحية الخلطات وأسعارها ، ومقنني الجرعات الطبية بكرم حاتمي تعجل بالناس إلى القبور.


فأضافة إلى تحضير الوصفات وصرف الأدوية يتم التطاول من قبل هاؤلاء على دساتير الأدوية العالمية بتقرير مقادير جرعات سامة وقاتلة للمرضى والحالات، ومع أخطر العقاقير التي لم يحسم معها الجدل الطبي وجرعاتها ومخاطرها.

واليمن لعلها البلد الوحيد في العالم الذي لا يحتاج إلى أجهزة وتقنيات ومحاليل حديثة لأثبات فساد وتلف وتبكتر وعفونة بعض البضائع المستوردة والمحلية والمتهالكة بالخزن والحفظ السيء.

 
اكثر خبر قراءة أخبار اليمن